Sunday, September 22, 2019

اجتماع الكادر الموسع الثاني أيلول 2019 : حزب الشعب الديمقراطي السوري الهيئة القيادية



عن صفحة 

Mahmoud Alhamza


حزب الشعب الديمقراطي السوري الهيئة القيادية
ورقة سياسية
اجتماع الكادر الموسع الثاني أيلول 2019
المقدمة:
تقدم الهيئة القيادية للحزب هذه الورقة السياسية لإثارة النقاش والحوار السياسي، بغرض متابعة بناء رؤية سياسية متكاملة تمكّن الحزب من لعب دور فاعل في الساحة السياسية، في ظل استحقاقات كبرى يواجهها الشعب السوري داخل ارض الوطن ضمن تعدد الاحتلالات وفي أماكن اللجوء والشتات، تمنعه من الخلاص من بنية الاستبداد واستكمال ثورته وتحقيق أهدافها، بالرغم من التضحيات غير المحدودة التي قدمها.
تعرض الورقة 5 محاور سياسية مرتبطة بالعامل الذاتي، الذي تراجع لأسباب موضوعية بالدرجة الأولى، لارتباطه بالنظام الدولي والإقليمي القائم، والذي يطغى عليه الطابع المعادي لتطلعات الشعوب بالحرية والتحرر، ولأسباب ذاتية تتعلق بقصور وعي النخب أو ضعف أدائها او سوئه.
والمحاور السياسية هي:
1-
مسيرة الثورة وتقييم تحولاتها وآفاقها
2-
أداء المعارضة السورية
3-
نظرة الى المبادرات السياسية والحراك السياسي المستقل
4-
مستقبل الدولة السورية
5-
الحزب ودوره في الثورة
وستعمل الهيئة، وبمشاركة الرفاق والمتعاطفين مع الحزب من ذوي الخبرة والاختصاص، على بلورة مواقف أكثر تفصيلا من خلال دراسات وعقد طاولات مستديرة لتوضيح قضايا سياسية تثير تساؤلات السوريين وكان لها دورا وحضورا في مسيرة الثورة السورية ومآلاتها مثل:
1-
تحليل للموقف الدولي والاقليمي وتأثيره في مسار الثورة
2-
تحليل دور الاسلام السياسي في الثورة و دور الاخوان المسلمين وآليات عملهم في الثورة ولماذا انخرط الكثير من السوريين في العمل الجهادي
3-
دراسة تجربة التنسيقيات في الثورة
4-
تقديم دراسة معمقة حول بنية النظام ودوره وجرائمه بحق السوريين
5-
تقديم دراسة حول الدولة الوطنية الحديثة ومفهوم الرؤية الوطنية الجامعة
6-
تقديم دراسة حول الحقوق القومية للكرد /السريان /الاشوريين /التركمان /الشركس كمكونات أساسية في تركيبة الشعب السوري.
المحاور السياسية:
1)
حول الثورة
لقد اثبتت سنوات الثورة السورية والتعثر الكبير الذي لحق بها نتيجة لأسباب عدة، منها عدم جاهزية العامل الذاتي على صعيد تقديم قيادة حقيقية لمواكبة هذا الحراك الشعبي العارم، الذي انفجر بعد عقود من العمل الممنهج لإلغاء السياسة من المجتمع واحتكارها من قبل السلطة، وسحق واستنزاف معارضيها، وبالتالي غياب قوى سياسية مؤهلة ذات رؤية متقدمة وأساليب عمل حديثة منفتحة على القوى الأخرى وعلى كافة فئات الشعب السوري، ناهيك عن التقصير بتجديد الكادر الحزبي بدماء شابة إثر مرحلة القحط السياسي التي سادت لأكثر من عقدين بدءا من الثمانينات.
وقف شعبنا السوري وحيداً، ليس فقط بدون دعم عالمي، بل بدون دعم فعّال من نخبه المثقفة والسياسية وقواها المنظمة. ومعظم تلك القوى والنخب كان منشغلاً بإخضاع الثورة لأجنداته وأساليب عمله، ولم يدركوا أن الثورة أكبر منهم جميعا وهي تدفق طبيعي شعبي جارف، والنتيجة كانت أن كل القوى السياسية الموجودة، بعيداً عن النوايا والرغبات، أعاقت - موضوعياً - مسيرة الثورة وتسببت في فشل العمل، السياسي والمسلح، الذي مارسته القوى التي حسبت نفسها على الثورة. لذلك علينا أن نضع أفكاراً للمستقبل بخصوص العمل السياسي على أسس متجددة، فكرياً وتنظيمياً وممارسةً، على ضوء الواقع السوري الحالي واحتمالات تغيره في المستقبل القريب.
تعيش الثورة السورية منعطفاً مصيرياً، نتيجة عوامل عدة أهمها اختيار النظام لكافة الأساليب الوحشية الاجرامية في قمع الحراك الثوري، مؤكداً على طبيعته الأمنية بدعم من حلفائه: إيران وميليشياتها ومن روسيا، الذين وجدوا في سورية ساحة لتنفيذ اجنداتهم التوسعية والجيوسياسية، وفي ظل صمت دولي يؤكد أن لا أحد أراد انتصار الثورة السورية، لأنها شكلت بنظر القوى الدولية والإقليمية خطراً على الأنظمة الإقليمية الشمولية.
وهكذا اتفقت قوى داخلية وخارجية مختلفة على عسكرة الثورة واسلمتها، كما ساهمت في إيجاد حركات إرهابية تحت مسميات إسلامية لكي تضرب الثورة، مستغلة الأسباب العميقة التي أدت لاندلاعها، وتحولت سورية إلى ساحة صراع دولية وإقليمية، وأصبحت محتلة وموزعة بين الدول.
واليوم بعد 8 سنوات تزداد القناعة بأن ما جرى في سورية، بُعَيْدَ قيام الثورة، هو ثورة مضادة، عبر خطة ممنهجة شاركت فيها قوى دولية مثل: الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وغيرها من دول المنطقة، من خلال قتل السوريين وتهجيرهم وتغيير طبيعة البلاد ديموغرافياً واعتقال أو تصفية خيرة الشباب والناشطين من اجل الحرية والكرامة، علماً ان النظام استخدم الإسلاميين المتشددين في عسكرة الثورة، حيث اطلق سراح اكثر من 500 إسلامي متشدد من سجن صيدنايا، وكذلك فعل مع الـ PYD واطلق سراح العشرات من معتقليهم، حيث كانوا في حالة صحية حسنة، بينما يحتفظ في المعتقلات بآلاف الشخصيات الوطنية الديمقراطية والمدنية مثل: أبو علي فائق المير وعبد العزيز الخير وإياس عياش ورجاء الناصر وخليل معتوق وناصر بندق وغيرهم، وفي ظل تعتيم شامل يثير قلقاً شديداً على مصيرهم .إن ممارسات التنظيمات والفصائل العسكرية الإسلامية و الـ PYD وبعض الفصائل المحسوبة على الجيش الحر، المرتبط بأجندات خارجية كسلطات أمر واقع، كانت شبيهة في الكثير من جوانبها مع ممارسات السلطة الأسدية او الميليشيات الطائفية التابعة لإيران، وكانت الضحية - باستمرار - جماهير الثورة وحواضنها والنخب الرائدة التي جرى تصفيتها، كمشعل تمو ومعن العودات وغياث مطر و باسل شحادة ومحمود مدلل وأبو فرات ورائد الفارس، ورفاقنا مصطفى القاسم وهيثم وجهاد السعيد وبسام غيث... او جرى اختطافهم الى مصير مجهول كرزان زيتونة وناظم حمادي وسميرة خليل ووائل حمادة وكذلك الأب باولو والمطرانين: يوحنا إبراهيم و بولس اليازجي، وقبلهم حسين هرموش، ورفيقنا محمد الشرقاط والناشطة سمر الصالح، والقائمة تطول .
ما استخدمه النظام الاسدي يعكس الصراع المستميت من قبل الطغمة الحاكمة للحفاظ على السلطة والثروة، حيث قدم وظائف وخدمات كبيرة على مدى 50 عاماً للدول وأجهزة الاستخبارات العالمية ولإسرائيل بشكل خاص، لذلك دافعت تلك القوى عنه لكي يبقى ويشرف على تدمير البنية المجتمعية لسوريا، كما ان الاسلام السياسي وخاصة حركة الإخوان المسلمين التي لعبت دوراً سلبياً، وهيمنت على هيئات الاغاثة والمساعدات المالية التي قدمت لأغلب مؤسسات المعارضة ووجهتها الى خدمة اجنداتها الخاصة.
2) حول المعارضة
نشير بداية أن تناولنا لمفهوم المعارضة يعتبر تجاوزاً، لأنه لا يصلح بخصوص الأنظمة الشمولية التي تعتبر كل من خالفها الرأي أو انتقدها بعداد الخصوم والأعداء، وأن البنى السياسية التي تشكلت منذ القرن العشرين بقيت محكومة بواقع تخلّف ونقص اندماج البنى الاجتماعية، رغم كل المحاولات الحداثية والآمال التي رافقتها، وبالتالي عايش الواقع السوري كل النماذج السياسية القومية والليبرالية والإسلامية والديمقراطية والشيوعية، ولم ينجح أي منهم في خلق تنظيم سياسي عصري، يرسخ مفهوم المأسسة و يركز على هموم الناس ويعمل لحلها او للدفاع عنها، باستثناء استثمار بعض الحالات الواقعية، مع إعطائها صبغات تخدم أيديولوجية تلك الأحزاب، بدلاً من ابراز الواقع وحقائقه كما هي دون الوان ورتوش مفبركة. وللإنصاف نقول ان المعارضة الديمقراطية الجدية التي واجهت النظام الأسدي والتي تعرضت لقمع شديد ومعها فئة من المثقفين والنشطاء المهنيين، تركت أثراً كبيراً عبر تراكم نضالاتها وطروحاتها على النخب الشبابية التي أطلقت شرارة الثورة بالإضافة الى ثورة المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي (تجربة النقابات المهنية والتجمع الوطني الديمقراطي في حراك 1979-1980 وكذلك في تجربة ربيع دمشق والمنتديات في الفترة 2001-2004 وفي بدايات نشوء اعلان دمشق).
عندما قامت الثورة السورية، أورثتها المعارضة جانباً من خلافاتها وتناقضاتها وتشتتها وأجنداتها، وشكلت ولادة إعلان دمشق في خريف سنة 2005 ذروة التوافقات بين أطراف واسعة من المعارضات الحزبية المنتمية إلى تيارات سياسية وفكرية مختلفة، ومن شخصيات مثقفة ومكونات مدنية، وقوى حزبية ادّعت تمثيل السوريين من كافة الإثنيات، اجتمعت هذه الأطراف على فكرة العمل على نقل البلاد من الاستبداد إلى الديمقراطية، ما لبثت الدخول بالتفاصيل لتصل بعد عامين من التأسيس، في المجلس الوطني الأول، إلى طرح كل خلافاتها، فبعد انفضاضه بدأت الافتراقات بين صفوفه، مما أساء إلى دوره وسمعته، وزاد الامر سوءاً عندما أقدم جهاز امن الدولة على شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف كادراته، بقي 12 منهم في المعتقل لمدة سنتين ونصف، ثم بدأت الافتراقات تتسارع لتصل ذروتها إلى تشكيل عدة أجسام للمعارضة خرج معظمها من رحم الإعلان (المجلس الوطني السوري، هيئة التنسيق الوطنية، المجلس الوطني الكردي) وذلك في السنة الأولى للثورة .
في أواخر شباط من العام 2011 أصدر إعلان دمشق بيانا (اعتبره المراقبون بداية نهوض للإعلان) وكذلك التجمع الوطني الديمقراطي على خلفية كل من: ثورات الربيع العربي، وتباشير حراكات السوريين كرد فعل تضامني معها، رأى فيه أن سوريا لن تكون بمنأى عن هذه الثورات لنفس أسباب قيامها، وعلى النظام القيام بإجراءات ثقة تفتح الباب أمام انتقال آمن إلى الديمقراطية، ودعا السوريين إلى حماية الممتلكات العامة والمحافظة على سلمية ووطنية أي حراك يمكن أن يقوم به الشارع السوري، وعندما قامت الثورة كان إعلان دمشق بالرغم من ضعفه الأكثر تمثيلاً لأهدافها وانسجاماً معها.
بعد تشكيل المجلس الوطني السوري في استنبول، أشاع قياديون في حزبنا في حينه (أن الرفيق رياض الترك هو من أشرف شخصياً على صياغته)، وكانت لحظة حصول المجلس على تأييد المتظاهرين هي بداية إدارة الظهر للثوار في الداخل والانفصال التدريجي عنهم ونقل النشاط إلى دهاليز الدول الإقليمية والدولية والعمل بدلالة أجندات هذه الدول، كما كانت بداية استهتار إعلان دمشق وقيادة حزبنا ضمن سياق نفس السياسات، الأمر الذي آل إلى إهمال الحزب والإعلان بناء على قراءة مفادها أن سقوط النظام مسألة أشهر، وتحت تثقيل دور الإخوان المسلمين من قبل دولتي: تركيا وقطر وبرعاية أمريكية مباشرة، بدأ مسلسل إضعاف المجلس الوطني عبر فك ارتباطه بالداخل، وفصل الجيش الحر عنه كي لا تكون له ذراعه القوية، وتحول تدريجياً من جسم سياسي أريد منه الدفاع عن الثورة وتمثيلها في مختلف المحافل الدولية، إلى جسم معارض أضحى مشتغلاً لدى هذه الجهة أو تلك لتحقيق أجنداتها ليصل فيه الحال إلى تذويبه في الائتلاف مع نهاية السنة الثانية للثورة.
وشهدنا في سنوات الثورة وجود فراغ سياسي وغياب للقوى الديمقراطية التي بإمكانها تجميع الناس وقيادتهم نحو تحقيق اهداف الثورة، مع مراعاة كل التعقيدات التي أحاطت بالعمل الثوري، علماً أن التنظيمات الإسلامية وبسبب تلقّيها دعماً مالياً كبيراً من منظمات ودول كانت هي الانجح في الهيمنة على الشارع السوري، ولكنها كعادتها حاولت استغلال الواقع لمصلحتها الأيديولوجية فوق الوطنية، ولم تتوانَ عن اقصاء الاخرين.
كما أن مجمل الأحزاب السياسية السورية - للأسف - عانت بهذا الشكل او ذاك من مشاكل متشابهة فكرية وتنظيمية وسياسية، تميزت ببعض الامراض مثل اعتبار تنظيماتها شيء مقدس فكرياً وتنظيمياً وكانوا إقصائيين وديكتاتوريين في الممارسة.
لم تستطع القوى السياسية الوطنية الديمقراطية، قيادة الثورة ولا افادتها بالاستشارة السياسية الصائبة لأسباب أهمها: كانت قوى الثورة منهكة نتيجة قمع النظام لها وكذلك عدم ديمقراطية تلك القوى ولاتباعها أساليب قديمة في العمل السياسي جعلتها بعيدة عن الجماهير الثائرة، لا نتحدث عن القوى الإسلامية أو الاسلاموية لأنها بالمجمل لعبت دوراً سلبياً وسيئاً في أسلمة الثورة وعسكرتها، مستلهمة التجربة الليبية.
3) المبادرات السياسية والحراك السياسي
شهدت الساحة السورية منذ بداية الثورة السورية عام 2011 وحتى يومنا هذا الكثير من المبادرات الرامية إلى إيجاد الحلول المناسبة للأزمة السورية، لقد واجه النظام السوري منذ البداية الاحتجاجات والمظاهرات والمطالب السياسية التي رفعت في حينه والتي سبق للمعارضة الديمقراطية أن طرحتها، من رفع حالة الطوارئ والانتقال التدريجي من واقع الاستبداد الى الديمقراطية بالالتفاف عليها والمراوغة لكسب الوقت، عبر اعتماده على الحلول الأمنية والعنف الوحشي الذي اعتاد عليه خلال عقود، وعبر شعاره (الأسد أو نحرق البلد). ومنذ خطاب الأسد الأول 30 نيسان 2011 أدخل البلاد في نفق مجهول المصير ودفعها إلى أكبر كارثة إنسانية في هذا القرن.
مع تصاعد الثورة السورية التي عمت البلاد وحافظت على سلميتها أكثر من ستة شهور، رغم العنف الذي واجهته، كثرت المبادرات وتنوعت حسب جهة تبنّيها، سواء كانت داخلية ام إقليمية ام دولية، وايضا اختلفت حسب درجة شموليتها.
اتسمت المبادرات الداخلية السياسية، بشكلها الاستعراضي المرتبطة أحياناً بجهات إقليميه أو دولية وهي غير قابلة للتنفيذ، كما طرح العشرات من المبادرات الجزئية المحلية في جميع أنحاء سوريا. وفي هذه المبادرات تتفاوض قوى الحراك الثوري او ممثلو الفصائل العسكرية مع ممثلي النظام وبعضها يتم بوساطة روسية أو من الأمم المتحدة، أو وساطة إقليمية، ناهيك عن مسلسل اتفاقيات أستانا وما تشعب عنه قبل وبعد كل اتفاقية.
المبادرات الإقليمية بمرجعية دولية، كانت تلامس من حيث الخطاب متطلبات الشعب السوري بالحرية والمساواة والحقوق المدنية، منذ مبادرة الجامعة العربية في عام 2011، وما تلاها من العديد من المبادرات وكان أهمها ما طرحه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التي لم تخرج عن كونها مجموعة أفكار تتمحور حول الدعوة إلى تجميد الوضع في حلب لأسباب إنسانية أولاً، ومن دون إفصاح عن ملامح المرحلة التالية لما بعد حلب، وما تلاها من مبادرات إقليمية.
أما المبادرات الدولية، فكانت تدور حول هدف واحد هو الحفاظ على مصالح الدول المتحكمة بالقرار الدولي الآنية والمستقبلية، بدءاً من مبادرة الأمم المتحدة عام 2012 "مبادرة كوفي عنان" وما أسفر عنها من مسلسل مؤتمرات جنيف، والذي بدا بوضوح منذ مؤتمر جنيف-1 أواخر 2012 الذي اقر بمبدأ (هيئة الحكم الانتقالي) بما يفسح في المجال لتحقيق مطالب الشعب السوري بأن المجتمع الدولي غير جاد بتنفيذ قراراته، وهو غير جاد في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية أو في حماية الشعب السوري. وتميزت جميع المبادرات والتصريحات الدولية بتكرار الكلام، بأن (الحل السياسي هو الخيار الوحيد للخروج من مستنقع الأزمة السورية) بينما الذي جرى على أرض الواقع هو صراع وتقاسم المصالح المرتبط باستراتيجية الأقوياء المتحكمين بالسياسات الدولية وبمنطقة الشرق الأوسط.
رغم العدد الكبير من المبادرات، التي مظهرها حقن الدماء وحماية المدنيين، سيبقى الشعب السوري هو من يدفع الثمن الباهظ بأشكال مختلفة، وما لم يستعد دوره، كرقم صعب، في صوغ مصيره وسيبقى الوضع الراهن خطيراً للغاية، وخاصة مع استمرار أعمال العنف الدموي في جزء من الشمال السوري. وانسداد الحلول وإبقاء الوضع في سوريا في إطار الدولة الفاشلة الخاضعة لمعادلات التوافق الدولية والإقليمية.
إن حل المسألة السورية لا يتوقف على القوى الدولية أو الإقليمية منفردة، بما تقوم به من لعب بمصير سورية وشعبها سعياً لتحقيق أهدافها ومصالحها، بل إن الأمر سيكون مختلفاً اذا تمكنت قوى سياسية ومدنية معبرة عن تطلعات الشعب السوري وتحظى بثقته، في تأطير وتوحيد طاقاته وجعله فاعلاً ومؤثراً، بعد أن باتت المؤسسات التمثيلة الرسمية للثورة السورية ضعيفة، ومجرد واجهات تخضع لشروط أطراف إقليمية ودولية.
وبهذا فإننا في حزب الشعب الديموقراطي السوري مازلنا نسعى، بالتجاوب مع مختلف المبادرات الجدية وبحراك سياسي هادف، من أجل تلاقي القوى السياسية الديمقراطية والعلمانية السورية على برنامج عمل مشترك وصياغة آليات لتوحيد فعالياتها ونشاطاتها، بما يساعد على النهوض بالحالة الشعبية السورية، ويكون أساساً لتشكيل جسم وطني جامع يعبر عن إرادة السوريين وتوقهم للحرية والعدالة.
4) نحو الجمهورية السورية الثالثة
مرّت سورية الحديثة بعد الاستقلال في العام 1946 بعدة مراحل: جمهورية أولى نشأت بعد الاستقلال وصولاً إلى الوحدة، ثم جمهورية ثانية بدأت مع الوحدة وانقطعت لفترة بسيطة فيما بين 28 أيلول 1961 حتى الثامن من آذار 1963، التي اتسمت بتأسيس نمط الحكم الشمولي الشعبوي، وأتت الثورة الراهنة في محاولة لتأسيس الجمهورية السورية الثالثة.
بعد أن عقد الشعب السوري العزم على أن يخرج من حياة العبودية‏،‏ التي تخبط في أوحالها وظلماتها أكثر من 50 سنة‏،‏ ويعود حراً كريماً‏، ما الذي ينبغي تغييره؟ وما الذي ينبغي الإبقاء عليه؟ وكيف نضمن التطورات المستقبلية؟ وماذا نفعل بالثقافة السلطوية القديمة؟ وهل التغيير يحدث من تلقاء نفسه أم لابد من إدارته؟ وما هي الفترة التي ستستغرقها عملية التحول؟ وهل يمكن لثقافة بكاملها أن تتغير لتحل محلها ثقافة أخرى؟
والسؤال الرئيسي هو: كيف يمكن أن يتحقق الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية في سورية؟ أي كيف يتم تفكيك النظام الشمولي والدولة الأمنية؟ وكيف يعاد إنتاج النظام السياسي على نحو يؤسس لديمقراطية تشكل أساساً للتغيير بكل مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يفرضه ذلك من إعادة بناء الدولة السورية الحديثة؟
إنّ خيار الوطنية الجامعة يمكن أن يضع السوريين في وضع أفضل لمواجهة تحديات المستقبل، إذ إنّ التفكير في المعطيات الراهنة يقتضي التأسيس لتصور جديد لهذه الوطنية، يقوم على النظر إلى المكوّنات السورية المختلفة بصفتها مكوّنات أساسية متساوية الحقوق والواجبات، ويؤسس لامتلاك السوريين دولتهم، ويسهم في تكوّنهم كمواطنين أحرار متساوين.
معالجة المسألة القومية، الكردية والقوميات الأخرى من تركمان وسريان/آشوريين، وشركس وأرمن، باعتبارها جزءاً من مهام الثورة الوطنية الديمقراطية في سوريا، بمنهج ينبثق من قيم الحرية والمساواة والعدالة، بعيداً عن الارتهانات الإقليمية، والتزاما بحل المسألة الكردية والقوميات الأخرى حلاً عادلاً، يضمن الاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية، كأفراد وجماعات في إطار الوطن السوري الموحّد.
لقد عبّرت الثورة عن رغبة أصيلة لدى أوسع قوى الشعب في إقامة جمهورية سورية ثالثة، والانتقال بالبلاد من عهد " الشرعية الثورية " إلى الشرعية الدستورية القائمة على الحكم المدني الديمقراطي. ويبقى السؤال الأساسي: كيف يمكن إعادة توليد عقد اجتماعي سياسي جديد يكفل تحويل حالة الفوضى الراهنة إلى عملية بناء لشرعية لا تقوم على تعسف منطق الصراع بل على توافقات منطق العقد الوطني.
لا شك أنّ تحديد الأولويات ومراجعة الأهداف المزمع تحقيقها ضرورة ملحة في سورية، ليتم التركيز على متطلبات تكريس القواعد الديمقراطية، وبناء المؤسسات الدستورية، وتعزيز اللامركزية الإدارية، على أساس جغرافي وليس قومي، ومعالجة المشاكل المعيشية وتحديث الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق التنمية والارتقاء بمستويات القدرات السورية.
إنّ سورية أحوج ما تكون إلى الدولة الديمقراطية القادرة والعادلة والفاعلة، دولة الحق والقانون والمؤسسات الدستورية والتنمية الشاملة المستدامة، حقوق المواطنين فيها هي واجبات الدولة، بما هي دولة الكل الاجتماعي، هي دولة كل مواطنيها بلا استثناء ولا تمييز، يشارك فيها الأفراد والمكوّنات الاجتماعية مشاركة فعلية من خلال المؤسسات. والحل المجدي الوحيد يكمن في قيام الدولة، التي عمادها المواطنة الكاملة القائمة على دستور عادل لا يميّز بين المواطنين على أساس ديني أو مذهبي أو قومي. ولعل مسألة الديمقراطية هي من أهم الدروس التي يمكن أن نستخلصها، فقد أدى إضعاف دور المواطن وتقليص المشاركة الحقيقية في العملية الإنمائية إلى ضعف الإنجازات التنموية الحقيقية، إذ إنّ التقدم الشامل لا يمكن تحقيقه واستمراره في ظل غياب التغيير السياسي، والاستناد إلى قاعدة ديمقراطية أوسع وتمتّع فعال بالحريات السياسية والفكرية. ولا يمكن تمثّل هذه التحولات بعمق إلا في إطار الدولة الحديثة التي تقوم على أسس ثلاثة: فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ورقابة المجتمع على سلطة الدولة، وخضوع سلطة الدولة نفسها للقوانين التي تسنها.
ومن غير الممكن تصور سورية لكل مواطنيها بمعزل عن عودة الروح إلى المجتمع المدني، وضمان مؤسساته المستقلة عن سلطة الدولة، كي يسترد المجتمع حراكه السياسي والثقافي، بما يخدم إعادة بناء الدولة السورية الحديثة، وأن تأخذ المرأة السورية دورها الفعلي كشريك وليس كواجهة او (بريستيج).
إنّ الدولة التي لا تستمد مشروعيتها من مجتمعها المدني، وليد مفاهيم السياسة المدنية والعقد الاجتماعي، تكون هشة وضعيفة مهما ادّعت القوة. وفي كل الأحوال، وطالما أنّ كرامة وحرية الإنسان هي التي تشكل أساس تطور أي مجتمع، فإنّ الرقابة المُمَأسسة، التي تمكّن من وضع الإنسان السوري المناسب في المكان المناسب، تشكل أحد أهم الشروط لتحقيق الانتقال من الاستبداد إلى الدولة المدنية الديمقراطية التعددية بأقل الخسائر، واستئصال شأفة العنف من العلاقات الاجتماعية والسياسية.
إنّ عملية التحوّل الديمقراطي تقتضي إعادة صياغة القيم السائدة، وتغيير أنماط السلوك من خلال مجموعة كبرى متكاملة من التحولات، من أهمها: التغيير من مناخ اليأس والقدرية إلى مناخ الثقة بالذات والقدرة على التحكم في المصير، والانتقال من القدرية التي يسيطر عليها الماضي إلى التوجهات المستقبلية. والتحدي الكبير هنا لا يقتصر على إصلاح التخريب الإنساني والوطني الذي تسبب به الاستبداد، بل يتعداه إلى ظهور الإنسان الجديد، الفرد المستقل الضمير والعقل. فما هو قادم لا يزال كبيراً، ولا يقل عن ثورة دائمة في أشكال وتعبيرات سياسية وثقافية وإنسانية مختلفة. ففي المرحلة الجديدة لن يقبل السوريون بعدم المشاركة في صياغة مستقبلهم، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم. وهذا سيعني اعتبار الوطن ملكاً لجميع مكوّناته وليس لفرد أو حزب أو أقلية.
5 ) حول الحزب
في إطار كل ما تقدمنا به وما يرتب ذلك من مسؤوليات على الحزب، بل على كل أعضائه، لا بد من التوقف امام المحطات التي مر بها منذ بداية الثورة حتى تاريخه.
مع انطلاقة الثورة تركت قيادة الحزب الرفاق بدون تنظيم لنشاطاتهم ومشاركاتهم في الثورة، وإنما انخرط الرفاق بشكل فردي، إذ عفت نفسها من التفاعل كمؤسسة مع الحراك الشعبي الثائر (1).
وقد شهدت سنوات الثورة انقسامات حادة في اغلب القوى السياسية ومنها حزبنا، بدءاً من عام 2014. حيث عملت شريحة من الرفاق، الذين أسسوا "المنبر الديمقراطي" في إطار فهمهم للنظام الداخلي والمحتجين على الأداء الحزبي، للضغط على قيادة الحزب لإجراء المراجعة وإعادة النظر بصيغ التحالفات وآليات العمل والتحضير لمؤتمر عام تأخر انعقاده. ولكنّ هذه التجربة الثورية في الحزب تعثرت، لأننا لم نتمكن من التخلص من أساليب العمل القديمة أو ممارسة الفكر الثوري كفاية على أرض الواقع من جهة، ومن جهة أخرى الحالة الموضوعية المتراجعة التي دفعت إلى خلق حالة من الإحباط، مع تحول المسار في اطار الثورة لإخراج قوى الثورة الحقيقية من دائرة الفعل واستبدالها بقوى الثورة المضادة لصالح النظام وحلفائه، مع التدمير والترحيل الممنهج لحواضن الثورة، من خلال التدخل السافر لإيران وأذرعها العسكرية الطائفية ولروسيا عام 2015 المفوضة من قبل المجتمع الدولي لتغيير الموازين والمواقع على الأرض.
وهكذا فنحن نعيش حالة مربكة بين طموحاتنا في بلورة أنفسنا كتنظيم حزبي ديمقراطي له عمقه الشعبي، يلعب دوراً رائداً في ظل أوضاع سياسية وميدانية سيئة تعيشها بلادنا وشعبنا، وبين استياء بعض الرفاق وتراجع الحماس وانتشار اللامبالاة تجاه العمل الجماعي والحزبي والسياسي عموماً. ونتحمل جميعاً مسؤولية تراجع الحزب وضعف الترابط التنظيمي والفكري والسياسي وقلة المبادرة والفعالية.
إن من أهم التحديات السياسية التي تجابه حزبنا هو تحولنا كذات فاعلة سياسية في اطار التحالفات والعمل الوطني، وإلى إعادة نشاط الحزب ليس إلى خارج سورية فقط وإنما إلى داخل سورية، وهذا هو الأساس، وخاصة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام في شمال وغرب سورية، ومن واجبنا كحزب ونخب وطنية مساعدة الناشطين الشباب في تلك المناطق فهم عماد المستقبل، ووضع برنامج عمل سياسي واعلامي وفكري وتثقيفي ومدني لكي يتسلح هؤلاء الشباب به، ويستطيعوا العمل بشكل مستقل، خاصة وأن الشباب السوري مارس أعمالاً ونشاطات لم يقم بها أحد في تاريخ سوريا، حيث مارسوا العمل المدني وإدارة المؤسسات المحلية والاغاثية والاعلامية والطبية، وتجمعت لديهم خبرات ممتازة في إدارة شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، ولذلك علينا الاستماع لهؤلاء الشباب وأخذ الدروس منهم والخبرة الثورية فهم مارسوا العمل الثوري على أرض الواقع.
ولتفعيل دور الحزب لا بد من مناقشة بعض المسائل وهي ذات طابع سياسي تنظيمي، سنذكر بعض بنودها على سبيل المثال لا الحصر:
-
العمل الفعلي، انطلاقاً من مقررات وتوجهات المؤتمر السادس، على بناء الحزب تنظيمياً كي يكون حزباً اجتماعياً ديمقراطياً منفتحاً على الشعب وشفافاً في فكره وسياسته وتنظيمه وتمويله.
-
وضع كل ما يلزم من أوراق فكرية وسياسية وتنظيمية لإعادة تجديد بناء الحزب على أسس عصرية.
-
تأكيد الممارسة الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية وفي نشاطه السياسي وأن يحترم رأي أعضائه وحريتهم في التفكير، بما يخدم مصلحة الناس، لأن التنوع في الفكر والممارسة مع الالتزام بوثائق الحزب وانظمته كل ذلك يجعل الحزب أكثر شعبية.
-
المساهمة والانخراط في توحيد ومأسسة المجتمع المدني السوري، الذي تعرض الى التمزق في السنوات الأخيرة، لأنه الحاضنة الأساسية لمفهوم الوطنية السورية وللعمل السياسي، ولا يغيب عن ذهننا أهمية إعادة الروح للتجمعات المدنية والمهنية، مثل نقابة المحامين والأطباء والمهندسين وكذلك اطر الفنانين والمثقفين وغيرهم.
-
مواكبة الأحداث الجارية وما يستجد وإبراز مواقف وتحليلات الحزب لها.
-
يكون التمويل شفافا ويعتمد قبل كل شيء على اشتراكات وتبرعات أعضائه ويمنع تلقي أموال مشروطة من الخارج أو الداخل.
-
العمل على تفرغ عدد من الرفاق الكوادر للعمل الحزبي ان أمكن ذلك (تأمين مرتبات لهم من خلال التبرعات ومن مصادر وطنية مستقلة) أو تخصيص وقت كافٍ للعمل وخاصة ممن لديهم الوقت والقدرات لكي يتم إعادة بناء الحزب على أسس تنظيمية وسياسية جديدة.
الخاتمة:
أيها السوريون الأحرار
أطول طريق يبدأ بخطوة، ونحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري- الهيئة القيادية، قادرون على النهوض، ولكننا نحتاج أكثر للصراحة والشفافية وروح العمل الجماعي والمزيد من ممارسة النقد والنقد الذاتي. إننا إذ ندرك صعوبات العمل الطوعي لكوادر ونشطاء عصاميين يعانون الكثير من ضغوط الحياة داخل البلاد وفي أماكن اللجوء، في مناخ يشهد تراجعاً كبيراً في الرغبة والاستعداد للعمل السياسي، لعوامل موضوعية وذاتية، ينبغي الا يكون بيننا مكان لليأس ولا مكان للانعزال عن العمل الجماعي فنحن نخبة سياسية، ينتظر منها شعبنا أن تقدم شيئاً للأجيال القادمة، والثورة التي انتصرت في فكر ووجدان الشعب السوري لا يمكن له ان يقبل بالظلم والذل بعد كل هذه التضحيات، فهل سنكون عند حسن ظن شعبنا.
------------------------------------------------------
(1)
مع انطلاق الثورة كان حزبنا من أكثر القوى تفاعلاً معها، داخل البلاد وخارجها، مستنداً بذلك على إرثه في مقاومة الاستبداد وتضحيات أعضائه، واستقلاليته و وطنيته، وخطه الفكري والسياسي والتنظيمي، الذي تكرس في مؤتمره السادس في شهر نيسان من العام 2005، فكان من الطبيعي أن تتفاعل منظمات الحزب مع الحراك الثوري التدريجي وبدأ تعرف الثوار على الحزب من خلال نشطائه الذين شكلوا مرجعيات سياسية للعديد من التنسيقيات، ولا تخلو أية محافظة من أسماء مهمة كان لها الدور المميز في جعل الحزب داخل دائرة الاهتمام من قبل القوى الثورية.
في الجانب الآخر ومع البدايات الأولى للثورة، شكلت البيانات والمواقف التي أصدرتها اللجنة المركزية وظهور عدد من كادرات الحزب على الفضائيات وتعرض عدد من نشطائه للاعتقال والملاحقة، عاملاً مهماً بتوسع دوائر تأثير الحزب.
في هذه الأثناء، كانت قيادة الحزب تنفصل تدريجياً عن قواعده ومنظماته، لتنغمس في حوارات كواليسية من أجل تشكيل جسم سياسي، ساهمت في توتير العلاقة مع عدد من القوى والشخصيات الوطنية، كانت خاتمته عملية مشاركة الحزب عبر إعلان دمشق (الذي لم يبقَ فيه إلا حزبنا وبعض الشخصيات المستقلة ذات التأثير الضعيف) في تأسيس المجلس الوطني السوري، بعدها حصل ما بات يعرفه الجميع، سواء في المجلس الوطني الثاني للإعلان الذي انعقد بإستنبول بداية 2014، وتشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر منظمات المهجر والغاء نتائج مؤتمرات الفرعيات وتسويفها، وشكل التعامل مع المنبر والتحقيقات المشينة والتي أودت إلى القرارات التعسفية المعروفة والتي قضت بفصل وتجميد وتنبيه عدد كبير من الكادرات، وإهمال المنظمات التي احتجت على هذه القرارات، وتجميد دور لجنة التحكيم الوطنية لأنها طعنت بشرعية قرارات اللجنة المركزية، وتسميم العلاقات بين الرفاق عبر الإشاعات والتشكيك، ثم تشكيل الهيئة القيادية المؤقتة من أجل إدارة الحزب والدفع باتجاه عقد المؤتمر السابع .
أواخر أيلول- 2019 حزب الشعب الديمقراطي السوري
الهيئة القيادية


Friday, August 16, 2019

العشق ما ينحزر جزره او مده

لا خبر لا جفيه
لا خبر لا چفيه لا حامض حلو لا شربت
لا خبر قالوا صوانيكم شموع انترست

والتمن الحلوات من كل بيت حلوه التمت
وأترف أصابع ليلة الحنه بعذاب تحنت

وفد نوب 
فد نوب ما مش وفه لهنا وصلت
فد نوب
فد نوب ما مش طيب لهنا وصلت

ولا خبر لا چفيه لا حامض حلو لا شربت 

---

ماسألتي ليه قبل المهر لا بالمهر لا بعده
يا حلوه اي ماي العشق يتبده عيني تبده

العشق ما ينحزر جزره او مده

الشوق ذبني بحيرتي واتعده

ولا خبر لا چفيه لا حامض حلو لا شربت 

---

ودينا للاهلچ والقمر ويا النجم خطابه
صغنالچ انجوم الثريا قلادة يا حبابة

يللي محبتچ شجرة صنوبر بوحشة غابة

ما اريد عشرة من شمع وسط الشمس تتبدى


Thursday, August 15, 2019

ألومُ صنعاءَ... يا بلقيسُ غازي القصيبي

ألومُ صنعاءَ... يا بلقيسُ... أمْ عَدنا؟!
أم أمـةً ضيعت في أمـسهـا يَزَنا؟! 
ألومُ صنعاء... (لوصنعاءُ تسمعـني)! 
وساكني عدنٍ... (لو أرهـفت أُذُنا)!
وأمـةً عـجـبــاً... مـيــلادها يــمـنٌ
كم قـطعتْ يمـناً... كم مزقـتْ يمنا 
ألومُ نفسـيَ... يا بلقيسُ... كنت فتى 
بفــتـنـة الـوحـدة الحسناء... مفتتنا
بـنـيـت صـرحـاً مـن الأوهام أسكنه
فـكان قبراً نـتاج الوهم، لا سكنا
وصـغـتُ مـن وَهَـج الأحلام لي مدناً
والـيـوم لا وهجـاً أرجـو... ولا مُدُنـًا
ألومُ نـفـسيَ... يا بلقيسُ... أحسبني
كنتُ الذي باغت الحسناء... كنتُ أنا!
بلقيسُ! ... يقـتتل الأقيالُ فانتدبي
إليهم الهـدهد الوفَّى بـما ائـتُـمِـنا
قـولي لهـم: «أنـتمُ في ناظريّ قذىً
وأنـتمُ مرضٌ في أضلعي... وضنا!»
قولي لهـم: «يا رجالاً ضيعوا وطـناً 
أما من امرأةٍ تسـتنقذ الوطـنا؟!»

شعر غازي القصيبي

Friday, April 05, 2019

الحاج المتردد

جرت العادة أن يقام حفل صغير للحجيج العائد، يقف خلاله العائدون من الحج يروي واحجا واحدا للحضور ملاحظاته ومشاهداته في رحلته المبارك. في احدى السنوات كان المتحدث رجلا أمريكيا دخل للإسلام عن طريق زوجته، ودارت به الأيام وإذا به على حدود السبعين يجلس إلى جانب زوجته في طائرته إلى جزيرة العرب. فتكلم للحضور عن مشاهداته بعد أن وصف نفسه بـ“الحاج المتردد" لأنه لم يكن حقيقة راغبا بالحج. ولكنه أضاف بأنها ظاهرة فريدة في حياته لأنه لم يعتد السفر ولا من أجل السياحة.
من بين ما قال أن أكثر ما أثار انتبه هو دعاء الحجيج لله سبحانه وتعالى ، فذلك يدعو طالبا الصحة وذلك طالبا بيتا و وصف ما سمعه من أدعية التي تطلب الكثير من الدنيا والآخرة. وبين كل هذه الطلبات التي ترتفع إلى الله سبحانه وتعالى وجد أنه لا يملك أن يسأل شيئا. فهو عنده كل ما يريد المرء. ولكن سؤاله لنفسه كان: "علمنا لماذا أتى هؤلاء الناس إلى هنا ولكن لماذا اتيت أنا إلى هنا؟" أخيرا وضح الأخ بأنه وجد الجواب. فالله أتى به إلى هنا ليُعين به كل أولئك المحتاجون المعونة.
مقالته هذه جعلتني أرى في هذا "الحاج المتردد" التعريف العملي للإنسان العدل في قوله تعالى:
{75} وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {76}

Saturday, February 09, 2019

لا والله نحن لسنا بخير: ظاهرة قديمة بثوب جديد


قبل أن ألج في هذه الموضوع أحب أن أنبه أنني على قناعة بأن المسلم من أجود وأكرم من عرفتُ من البشر، ولكن ما زالت هذه الصفات تحتاج لأن توجه بطريقة ايجابية تدفع بالأمة لميلاد جديد.
هناك "علماء السلطان" وهناك "علماء الأغنياء الجدد" فعلماء السلطان لا نحتاج أن نعرفهم، فالكل يعرفهم. أما الفئة الثانية فهم علماء المحظيين من طبقة "الأغنياء الجدد" وهذه الطبقة هي كل من راكم الثورة بشكل أو أخر منذ الثمانينات حتى الأن. فحديثي النعمة اليوم يبحثون عن شئ ينقصهم، فمنهم من يبحث عن وسائل لـ"تسبيع" ثروتهم أو تطهير سمعتهم.. وكثير منهم من كانت أموالهم حلالا، فهم يبحثون عن المصداقية الإجتماعية والأخلاقية الإسلامية بمثل هذه المجالس التي لا تقوم بطبيعتها على اي مشروع حقيقي للأمة.  لذلك نراهم يحيطون أنفسهم ببعض المشايخ - في الحقيقة بعضهم بحسن نية وبعضهم بسوءها - لا يصلون إلى مراتب العلم، بل هم أقرب للـ"صُحفيين"* منهم للعلماء. حيث أغلب طروحاتهم الفكرية – إن صح المصطلح - مأخوذة بطريقة القص والتلصيق. حتى الأزهريين منهم أفقدونا معنى "الأزهرية" إلا ما رحم ربي. وهذه ظاهرة تذكرنا بمسرحية موليير "البرجوازي النبيل"  (1670) الذي ألفها ليصور حالة هذه الطبقة الجديدة.  (وهذه ظاهره معروفة في أمريكا بين غير المسلمين حتى؛  فتجد الثري بعد أن وصل إلى مرتبة من الثراء يبذل الجهد لاعمار مكتبة مثلا.)

واليوم تغتظ بيتوتات المغتربيين ولا سيما السوريين في أمريكا بمثل هذه المظاهر، فإن كان هؤلاء الأغنياء الجدد يبحثون عن تبرير لسفور أزواجهم. تجد مجالسهم حافلة بهؤلاء الصُحفيين الذين يتطاولون على أيات الله ليبرروا لمحظييهم ما يريدون، وإن كان هؤلاء يشعرون بخذلانهم للثورة والتردد بنصرها، نجدهم يجمعون من المشايخ من يقول لهم "معكم حق" وأن الثوار (الله يصلحهم) كانوا مستعجلين ومتهورين،وإن كان المستمعين أكثر استرخاء فيأتون بصوفي يعمل لهم حضرة. وعلى ذلك فقس.   حتى صارت هذه الجلسات "جلسات ما يطلبه المستمعون"، فيأتي المتحدث وبعد أن يجس نبض الحضور يسمعهم ما تهوى أنفسهم.

ونحن نقول أن هؤلاء في كثير من الأحيان - أقرب منهم لحكم السفاهة من أي حكم آخر. فالسفاهة طَيْشٌ ،و خِفّةٌ ،و جَهْل، لذلك وضع حكم الحجرعلى السفيه. فهذه الحركات الخالية من المعنى تضيع جهود الأمة ومواردها في ما لاينتج عنه شي، فلإن يخرج أحدهم من الخمارة وهو يشعر بتأنيب الضمير، اخف وطئا على الأمة من الخروج من هذه المجالس. فالخارج من خمارة يشعر بتأنيب الضمير ويستغفر الله وقد يرعوي، أماالخارجون من مثل هذه المجالس فيخرجون يحملون شعور النشوةـ وأنهم أدووا ما عليهم. فلا هم شعروا بما عليهم أن يفعلوه ولا هم عملوا ماينفع الأمة شروى نقير. ولا هم شعروا بالذنب الذي قد يدفعهم لعمل نافع. فسبحان الله كيف كان الحديث عن طبقات الآزون** التي تدل على اعجاز الله لن تبني سقفا واحدا في بلادنا، وابداع الله في خلق الرجل اليسرى للعنكبوت** لن يعيد ساق طفل من بترها.  وحضرات الذكر** ولو أخذ الحال بالحضور ليمشوا في الهواء لن تدفع الظلم عن أمتنا. وإبداع الرحمن - على روعته - باستعمال الباء "يشربون بها" عوضا عن الميم لن يروي عطش رضيع واحد في العالم.    

والأمر جلل في الأيام العاديات  أما ومع كل المستجدات في أمتنا فهذا مرض يمتص كل طاقات البلاد والعباد.  فأذكر مرة أنه بعد صلاة المغرب قُدّم في المسجد أحد الـ" العلماء" لإلقاء درسا في التفسير. فبقيت استمع، وكانت أطول ساعة مرت. لم أسمع فيها جملة أبداعية واحدة. فكان التفسير كمن يفسر الماء بالماء. خرجت بعد العشاء من المسجد وأنا محموم من تدني المستوى. فإذ بصديقي الذي يمشي معي وهو من هؤلاء الأغنياء الجدد يقول: هل سمعت ما شاء الله هذا الشيخ كم من العلم عنده. هممت بالاعتراض ولكني تراجعت؛ فإن كانت عشر سنوات من الدراسة الجامعية لم تجعل هذا الأخ قادر على تميز ضحالة علم هذا المحاضر. فلايمكن لمثلي أن يصحح ذلك عنده.
نحن بحاجة لكثير من هذه الجلسات أخواني الكرام، ولكن جلسات يخرج الحاضرون منها في حمى تواقة للعمل البناء.  لا أن يخرجوا ويشعرون بأن الدنيا بخير، فكما قال الشيخ فتحي الصافي في لحظة تجلي سرعان ما غابت وليرتكس الكلام ويعود حول أحكام الحيض والنفاس، "لا والله نحن لسنا بخير." 

محي الدين قصار
2 شباط 2019
----------------------------------------
*الصَحفي: هو من أخذ العلم من الصُحف، وقد عاب الفقهاء على من اتبعه دون أن يكون الأخذ من العالم مباشرة.   
** كذلك تكون أحاديثهم وجلساتهم

دماء الخاشقجي تلاحق الكثيرين: 1


اللاعبون:
- جيف بيزو مؤسس وصاحب شركة "أمازون" وكان قد اشترى جريدة "واشنطن بوسط"
- ناشيونا انكويرور: مجلة أمريكي تلقت أموالا من السعودية ومارست تغطية فضائح طرمب وسترها بحيث كانت تشتري حق النشر من صاحبة العلاقة ثم تمتنع عن نشرها؛ وتمنع صاحبتها من النشر لأنه باعت هذا الحق. (هذه حقائق باعتماد القضاء الأمريكي واعتراف الجريدة نفسها. القضاء ألزم الجريدة بحسن السلوك إلى أن تنتهي التحقيقات في قضايا طرمب وشريكاته في السرير.
القصة:
جيف بيزو ينشر يوم الخميس مقالا طويلا يقول فيه بأن الناشينال أنكويري تبتزه بأنها ستنشر قصة عشيقته مع صور اباحية له (القصة قديمة وربما كانت وراء طلاق جيف)
الثمن:
على جيف أن يمارٍس نفوذه على "الواشنطن بوسط" كصاحبها لكي تتوقف عن نشر ملاحقات جريمة مقتل الشهيد #الخاشقجي رحمه الله. وإن لم تتزقف الـ"واشنطن بوسط" فستقوم الـ"ناشينال أنكويرور" بنشر فضائح جيف.
النتيجة:
أخي القارئ أربط الأمور كما تراها مناسبا.

Tuesday, January 29, 2019

لا تقيسوا تـركيا على جمهوريات الموز العربية

بكل أسف خمسة اجيال من العرب درجوا على رؤية مراجلَ الحاكمِ بأمره الإعلامية والخطابية وتصديقها. ولم يروا حقيقة كيف التعامل مع الآخر على المستوى السياسي،  هذه الممارسات ولدت شعبا أقرب منه لتصديق تخييل* الإعلام عليهم عندما يمتنع السياسي عن لقاء الخصم علنا. ويتناسى الناس كيف أن هذا مجرد وهم يشتروه ويريحوا بهم ضمائرهم. وأبسط مثال على هذا علاقة العداء الذي درج الشعب على تصديقها بين عبد الناصر والنظام الأمريكي؛ وبقي الناس هكذا إلى ان أتانا هيكل بعد أن بلغ من العمر عتيا ليقول لنا أن السفير الفرنسي لم يكن "يتكنس" من مكتبه ومكتب سيده جمال عبد الناصر. ورغم كل مراجعات هيكل وفضائحه مازال بعض المساكين يعتقدون أن جمال عدوا لأمريكا.
فهذا الشعب اليوم لا يستطيع أن يفهم ما يجري بين تركيا وجارتها روسيا.   فهذان البلدان هما في حرب غير رسمية في كثير من الأمور. ولكن ما لم يفهمه العرب أن الحرب لا تعني أن تمارس السياسة بطريقة المراجل الفارغة. وبالحقيقة سيأتينا يوما ننظر بإعجاب، إن لم نفعل بعد،  لما تفعله القيادة التركية من مناورات ثنائية ومناورات  دولية لا تقتصر على روسيا بل تتعداها لكثير من دول العالم، تمكنها من تحقيق تحييد لأعدائها إن لم تستطع أن تحقق أنتصارات.  فالسياسة هي "فن دفع المفسدة وجلب المصلحة."  
 والمصلحة هنا هي كل ما يحقق مصلحة الشعوب في سوريا وجيرتها إلا إذا كانت هذه المصلحة ستجر مفسدة على تركيا، فقبل كل شي حزب العدالة ورئيسه وحكومته  هم للأتراك وليسوا لنا.  سيأتي يوما قريبا ليتعلموا العرب أن حكوماتهم أمعنت في الخيانة تحت الطاولة واليوم لم تعد تهتم لهم بل تجاهر بعداوتها لهم، بينما يبق اللاعب التركي يشغل موقعه بجدارة كوسام على جبهة التاريخ.       

*التخييل هو عندما يحرك الفارس فرسه وهو يراوح في مكانه فيثير غبارا يوهم المشاهد بالأعمال البطولية.

خطوة على طريق الثورة العربية: كبح جماح هبوط الإعلام العربي

خطوة على طريق الثورة العربية: كبح جماح هبوط الإعلام العربي 
جاري في القطار  قال لي مرة لا بد من معاقبة هؤلاء الأعلاميين، فكلنا يعرف الطريقة التي يتعامل فيها النظام العربي مع الإعلاميين وزوار الصحف والقنوات العربية الذين يمارسون الـ"تشبيح" والتزوير وتسفيه العامة والخاصة. فهناك حدود واضحة بين التعبير عن الرأي وبين التشبيح الإعلامي،  وهناك مستويات من التشبيح، ولابد لنا من إيجاد آلية ما للحد من فعلها على أرض الواقع. فمن غير المعقول أن يملأ هؤلاء جيوبهم بالمال لعهرِ لا يعاقبون عليه.  فلو أدرك هؤلاء أنهم سيعاقبون لترددوا في جرائمهم بحق أمتنا. 

في مطلع الثورة كان هناك اقتراح أن يطبق "حكم الحرابة" على كل من هؤلاء الشبيحة،  وهذا الحد يختلف حسب فداحة الجريمة التي يمارسها،  فلو سألت أي طفل في العالم العربي لقال لك وبدون أي تردد من هم هؤلاء الشبيحة الإعلامية، سواء من خلال مركزهم الأكاديمي (موظفي وزارة التربية) أو من خلال قدرة السلطة العربية على فرضهم على الناس من خلال أقنيتها صحفا وتلفزيون .   وقد وافق الجميع حضورا وغيابا على أن "حد الحرابة" هو الحل الحقيقي لهذه المشكلة. ولكن حيثيات كثيرة جعلت التنفيذ تخمد حدته.

اليوم وضح الآن لكل ذي عينين أن النظام العربي بأجمعه هو عدو للثورة، وأن الثورة ليست ثورة إن اكتفت أن تكون على النظام السوري.  فلا بد لهذه الثورة من الانتقال من الحالة السورية إلى الحالة العربية.  فكان الاقتراح أن تُشكّل "محاكم شعبية" تحاكم ولو غيابيا (إلى ان نتمكن من أحضارهم أمام المحكمة) هؤلاء الشبيحة الإعلاميين.  وأن يكون في هذه المحكمة مدعي عام ومحامي الدفاع وسبعة قضاة وإن لم نتمكن من تامين سبعة قضاة فليكونوا ثلاثة.

ولنجعل نهاية كل محاكمة بإعلان الحكم النهائي على الشبيح الإعلامي.  ومن الممكن أن تمنح المحكمة المتهم ثلاثة أشهر ليتوب ويمتنع عن الإعلام أو أن العدالة الثورية ستناله،  ويترك تنفيذ الأمر للشباب في الثورات العربية.
  
إننا لا نحتاج أن نحاكم الجميع،  فهؤلاء من الجنس الخسيس الجبان،  يكفي أن يرى من سبقهم إلى العقاب ليسارعوا إلى الإختباء في جحورهم.

Saturday, January 26, 2019

غريغوريوس .. وطنية وعطاء

منقول أحببت أن احتفظ بهذا النص

غريغوريوس .. وطنية وعطاء
عندما مات عام 1928 شارك في جنازته 50 ألف مسلم دمشقي من بينهم عدد كبير من شيوخ المسلمين، وقيل إن المسلمين أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير حتى أن الكثيرين أسموه محمد "غريغوريوس" و"أبو الفقراء والمسلمين،" إنه البطريرك غريغو ريوس حداد الذي كان شخصية إنسانية عظيمة وعلى درجة عالية من الوطنية والتسامح، وواحداً من رجالات سوريا الذين عرفوا قيمة الوطن وصانوه ودافعوا عنه وعن أبنائه بالحب والعطاء علاقته مع الإسلام والمسلمين مثال يحتذى به في التسامح والمحبة ووحدة الحياة بين ابناء الامة الواحدة-المجتمع الواحد. 
البطريرك غريغوريوس حداد مشهود له بالوطنية وكتب عنه العلامة محمد كرد علي في مذكراته مايلي:عرفت صديقي البطريرك غريغوريوس حداد قبيل الحرب العالمية الأولى وبلغني عنه هذه الرواية : بسبب المجاعة التي أصابت شعب هذه المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى أستنهض البطريرك الهمم لمساعدة الجائعين والبائسين وباع أملاك وأوقاف الطائفة الكثيرة في سورية ولبنان ليشتري لها الطعام للمحتاجين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او طائفتهم ، ثم كان مرة من نافذة غرفته المطلة على ساحة البطريركية  يراقب الشماس يوزع الخبز على طالبيه ولما رد الشماس امرأة مسلمة متحججا أن القمح قد نفذ من مخازن البطريركية ، نزل إليه ونادى المرأة وقال : أعطني رغيف خبز ، فلما تناوله قلبه بين يديه وقال للشماس : "أنا لم أقرأ أنه قد كتب على الرغيف مصنوع من أجل المسيحي الأورثوذوكسي ؟ يابني إدفع الصدقة لكل من يطلبها فالخلق كلهم عيال الله " وناول المرأة حصتها.
ويقال انه فتح أبواب البطريركية للجميع أيام الحرب ، واستدان أمولا طائلة لإطعام الجائعين ، ومن أخباره في هذا الشأن أنه كان له صليب ماسي أهداه إياه قيصر روسيا "نقولا الثاني" لما نفذت أمول البطريركية رهنه لدى صائغ يهودي دمشقي بألف ليرة عثمانية، فلاحظه أحد أغنياء المسلمين فذهب وفك رهنه وأعاده الى البطريرك ، فأخذه البطريرك وباعه من جديد دون أن يدري به أحد وصنع مثيلا له من احجار زجاجية بدل الماسية لم يعرف بالامر أهل البطريركية إلا بعد موته . كما يروى عن غبطته أيضا أنه كان أول من بايع الملك فيصل عندما توج ملكا على سوريا ، وبعد معركة ميسلون وبينما الجيش الفرنسي يستعد لدخول دمشق ، غادر الملك فيصل بالقطار ، إلا أنه فوجئ بالبطريرك غريغوريوس قادما وحده إلى محطة الحجاز ليودعه قائلا : "هذه اليد التي بايعتك ستبقى على العهد إلى الأبد" فما كان من الملك فيصل سوى أن صافحه باكيا ومحاولا تقبيل يد البطريرك . ولما توفي عام 1928 جري تشييع جثمانه من بيروت إلى دمشق فاستقبلت الحكومة السورية جثمانه على الحدود باطلاق مئة طلقة من المدفعية تحية له ، فيما كانت الجماهير تصرخ: "مات أبو الفقير مات بطريرك النصارى وإمام المسلمين ، نزلت بالعرب الكارثة العظمى"  وأرسل الملك فيصل من بغداد إلى دمشق مئة فارس على الخيل يشتركوا في التشييع ، كما يروى أن الجثمان عندما وصل الى ساحة الشهداء في بيروت شرع أحد التجار المسلمين يرش الملبس على الطريق أمام الجثمان قائلا : "إن هذا القديس قد أعالني أنا وعائلتي طيلة الحرب العالمية الأولى"
كما شارك في الجنازة كبار الشيوخ المسلمين منهم مفتي البقاع في لبنان "محمد أمين قزعون" وقيل أن مسلمي دمشق أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير
هذا هو البطريرك غريغوريوس الذي لقبه أهل دمشق بـ أبو الفقراء.
( فرح )

حديث من القلب عن "المرأة"

-1-
مخافة الظلم من الصعب عليّ الحديث عن المرأة بشكل عام وعن المرأة المسلمة بشكل خاص،  وكم أتمنى أن تكون امرأة من تكتب هذا الكلام، ولكنني أجد أنه من الضروري أن المس هذا الموضوع هذه الأيام فلعل مبلغ أوعى من سامع.  فالمرأة هي الركن الأساس الذي رفع صرح الحضارة الإسلامية عبر القرون.  فأينما تنظر تجد روعة الإنجاز الأنثوي في حضارتنا.  وأينما ألتفتُ أرى والدتي وجارتها لوريس وجدتي وحماتها وخالاتي وعماتي وبناتهن وجارات حينا وبناتهن؛ كل هؤلاء أراهن صورة في تلك السورية التي التف الـ"بانطو"  بحزم حول جسدها الغض في حر صيف الشرق أوسطي، وهي تقطع المسافات بين الخيم في مخيم اللجوء.  فأرى بعينيّ قلبي ما يصنع اجتماع الحر وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ بها، فتراها غرقى بعرقها المحموم في الصيف أو تجر أوحال المخيم وثلجه ومطره في الشتاء. نعم إنهن نساؤنا . فتراهن قد حولن خيمة صغيرة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء إلى قطعة سلام يلجأ اليها أولادهن ليعيشوا لحظات دافئة قليلة‘ علها تمنعه من نسيان الحياة السوية وتؤكد له أنه سليل حضارة عتيقة لا علاقة لها بهذا الظرف الطارئ على الحياة.

إن المعجزة لم تنطلق من مخيم الثورة فحسب،  بل هؤلاء النسوة مارسن السمو منذ اليوم الأول في حياتهن، وورثنه كابر عن كابر ؛  فتحت كل ظروف القهر والحرمان التي تتعرض له مجتمعاتنا منذ مايزيد عن تسعة قرون تقف المرأة كصانعة المعجزات الصامت.  فلا يمكننا الكلام عن إي انجاز في امتنا ما لم يكن هناك نسوة طاهراة عفيفات صابرات قادرات حازمات يقف مع رجالهن، يبدأن بشق نطاقهن* لحزم غذاء رجالهن، ويوبخن** رجالهن إذ ظنن بهم خورا.  فحالنا كقول الشاعر
{كم أمة بنسائها فوق الذرى وكم أمة بنسائها ركعت ذليلة}  فإن كنا قد رأينا يوما أمتنا فوق الذرى فالفضل الأول في ذلك للماجدات من نسائنا، فلولا عزتهن وصمودهن وشموخهن لما رأينا أمتنا  بين غاية تُشرّف وراية تُرفرفُ.  وكما خرجت عزيزاتنا بشموخهن من تحت انقاض الجريمة التي ارتكبها عملاء الغرب بسلاح الطغيان الغربيي،  ستخرج أمتنا من إلى قمة جديدة من المجد ترفع بها البشرية إلى آفاق جديدة.  
(للحديث بقية)
-----------------------------------
* نسبة لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم  التي شقت نطاقها لتحزم طعام المهاجرين محمد صلى الله عليه وسلم وأبيها.   
**نسبة لقصة الشاعر أبو محجن الثقفي وقد كان حبيساً لدى سعد بن أبي وقاص بسبب شربه للخمر، ولكنه عز عليه أن يرى قومه خارجين للقاء الأعداء دونه، وهو حبيس زنزانته، وهو من هو : الفارس الذي لايشق له غبار؛ فاستأذن زوجة سعد في التفلت من القيد وإستعارة فرس سعد لجولة في المعركة يعود بعدها لزنزانته باراً بوعده لها،  ولما حدث ذلك , وإنطلق يكر ويضرب أعناق العدو، وعندما حل المساء وكان لابد له من أن يبر بوعده فقفل راجعاً فرأته إمرأة ظنته فاراً من المعركة، فانشدت :

                      من فارس كره الطعان يعيرني   رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّر
فرد عليها :
                      إن الكرام على الجياد مبيتهم  فدعي الرماح لأهلها وتعطري

Thursday, January 10, 2019

القاهرة والمشهد الثاني من الخريف العربي

في أغلب بلاد العالم جهات تقوم على قراءة المواقف الأمريكية واستشعارها من خلال تصريحاتها وأعمالها، وتنشئ تفاهمات مع المسؤولين الأمريكيين، ويسمعوا همه ثم يعودون كل منهم إلى مؤسسات قراره السياسي وراسمي استراتيجاته ليحاولوا التنسيق بين خططهم المستقبلية وافعالهم ومرادت السياسة الأمريكية فيما يمكن التوافق بينهم. فبقدر ما تملك الدولة استقلالية قراراتها السياسية بقدر ما تتمكن من صياغة خططها بأقل الانزعاج من القادم الأمريكي. عادة هذه التغيرات السياسية ولا سيما إن كانت تشكل ابتعادا عن السياسة الأمريكية ، تتم بليونة عالية لكي لا يتم احراج كلا الطرفان المحلي والامريكي.
وحدها اسبانية خرجت عن هذا الاسلوب بعد تفجيرات مدريد المنسوبة إلى القاعدة، إذ تمكنت القاعدة وبعملية لم تتجاوز كلفتها ثمانين ألف دولار من اسقاط الحكم اليميني في مدريد وصعود الجناح اليساري المعتدل الذي سرعان ما شكل حالة انفصال عن سياسات الأمريكية فانسحب من العراق وافغانستان، وابتعدت اسبانيا بهذا كليا وعلنيا عن مصائر السياسة الأمريكية.
من طرف آخر من المشهد وحده العالم العربي التعامل معه استثنائي من قبل السياسة الأمريكية، فالسياسي العربي يتلقى الأوامر مباشرة من السياسي الأمريكي دون مواربة صريحة وواضحة. ولكن لا يكفي للسياسي العربي أن تشرح له ما تريده ان يفعله، فلا بد أن تصدر له أمرا بالتنفيذ خطوة خطوة بكل الحيثيات، ومع هذا تجد السياسي العربي يستمع وهو يفكر كيف يجني من تنفيذ هذه الأوامر الأرباح، ولا اقول الأرباح للبلاد بل الأرباح له ولعائلته ومقربيه؛ بعيدا عن الأهداف التي تريد أن تحققها الأوامر الأمريكية. ففي 2009 كتب السفير الأمريكي في تونس و في رسالة إلى الخاجية الأمريكية (ويكيليكس) في قضايا الإنفاق المخيفة التي تمارسها عائلة بن علي قائلا: "إن هؤلاء (بن علي والطرابلسية) لا يستمعون لأصدقائهم لا بصيغة نصائح ولا بصيغة أوامر وتهديدات." طبعا لا من أولويات الخارجية الأمريكية ولا أولويات السياسة الأمريكية تحقيق مصالح العرب، (وإنا أزعم أن هناك الكثير من اصدقائنا ولكنهم أفرادا لم يشكلوا يوما كما يعتد به. ) ولكن ما يهم السياسة الأمريكية هي التعامل مع العالم العربي وإراحته بما يكفي لتجنب الإنفجار لا أكثر ولا أقل.
لذلك فالسياسة الأمريكية كلما تمر بمنعطف مهم كلما احتاج العالم العربي لخطاب جديد، فرأينا أوباما يطير إلى القاهرة ويبهدل العرب، واليوم يطير وزير الخارجية ويمارس نفس الأسلوب في المراجل الصريحة على زعامات عربية كانوت قبل أسابيع تقبل حذاء موظف من الدرجة الثالثة في الخارجية الأمريكية في نيويورك وواشنطن أو في تكساس على ايام بوش. إن هذه التقاليد عبارة عن الحظة الأخيرة التي تمنحها السياسة الأمريكية للحكام المحليين، فهي سياسة علنية مطروحة على الجميع لا لبس فيها ولا غموض. وهو اعلان عن مزاد علني للحكام المحليين ولكل الصف الأول والثاني من قاداتهم الأمنية والعسكرية. بهذه الطريقة تتمكن السياسة الأمريكية من استجرار "العروض" لأكثر العناصر التزاما بالمطالب الأمريكية خلال السنوات السبع القادمات ولاسيما تلك التي تستطيع أن تفرض توازنا داخليا يمكن تجنب لحظات إنفجار براكين الغضب.
بعد الزيارات الفاشلة لواشنطن خلال تسع اشهر الماضيات لم يستطيع حكام العالم العربي أن يثبتوا أنهم تعلموا الدرس من ثورات الخريف العربي، فكل ما اعتقد أصحاب الخليج هو أنهم بدعسهم على المبادئ الإسلامية سيكسبوا ود الأمريكان. أما مصر فقد أنفقت كل أرصدتها ولم يبق لها سوى رصيد الأمن الإسرائيلي، وهؤلاء غير مقتنعين أن السيسي سيتمكن من تأمين هذه الحماية لهم؛ حتى العامل الإقتصادي لم يبق لمصر أي قدرة شرائية قد تطمع الشركات الأمريكية بالاستفادة منها. فلم يبق هناك ما يمكن به من شراء السخط العام، ولم يعد هناك ما يمكّن من تأمين الحد الأدنى للحياة والبقاء مع خط الفقر. وفي عالم لا سرية فيه يتحول العالم العربي إلى بركان يحاول الأمريكان اخضاعه ويطمحون أن يكون لهم مندوبون ساميون لا يحملون المناشير الآلية ولا يتناوبون في تفجيراتهم بين الكنيسة والمسجد، فلم يعد يستسيغ أحد تلك الألعاب المخابراتية. وهو يريدون هذا لا حبا بنا بل حبا بمصالح الأمريكان.