الدينار الإسلامي الذهبي منفعة الشعب وتحديات النجاح:


اصدار الدينار الإسلامي ليست بالفكرة الجديدة، فقد طرحها بعض السياسيين العرب (على ما أذكر أن السيد "الشاعر" سفير المملكة السعودية في لبنان هو أول من طرحها بجدية 1974 هذا من الذاكرة)  وكان الطرح فيها أن يتم اعتماد الدينار العربي هذا كقاعدة لتداول البترول.  بعدما بدأ الثوار في المناطق المحررة الشمالية بالبحث عن بديل عن الليرة الأسدية، وفي اليوم الذي أعلنت #الدولة_الإسلامية بأنها ستتعامل مع الدينار الإسلامي الذهبي، نستطيع أن نقول أنه في بلادنا بدأ الناس بالبحث عن الإستقلال المالي والشرعية الإقتصادية بمعزل عن التبيعة لكل من نظام أسد أوللنظام الصفوي الإيراني في بغداد.  وقد أفردنا مقالين سابقا لتجربة الطرف السوري.  في هذا المقال نُلقي بعض الضوء على أهمية الإصدار الذهبي لـ #الدولة_الإسلامية على معيشة سكان هذه الدولة من أهلنا في الأقليم السوري والعراقي. 
المشكلة الأصلية في النقد:
ما يزيد عن 12 مليون نسمة في أراضي الدولة يستعملون الدينار العراقي أو الليرة السورية.  وقد عانى هؤلاء من ارتفاع اسعار حاد خلال السنوات العشر الأخيرات.  والسبب الرئيسي لإرتفاع الأسعار هو سياسة "تسييل الدين العام" أو تمويل الانفاق الحكومي عن طريق اصدارات جديدة للعملة.  فكلا النظامين في مواجهة الانفاق الأمني المتزايد الذي يقومان به يعمدان لإصدار مزيدا من النقود وضخها في السوق.  (وساقوم بشرح هذه النقطة لأبسط ما يمكن مع اعتذاري للأخوة للتبسيط لأنني لاحظت أن بعض تغيب عنهم أليات عمل النقود)
كيف تضخ السلطة العملة الجديدة في السوق؟ 
في الأحوال العادية عندما تقوم السلطة النقدية في بلد ما باصدار نقد جديد تقوم بشراء "سندت الخزينة" من الناس والمؤسسات المالية فتسحب من التداول هذه السندات وتعطيهم النقد الجديد وبذلك يدخل النقد الجديد في التداول. فينتج عن هذا الأمر زيادة لعرض النقود في البلاد وينقص الدين الحكومي (السندات.) في الأحوال العادية زيادة عرض النقود سينتج عنه ارتفاعا بالأسعار ينسجم نسبيا مع زيادة عرض النقود ولا يحد منه سوى ارتفاع نسبة الأستثمار الناتج من زيادة الطلب على البضائع.  (فمن كان من قبل يملك سندا واشترته اليوم السلطة منه ووضعت بيده نقودا يمكنه انفاقها في السوق.) هذه السياسة معروفة في الاقتصاد بأنه سياسة توسع مالي وليست محمودة النتائج إن لم تكن تحت السيطرة وبقدر معين ودقيق.
في الحالة السورية والعراقية،  نحن نجابه نظامين لا يتوانيان عن ضخ المزيد والمزيد من النقود في السوق من الليرات السورية والدينار العراقي.  هذه الأوراق المطبوعة لا عمل انتاجي لها سوى تمويل القطاع الأمني.  فالنظام يطبعان النقود بدود شروط ولا حدود،  ويدفعان بها لعسكرهم وميليشياتهم ليشتروا ولائهم. فكل ما ينتج عن هذا هو ارتفاع جنوني للأسعار لا نحتاج أن نثبته هنا فأهلنا يعلمون هذا علم اليقين. 
الضحية هو المواطن: 
بسبب هذه السياسة غير المسؤولة يعاني المواطن نتائج ضعف القيمة الشرائية للمال الذي بيده.  فهذا الأسبوع مثلا كان بامكانك أن تشتري دجاجة بدينار عراقي مثلا،  ولكن الأسبوع القادم ستحتاج دينارا وربع لشراء نفس الدجاجة،  ليس لأنك عملت أقل من أجل هذا الدينار، ولا لأن رب عملك أكل جهدك، بل لأن النظام طبع صورة على ورقة ودفعها لشبيحته على أنها نقود.  إذا الضحية الأولى لهذا الوضع هو المواطن ؛ فالنظامان يعلنان الحرب على الشعب والشعب يمول هذه الحرب من جيبه وتعبه وطعام أولاده. 
