الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد ..
وصلني أن بعض قيادات تنظيم الدولة الإسلامية تضع شرط
الطاعة أن: يسلم المواطنون الذين يقعون في سيطرتها السلاح الذي يملكونه للدولة.
وقد يبدو للوهلة الولى أن هذه القاعدة فيها من الحكمة حيث أن سحب أسلحة المواطنين ستخفف احتمالات استعماله
سواء بين المواطنين أنفسهم أو في مواجهة العامة.
ولكن هذه القضية مُحدثٌ في الدين والمُحدثُ مردود، كما أنه هناك مصلحة أعلى
تفوق هذه المصلحة في أن يُسلح المواطنون أو يعطوا الحرية في تسليح أنفسهم طالما أن
هذا السلاح يستعمل في دفاع عن الذات.
أولا: لا أصل في
الشريعة لأي قاعدة أو حكم أو فتوى فقهية تحرم إقتناء السلاح، وكل من تسلط على المسلمين
من سلاطين الكفر والضلال مال على علماءه الفاسدين ليحرموا السلاح وليقطعوا دابر
الجهاد حتى بات الخنوع لدى المسلمين هو السمة السائدة في حين أن المتتبع لقرآننا
والسنة النبوية الشريفة تؤكد أن اقتناء السلاح واجب شرعي على الفرد المسلم، وأن
الجهاد قائم إلى يوم القيامة. والله عز وجل يقول: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ
مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَآ} (الأنفال
60) فالإعداد باجماع أهل السلف لا يتعلق فقط برضى الدولة أو السلطان، فهو واجب على
كل من قدر عليه. بل يؤجر عليه كل من ساهم
به فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم عن عقبة بن عامر الجهني سمعت
رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول :
” إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي
يجهز به في سبيل الله ، والذي يرمي به في سبيل الله “.
وقد لجأ بعض علماء السلطان لاحقا ليصنفوا الجهاد على أنه
من "أحكام الإمارة" وأنه لا يقوم إلا بعد أن يقره الأمير، ولكن
هذا الحكم لا أصل شرعي له، ولاسيما أننا رأينا استعمالاته من قبل الطغاة لاخضاع
الأمة، ولو أن المسلمين انتظروا هذا الإقرار من السلطان لما قامت ثورة في بلادهم
ضد الطغاة. وحتى من يأخذ بهذا الرأي على
أن الجهاد من "أحكام الإمارة "لا يستطيع أن ينكر أن اقتناء العدة
اللازمة للجهاد والإستعداد له هو واجب فردي على كل مسلم.
والجهاد قد يكون "فرض عين" كما هو الحال هذه
الأيام في بلاد المسلمين، كقول ابن مودود
الموصلي "الجهاد فرض عين عند النفير العام وكفاية عند عدمه، وقتال الكفار واجب
على كل رجل عاقل صحيح حر قادر، وإذا هجم العدو وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة
والعبد بغير إذن الزوج والسيد"
وهذا الرأي متواتر عند جميع علماء المسلمين ولا نعرف من خالفهم فيه من
العلماء المجاهدين. فكين نوفق بين هذا الإجماع وسحب السلاح من يدي العامة من
المسلمين، فالإستعداد لمثل هذا اليوم هو
واجب شرعي على كل مسلمة ومسلم، وسحب السلاح من الناس هو فعل آثم مارسه طغاة
المسلمين عبر العصور ونعوذ بالله أن يبدأ
تنظيم الدولة الإسلامية تاريخه بمثل هذا القرار الآثم.
ثانيا: والأخطر من الإثم الكامن في مثل هذه
"الفتوى" أننا مازلنا في معركة
لا نعرف غدها فما الذي سيحصل لو أننا حرمنا عامة المسلمين من سلاحهم وعطف عليهم
العدو أو أننا أضطررنا لتركهم مُتَحَرِّفينً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزين إِلَى فِئَةٍ
ـ فحاشى للمجاهدين ان يولوا الأدبار يوم الزحف ـ فلم نمنعهم من عدوهم ولم نتركهم ليدفعوه بأنفسهم
فنكون بذلك في إثم كبير بل غضب من الله . فإن كانت امرأة دخلت النار في قطة كما أتى
في الصحيحين { دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض
} فما بالنا بمن لم يمنع عامة المسلمين من عدوهم ولم يترك لهم سلاحهم يمنعون به
أنفسهم. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: "وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب
إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد
ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في المختصرات لكن هل يجب على جميع
أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية كلام أحمد فيه مختلف وقتال الدفع مثل أن يكون
العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من
يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف
عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة
أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا
يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب."
خلاصة القول إن حرمان عامة المسلمين من اقتناء السلاح
والتدرب عليه كان ديدن طغاة المسلمين عبر العصور وحلم أعدائهم. وأي قرار ينتج عنه عاجلا
أو آجلا مثل هذا الحرمان لا يجوز شرعا ولا يعقل مصلحة. بل أني أهيب بالمجاهدين بكل فصائلهم أن يجعلوا
هذه القاعدة "ضمان حرية اقتناء السلاح والإعداد للقوة وحق المسلم في الدفاع
عن النفس والعرض والمال وأن لا يُدخل بيته دون إذنه" جزء أصيل من أي معاهدة سواء فيما بينهم أوفيما بينهم
وبين غيرهم من الأطراف الأخرى محلية أو قطرية أو عالمية كانت. نعم إننا في ظل هذه الظروف سنتعرض لبعض السلبيات
الناتجة عن امتلاك العامة السلاح ولا سيما حين تتعارض الولاءات من قبائلية ومناطقية
وعقائدية وغيرها، ولكن الحكمة تقتضي بأن نبذل قصارى الجهد بإعدادهم وتدريبهم على أحكام
السلاح وآدابه وفي ذلك الخير الكبير للأمة وزيادة منعتها.
والله المبتغى وهو أحكم الحاكمين.
محي الدين قصار
6 آب 2014
#الدولة_الإسلامية
No comments:
Post a Comment