Tuesday, January 29, 2019

لا تقيسوا تـركيا على جمهوريات الموز العربية

بكل أسف خمسة اجيال من العرب درجوا على رؤية مراجلَ الحاكمِ بأمره الإعلامية والخطابية وتصديقها. ولم يروا حقيقة كيف التعامل مع الآخر على المستوى السياسي،  هذه الممارسات ولدت شعبا أقرب منه لتصديق تخييل* الإعلام عليهم عندما يمتنع السياسي عن لقاء الخصم علنا. ويتناسى الناس كيف أن هذا مجرد وهم يشتروه ويريحوا بهم ضمائرهم. وأبسط مثال على هذا علاقة العداء الذي درج الشعب على تصديقها بين عبد الناصر والنظام الأمريكي؛ وبقي الناس هكذا إلى ان أتانا هيكل بعد أن بلغ من العمر عتيا ليقول لنا أن السفير الفرنسي لم يكن "يتكنس" من مكتبه ومكتب سيده جمال عبد الناصر. ورغم كل مراجعات هيكل وفضائحه مازال بعض المساكين يعتقدون أن جمال عدوا لأمريكا.
فهذا الشعب اليوم لا يستطيع أن يفهم ما يجري بين تركيا وجارتها روسيا.   فهذان البلدان هما في حرب غير رسمية في كثير من الأمور. ولكن ما لم يفهمه العرب أن الحرب لا تعني أن تمارس السياسة بطريقة المراجل الفارغة. وبالحقيقة سيأتينا يوما ننظر بإعجاب، إن لم نفعل بعد،  لما تفعله القيادة التركية من مناورات ثنائية ومناورات  دولية لا تقتصر على روسيا بل تتعداها لكثير من دول العالم، تمكنها من تحقيق تحييد لأعدائها إن لم تستطع أن تحقق أنتصارات.  فالسياسة هي "فن دفع المفسدة وجلب المصلحة."  
 والمصلحة هنا هي كل ما يحقق مصلحة الشعوب في سوريا وجيرتها إلا إذا كانت هذه المصلحة ستجر مفسدة على تركيا، فقبل كل شي حزب العدالة ورئيسه وحكومته  هم للأتراك وليسوا لنا.  سيأتي يوما قريبا ليتعلموا العرب أن حكوماتهم أمعنت في الخيانة تحت الطاولة واليوم لم تعد تهتم لهم بل تجاهر بعداوتها لهم، بينما يبق اللاعب التركي يشغل موقعه بجدارة كوسام على جبهة التاريخ.       

*التخييل هو عندما يحرك الفارس فرسه وهو يراوح في مكانه فيثير غبارا يوهم المشاهد بالأعمال البطولية.

خطوة على طريق الثورة العربية: كبح جماح هبوط الإعلام العربي

خطوة على طريق الثورة العربية: كبح جماح هبوط الإعلام العربي 
جاري في القطار  قال لي مرة لا بد من معاقبة هؤلاء الأعلاميين، فكلنا يعرف الطريقة التي يتعامل فيها النظام العربي مع الإعلاميين وزوار الصحف والقنوات العربية الذين يمارسون الـ"تشبيح" والتزوير وتسفيه العامة والخاصة. فهناك حدود واضحة بين التعبير عن الرأي وبين التشبيح الإعلامي،  وهناك مستويات من التشبيح، ولابد لنا من إيجاد آلية ما للحد من فعلها على أرض الواقع. فمن غير المعقول أن يملأ هؤلاء جيوبهم بالمال لعهرِ لا يعاقبون عليه.  فلو أدرك هؤلاء أنهم سيعاقبون لترددوا في جرائمهم بحق أمتنا. 

في مطلع الثورة كان هناك اقتراح أن يطبق "حكم الحرابة" على كل من هؤلاء الشبيحة،  وهذا الحد يختلف حسب فداحة الجريمة التي يمارسها،  فلو سألت أي طفل في العالم العربي لقال لك وبدون أي تردد من هم هؤلاء الشبيحة الإعلامية، سواء من خلال مركزهم الأكاديمي (موظفي وزارة التربية) أو من خلال قدرة السلطة العربية على فرضهم على الناس من خلال أقنيتها صحفا وتلفزيون .   وقد وافق الجميع حضورا وغيابا على أن "حد الحرابة" هو الحل الحقيقي لهذه المشكلة. ولكن حيثيات كثيرة جعلت التنفيذ تخمد حدته.

اليوم وضح الآن لكل ذي عينين أن النظام العربي بأجمعه هو عدو للثورة، وأن الثورة ليست ثورة إن اكتفت أن تكون على النظام السوري.  فلا بد لهذه الثورة من الانتقال من الحالة السورية إلى الحالة العربية.  فكان الاقتراح أن تُشكّل "محاكم شعبية" تحاكم ولو غيابيا (إلى ان نتمكن من أحضارهم أمام المحكمة) هؤلاء الشبيحة الإعلاميين.  وأن يكون في هذه المحكمة مدعي عام ومحامي الدفاع وسبعة قضاة وإن لم نتمكن من تامين سبعة قضاة فليكونوا ثلاثة.

ولنجعل نهاية كل محاكمة بإعلان الحكم النهائي على الشبيح الإعلامي.  ومن الممكن أن تمنح المحكمة المتهم ثلاثة أشهر ليتوب ويمتنع عن الإعلام أو أن العدالة الثورية ستناله،  ويترك تنفيذ الأمر للشباب في الثورات العربية.
  
إننا لا نحتاج أن نحاكم الجميع،  فهؤلاء من الجنس الخسيس الجبان،  يكفي أن يرى من سبقهم إلى العقاب ليسارعوا إلى الإختباء في جحورهم.

Saturday, January 26, 2019

غريغوريوس .. وطنية وعطاء

منقول أحببت أن احتفظ بهذا النص

غريغوريوس .. وطنية وعطاء
عندما مات عام 1928 شارك في جنازته 50 ألف مسلم دمشقي من بينهم عدد كبير من شيوخ المسلمين، وقيل إن المسلمين أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير حتى أن الكثيرين أسموه محمد "غريغوريوس" و"أبو الفقراء والمسلمين،" إنه البطريرك غريغو ريوس حداد الذي كان شخصية إنسانية عظيمة وعلى درجة عالية من الوطنية والتسامح، وواحداً من رجالات سوريا الذين عرفوا قيمة الوطن وصانوه ودافعوا عنه وعن أبنائه بالحب والعطاء علاقته مع الإسلام والمسلمين مثال يحتذى به في التسامح والمحبة ووحدة الحياة بين ابناء الامة الواحدة-المجتمع الواحد. 
البطريرك غريغوريوس حداد مشهود له بالوطنية وكتب عنه العلامة محمد كرد علي في مذكراته مايلي:عرفت صديقي البطريرك غريغوريوس حداد قبيل الحرب العالمية الأولى وبلغني عنه هذه الرواية : بسبب المجاعة التي أصابت شعب هذه المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى أستنهض البطريرك الهمم لمساعدة الجائعين والبائسين وباع أملاك وأوقاف الطائفة الكثيرة في سورية ولبنان ليشتري لها الطعام للمحتاجين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او طائفتهم ، ثم كان مرة من نافذة غرفته المطلة على ساحة البطريركية  يراقب الشماس يوزع الخبز على طالبيه ولما رد الشماس امرأة مسلمة متحججا أن القمح قد نفذ من مخازن البطريركية ، نزل إليه ونادى المرأة وقال : أعطني رغيف خبز ، فلما تناوله قلبه بين يديه وقال للشماس : "أنا لم أقرأ أنه قد كتب على الرغيف مصنوع من أجل المسيحي الأورثوذوكسي ؟ يابني إدفع الصدقة لكل من يطلبها فالخلق كلهم عيال الله " وناول المرأة حصتها.
ويقال انه فتح أبواب البطريركية للجميع أيام الحرب ، واستدان أمولا طائلة لإطعام الجائعين ، ومن أخباره في هذا الشأن أنه كان له صليب ماسي أهداه إياه قيصر روسيا "نقولا الثاني" لما نفذت أمول البطريركية رهنه لدى صائغ يهودي دمشقي بألف ليرة عثمانية، فلاحظه أحد أغنياء المسلمين فذهب وفك رهنه وأعاده الى البطريرك ، فأخذه البطريرك وباعه من جديد دون أن يدري به أحد وصنع مثيلا له من احجار زجاجية بدل الماسية لم يعرف بالامر أهل البطريركية إلا بعد موته . كما يروى عن غبطته أيضا أنه كان أول من بايع الملك فيصل عندما توج ملكا على سوريا ، وبعد معركة ميسلون وبينما الجيش الفرنسي يستعد لدخول دمشق ، غادر الملك فيصل بالقطار ، إلا أنه فوجئ بالبطريرك غريغوريوس قادما وحده إلى محطة الحجاز ليودعه قائلا : "هذه اليد التي بايعتك ستبقى على العهد إلى الأبد" فما كان من الملك فيصل سوى أن صافحه باكيا ومحاولا تقبيل يد البطريرك . ولما توفي عام 1928 جري تشييع جثمانه من بيروت إلى دمشق فاستقبلت الحكومة السورية جثمانه على الحدود باطلاق مئة طلقة من المدفعية تحية له ، فيما كانت الجماهير تصرخ: "مات أبو الفقير مات بطريرك النصارى وإمام المسلمين ، نزلت بالعرب الكارثة العظمى"  وأرسل الملك فيصل من بغداد إلى دمشق مئة فارس على الخيل يشتركوا في التشييع ، كما يروى أن الجثمان عندما وصل الى ساحة الشهداء في بيروت شرع أحد التجار المسلمين يرش الملبس على الطريق أمام الجثمان قائلا : "إن هذا القديس قد أعالني أنا وعائلتي طيلة الحرب العالمية الأولى"
كما شارك في الجنازة كبار الشيوخ المسلمين منهم مفتي البقاع في لبنان "محمد أمين قزعون" وقيل أن مسلمي دمشق أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير
هذا هو البطريرك غريغوريوس الذي لقبه أهل دمشق بـ أبو الفقراء.
( فرح )

حديث من القلب عن "المرأة"

-1-
مخافة الظلم من الصعب عليّ الحديث عن المرأة بشكل عام وعن المرأة المسلمة بشكل خاص،  وكم أتمنى أن تكون امرأة من تكتب هذا الكلام، ولكنني أجد أنه من الضروري أن المس هذا الموضوع هذه الأيام فلعل مبلغ أوعى من سامع.  فالمرأة هي الركن الأساس الذي رفع صرح الحضارة الإسلامية عبر القرون.  فأينما تنظر تجد روعة الإنجاز الأنثوي في حضارتنا.  وأينما ألتفتُ أرى والدتي وجارتها لوريس وجدتي وحماتها وخالاتي وعماتي وبناتهن وجارات حينا وبناتهن؛ كل هؤلاء أراهن صورة في تلك السورية التي التف الـ"بانطو"  بحزم حول جسدها الغض في حر صيف الشرق أوسطي، وهي تقطع المسافات بين الخيم في مخيم اللجوء.  فأرى بعينيّ قلبي ما يصنع اجتماع الحر وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ بها، فتراها غرقى بعرقها المحموم في الصيف أو تجر أوحال المخيم وثلجه ومطره في الشتاء. نعم إنهن نساؤنا . فتراهن قد حولن خيمة صغيرة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء إلى قطعة سلام يلجأ اليها أولادهن ليعيشوا لحظات دافئة قليلة‘ علها تمنعه من نسيان الحياة السوية وتؤكد له أنه سليل حضارة عتيقة لا علاقة لها بهذا الظرف الطارئ على الحياة.

إن المعجزة لم تنطلق من مخيم الثورة فحسب،  بل هؤلاء النسوة مارسن السمو منذ اليوم الأول في حياتهن، وورثنه كابر عن كابر ؛  فتحت كل ظروف القهر والحرمان التي تتعرض له مجتمعاتنا منذ مايزيد عن تسعة قرون تقف المرأة كصانعة المعجزات الصامت.  فلا يمكننا الكلام عن إي انجاز في امتنا ما لم يكن هناك نسوة طاهراة عفيفات صابرات قادرات حازمات يقف مع رجالهن، يبدأن بشق نطاقهن* لحزم غذاء رجالهن، ويوبخن** رجالهن إذ ظنن بهم خورا.  فحالنا كقول الشاعر
{كم أمة بنسائها فوق الذرى وكم أمة بنسائها ركعت ذليلة}  فإن كنا قد رأينا يوما أمتنا فوق الذرى فالفضل الأول في ذلك للماجدات من نسائنا، فلولا عزتهن وصمودهن وشموخهن لما رأينا أمتنا  بين غاية تُشرّف وراية تُرفرفُ.  وكما خرجت عزيزاتنا بشموخهن من تحت انقاض الجريمة التي ارتكبها عملاء الغرب بسلاح الطغيان الغربيي،  ستخرج أمتنا من إلى قمة جديدة من المجد ترفع بها البشرية إلى آفاق جديدة.  
(للحديث بقية)
-----------------------------------
* نسبة لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم  التي شقت نطاقها لتحزم طعام المهاجرين محمد صلى الله عليه وسلم وأبيها.   
**نسبة لقصة الشاعر أبو محجن الثقفي وقد كان حبيساً لدى سعد بن أبي وقاص بسبب شربه للخمر، ولكنه عز عليه أن يرى قومه خارجين للقاء الأعداء دونه، وهو حبيس زنزانته، وهو من هو : الفارس الذي لايشق له غبار؛ فاستأذن زوجة سعد في التفلت من القيد وإستعارة فرس سعد لجولة في المعركة يعود بعدها لزنزانته باراً بوعده لها،  ولما حدث ذلك , وإنطلق يكر ويضرب أعناق العدو، وعندما حل المساء وكان لابد له من أن يبر بوعده فقفل راجعاً فرأته إمرأة ظنته فاراً من المعركة، فانشدت :

                      من فارس كره الطعان يعيرني   رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّر
فرد عليها :
                      إن الكرام على الجياد مبيتهم  فدعي الرماح لأهلها وتعطري

Thursday, January 10, 2019

القاهرة والمشهد الثاني من الخريف العربي

في أغلب بلاد العالم جهات تقوم على قراءة المواقف الأمريكية واستشعارها من خلال تصريحاتها وأعمالها، وتنشئ تفاهمات مع المسؤولين الأمريكيين، ويسمعوا همه ثم يعودون كل منهم إلى مؤسسات قراره السياسي وراسمي استراتيجاته ليحاولوا التنسيق بين خططهم المستقبلية وافعالهم ومرادت السياسة الأمريكية فيما يمكن التوافق بينهم. فبقدر ما تملك الدولة استقلالية قراراتها السياسية بقدر ما تتمكن من صياغة خططها بأقل الانزعاج من القادم الأمريكي. عادة هذه التغيرات السياسية ولا سيما إن كانت تشكل ابتعادا عن السياسة الأمريكية ، تتم بليونة عالية لكي لا يتم احراج كلا الطرفان المحلي والامريكي.
وحدها اسبانية خرجت عن هذا الاسلوب بعد تفجيرات مدريد المنسوبة إلى القاعدة، إذ تمكنت القاعدة وبعملية لم تتجاوز كلفتها ثمانين ألف دولار من اسقاط الحكم اليميني في مدريد وصعود الجناح اليساري المعتدل الذي سرعان ما شكل حالة انفصال عن سياسات الأمريكية فانسحب من العراق وافغانستان، وابتعدت اسبانيا بهذا كليا وعلنيا عن مصائر السياسة الأمريكية.
من طرف آخر من المشهد وحده العالم العربي التعامل معه استثنائي من قبل السياسة الأمريكية، فالسياسي العربي يتلقى الأوامر مباشرة من السياسي الأمريكي دون مواربة صريحة وواضحة. ولكن لا يكفي للسياسي العربي أن تشرح له ما تريده ان يفعله، فلا بد أن تصدر له أمرا بالتنفيذ خطوة خطوة بكل الحيثيات، ومع هذا تجد السياسي العربي يستمع وهو يفكر كيف يجني من تنفيذ هذه الأوامر الأرباح، ولا اقول الأرباح للبلاد بل الأرباح له ولعائلته ومقربيه؛ بعيدا عن الأهداف التي تريد أن تحققها الأوامر الأمريكية. ففي 2009 كتب السفير الأمريكي في تونس و في رسالة إلى الخاجية الأمريكية (ويكيليكس) في قضايا الإنفاق المخيفة التي تمارسها عائلة بن علي قائلا: "إن هؤلاء (بن علي والطرابلسية) لا يستمعون لأصدقائهم لا بصيغة نصائح ولا بصيغة أوامر وتهديدات." طبعا لا من أولويات الخارجية الأمريكية ولا أولويات السياسة الأمريكية تحقيق مصالح العرب، (وإنا أزعم أن هناك الكثير من اصدقائنا ولكنهم أفرادا لم يشكلوا يوما كما يعتد به. ) ولكن ما يهم السياسة الأمريكية هي التعامل مع العالم العربي وإراحته بما يكفي لتجنب الإنفجار لا أكثر ولا أقل.
لذلك فالسياسة الأمريكية كلما تمر بمنعطف مهم كلما احتاج العالم العربي لخطاب جديد، فرأينا أوباما يطير إلى القاهرة ويبهدل العرب، واليوم يطير وزير الخارجية ويمارس نفس الأسلوب في المراجل الصريحة على زعامات عربية كانوت قبل أسابيع تقبل حذاء موظف من الدرجة الثالثة في الخارجية الأمريكية في نيويورك وواشنطن أو في تكساس على ايام بوش. إن هذه التقاليد عبارة عن الحظة الأخيرة التي تمنحها السياسة الأمريكية للحكام المحليين، فهي سياسة علنية مطروحة على الجميع لا لبس فيها ولا غموض. وهو اعلان عن مزاد علني للحكام المحليين ولكل الصف الأول والثاني من قاداتهم الأمنية والعسكرية. بهذه الطريقة تتمكن السياسة الأمريكية من استجرار "العروض" لأكثر العناصر التزاما بالمطالب الأمريكية خلال السنوات السبع القادمات ولاسيما تلك التي تستطيع أن تفرض توازنا داخليا يمكن تجنب لحظات إنفجار براكين الغضب.
بعد الزيارات الفاشلة لواشنطن خلال تسع اشهر الماضيات لم يستطيع حكام العالم العربي أن يثبتوا أنهم تعلموا الدرس من ثورات الخريف العربي، فكل ما اعتقد أصحاب الخليج هو أنهم بدعسهم على المبادئ الإسلامية سيكسبوا ود الأمريكان. أما مصر فقد أنفقت كل أرصدتها ولم يبق لها سوى رصيد الأمن الإسرائيلي، وهؤلاء غير مقتنعين أن السيسي سيتمكن من تأمين هذه الحماية لهم؛ حتى العامل الإقتصادي لم يبق لمصر أي قدرة شرائية قد تطمع الشركات الأمريكية بالاستفادة منها. فلم يبق هناك ما يمكن به من شراء السخط العام، ولم يعد هناك ما يمكّن من تأمين الحد الأدنى للحياة والبقاء مع خط الفقر. وفي عالم لا سرية فيه يتحول العالم العربي إلى بركان يحاول الأمريكان اخضاعه ويطمحون أن يكون لهم مندوبون ساميون لا يحملون المناشير الآلية ولا يتناوبون في تفجيراتهم بين الكنيسة والمسجد، فلم يعد يستسيغ أحد تلك الألعاب المخابراتية. وهو يريدون هذا لا حبا بنا بل حبا بمصالح الأمريكان.