أمام هذه الحرب المالية على المواطن لا نملك إلا بالبحث عن الإستقلال المالي عن المصارف المركزية في بغداد ودمشق.  طبعا طرح عملية تَتْريك (الليرة التركية) التعامل النقدي أو دَوْلَرته (الدولار الأمريكي) سيأتي بحلول جزئية لهذه المشكلة (انظر مقلنا: في الاقتصاد السوري: - 2 -تتريك أو دولرة العملة في الشمال السوري) ولكن يجعل السوق المالية في المناطق المحررة عرضة لبعض مشاكل المصارف المركزية في تركيا وأمريكا،  كما أنها تتطلب تدخلا مُتْعبا من قبل المصرف المركزي التركي قد لا تتفق مع مصلحة الأخير وقد يصطدم بحدود السيادة والمصلحة الوطنية. 
لذلك كان اعتماد المعادن الثمينة (ذهب – فضة – نحاس) كأساس لعملة جديدة في المناطق المحررة قد يكون الأكثر مناسبة لهذا الوضع القائم الذي يقول عنه الامريكيون: "أنه قد يستمر عشرين سنة".  بذلك ورغم غرابة هذا الإصدار يبدو أنه أكثر مناسبة للأوضاع لعدة أسباب: 
أولا:  تتحرر المناطق المحررة من النتائج الاقتصادية لسياسيات بغداد ودمشق المالية.  فتدخل النظامين في السوق المحررة للا يمكن أن يتم إلا عن طريق المعادن الثمينة، ففي هذه الحالة سيكون التدخل مكلفا بقدر كلفة المعدن الثمين المستعمل وبالتالي يتوقف النزيف الاقتصادي لهذه المناطق.   
ثانيا:  لايمكن إصدار النقد الذهبي إلا بمقدار ما يملك من هذه المعادن. فبذلك سواء كانت قيادة الدولة أم غيرها لن تتمكن من اصدار النقد الجديد إلا بمقدار ما تملك.  فتتوقف حركة تقلبات الأسعار الجنونية. حتى السلطة النقدية للدولة الإسلامية لن تستطيع التلاعب بالأسعار كما يفعل الأخرين.   
ثالثا:  تعود الثقة للتعاملات التجارية فالذهب كخازن للقيمة لا تضيع قيمته إلا من خلال تقلبات سعره العالمي (لا علاقة له بأفعال النظامين) وبعض من صادر هذه الثقة بأن من يحمل الدينار الذهبي فهو يعرف أن ديناره يحمل قيمته الذاتية ويمكنه أن يصهره كمعدن ليحصل على نفس القيمة في حال غابت الدولة أو سقطت بغداد أو دمشق. 
رابعا:  الكثير من المدخرات اليوم تتم عن طريق العملة الصعبة ،  مما يجعل هذه المدخرات عرضة لتقلبات هذه العملة الصعبة.  والتحويل للعملة المحلية يكلف الكثير من العمولات.  أما بقاء المدخرات ونقود الإستهلاك المحلي بالذهب يلغي تكاليف التحويل كما يحد من تقلب الأسعار. 
خامسا:  خلافا للعملة التركية أو الدولار،  يمكن للمعادن الثمينة أن تكون أساسا للوحدات الصغيرة ولا سيما إذا استعمل النحاس،  فالنحاس يعتبر من المعادن "الثمينة"  وان كان رخيصا مقارنة بالذهب، ولكن أسعاره تماثل اسعار الذهب في ثباتها نظرا للطلب عليه لاستعمالاته الصناعية.  
 عقبات على طريق التطبيق:
طبعا هناك الكثير من مسائل التي نحتاج تأمينها للحصول على تحول نقدي ناجح؛ من هذه المسائل:
المسالة الأولى: قانون غراهام ينص على ان العملة السيئة تطرد العملة الجيدة من السوق،  بما معناه أن اغلب المتعاملين سيميلون لاستعمال (الدفع) عملات النظامين في التداول والاحتفاظ بالدينار الذهبي للإدخار.  هذه الظاهرة ليست سيئة بالمطلق فهي ستساهم بخفض قيمة عملتي النظامين ورفع قيمة الدينار الإسلامي.  ولكن نحتاج لان يستمر الاصدار الذهبي وبكمية كافية لرفع حالة الثقة بالدينار وتحويله لأداة معتمده في السوق للتعامل. 
المسالة الثانية:  يتبع من المسألة الأولى سؤالا مهما:  ما هي كمية النقود التي علينا تأمينها لشعب يزيد عدده على إثنا عشر مليون نسمة؟  إذا اعتمدنا الاقتصاد السوري سنة 2010 كانت كمية السيولة المتوفرة  600 مليار ليرة سورية (12 مليار دولار) من أجل 23 مليون سوري.  فإذا كان سكان الدولة 12 مليون فاذا نحن بحاجة لإصدار ما يقارب 12 مليار دولار من الذهب.  هذا ما يعادل 330 طن من الذهب لصك ما يعادل 75 مليون دينار ذهبي بسعر اليوم. هذا ليس بالأمر الصعب إن كان هناك بعض بقايا الأحتياطي الذهبي من عهد صدام حسين ومما كان متوفرا في المصرف المركي العراقي في الموصل وما شابه. سيساعد هذا أن تمكنت تقنيا من اصدارات صغيرة (فأربع غرامات ونصف في الدينارعالية القيمة للتداول) والسوق يحتاج أن تقسم إلى مئة جزء (نسميه درهما يعادل 1,60 دولار أمريكي)  لتصبح أساسا للتعامل اليومي بينما تصاغ الوحدات الأصغر بمعادن أخرى كالفضة والنحاس أو مزيجا بينهما. 
المسألة الثالثة:  السؤال كيف يمكن للدولة تأمين تدفق الذهب لكي تواجه حاجيات السوق المحلية؟  هذا الأمر لا يمكن ان يتم إلا إذا استطاعت الدولة أن تفرض على مصادر دخلها أن تكون كلها بالذهب.  اعتقد هذا سيكون من أصعب الأمور ولاسيما أن الحصار الغربي للدولة يجعلها أضعف في فرض شروطها على زبائنها. ولكن هذه مسألة ستظهر لنا الأيام إذا استطاعت الدولة حله أم لا. 
 المسألة الرابعة:  تهريب الذهب،  اعتدنا أنه لا يوجد من هو مهتم نسبيا بتهريب أو اخراج الدينار العراقي او الليرة السورية إلى خارج البلاد،  فأغلب التهريب يتم بعد التحويل للعملات الصعبة الأخرى.  ولكن مع الذهب الأمور تختلف،  فهناك دوافع كثيرة تزيد من استنزاف البلاد وتسرع خروج الدينار الذهبي إلى الخارج، وهذا ما ينشأ ضغط كبير على السيولة في السوق المحلية.  هذه المشكلة مرتبطة بمشكلة تأمين تدفق مستمر من الذهب،  وهذا التدفق لن يكون ممكنا إلا بمزيد من الصادرات المحلية مصحوبة بشروط تضيق عملة خروج الذهب خارج الدولة. 
خلاصة القول: 
تجربة الأصدار الذهبي تجربة مثيرة للغاية،  فقد تفتح آفاقا جديدة في االتعامل المالي في المنطقة، وأهم ميزاتها أنها ستصبح اداة استقرار للأسعار وحماية المستهلك في الدولة الإسلامية وما حولها،  وإن تمكنت الدولة من انجاحها فستكون أداة تحكم قوية، فسيرتد كل الآثار السلبية لسياسات بغداد ودمشق على أتباع النظامين.  وسيجد أتباعهم أنهم يعانون الأمرين من غلاء الاسعار في مناطقهم بينما تتمتع المناطق المحررة باستقرار نسبي كبير. وهذا لن يهدد اقتصاديات الدول الأخرى في المنطقة.   وفي حال اختفت دول سايكس بيكو أو انه لم يعد هناك شيئا اسمه سورية أو العراق، فالدينار الذهبي سيكون أداة عدالة اقتصادية تؤمن استمرارية الأستقرار الإقتصادي للمواطنين في هذه المناطق.  فلا عملة النظامين لها قيمة ولا أي عملة أخرى تصدرها جهة ثورية ستحمل قيمة ستمرة في هذه الحالة. 
ولكن هذه التجربة تحمل تحديات كثيرة واهم هذه التحديات أن بعض الصعوبات تتحكم بها اعداء الدولة مثل التبادل التجاري والحصار الأقتصادي ونتائجه.  ولابد من جهات مختصة في الدولة تقوم على هذا العمل وتضع القوانين الضوابط الضرورية وتراقب العمل بها على كل المستوياة،  فلائحة المسائل المتعلقة لا تقتصر على ما ذكرناه في هذه المقال،  فسيكون هناك سيلا لا ينتهي من المسائل المشابهة التي علينا مجابهة بحرفية بعيدا عن الجمود القوالب الجاهزة والحلول المعلبة بما يضمن مصلحة العامة والعدالة في السوق. 

محي الدين قصار
شيكاغو 19 إيلول 2015




   الأسعار النسبية للبترول مقدرة بالذهب (الأصفر) .  لا حظ هبوط قيمة البترول منذ 2001 رغم ان اسعار النفط بالدولار (ازرق) لا تعكس هذا السقوط.  لاحظ كيف ان الأزمة الاقتصادية 2008 صدرت بشكل كامل على البترول، وأن ارتفاع اسعار البترول بعد الأزمة كان فقط بالدولار (ليس حقيقي)  بينما استمر السعر النسبي بالذهب بالهبوط. 


تطور اسعار الذهب والبترول منذ 2001 بالسعر الثابت 
#الدولة_الإسلامية 
 #يرجى_النشر 

No comments: