Tuesday, September 18, 2018

قبّلتُ وجه الشامِ عن أولادي


الدكتور وائل عبد الرحمن حبنّكة الميداني 

عندما كنتُ أُعِدُّ حقيبةَ السفر لأعود إلى دمشق بزيارةٍ خاطفةٍ بعد غيبةٍ طويلةٍ وقفَ أبنائي وبناتي في جِدةَ حولي يقولون : نيّالك يا بابا رايح عَ الشام ... أمانه تسلّملنا عَ الشام وتْبَوِّسّلْنا ياها ... واللهِ رح يطق قلبنا عليها .
تشاغلتُ عنهم وأخفيتُ عيوني كي لا يرون دموعاً تسألهم : كيف أُقبّل الشام ؟!
ما أَصْدَقَ حبّكم للشام يا أبنائي !!!
قبّلتُ وجه الشامِ عن أولادي 
فوَجَدْتُهمْ في الفُلّ والكَبّادِ !!!
ووجدتُ آمالي على أسوارها
تسبيحةً فيها صدى أورادي
مُذ لاح لي من قاسيون جبينُه
أدركتُ أنّي قد بلغت مُرادي
وأخذتُ أنفاساً أعادَ شهيقُها
لِيْ من حياتي لحظةَ الميلادِ ...
مِنْ فرحتي ألْقَيتُ كلَّ حقائبي
ووقفتُ كالمغلولِ بالأصفادِ
أغمضت عيني أستعيد طفولتي
وحقولَ عمرٍ طابَ فيه حصادي
أستجمعُ التاريخ وهو بخاطري
راياتُ عزٍّ في ربى الأمجادٍ
كمآذن الأمويِّ كنتُ ، وبسمتي
كانت كصبحِ الشامِ في الأعيادِ
لمْ أدْرِ حين العينُ مِنّي حَدّقَتْ
فوق الرصيفِ برائحٍ أو غادي
إلاّ وكفُّ الحزنِ تصفعُ جبهتي
في واقعٍ ما عِشْتُه ببلادي
حولي وجوه العابرين تمرُّ بي
قطعاً من الأسمنتِ واللَّبادِ !!!
تلك الوجوهُ لها بقلبي صورةٌ
كنضارةِ النُسّاكِ والعُبّادِ
كانت سماتُ العزّ في قسماتهم
وجباهُهُم كانت جباهَ جيادِ
ما لي أرى الإنسان في نظراتهم
يبكي ويندب حظه وينادي ؟!
هم صامتون وصوتهم بصدورهم
أصداءُ رعدٍ مُرعبٍ في وادي
يا حسرتي يا شامُ كيف تحوّلتْ
أفراحُنا لمآتمٍ وحِدادِ ؟!
أطرقتُ حتى كدتُ أنسى أنني
كُلّفتُ بالقُبُلاتِ عن أولادي !!!
ودخلتُ للحيّ الذي برحابه
ثلجيي ونارُ تلوّعي ورمادي
ومسحتُ دمعةَ مَنْ شَرُفْتُ بحبّهم
دهراً ... وكانوا بالهوى أسيادي
وسألتهم عن كل يومٍ بيننا
عشنا به أو عاشه أجدادي
عانقتهم ورميتُ في أحضانهم
عمري ودِفْءَ مشاعري وفؤادي
لم أدرِ عند عناقهم … هل يا ترى
مازال طِيْبُ ودادهم كودادي ؟!
الدكتور وائل عبد الرحمن حبنّكة الميداني

Thursday, September 13, 2018

كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ

اقلب في أوراقي القديمة فمررت بهذه الرسالة للدكتور البوطي، وقد كان قد اعتبر قمة الكفر في رأيه أن ينشر مسسللا تلفزيونبا: فكتبت له هذه الرسالة. اليوم أقرأها بالصدفة وأقول لنفسي لربما هذا الرجل ممن قال الله بأمثاله "كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ" فما ضره وهو ابن الثانية والثمانين لو خرج بالمظاهرة ضد الطاغوت عوضا عن أن يرمي الثوار بالكفر!! ألم يكن أجدى لو أنه انضم إلى الثورة على باب الأموي عوضا عن أن يتخفى منها في الشهر الأول من الثورة؟ (تذكرون منظره على باب الأموي؟) فإن لم يعاقب بفعل فعله هذا الرجل فلعله يعاقب بسنة سننها بين الناس كانوا يتبعونه. فأغلب عامة المنطقة حتى في الجزائر هم تابعين لرأيه عن آبائية لا عن علم.
{45} وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {46}
علينا أن نتمعن في هذه النهاية ليس شماتة بالرجل، فالله يحول بين المرء وقلبه، ولكن مازال عندنا جيشا من أمثاله لم يخرجوا إلا بسبب حماقات النظام التي اخرجتهم لأنه أنتهى منهم، وزمرا من الضباط لم ينشقوا إلا بالعصا وهؤلاء وأولئك خرجوا بتبجحون بثورتنا ؛ وكلهم أمل أن يعودوا لموقعهم القديم.

أرسل لي البوطي بتاريخ 19 آب 2010 قائلا: "أوافقك على ان السبب ليس محصوراً في المسلسل ذي الاسم المشؤوم ما ملكت أيمانكم ولكنك لم توفق في تعداد قائمة الأسباب الأخرى"


فضيلة الدكتور محمد رمضان البوطي المحترم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
وصلنا تحذيركم القيم من “غضبة إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفق” وبلغنا خوفكم على شرقنا الأوسطي من بلاء ماحق ومحرقة عامة ومقتا كبيرا من الله ونسأل الله العلي القدير أن يحفظ أهلنا من كل مكروه ليس في بلاد الشام وحده بل في الدنيا جميعا.
ونحن معكم في تجمع علامات الفساد الظاهر في الأرض بما كسبت أيدي الناس. ولكننا لا نستطيع أن نوافقكم على أن هذا البلاء سببه “مسلل تلفزيوني”، فمشكلته سهلة الحل، إذ يكفي على مواطننا أن يغلق التلفاز أو يدير المحطة فالله يقول: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعا” (النساء 140)
ولكن هناك الكثير من الظواهر التي تمر أمام أعينيكم، والقضايا التي تسمعونها ، والمظالم تشهدونها والمكر الذي تحسسونه ما يجعل تحذيركم في محله ويكاد يشعر المرء أن غضب الله قادم ولكنه لن يوفر سورية ولا من “يلوذون بكم” حسب تعبيركم. فأيهما أكبر مقتا عند الله “مسلسل تلفزيوني” أم حرمة الإنسان. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم”! أولم ينظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: “ما أعظمك وما أشد حرمتك، والله للمسلم أشد حرمة عند الله منك”! ألم يأت في سيرة رسولنا الكريم أنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: “أي يوم هذا ؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: “أليس ذو الحجة ؟” قلنا: بلى، قال: “أتدرون أي بلد هذا ؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال: “أليس بالبلدة ؟” قلنا: بلى، قال: “فإنَّ دماءكم وأموالكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت ؟” قالوا: نعم، قال: “اللهمَّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”.
فهل نستطيع أن نقول أن حرمة الإنسان محفوظة في بلدنا الحبيب، وهل هناك من امتهان لحرمة الإنسان أكثر مما نراه في كل يوم من النظام السوري، لقد رأينا عواقب السكوت على اضطهاد الأبرياء في حلبجة، فهل يغيب عن أعيننا مئات “الحلبجات” التي تدور في صمت في بلادنا، أم ترى أن ما يجري من مآس في جزيرتنا الحبيبة لا تستاهل حتى أن يعلم بها القاطن في دمشق! فأين خوفكم من “مسلسل تلفزيوني” مقابل خوفنا من الصمت على سجون متخمة بالأبرياء، إيهما أحق بغضبة من الله وبتحذير منكم يا فضيلة الدكتور؟
ألم يقل الله سبحانه وتعالى في سورة النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء 93)! فكيف يكون هذا ووزير الدفاع في النظام الأسدي يتبجح بأنه كان يوقع اسبوعيا 150 حكم اعدام لما يزيد عن عشر سنوات. وإين حرمة الإنسان في بلادنا وفي كل يوم يرمى بالأحرار وطالبي الحرية في السجون.
فالله سبحانه وتعالى اخبرنا في سورة يس “وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20}” فهل صفة هذا الرجل لا تنطبق على كل سجناء الضمير والرأي وعلى رأسهم شيخ الحقوقيين اللأستاذ هيثم المالح ومن أمضى جل شبابه في مقارعة الأعداء الأستاذ علي العبدالله. نعم لقد نهانا الله عن مجالسة من يتخذ آيات الله هزوا ولكن الله أخبرنا ما كان جزاء الذين اضطهدوا المصلحين ألم يقل الله فيهم في سورة يسن: “إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ {29} يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون {30}”!
وأين حرمة المسلم يا سعادة الدكتور وكل يوم نسمع بعشرات السوريين يزجون في سجون النظام لمجرد انتمائاتهم الفكرية، هل منا من يقدر على توسم الإمام ابن حنبل في وجوههم! ام لعلنا نرى ظلال الإمام العز بن عبد السلام بائع السلاطين في صفوفهم! هل تستطيع أن تقول لنا أن النظام السوري لايتاجر في كل يوم بدماء شبابنا الصامد والمرابط! فهاهو يبيع هذا ويرهن ذك والناس في صمت وقد عقدت لسانهم المصيبة.
نعم نحن نوافق معك على أن غضب الله لا بد واقع على قوم “لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ” وهناك أنواع كثيرة من المنكرات، ولكن ما الذي يفعله النظام السوري بهؤلاء الذين يتناهون، هل يستطيع سوري أن يقول أنه يمر شهر دون أن يدفع أحدهم رشوة، أو يرى فسادا ويسكت عنه، هل بات انساننا أمن في نفسه وماله وعرضه! ما فائدة تحذيرنا من “مسلسل تلفزيوني” في وقت لم تعد نسائنا آمنات على أنفسهن في دارهن، فأين التناهي وامهاتنا لا يتمكن من النوم في بيوتهن من ضوضاء العهر والمجون المنبعثة من حانات يملكها أزلام النظام، واين التناهي وقد ساد الفقر والفساد في بلادنا حتى اضطرت بعض بنات بلادنا للبغاء، حتى بات أمر عاديا أن يهبط طفلا درجه صباحا ذاهبا إلى مدرسته وأن يلمح جارته عائدة إلى بيتها من عملها. فهل نحن أمة التناهي والله لا يتهم النساء بالبغاء بل يتهم الجميع حين يقول: ” وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء” (النور 33)
نعم يافضيلة الدكتور، إني أتفق معك على أن “الله يمهل ولايهمل” ولكن ليس من أجل “مسلسل تلفزيوني” وما يجري في بلادنا من ظلم أكثر مدعاة لغضب الله ولقد سُكت في سورية عما اصاب الدعاة والأحرار في مطلع الثمانينات فبات حالنا كقول الله سبحانه وتعالى “قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ” فإذا بسورية تعيش منذ ذلك الوقت وقد نُصر عدوها و سُرقت أرضها وتَسلط عليها الظالمون حتى باتت من أهون البلاد على وجه الأرض، تأتي بصف واحد ووحيد يجمعها مع كفر كوريا الشمالية وشقاق ايران الملالي. وأكثر ما أخشاه أن الأمن الزائف الذي تشعر به سورية اليوم والذي نلمحه في رسالتكم أن لا يكون إلا كقوله تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ {94} ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون”