Saturday, December 02, 2017

تفكيك البنية الأمنية والعسكرية: كيف؟

لا تستطيع أن تقدم عرض تفكيك البنية الأمنية والعسكرية للقطر دون تقديم بديلا لاعادة التركيب واضحا وصريحا.  فاقطار العالم العربي ليست أوطانا ولا دولا دون الجيوش.  فلو اختفى الجيش الفرنسي لبقيت فرنسا فرنسا،  ولكن حال الدول العربية ليست كذلك،  فهناك تماهي بين القطر والدائرة الأمنية

على الثوار أن يقترحوا حلولاحقيقية. وحلولا ممكنة.  لا يستطيع أي بلد في العالم أن يرسل في ليلة وضحاها مليوني عسكري وأمني إلى بيوتهم.  ولكن الحلول التي علينا رؤيتها ووضعها في الجدار الأمني هو "كيف يمكننا تغير آجرة في هذا الحائط لنجد أن الحائط ككل قد تغير بعد حين.  هذا الكلام ليس لمصلحة الغرب أو الشرق،  بل لمصلحة استقرار سورية والسوريين كلهم

في 2013 نشرنا أوراق تحت مسمى "المبادرة الجهادية"  أليكم ورقة منها قد تعكس بماذا أفكر اليوم،  لايحتاج المفاوضون أن يتبنوها كلها ولكن هذه البنود يجب أن تكون اضعف الإيمان طبعا الثوار الحقيقيين يستطيعوا أن يقفوا على بنود أفضل بكثير من هذه التي صغناها، ولكن الجوهر موجود في الفكرة

 


 

من أوراق المبادرة الجهادية: تسوية وضع الثائر لما بعد الثورة:



تسوية وضع الثائر لما بعد الثورة:

1.                   يعتبر أن فترة الثورة جزء من فترة الخدمة العسكرية لكل الثوار المشاركين فعليا بالثورة.
2.                   يعتبر كل منشق عن النظام سواء مدنيا كان أم عسكريا أنه على رأس عمله منذ يوم إنشقاقه، وتعتبر حقوقه المالية والوظيفية محفوظة إلى حين تمكن السلطة الجديدة من تسديدها.  
3.                   يعتبر كل  منشق عن النظام ومن التحق بالثورة وعمل بها بشكل فعلي أنه على رأس عمله منذ التحاقه بالثورة،  ويقدم له "تعويض مهمة" يعادل ثلاث أضعاف راتبه يوم انشقاقه.  كما تعتبر فترة الخدمة الفعلية في الثورة وإلى يوم سقوط النظام على أنها ثلاث أضعاف الفترة الخدمة في العمل الأصلي وتدخل في حساب أقدمية الثائر في وظيفته وكافة حقوقه الأخرى بما فيها الفترة التقاعدية.    
4.                   يُرَفّع كل من انشق عن النظام - من العسكريين ومن قوات الأمن - قبل تاريخ 1/1/2012  والتحق بالثورة وعمل بها بشكل فعلي رتبتان.
5.                   يرفع كل من انشق عن النظام - من العسكريين ومن قوات الأمن - قبل
6.                   تاريخ 1/1/2013  والتحق بالثورة وعمل بها بشكل فعلي رتبة واحدة.
7.                   يعتبر الثائر من غير موظفي الدولة كمن تطوع في الجيش والقوات المسلحة يوم التحق بالثورة فعليا برتبة تتفق مع درجته الشهادة العلمية.
8.                   يعتبر حكم الثائر من غيرالموظفين أصلا كحكم نظيره من المنشقين عن الجيش. وله نفس الحقوق بما فيها الحق في الإنتماء للجيش والقوات المسلحة برتبته التي تخوله لها خدمته بالثورة 
9.                   تطبق قواعد "التسوية" على الشهداء وتمنح مستحقاتهم كاملة لذويهم.
10.               يخصص تعويض تقاعدي كامل لذوي الشهداء على أن يعتبر أن الشهيد خدم إلى سن التقاعد النظامي.
11.               بخصص تعويض يدفع مرة واحدة تحدده لجان متخصصة.
12.               يمنح مصابي الثورة ومعاقيهم تعويضات تتناسب مع درجة إصابتهم تحددها لجان متخصصة.  
13.               تقع مسؤولية إثبات الإنشقاق وتاريخه والخدمة في الثورة على عاتق الثائر ويخصص لجنة حكماء محايدة تضع سياسة عادلة بهذا الخصوص.
14.               يعامل الثوار من غير السوريين نفس معاملة الثائر المدني. ويمنحوا الحق بالجنسية السورية إن رغبوا في البقاء في سورية.  
15.               تحسم المبالغ التي تقاضاها الثائر خلال عمله في الثورة سواء من الجهات السورية أو غير السورية من التعويضات المالية التي ستقاضاها أعلاه.  
16.               يستثنى من هذه القواعد من أكره على الانشقاق.  


