Friday, December 16, 2011

لوعة الشوق أين تذهب بعد اللقاء


 قد اختلف معك أخي الإنسان،  بل قد أجادلك بحثا عن الحق ساعات طوال،  ولكنني لن آذيك أبدا لأنني عندما أنظر لك لا أراك بل:

أرى  ليالي طويلة قضاها ابواك بالسهر على حافة فراشك يحلمان بمستقبلك. فهل فكرت بأحلامهما؟

أرى ذلك الشعاع من النور الذي يصل قلب أمك على الأرض يصلها برب العالمين تتوسل  لك الشفاء.  فهل رأيت وصلا للسماء بمثل هذا الطهر؟

أرى ذلك البريق في عيني جارك وهو يراك بطرف عينه ترفع الأذى عن الطريق في حارتك. فهل أنتبهت كم ضياء نشرت حولك؟    

أرى ذلك الأمل الذي لمع في قلب معلمك وهو يسمع أولى إبداعاتك وهو يسأل نفسه لعله يكون هذا البطل المطلوب.  فهل شعرت بالأمل الذي تزرعه في طريقك؟

فإذا كنتَ صغيرا أرى فيك الأمل أنت تكون ابن الرومي، أم حافظ ابراهيم، ولعلك من سيجد دواء لمرض مستعص.  
وإن كان تقدم بك السن فلعل ابنك أو ابنتك من سيكون السبب لحلم بغد أجمل، و نور يصلنا بالله سبحانه ولو لدقائق، أو ضياء يلمع في حياتنا، أو أمل يدغدغنا،  
وهنا لا تهمني فيما إذا حققت كل هذا أم لا فهذه المشاعر والآمال مطلوبة بذاتها ولولاك لما كانت.  فهل فكرت في جمال لوعة الشوق أين تذهب بعد اللقاء وكذلك الحلم والنور فهي تلك التي تجعلنا أنسانا. 
فهل تنقص أي من هذه الصفات حسب دينك أو معتقدك أو جنسك أو عرقك... 
هل تعرفون أحدا لا يملك كل هذا بسبب من الأسباب... 

Sunday, December 11, 2011

1 ماذا يدور في عقل الأسد؟

كلما تأخر اسقاط النظام كلما ارتفع ثمن الحرية على شعبنا،  بشار الأسد يتمسك بالكرسي بأسنانه ويردد لماذا على أن أتخلى عن الحكم،  أبي ذبح نصف مليون نسمة في الثمانينات وعاش بعدها الكرسي لنا حتى الآن،  أنا لم أذبح بعد سوى عشر آلاف،  مازال أمامي الكثير لأصل إلى ما فعله أبي ولم يعافب عليه،  فلماذا أتخلى عن الكرسي.  اما الحصار الخارجي فقد حاصروني وحاصروا أبي طوال هذه السنوات ومن ثم أتاني سركوزي لدمشق.  
إقرأوا ما يقول لي مقابلته: 



والترز.: لكن سوريا تماما شبه معزولة.  قال رئيس وزراء تركيا ، الذي كان حليفا لديك ، وأقتبس ، "لا يمكن النظام البقاء على قيد الحياة عن طريق قتل أو سجن". الاردن يقول لك يجب ان يتنحى ، الجامعة العربية والتي سوريا كانت عضوا مؤسسا علقوا عضويتكم ك ، قد فقدت كل الدعم من الجيران والأصدقاء. هل هذا الأمر مهم بالنسبة لك؟

الأسد : هذا يعتمد على كيفية تصفون ، أو كيف تعرف العزلة والدعم؟ كيف فعلوا الدعم ، كيف كان دعمهم لي وكيف هم يعزلوني ؟ العزلة ليست من قبل الزوار أو من خلال دعم بالكلمات ، ولكن عن دورك ، وموقعك.


الأسد : لا أحد يستطيع أن الدعم -- لا يمكن عزل سوريا بسبب موقفنا. حدث ذلك في عام 2005 وانهم لا يستطيعون ، بوش حاول عزل سورية وشيراك وبلير... الجميع ، لم يتمكنوا ، لدينا دور نؤديه. نحن ملرتبطون بمشكلتين مختلفتين،  . إذا عزلوا سوريا ، وسوريا سوف تنهار وانه ذاهب الى ان تفعل المفعول ، سيعاني الجميع ، لذلك لم يكن لديهم مصلحة في عزل سوريا  لسنا نحن معزولة.


والترز : سيدي الرئيس ، هم يعزلونك ، لقد فرضوا عقوبات اقتصادية ضدك ، وقد يكون لديهم مزيد من العقوبات ، كل من هؤلاء الجيران التي تسميهم أصدقاء تخلوا الآن عنك.

الأسد : لقد كنا الحظر ، كنا تحت الحظر  ، واحد ، وتحت الحصار لـ 30 سنة الماضية ، 35 عاما ، انها ليست شيئا جديدا ، لكنها متقلبة صعودا وهبوطا تبعا لهذا الوضع ، تلك البلاد التي تتحدثين عنها ، لديهم تأثير قليل على الوضع في سوريا.

والترز : جيرانكم ليس لديها نفوذ؟

الأسد : لا ، لا ، لدينا ، لا يزال لدينا علاقة جيدة معهم ، انهم لا ، نحن لسنا معزولين. لديك الناس يأتون ويذهبون ، لديك التجارة ، لديك كل شيء ، ولهذا السبب قلت ، وكيف يمكن تعريف العزلة ، إذا كنت لا تعرف ذلك ، فإنه على مصطلح. في الواقع  لسنا نحن هنا معزولة. 
وولترز : لقد فرضوا عقوبات ضدك.
الأسد : أي نوع من العقوبات؟  لا شيء
والترز : العقوبات الاقتصادية ضدك.
الأسد : ليست منفذه. انهم سيعانون ، والبلدان حول سورية تعاني. ماذا عن الترانزيت، وماذا عن أشياء كثيرة ، وغيرها ، لديهم مصالح مشتركة معنا ، وأنها لن تنفذ ، أو أنهم لا يستطيعون أو أنهم سيعانون. هذا يتوقف على الخيارات التي سيتخذونها،   لهذا السبب قلت  عزل سوريا ليست شيئا سهلا. انه قرار ليس سهل التطبيق ، انها ليست سهلة. حتى انها ليست حول الاقتصاد ، ولكن عن دور كامل في ، في الساحة السياسية في الشرق الأوسط ، انها ليست فقط حول الاقتصاد.

Thursday, December 01, 2011

أداء البورصة السورية خلال 11 شهر من 2011


فقدت سوق الأسهم في دمشق 50% من قيمتها خلال سنة منذ 2  كانون الأول 2010 حتى اليوم.  حيث هبط قيمة المؤشر من 1682.07 ليصبح 846.95 
كما فقدت 10% من قيمتها خلال ثلاث أشهر الماضيات.  

Wednesday, November 30, 2011

يا سوريّة لا تعلني الحداد

للشاعر احمد مطر


له لسانُ مُدَّعٍ..
يصولُ في شوارعِ الشَّامِ كسيفِ عنترة 
يكادُ يلتَّفُ على الجولانِ والقنيطرة


مقاومٌ ... لم يرفعِ السِّلاحَ
لمْ يرسل إلى جولانهِ دبابةً أو طائرةْ


لم يطلقِ النّار على العدوِ
لكنْ حينما تكلَّمَ الشّعبُ
صحا من نومهِ
و صاحَ في رجالهِ..
مؤامرة !
مؤامرة !


و أعلنَ الحربَ على الشَّعبِ
و كانَ ردُّهُ على الكلامِ..
مَجزرةْ
مقاومٌ يفهمُ في الطبِّ كما يفهمُ في السّياسةْ
استقال مِن عيادةِ العيونِ
كي يعملَ في ” عيادةِ الرئاسة ”
فشرَّحَ الشّعبَ..
و باعَ لحمهُ وعظمهُ
و قدَّمَ اعتذارهُ لشعبهِ ببالغِ الكياسةْ


عذراً لكمْ..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي جعلتُ من عظامهِ مداسا


عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي سرقتهُ في نوبةِ الحراسةْ
عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ الذي طعنتهُ في ظهرهِ
في نوبةِ الحراسةْ


عذراً..
فإنْ كنتُ أنا ” الدكتورَ ” في الدِّراسةْ
فإنني القصَّابُ و السَّفاحُ..
و القاتلُ بالوراثةْ !


دكتورنا ” الفهمانْ ”
يستعملُ السّاطورَ في جراحةِ اللسانْ
مَنْ قالَ : ” لا ” مِنْ شعبهِ
في غفلةٍ عنْ أعينِ الزَّمانْ
يرحمهُ الرحمنْ


بلادهُ سجنٌ..
و كلُّ شعبهِ إما سجينٌ عندهُ
أو أنَّهُ سجَّانْ


بلادهُ مقبرةٌ..
أشجارها لا تلبسُ الأخضرَ
لكنْ تلبسُ السَّوادَ و الأكفانْ
حزناً على الإنسانْ


أحاكمٌ لدولةٍ..
مَنْ يطلقُ النَّارَ على الشَّعبِ الذي يحكمهُ
أمْ أنَّهُ قرصانْ ؟


لا تبكِ يا سوريّةْ
لا تعلني الحداد
فوقَ جسدِ الضحيَّة


لا تلثمي الجرحَ
و لا تنتزعي الشّظيّةْ


القطرةُ الأولى مِنَ الدَّمِ الذي نزفتهِ
ستحسمُ القضيّةْ
قفي على رجليكِ يا ميسونَ..
يا بنتَ بني أميّةْ


قفي كسنديانةٍ..
في وجهِ كلِّ طلقةٍ و كلِّ بندقية
قفي كأي وردةٍ حزينةٍ..
تطلعُ فوقَ شرفةٍ شاميّةْ


و أعلني الصرَّخةَ في وجوههمْ
حريّة
و أعلني الصَّرخةَ في وجوههمْ
حريّةْ

Tuesday, November 29, 2011

وطني كما أعرفه


لمن لا يعرف جول جمال اللاذقاني المسيحي وهاشم الرفاعي الإخواني المصري لنقرأ ما كتب الثاني للأول حول مافعل الأول للثاني :

قصيدة بور سعيد

كان الخريفُ يُظلُّ أحلامَ الرياضٍ النائمة
والبحرُ يُدرك أن أحداثا ستجري حاسمة
وتًحرك الأسطول يزهو بالحشود الآثمة
بالعار، عار المعتدين، وبالحقود العارمة
وتصفِّق الآمالُ في صدر الجموع القادمة:
النصرُ والفتحُ المُبين وأمنياتٌ حالمة
وغرورُها المجنون يحدوها سترجعُ سالمه
للرقص، عند "السين" و "التايمز" كانت واهمة
*************
فالشَطُّ: ماوجدوهُ مُصطافا جميلا، كان جمرا !
وتراجع الليل الذي نسجوه يوما كان فجرا
والتاجُ لم يَخلُدُ كما صنعوه بل صُغناه نسرا
والشعب لم يركع كما عهدوه بل وجدوه حُرا
فليرسلوا بجنودهم وعتادهم، جوا وبحرا
إني هنا في شاطئ البارود قد أعددتُ قبرا
لي، أو لهم، لابد من صبر يثير الهول مرا
لن يأخذوا مصرا، فإني قد صنعت اليوم مصرا
*************
وعلى الرمال، وبين إرعاد المنايا المطبِقة
كان الفتى يرمي الفضاءَ ينظرةٍ متألقة
في عينه عزم، وفي جنبيه نارٌ مُحنِقه
والجبهة السمراء تعكس روحه المتدفقه
هو مُبرِمٌ في نفسه أمرا، وهيأ زورقه
حتى إذا لمح الفريسة من بعيد أطلقه
فاشتد إعصارا تشيِّعه العيونُ المُشفِقة
وطواه موج البحر حين طوى الحشود المغرقة
*************
وتزاحمَ المتسائلونَ هناكَ عن هذا الشهيد
ذي السحنة العربية السمراء والبأس العنيد
أتراه من أهل الصخور، أكان من ريف الصعيد؟
وجرى الجواب على الشفاه، يهز أسماع الخلود
قد جاء من بلد وراء البيد، أقبل من بعيد
ليضيف عدة أسطر بيض إلى الأمل الوليد
فيقول جاري: هل سمعتَ لقد بعثنا من جديد
قد كان يحمي اللاذقية ههنا في بور سعيد

هذه القصيدة أتعبتني حتى وجدتها، وبمقدار بعدها عن التداول بمقدار بعد حالة امتنا عن مشروع حضاري موحد، هل بامكاننا أن نقرأ عن أي معركة تتحدث هذه القصيدة، هل ممكن أن تنطبق على سواحل غزة أم أم القصر في العراق، أم أنها تتكلم عن سواحل دجلة في كردستان العراق.

*جول جمال من اللاذقية استشهد وهو يدافع عن بورسعيد 1956 
http://ar.wikipedia.org/wiki/جول_جمال

http://ar.wikipedia.org/wiki/هاشم_الرفاعي

Saturday, November 26, 2011

لا تجعل العنكبوت أكثر نفعا منك:


تنتهي السنة الهجرية وتبدأ سنة أخرى،  وقد اختار المسلمون أن يبدأ تأريخُهم بيوم الهجرة المباركة،  وهذه الولادة تمت في لحظة أقرب ما تكون فيها الأمة إلى نهايتها من أي وقت قبلها وبعدها.  فلابد من أن تكون الولادة قريبة من الموت.  فشدة العتمة تسبق دوما انفراج الفجر الجديد.  فقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى الغار يختبؤون به عن أعين طالبيهم،  فأرسل الله عنكبوتا فنسج على مدخل الغار، فلما رآه الكفار انفضوا وقالوا ماكان لمحمد أن يدخل الغار وبيت العنكبوت مازال هنا. 
والله سبحانه وتعالى قادر على أن يخسف بالكافرين الأرض أو أن يمحقهم او ما هنالك من عقوبات يحمي فيها رسوله بجبروته وقوته،  ولكنه اختار بيتا من أوهى البيوت وهو بيت العنكبوت،  فالتدخل لإنقاذ الثورة لا يحتاج للكثير، فعندما تعجز القدرات الدنيوية عن الفعل وتصل إلى حدودها القصوى يأتي تدخل الله سبحانه وتعالى ليدفع بالخير نحو النجاح.  والله هنا يشير لنا أن تدخله لا يريد أن يلغي دور الإنسان بل يضعه في أبسط صوره وأضعفه بما هو كاف لتحقيق الغرض.
ومن ناحية ثانيـة فالله يشير لنا عندما نسموا إلى بناء رسالات الخير والحق بأنه حتى العنكبوت الصغير له دور في نجاح هذه الرسالات،  فنحن في ثورتنا أشد ما نكون لأن نفكر بهذه القصة ونتسائل هل من الصعوبة أن نقدم ولو دورا صغيرا كدور العنكبوت.  فكل جهد مهما صغر في هذه الثورة ضروري وعلينا أن لا نحقرنه،  فعلى الأقل أن لا نعجز عن أن نكون بقوة العنكبوت.  فالفرق بين الموت والحياة لم يكن سوى بيت العنكبوت. 
كل سنة وأنتم بخير
وكل سنة وأنتم أحرار

Tuesday, November 22, 2011

الحرية الفضاء الوحيد للإبداعات الجديدة واكتشاف الذات:



قبل ما يقارب سنة كتبت ونشرت مقالا بعنوان:  "هل علينا أن نخاف من الإسلاميين في سورية؟" وعلى أثرها تلقيت من الكثير من معارفي العلمانيين الذين يحلو لهم أن يصنفوني على أنني "إسلامي مستقل" رسائل تصل بين العتب والإستنكار إلى القطيعة والعداء.  طبعا لم تسموا أي من اعتراضاتهم لمستوى مناقشة فكرة واحدة من أفكارالمقال،  والبعض من الردود جعلتني  و"محمد عطا" في ركاب واحد، فكل واحد يرى الدنيا باللون الذي يصبغ به نظاراته.  وقد سعدت جدا هذه الأيام بعد ان انتصرت الثورة التونسية ونعمت تونس الخضراء ببعض الديمقراطية وأتت الإنتخابات بالشيخ الغنوشي إلى مركز القرار السياسي، وقرر ما قرره الشيخ الغنوشي،  ولكن سعادتي بما فعله الغنوشي عندما اثبت وبمرجعيته الإسلامية  انه حزب غير اقصائي وليس حزبا شموليا تغلبها سعادتي بأن بعض الأصدقاء الوطنيين من غير الإسلاميين لم يمنعهم ذلك أن يروا خطورة الخطوة وآثارها الرائعة على مسيرة أوطاننا.  لذلك إنني متفاؤل دوما بأن الخير لا يمكن أن ينتج عنه إلا الخير،  وأن من يختلف معي حول نقطة اليوم يجد في ذاته الجرأة لأن يعود لها إذا وجد المصلحة العليا للأوطان فيها. ألم اقل:  (إذِ الحرية لا يمكن أن تنتج "استبدادا" أو "تطرفا".  فإذا كان هناك اعتراف بأن الإسلاميين طوروا طروحاتهم تحت قصف الاستبداد والقهر، أليس من الأولى أن يستمروا بتطويرها في ظلال الحرية) وما ارسله لي بعض العلمانيين هذه الأيام يبعث للاطمئنان بأنهم ايضا قادرين على تطوير طروحاتهم في ظلال الحرية.  

Monday, November 07, 2011

سورية : حتى الجيش يخضع للاضطهاد



تتوقف السيارة عند حاجز للجيش أقيم على الطريق.  يقترب جندي شاب من السيارة يتبعه ملازم معه ثلاثة جنود آخرين وراءه بخطوات. يطلب الجندي من السائق هويته، يتفحص الهوية  ويقارن الإسم بقائمة طويلة في يده. لم يجد اسمه على قائمة "المطلوبين".  "أنت تعيش قرب محل البقالة الفلانية؟" يسأل الجنديُ.  يحدق في وجه السائق وكأنه يحاول أن يقرأ شيء في ذلك. وبعد تردد يجمع الجندي شجاعته ويرفع القائمة أمام وجهه. الملازم رفاقه الجنود الثلاثة يقفون في نصف دائرة وراءه بمثابة الجدار. يقرأ الجندي أربعة أو خمسة أسماء من الائحة قائلا: قل لهم لا يمروا على الحاجز. يريد اعطاءه مزيدا من الأسماء. لكن احد رفاقه رفع صوته بشتيمة للسائق وأمره أن "ينقلع"  معلنا إنهاء المشهد.  انطلق السائق وهو يحاول تذكر الأسماء التي سمعها للتو. وصل جندي من "الحرس الجمهوري" في هذه اللحظة مع نهاية للمشهد.
يخاطر هؤلاء الجنود والضابط بموت محقق وفوري بطلقة في مؤخرة الرأس لو أن الجندي الأخير شَهِد ما فعلوه على الحاجز حقا.  هؤلاء الجنود في الجيش السوري أتتهم الأوامر بمراقبة الحاجر وقد اعطوا قائمة أسماء للبحث عنها في كل سيارة تمر. الجميع يعلم أن القائمة هي لنشطاء سياسيين وغير سياسيين وحتى لمجرد متظاهرين تبحث عنهم قوات الامن.  أما الجندي الأخير (الشبيح) فهو رغم ثيابه العسكرية ينتمي لميليشيات الأسد شبه العسكرية ، يتقاضى أجرا يوميا يعادل راتب شهري لمعلم مدرسة الابتدائية. وقد مر في فترة 15 يوما من التدريب وأعد للاستخدام عند الحاجة.  ومهمتة وتخوله صلاحيات واسعة لا ضابط لها ومنها اطلاق النار على أي شخص بما في ذلك أفراد الجيش. ويقدم له قناصة الحرس الجمهوري من مكان غير بعيد كل الدعم الناري الذي يحتاجه.
هذا المشهد هو حدث طبيعي في كل يوم في المدن سورية. بعض المدن أو الأحياء ليسوا محظوظين مثل هذه الحي. فحصتهم تتجاوز حواجز الجيش. بل يجدوا أنفسهم في مواجهة غزو دبابات الحرس الجمهوري قصف سلاحه الجوي.
العديد من الجنود في الجيش السوري تجد نفسها بين المطرقة والسندان. وقد اعدم زملائهم الذين رفضوا اطلاق النار على المدنيين من جانب قوات أمن الأسد أو حرسه الجمهوري. وأعيدت جثثهم الى عائلاتهم مع التفسير القياسية بأنهم قتلوا على يد "ارهابيين مسلحين". وهذه المعانات تصل إلى جميع الرتب. فحتى أعلى الرتب في الجيش تشهد "التقاعد المفاجئ" والنوبات القلبية المفاجئة طوال الأشهر السبعة الماضية. وقد انشقت بعض القوات. والسؤال المطروح هو " الى أين سيفر المنشقون ؟" بعضهم التجأ إلى تركيا. وكيف ينجو هؤلاء الجنود من النظام السوري وعقوباته الجماعية. فالعميد هرموش ، على سبيل المثال، لجأ إلى تركيا تاركا عائلته وراءه. ألقي القبض على زوجته. دمر منزله. قتل شقيقه تحت وطأة التعذيب.
عندما أسمع هذه القصص ، وهذه القصص الرهيبة التي تتسربت من وراء الستائر الحديد المفروض على أنحاء البلاد من قبل النظام ، تزداد مخاوفي العميقة أننا يوما ما سوف نكتشف أن هذا ليس سوى غيض من فيض. فالمجتمع الدولي لديه تاريخ طويل وعادة على وصوله المتأخر دوما. فأنغولا والبوسنة هي أمثلة حقيقية لنتائج هذه العادة. السؤال هو: ماذا نتعلم من هذا التاريخ؟

نشرت بالإنجليزية بتاريخ 14 تشرين الأول 2011

Thursday, November 03, 2011

قبول النظام بالمبادرة مدعاة لمزيد من الحذر


سعدت جدا بإعلان الجيش السوري الحر عن وقف العمليات العسكرية كرد على قبول النظام السوري وقف العنف وسحب المظاهر المسلحة من شوارع سورية.  ولكنني لست متفائلا أبدا بمدى جدية النظام السوري بالتزام بوعوده.  ولكن ما نتج عن المبادرة العربية حتى الآن هو اعتراف عربي ودولي والأهم من كل هذا اعتراف واضح من النظام السوري نفسه أنه هو الذي يمارس العنف منذ اليوم الأول،  وهو ما يؤكد أول بيان أصدرته الجمعية السورية الأمريكية بعنوان "وقفوا القتل" في 4 نيسان حملنا فيه النظام المسؤولية الكاملة عن اعمال العف في سورية.  
ولكن هذا الموقف الجديد لا يرتقي إلى طموحات الشعب السوري وثورته المجيدة،  فانتفاضة الشعب قامت من أجل تغيير جذري في هيكل الدولة وعلاقاتها مع المجتمع،  وإرادتنا ماضية لا تراجع عنها حتى نصل لمبتغانا في بناء دولة الحق والقانون في سورية الجديدة.  وما زالت ردات فعل النظام لا تنم عن ثقة بأنه تلقن الدرس أو أنه فهم إرادة الشعب،  وأكثر ما أراه من حركته هذه هو محاولة لإكتساب بعض الوقت عله يجد تكتيكات قد يعتقد أنها ستنجيه مما هو فيه.  لذلك ما أتوقعه أن يقوم النظام باستبدال القوات المسلحة بميليشيات (الشبيحة) بعد أن يحول هؤلاء الشبيحة إلى ميليشيات عسكرية شبه رسمية كما فعل والده والذين من قبله من طغاة البعث والذين يستلهمون تكتيكاتهم من النظام النازي،  فعلينا أن لا نستبعد بأن نرى شوارع دمشق تمتلئ بقوات أقرب إلى سرايا الدفاع، أو الحرس القومي قبلهم،  بل هل نرى تشكيل سرايا جديدة تحت مسميات كلها اقرب لتنظيمات شباب هتلر أو ما شابهها.  
فقد أدرك الأسد أنه يحتاج إلى مثل هذه القوات ليواجه المحتجين المسالمين بعد أن وصلت تدهور حالة الجيش في عملية القمع إلى مستويات لا يمكن الإعتماد عليه.   لذلك علينا أن لا ننتظر من هذا النظام أي خطوة إيجابية وكل حركة يقوم بها يجب ان ننظر لها بعيني الريبة.   إن إقتراح الجامعة العربية والدعوة للحوار هي مناسبة جديدة لإعادة تفعيل ثورتنا السلمية ومدها بالمزيد من ماء الحياة،  وسنبقى في الشارع ما بقي النظام،  وسنعود إلى الشارع بعدها كلما اختل ميزان العدل في بلدنأ.   أما الذين سيذهبون للحوار في الجامعة العربية يجب أن يتمتعوا بالكثير من الحنكة السياسية ليتمكنوا من انشاء حوار جاد وبناء لتسهيل خروج النظام والتحول الديمقراطي دون مهادنة ولا تفريط بأهداف الثورة،  وأهم من هذا أن يتم الحوار حول نهاية النظام.  وأي حوار لا يضمن نهاية النظام بشكل جذري هو مضيعة للوقت.   

Monday, October 31, 2011

أين يختبئ بشار أسد وممن يخاف؟



هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن مقابلة بشار أسد مع صحفي الديلي تلغراف أندروا جيليان يوم 28 تشرين الأول 2011.  ولكن ما أثار اهتمامي المقدمة التي وضعها الصحفي للمقابلة.  فهي تعني الكثير رغم أنها صيغت لتعبر عن الحالة الإستثنائية للآسد مقارنة مع الدكتاتورات السابقة.  ما هو مثير حقا الحقائق التالية:
أن المقابلة لم تتم بترتيب من القصرالجمهوري و وزارة الإعلام،  فالصحفي يقول أن إمرأة صغيرة بالسن رتبت اللقاء وقامت بنقله بسيارتها الخاصة،
أن المقابلة لم تتم في القصر الجمهوري،  ولكنها تمت في مكان أقرب إلى أن يكون مخباء. فالصحفي يقول بأن السيدة ساقت السيارة لمدة عشر دقائق قبل أن تدخل إلى طريق جانبا لا يبدو عليه أنه يستعمل كثيرا وفيه أعشاب طويلة على جانبه. 
لم يكن هناك أي أمن مرئي أو ظاهر للعيان بل لم يكن هناك حتى بوابة،  كان هناك رجلا بلباس عامل التنظيفات يقف أمام كوخ صغير. فقد ساقت صعودا إلى بيت ذو طابق واحد شبيه ببيوت الضواحي،  كان الرئيس ينتظرالصحفي في البهو.  وقد جلسوا ثلاثتهم على صوفا في مكتب أسد الصغير.  
فهذه الترتيبات تطرح أسئلة أكثر.   منها هل هذه الترتيبات بعيدة عن القصر الغرض منها فقط خداع الصحفي بتواضع بشار أم أن بشار أصبح ينام في كل يوم في مكان،  ونحن نعرف أن المتظاهرين لا يشكلون خطرا مباشرا اليوم على بشار فإذا يخاف بشار ممن ؟
فهل هو يختبئ في بساتين التي تحيط كلية الزراعة،  أم أنه في منطقة الربوة وقدسيا؟ أعتقد رسم خطوط 10 دقائق من فندق الصحفي أو من منطقة الفنادق كافية لكي تقول لنا أين هو بشار.  :-) 

Monday, October 10, 2011

ما قدروا ثورتنا حق قدرها: فالسوريين ليسوا وحدهم في المعركة.



فؤجئ العالم ومعه مراكز الرصد المتخصصة بالعالم العربي بالثورة التونسية وسرعة تهاوي الدكتاتوريات العربية.  وما زالت هذه المراكز في حيرة من أمرها تتساءل عن طبيعة هذه الثورة.  فما زالت وسائل التحليل وادواته السائدة عاجزة عن مواكبة الثورة العربية واسقاطاتها على العالم.  فهذه الوسائل تبقى حبيسة مفاهيم القرن التاسع عشر سواء الليبرالية أو اليسارية منها،  ومازال يعيش البعض وهْم الصراع الطبقي، بينما يسيطر على الآخرين رؤية العالم في صراع أقطاب بين أمريكا وغيرها. 
وانتقلت الثورة من تونس إلى اليمن ومصر وليبيا وسورية واليوم نرى ارهاصاتها في شوارع أثينا وضواحي باريس وانتقلت إلى نيويورك وبالتحديد إلى وول ستيرت.  وفي هذه العجالة لا يسعنا التوسع بالتحليل البديل،  ولكننا نقول بأن الثورة التونسية - ومن ورائها الثورات القائمة والتي ستقوم قريبا - كانت بكلمات مقتضبة: ثورة ضد "الطرابلسية" في كل مكان، (نسبة إلى زوجة بن علي في تونس)  ففي كل من هذه الأقطار نجد الـ"ملأ" الذي افرزته القيادات السياسية وعلاقاتها الاقتصادية، ويحمل هذا الملأ كل الصفات الطرابلسية.  وبإمكاننا أن نتشعب بشرح هذه الطرابلسية في كل قطر ونكتفي بالقول أن في سورية نجد أن الطرابلسية تتمثل بمخلوف وثلته.  بل أن أحد ابواق النظام السوري سماهم باسمهم على الجزيرة عندما قال: "أن هناك مئة من كبار رجال الأعمال من يقف مع نظام أسد".   من هنا علينا أن لا نتفاجأ بان نجد ابناء الطرابلسية في كل قطر يتكاتفون ساعين الالتفاف على الثورة ولكنهم "كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ"  "وَمَا دُعَاء - الطرابلسية - إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ".   
وقد سيطرت "طرابلسية"  سورية ولصوصها على الدولة والمجتمع والاقتصاد.  فكل القوانين والخطط الاقتصادية توضع وتُفصل لمنفعة هذه المجموعة الطفولية وتخدمها كما تخدم وكلائها على الصعيد الدولي في مراكز العولمة.  ومما يؤسف له أن هؤلاء الأثرياء الجدد كحالهم في كل قطر يضعون انفسهم في خدمة مراكز العولمة العالمية ولكن الحالة السورية تجعل نفسها في خدمة العولمة من خلال الوسيط الخليجي.  ونحن نرى مسارعة بعض القوى الخليجية لمساعدة مخلوف في تبيض رؤوس الأموال اعتقادا منهم أنها ستمنح هذه الأموال بعض الحصانة في حال سقوط النظام،  فقام مخلوف ببيع بعض اصوله لمستثمرين خليجيين، ولا نستطيع أن نعتبر مثل هذه العمليات إلا عملية "غسيل نقود"  فمن يشتري مالا مسروقا لاحق له به مهما كانت طبيعة عملية الشراء هذه.  
هذه الصور وتصرفات الطرابلسية في كل البلاد لا تختلف كثيرا سواء في دمشق أو ريوديجانيرو او نيويورك،  إن الثورة العربية مازالت في أيامها الأولى في اطار التاريخ البشري،  والمفكرون العرب "يغرقون في شبر ماء"  عندما يتحول الحديث عن الثورة،  فنحن بحاجة لأن نعط هذه الثورة حقها ضمن اللحظة التاريخية التي تعيشها البشرية اليوم،  فالأعباء المترتبة عليها كبيرة،  ونحن لا نخدم هذه الثورة الكريمة ما لم ننظر لها في اطار التموضع العالمي لهذه الثورة ومن خلال الأزمة الكبيرة التي يعيشها تاريخ العولمة. فكفاحنا ضد النظام السوري و"طرابلسيته" لا يختلف عن كفاح أمثالنا في البلاد الأخرى ضد "طرابلسيتهم". وربيع العرب ليس ثورة لتغيير الحكام فقط، بل إن وعَيْنا أبعادَها فسنجد فيها بذور ثورة عالمية على نظام تعصف به الأزمات الصامتة آن للبشرية تجديده.    

Friday, September 30, 2011

نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"

حسين جمو : تشويه وتشهير من تيمورلنك إلى الثورة السورية الكبر
نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"
تعليقي:  وصلتني هذه المقال، وبما أن الكاتب غير دمشقي سمحت لنفسي بأن اعجب ببعض طروحاته فيها. فأنا الدمشقي يصعب علي كالكثيرين من أهل دمشق أن يكتبوا مثل هذا،  بل أنني رغم معيشتي في دمشق لم أكن أحمل الوعي بالواقع الذي يتحدث عنه الإستاذ حسين جمو. فهل كنت من السذاجة بأنه فاتني هذا الواقع أم أن الأستاذ حسن يبالغ به؟   وأحببت أن أضعها على مدونتي لكي لا أنساها.  شكرا أخي حسين 



حسين جمو : تشويه وتشهير من تيمورلنك إلى الثورة السورية الكبر
نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"


"سأدرس في الشام". كان قراري قاطعاً بعد صدور نتائج الثانوية العامة في صيف 2001. انقسمت الأسرة تجاهه إلى موالين ومعارضين، وفي معسكر الموالاة كنتُ وحيداً.

استعانت العائلة بحلفاء مهمتهم الاستهزاء بالصحافة التي لا مكان لدراستها إلا في جامعة دمشق، إلا أن هؤلاء بدأوا الحديث أيضاً عن دمشق. ويصح القول إنه لم يكن كلاماً اعتباطياً، بل نظرة تاريخية ممتدة تتغذي من التنافس التجاري بين حلب ودمشق.
"الشامي بيضيعك.. مثلاً لو سألته وين صايرة الجامعة، رح يدلك على طريق غلط... والله انا برأيي ما في أحسن من حلب.. عنا جامعة هون.. أدرس حقوق.. خيّو.. ليش تتغرب عن أهلك وبيتك.. حدا بيكون من حلب وبيروح عالشام... غريبة شغلتك لك خاي...".


تيمورلنك في دمشق

كان هذا ملخص "مهذّب" أحتفظ به في ذاكرتي لبعض ما قيل عن دمشق قبل أن أقيم فيها، ولن أفصّل في أمور أخرى غير مهذّبة سمعتها كثيراً وتتعلق بتيمورلنك. لا داعي لإخفاء ذلك الآن، فهذه التفصيلة المخزية هي اكثر ما يشيعه "المتآمرون الكارهون" عن دمشق. ندرك متأخراً أنّ أحد الأركان التي كانت تضمن بقاء النظام هو خلق مثل هذه الحالة تجاه دمشق تحديداً.

إنها مؤامرة اشتركت فيها كل المدن، يضاف إلى هؤلاء أيضاً الوافدون إلى العاصمة من شتى أنحاء سوريا. شيء كان أشبه بنهج رسمي اتخذته تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، والتي لا تزال تتردد حتى اليوم: "عرب بيس مللت" أي أن العرب قوم خائن أو سيئ. وفي صيغتها السورية، وصلتنا العناوين العريضة المتداولة من قبيل: "دمشق تفتح أبوابها للأقوى دائماً، ولا تقاوم الغزو الخارجي". صدقتُ ذلك ورددته رغم قراءتي للتاريخ الذي لم يذكر أو يشر بالصيغة التي كان يتم تداولها. أو"يعتقدون أنهم راقيين جداً ويترفعون عن مخالطة أبناء باقي المدن اجتماعياً". استهجنت ذلك رغم أن من تقاليد عشيرتي في القرية عدم تزويج أي فتاة لمن ينتمي لعشيرة أخرى داخل القرية ذاتها وعدم السماح للغريب بالاقامة، متجاوزين بذلك القانون. ونسمع أحياناً ما هو أمرّ وأدهى حينما تتوجه أصابع الاتهام إلى "الشوام" في جوانب من "التآمر" على الثورة السورية الكبرى أيام الانتداب الفرنسي، والذي دشّن هذه النظرة هو أكرم الحوراني الذي دأب على اتهام الكتلة الوطنية بخذلان الشعب في الاضرابات والاحتجاجات أيام الانتداب.وأضافت إليها الأقليات نكهتها الخاصة أيضاً. رددنا ذلك، نحن الذين ما زلنا نجهل الأسباب الحقيقية "الميدانية" التي كانت وراء هذه الثورة "الكبرى" التي فشلت فشلاً ذريعاً بينما نردد انتصاراتها إلى الآن.


وطني العاري

هكذا كانت الغلّة التي نزلت بها إلى الشام للدراسة. الاقامة في المدينة الجامعية هي شرط قدرة الطلبة من أبناء المحافظات الأخرى على الاستمرار. هناك تعرفنا على سوريا للمرة الأولى عارية، لا تسترها أي أقمشة. بدأت تتكون صداقات تستند في جذرها إلى قاعدة "كلنا لا ننتمي إلى هنا". أصبح الكشف عن الهوية الطائفية والقومية والمناطقية للشلّة الطلابية أمراً اعتيادياً، بل ومطلوباً. فعندما يقول أحدهم أن اسمه فادي، من حمص، نسأله بدون حرج: علوي أم سني أم مسيحي؟. ثم يعقبه الادعاء من الطلبة المحسوبين على الأقليات بأننا جميعاً "علمانيون".


لكم شامُكُم!

في السنتين الأولى والثانية، يبدأ الفرز الطائفي والمناطقي بالظهور أكثر فأكثر، يقل عدد الأصدقاء "الحقيقيين" من طوائف مختلفة. عندما يتشاجر علوي وكردي يستنفر مئات الطلبة من الجانبين، وكذا الأمر مع التجمعات الطائفية الأخرى يضاف إليهم الحوارنة (أهل درعا) والديرية (أهل دير الزور) اللذان يتعاملان من حيث الفكر الجمعي بعقلية طائفة أو حتى قومية.

يكتشف هؤلاء بعضهم البعض، يتناقشون، يتعاركون، يرقصون، يتوحدون حول كأس المتّة، لكن شيئاً واحداً يغيب عنهم: يتصرفون وكأنه ليست هناك من دمشق. دمشق هي الأماكن التي يعرفونها فقط، هي الشيخ سعد والمزة (86 والجبل والأوتوستراد) والبرامكة وجرمانا وزورآفا (وادي المشاريع). أهمية هذه المناطق تأتي من كونها الأساس الذي يجعل من مقولة "لكم شامكم ولنا شامنا" ممكنة التحقق بسهولة.


نزوح منظّم

بعد أن يبدأ الطالب الجامعي بالنزوح عن المدينة الجامعية، يختار غالباً واحدة من المناطق السابقة، وإن لم يكن التوزيع التالي دقيقاً بكل الأحوال، إلا أنه في العموم صحيحة ، فالكردي والعلوي يقيمان في حي واحد بشكل مختلط في مزة 86 (خزان ومدرسة) - ويردد كل من الكردي والعلوي أنهما الأقرب إلى بعضهما البعض في سوريا - ، بينما تقتصر ركن الدين وزورآفا (وادي المشاريع) على الأكراد الوافدين من منطقة الجزيرة مثلما تنحصر الاقامة في مساكن الحرس بالعلويين فقط. بينما يتوجه الدروز إلى جرمانا وصحنايا، والمسيحيون إلى الدويلعة وجرمانا. في هذه المناطق المذكورة تقيم جحافل بشرية من حيث الكم، يتوحد فيها الجامعي مع العامل مع الموظف، والأعزب مع المتزوج، تجمعهم الثقافة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي المتوسط المتدني غالباً. لكن الصورة ليست بهذه الحدة من الفرز الطائفي، حيث هناك حتى حالات زواج تتجاوز الطوائف، إلا ان المقصود دائما هنا هو رصد المزاج العام السائد، والذي يكون غالباً ذا طابع شعبي وطبيعي أيضاً، إذ ليس من الغريب أن تقيم الأقليات في أحيائها، لكن النقطة الأساسية هو توافق عام على النظر بازدراء إلى الدمشقيين وإلى تاريخ دمشق.

لا بد أن نراقب خارطة التظاهرات اليومية في العاصمة حتى نفهم شيئاً عن التركيبة الاجتماعية التي تتحرك. الشام الحقيقية تنتفض عن بكرة أبيها، جوبر، الميدان، حي الأكراد، برزة، القابون، وصولاً إلى الريف الذي يحيط بدمشق كزنّار حريري. وهنا يمكن تسجيل استثناء في أحياء القدم والحجر الأسود وتجمعات نازحي الجولان الأخرى. هذه المناطق شعلة حقيقية للانتفاضة، يهابها الأمن رغم انه يقتل شبابها. نازحو الجولان هم الجزء الآخر من المسكوت عنه في العلاقات بين مكونات الشعب السوري.
في جلسات المتآمرين على دمشق، كان اتهام دمشق وأهلها من التجّار بالتحالف مع السلطة البعثية غير قابل للجدل. وصل بهم الانفصام إلى هذا الحد. إنه أقرب إلى مشهد سوريالي، يتهم فيه المتفرجون شخصاً على منصة الإعدام بالتحالف مع السيّاف الذي يتهيأ لقطع رأس المتّهم.


أين هي دمشق؟

كان يراودنا شعور بأننا جزء حقيقي من دمشق، لنا أحياؤنا الخاصة، ولسنا أقلية فيها. عندما يداهمنا تصور خيالي بالخطر من الأغلبية، التي نتخيل أنها سنّية (طائفياً) وأكثر عروبية (قومياً)، نتوحد ويزول الخوف. لكن لمَ لمْ يتملك معظم الوافدين إلى العاصمة رغبة في اكتشافها؟. الوافد لا يعرفها، بل يضيع فيها بسهولة لو أنه قرر الخروج إلى أبعد من "شامِهِ" رغم مرور سنوات على مغادرته مدينته وقريته إلى العاصمة. لم يتملك الفضول أحداً منا في التعرف إلى شخص "شامي"، كنا ننفر منهم بطريقة غير مفهومة، ولم نسأل ولو مرة واحدة: ما الذي فعله الشامي والشام حتى يستحقا منا كل هذه النزعة الانتقامية؟.


طلائع الحرس الجمهوري

في المقابل، لم يحاول الدمشقيون الاحتكاك بوسط الوافدين "الغرباء" أيضاً، ولهم أسبابهم، أوضحها هو ما وصلت إليه العاصمة من انحطاط عمراني في الأطراف وانتشار العشوائيات بدون قيود. والتوزيع المجحف للوظائف الحكومية على أبناء أقارب الرئيس في الطائفة. وبدا كل وافد جزءاً من السلطة السياسية الأمنية القائمة. صباح كل يوم، يستيقظ الدمشقي ويرى أمامه طلائع قطعات الحرس الجمهوري على قمة جبل قاسيون. هذا الشامي المنتفض اليوم، مع قلّة ممن هم بخلافه، أدرك منذ زمن طويل أن هذه القوات إنما جاءت لتراقب تحركه وتقصف مدينته لو عصت أوامر "السلطان".


غزاة منتصرون

تآمرنا على دمشق وريفها بما فيه الكفاية، نزلنا إليها كغرباء نحلم بالعودة، ثم أعلنّا من هناك أن "الشام لنا" ولن نخرج منها طالما هناك روح تنبض فينا، مثلنا في ذلك مثل الحرس الجمهوري على قاسيون. وغضضنا الطرف عن تدميرها أيضاً تحت مسميات مختلفة. قررنا نسيان مدننا وقرانا، وتعاملنا مع الشام بعقلية الغزاة المنتصرين.. نحن المنهزمين في كل قضايانا، جئنا نلفّق انتماءنا إلى دمشق. لكن، دائما كان الهاجس الحتمي موجوداً في أعيننا نحن المتآمرين :"الشام ليست عاصمة بلا سكّان، وهي تعرفنا فردا فردا". كان صوت آخر يشوش على التأنيب الذي يعترينا :"أحببناها بجنون لكن أيضاً بتملك وإقصاء لأهلها، مع ذلك، لو ترك لأمر لنا، لنفيناهم أجمعين". هكذا، ساهمنا في إطالة عمر "الاحتلال الخفي" للمدينة طيلة خمسة عقود منذ تسلم البعث للسلطة في انقلاب عام 1963. هل هناك غرابة أو إشارة تعجب إذن في دفع السلطة سكان المناطق الشرقية والغربية إلى الهجرة لدمشق؟. أليست سياسة مربحة للدكتاتورية؟.


خسارة أبدية

أستعيد اليوم هذا الشريط من الذاكرة بينما يزاحم مشهد آخر اكتشفت فيما بعد أنه لم يكن عبثياً ، بل كان ذا معنى استغرقني سنوات لأعيَه. لم أعانق أياً من أفراد عائلتي في أول فراق لي عنها عام 2001 مذ وعيت هذه الدنيا، وهو ما دفع بأمي إلى وصفي بـ"قليل الأدب". أردت القول لهم إن دمشق ليست بعيدة، وما أفعله ليس هجرة، بل رحلة مؤقتة للدراسة والعودة إلى المنزل نهاية كل أسبوع. شعورهم أني أصبحت متغرباً كان مؤذياً. في المقابل، توحدت العائلة خلف جملة قالتها أمي ببكاء في موكب جنائزي كان يتحرك خلفي: "لقد خسرناه إلى الأبد.. الشام ستسرقه منا".

أمي العزيزة، لترقد روحك بسلام، الشام تُسحِر ولا تَسرِق أحداً. وهي اليوم تسترد مقتنياتها المسلوبة. دمشق ليست لي أو لقطّاع الطرق.. إنها لكل من لا يتآمر عليها. نحن أبناء الريف السوري (منها السلطة) أثبتنا تاريخياً عدم أهليتنا في حبّها. ولن ندع عقلية قروية تدمّرها من جديد.

المستقبل - الاحد 25 أيلول 2011 - العدد 4125 - نوافذ - صفحة 9

Sunday, September 25, 2011

للثورة جدليتها الخاصة وليس بوسع الساسة إدراكها


يبدو لبعض المحسوبين على المعارضة أن أطفال سورية ونسائها وشبابها استشهدوا لأنه لم يكن يعجبهم رئيس الوزارة والتشكيلة في مجلس الشعب.  ويبدو أنه على الثورة أن تعري هؤلاء "السياسيين"  بشكل واضح وصريح،  فأنصاف الحلول غير مقبولة وخيانة لدماء شهداءنا الأبرار.  إن هؤلاء بحيلة  "أن استمرار الثورة سيؤدي إلى التدخل الأجنبي" يلقي لهم النظام بعظمة يتلهون بها واسمها "انصاف الحلول".  فهم ان استمروا فيما هم عليه فسيجدون أنفسهم يبحثون عن حل يوصل بالبلاد إلى حالة شبيهة بحالة مصر في التسعينات.  بحيث يبق بشار يملك مؤسسة الرئاسة ويترك رئاسة الوزراء ملعبا للمتملقين من المعارضة وصراع البعث معها.  هل ترون خيانة للثورة مثل هذه الخيانة!  
 مما هو مؤكد ان للثورة جدليتها الخاصة وعلى ما يبدو أن الكثير من بقايا السياسيين السوريين ليس بوسعهم إدراكها

Wednesday, September 21, 2011

نحتاج لثوريين لا لسياسيين


المشكلة الرئيسية أن الثورة تعلو على السياسة، ولكن في الحالة السورية عوضا عن ان يتمسح السياسيين بالثوار ويطلبوا رضاهم، يقوم الثوار بطلب رضى السياسيين. نعم قد تبدو قيادات الثورة في الداخل متفرقة للعيان، لأن عملية القيادة تحتاج لنضج ولا تنتج بيوم وليلة، ولكن الهرب إلى الأمام عن طريق نقل المشكلة وتعليقها على "تأسيس مجلس وطني في الخارج" ، لا يفيد المقاربة الصحيحة بأن نعمل على تطوير هذه القدرات الداخلية، أما ممثليهم في الخارج فهم يجب أن يكونوا من التنفيذيين أكثر منهم سياسيين وهؤلاء التنفيذيين يصبحوا صلة الوصل بينهم وبين المعارضة المغتربة.

Tuesday, September 20, 2011

ما الذي تحتاجه الثورة من العالم الخارجي:



يشعر البعض أن هناك حاجة لإنشاء المجلس الإنتقالي،  وكأن إنشاء هذا المجلس سيضع نهاية لمتاعب الثورة،  وما اعتقده أن اجتماع 300 سياسي في غرفة واحدة في المرحلة الحالية لن يؤدي إلا لمزيد من الإختلافات،  ولو صدر عن اتفاقهم مجلس إنتقالي وتمكن من الإجتماع يوما من الايام فإنه لابد من أن يشكل لجنة أو هيئة رئاسية أو أمانة عامة يتم تشكيل أعضائها من خلال التجاذب الحزبي والإنتمائات المختلفة التي ستصيب اللجنة عاجلا أو آجلا بالشلل، أو تعيد آلية القرار السياسي لدكتاتورية الفرد.  بكل الأحوال هل يستطيع أحدٌ أن يتخيل لجنة فيها (السيد فلان، والسيد علان، وابن فلان وخال علان والدكتور زيد، والدكتورعبيد) وقادرة على العمل بشكل فعال وبسلاسة؟  أترك للأخوة ملأ الأسماء مختارة من واجهة العمل السياسي في الخارج اليوم. وكلامنا هذا لا ينقص من قدر أحد ولكن أن تجمع المختلفين في مكان واحد لا يعني اتفاقهم.  فهو من باب طلب الكمال في النقص.  
فالطبقة السياسية السورية تتعامل مع قضية "المجلس الإنتقالي" على أنها تقاسم للمناصب السياسية،  وهذا أمر طبيعي إذ انه نابع من الممارسة السياسية اتي يعرفونها،  فهم لا يعرفون الممارسة الثورية والثورة تحتاج غير هذه الممارسات.  ولا أعتقد ان هناك آلية يمكنها أن تغير هذا الأمر قبل الوصول إلى الشرعية الحقيقية وإلى صندوق الإقتراعات.  فالممارسة الثورية ترتبط  بالعلاقة مع الشارع الحقيقية ومرجعيتها تكمن في القدرة على امتلاك قدم صدق في الشارع السوري، والسياسييون وإن تم تلميع بعضهم بالإعلام، لا ينظرون إلى الديمقراطية على أنها الهدف النهائي، بل الوسيلة للوصول.  ومازال هناك لدى الكثير من السياسيين من يفقد قدم الصدق لدى الشارع السوري وقد يشك بعضهم في أن العملية الديمقراطية قد تُعري طروحاتها الفكرية والسياسية.  لذلك نراهم في هرولة مستمرة لصف أوراق اللعب قبل ان تعود إلى الشارع السوري.  ولا أعتقد بأنهم سيتوصلون إلى توافق في القريب العاجل.  هذا لا يعني أنهم سيئين،  ولكن لا بد أن يجتازوا في الثورة بعض المراحل ليتمكنوا من بعض النضج الثوري.  ونحن لا نريد أن نستبعدهم من العمل السياسي هنا،  ولكن نحتاج أن ننجز المهمات الضرورية للثورة دون أن نضطر لإنتظارهم إلى أن يتفقوا. 
إن أهداف الثورة اليوم سهلة ممتنعة لا تحمل التعقيد ولا تجيز الخلاف:
أولا:  إسقاط النظام.
ثانيا:  حماية الثورة من خلال الإشراف على انتخابات حرة وشريفة لصيغة ما لـبرلمان انتقالي يقود خلال المرحلة الإنتقالية. 
لذلك أقترح بأن ننطلق من المهمات (التنفيذية) التي تريد الثورة تنفيذها، بعدها وتبعا لهذه المهمات المطلوبة يتشكل الهيكلية  المناسبة لتنفيذ هذه المهمات. 

Saturday, September 17, 2011

من الوحي الحقيقي للثورة:



هذه القصة وصلتني ولم أجد بدا من إضافتها لمدونتي أضعها كما أتتني: 

كنت جالساً في أحد المحلّات في دوما... عند صديقِ لي... فإذا برجل في العقد الثالث من عمره يدخل المحل متوجها لصاحبه بالسؤال، حيث بدا أنه يعرفه من قبل: "ادّيش حقو الغرض يلي أخدتو منك مبارح أبو فلان؟" فاجابه البائع: "150 ليرة" فردّ عليه الرجل : "ممكن تستنّى عليّ للأسبوع القادم بحاسبك فيه" فردّ عليه البائع بالموافقة...
خرج الرجل فسألتُ صاحب المحل.. من هذا؟... قال لي: "هذا فلان من العائلة الفلانية... يعمل نجّار باطون.. واوضاعو على قدو".. خرجتُ مباشرة وراءه لأعطيه ما هو متوفّر لديّ في جيبي علّني أُساعده... فرجلٌ لا يملك 150 ليرة ماذا سيكون حاله؟!
تبعته ورأيتُه دخل إلى بقالية في نفس الشارع.. دخلت وراءه فرأيت يطلب: "علبة سمنة.. رز... معكرونة.." فتعجّبتُ منه.. لا يملك 150 ليرة.. وأتى لشراء كل هذه
الحاجيّات.. فلم أتمالك نفسي إلا أن أسأله ممازحاً: "شو عم تتبضّع معلم" فنظر إليّ وعرف أنني الشاب الذي رآه في المحل منذ قليل... فأجابني: "اي والله... بس مو إلي... جارنا مبارح أخدوه من بيتو.. لازم آخد لمرتو وولادو شي ياكلو.. لأنو أوضاعو على قدو"... صعقني وبقيت أنظر إليه عشرُ ثوانٍ دون أن أُجيب... وأحسستها دهراُ كاملاُ... هو حالو على قدو!! وأنت شو؟! لا تملك 150 ليرة!... يالله... ما هذا الشّعب العظيم.. كيف يمكنُ لمن يحكم هذا الشعب أن يعامله بهذه الطريقة والوحشية... ودارت في ذهني ألف فكرة وفكرة.. وجالت في عيني ألف دمعة ودمعة... قبل أن أجمع من الأغراض مثل ما جمع وأقول له: "هدول الك.. وهدول لجارك... روح الله ييسرلك عمّي ويجزيك الخير.. حسابهم عليّ.. الناس لبعضها"... خرجتُ وقد ملأ الخشوع جوارحي لعظمة الموقف.
لن تُهزمي يا شام... رغم الأسى والألم والمعاناة ما دام هكذا شبابك ورجالك... فهذا الحراك قد أخرج أفضل ما عند النّاس فلا تبتئسي.. إنّنا نسير في الاتّجاه الصحيح... وعزة الله ستنُنصرين

لقد سميت مدونتي من وحي الثورة.  إن لم تكن هذه القصة وحيا من الثورة فلا أعرف ماتكون الثورة.  فالمفكرون يعتبرون أن هناك علاقة بين سلوك الإنسان والبيئة فكلما زادت صعبات البيئة كلما ساء السلوك،  ولكننا في حالة الثورة نرى أن الصعوبات تخرج أفضل ما عند السوريين
وأنا أتمنى أن تصل روح الثورة هذه لجالياتنا في مغترباتها فقد أقطعنا مسافة طويلة لنصل إلى آليات الصدقة على الطريقة الأمريكية حيث تحتاج أن تقدم للمتبرع طبقا ب 75 دولارا ليتبرع بـ 100 دولار.  هل أحتاج أن أتكلم عن طرقنا في الصدقات أكثر من هذا،  ولو تكلمت طال الحديث.