كلمات في المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي لإعلان دمشق في الخارج:



كلمات في المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي لإعلان دمشق في الخارج:
محي الدين قصار

لقد أتيح لي ان أتكلم ثلاث مرات خلال أعمال المجلس الوطني في الخارج الذي عقد في بروكسل في 6 و 7 تشربن الثاني 2010.  فأحببت أن اضع هنا النقاط الرئيسية لتدخلاتي حسب ما أذكرها مع بعض التغيير التي تقتضية اللغة المكتوبة وبعض الاختصارات التي حدثت خطابة لاختصار الوقت. 

أيها السادة،  إنني مناضل من أجل الحرية ولا أحب أن أقدم نفسي على أنني سياسي، فأنا اليوم لست بالسياسي ولا أحمل هما سياسيا ،  ولا أحب أن أُسمي نفسي بالمعارض،  فأنا رجل يبحث عن الحرية لأبناء بلده،  فالمعارض هو الذي يرغب في الحلول محل النظام ولا رغبة لي في ذلك.  وعملي سينتهي يوم يستعيد أهلي حريتهم ويتخلصوا من جور الإستبداد والدكتاتورية. 
لقد رأيت خلال حياتي تقلبات السياسيين،  فأريت كيف يصبح اليميني يساري واليساري يميني، وشاهدت ابناء الفكر القاعدي يتجولون في شوارع واشنطن يتمولون من الحكم الأمريكي، ورأيت الرأسمالي يتحول لاشتراكي، والماركسي يصبح في يوم وليلة رأسماليا والاشتراكي ينقلب ليبراليا.  وكل هذه التقلبات والتحولات التي تتم سرا وعلنا لا تخفى أبدا عن المواطن في بلدنا الحبيب،  فأنا ثقتي كبيرة بهذا المواطن وثقتي كبيرة بحكمته وصحة تقديره، فمواطنينا لا ينظرون إلى هذه الحركات إلا على أنها علامات نفاق، وعلي الجميع التنبه إلى آثارها على مصداقيتهم أمام الناس. 

إني على قناعة بأن مواطنينا يريدوا أن يرونا متمسكين بالثوابت الوطنية ولو كانت تعكس اختلافات ظاهرية،  فأنا والمواطن في بلدي نريد أن يبق الكردي كرديا، وأن يبق الآشوري أشوريا، وأن يبق المسيحي مسيحيا والماركسي ماركسيا والبعثي بعثيا،  وأن يبق المسلم مسلما،  وأن نتسابق جميعا في تحقيق الخير لمجتمعنا وأهلنا،  إننا الآن امام تحدي حقيقي يطرحه علينا مواطنينا،  وهو أن نقدم لهم في اجتماعنا هذا رؤية واضحة وصريحة تحافظ على كل هذه المضامين وهذه التيارات فلاتلغيها ولاتنتقص منها شيئا؛  بل توحدها في بوتقة واحدة تنفع الوطن والمجموع دون أن تلغي الفرد وخصوصيته او خصوصية مجموعته.  إنه هذا هو التحدي الحقيقي الذي نقف أمامه والجواب الذي ينتظره منا المواطن. 

إنني مسلم وفخور بإسلامي كمصدر حضارتي ورسالته الجامعة المؤسسة،  وأعتبر نفسي صاحب الحضارة التي أنتجت في وقتنا المعاصرالدكتور أدوار سعيد و حنان عشراوي وامثالهما،  وأنا أذكرهما لأنهما لا يشاركانني بالدين ولكن يشاركانني الهم والحضارة والثقافة،  والأمثلة كثيرة لا تحصى هنا.  إننا الآن امام التحدي كيف نقدم الخير لأهلنا في مختلف انتمائاتهم وأفكارهم،  فأنا كمسلم اشعر أنني أحتضنهم واحتضنكم جميعا،  وأن هذا التمايز بين اجزائنا هو مصدر قوتنا الحقيقية،  فلا يحق لنا المزج الذي يضيع الخصوصية الذاتية سواء كانت دينية او عرقية أو فكرية أو مركبة من كل هذه الخصوصيات أو بعضها.  ومواطنينا يعلمون أن أي محاولات للمزج ما هي إلا محاولات زائفة.  وهذا ليس موقفا سياسيا مني كما قد يتبادر لذهن البعض، بل هو موقفا عقائديا خالصا، فالله يقول في كتابة العزيز: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ" فمواطننا في حسه الداخلي وثقافته القديمة يعلم بأن تدافعنا هنا هو لما فيه خير البلاد والعباد،  وأن أي محاولة لتغييب فريق ما فإنه محاولة لإفشال سُنة التدافع هذه.  وأنا والمواطن في بلدنا نأمل أن يتمكن مجلسنا من صياغة جديدة لا تستثني أحدا ولا تطالب أحدا أن يضحى على مذبح وحدة المعارضة.  وقد يكون هناك طرق مختصرة لتسهيل الأجوبة على الأسئلة المطروحة،  ولكن التحدي الحقيقي في أن نجيب على الأسئلة الصعبة لا أن نستعيض عن الأسئلة الصعب بأسئلة أسهل وسهلة المنال.   

وبعد نقاش البيان الختامي قلت:  أحب أن أسجل هنا اعتراضي على نص البيان الختامي المطروح أمامنا،  فلو أننا حزفنا التاريخ من البيان لما تبين لنا في أي عشرية صيغ هذا البيان،  هل هو في الستينات أم السبعينات بل يمكننا ان نعاود استعماله في اجتماعنا القادم لو استمر حال المعارضة على ما هو،  إنه يعكس وضعية علينا رفضها وخطابا تاريخيا فقد المرجعية أمام مواطنينا.  فمواطننا ومجتمعنا يقف اليوم أمام مشاكل متجددة في كل لحظة ويواجه أزمات تستعر ظواهرها وتتفاقم مع كل دقيقة.  وعلينا طرحها بصورة جدية وبصيغة جديدة تستمع لها قوى شعبنا الشابة.  عندها سألني الدكتور حبيب حداد مشكورا دافعا للنقاش نحو الأمام:  مثل ماذا؟  فذكرت في عجالة، معدلات الفقر معدلات البطالة المتزايدة،  والهجمة الكبيرة على الطبقة الوسطى ونشوء طبقة أثرياء الفساد الجديدة،  وارتباطات هذه الطبقة بمصالح قوى العولمة الخارجية ورأسمالها وإن كانت هذه القوى بعيدة عن المراكز الرأسمالية الغربية لأسباب سياسية ولكن ارتباطها يتم عن طريق مراكز الخليج،  كما ذكرت حالة سوء الإدارة والجفاف والهجرة إلى المدينة، يضاف إلى هذا زيادة التدهور لحالة التعليم بكل مستوياته،  والهجمة على المدارس الخاصة بحجة العلمانية، كما أكدت على رفضنا لسياسات السلطة التي تستعمل الخلاف شيع – السني لتفكيك عوامل الوحدة الوطنية وزرع الفرقة في النسيح السوري،  كا يمكننا أن نضيف هنا تدهور الأخلاق العامة وانتشار ظاهرات العنف والجريمة والرق الأبيض واللائحة طويلة ومتجددة لهذه المسائل التي يستحق كل منها موضعا في بياننا الختامي. وأنا من موضع المسؤولية أجد أنه علي الاعتراض لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.      
وفي الجلسة الأخيرة عبرت عن سعادتي لأن هذه هي تجربتي الأولى مع "الحزبية السورية"،  وأنني تعلمت الكثير منها ولا سيما أنني أطلعت مباشرة على كيفية تعامل احزاب بلدي في مثل هذه الحالات.  وأكدت أنه من الواضح أن مثل هذه التجارب تحتاج للكثير من النضج لترقى لمتطلبات المرحلة والعصر.  وعبرت عن أسفي بأننا لم نستطع أن نرتفع عن اصطفافاتنا الحزبية وان الطريق ما زال طويلا لنتوصل إلى مواجهة التحدي الذي يطرحه علينا المواطن والذي ذكرته في اليوم الأول،  فما زال هذا المواطن وهمومه مهمشة ومستبعدة أمام هموم الحزب ومصلحة التحالفات التي ستفرض على نتائجنا استبقاء الوضع الراهن الذي كان سائدا قبل المؤتمر.  مازال الطريق أمامنا يحتاج لكثير من التعبيد، وما زلنا نحتاج لمزيد من الطاقات والقدرة على تسهيل انخراطها بعملية التحرر.   وأشعر بالأسف أنه لم يتح للمجلس تشكيل أي لجنة من اللجان المقترحة أو الإجابة على أي من الأسئلة التي ألح بها بعض اعضاء المجلس الكرام.  

محي الدين قصار