Thursday, November 23, 2017

قصيدة بيني وبين بني أبي للشاعر: المقنع الكندي


يعاتبني في الدين قومي وإنما                  ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
ألم ير قومي كيف أوسر مرة                  وأعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
فما زادني الإقتار منهم تقربا                 ولا زادني فضل الغنى منهمو بعدا
أسد به ما قد أخلوا وضيعوا                   ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وفي جفنة ما يغلق الباب دونها                مكللة لحما مدفقة ثردا
وإنِّي لعبد الضيـف مـا دام نـازلاً              وما شيمة لي غيرها تشبه العبـدا
وفي فرس نهد عتيق جعلته                    حجابا لبيتي ثم أخدمته عبدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي                  وبين بني عمي لمختلف جدا
أراهم إلى نصري بطاءا وإن هم             دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
إذا قدحوا لي نار حرب بزنــدهم              قدحت لهم في كل مكـــــرمة زندا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم              وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيويبهم            وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي             زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم                   وليس كريم القوم من يحمل الحقدا
فذلك دابي في الحياة ودابهم                   سجيس الليالي أو يزيرونني اللحدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى                وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
على أن قومي ما ترى عين ناظر             كشيبهم شيبا ولا مردهم مردا

بفضل وأحلام وجود وسؤدد                   وفي ربيع في الزمان إذا شدا

Monday, October 16, 2017

جدلية المنظومة الحاكمة في سورية: لماذا لن يأت التغيير إلا بثورة المواطن؟

من مقالاتي القديمة:  
نشر في أيار 2005


يحلم الجميع أن نستيقظ ذات صباح وقد عادت حكوماتنا في العالم العربي إلى رشدها، فتطالعنا الصحف بأن القرارات أصدرت لإغلاق كل السجون السياسية والمعتقلات الفكرية.  وأن الحاكم قرر أن يعيد الحق إلى نصابه ويلزم نفسه بقرارات شعبه فتلغى قوانين الطوارئ وما يلحق بها من محاكم تفتيش بمختلف أشكالها وألوانها. وتتبنى السلطات كلها أن لا مرجعية سوى مرجعية المواطن، وأن دمه وعرضه وماله حرام على الجميع ولا سيما على السلطة ذاتها. والحلم الذي نحلمه طويل جدا ولكن ليعذرني القارئ فإن من طبعي التشاؤم، وإليكم الأسباب التي سيجعل هؤلاء الحكام لن يقدموا على عمل كهذا ولو كان ثمن الذي ستدفعه البلاد يماثل ثمن الذي يدفعه وما زال يدفعه العراق الحبيب. ولكي لا نلمس شعور أي من أحبائنا العرب فسأتكلم على بلدي سوريا كمثال وما ينطبق على الطبقة الحاكمة في سورية ينطبق على جميع الطبقات الحاكمة في العالم العربي.  فخلال السنوات الأربعين الماضيات حكمت سورية طبقة اجتماعية معينة تتصف بثلاث أبعاد. وهذه الأبعاد تتشابه بين كل الطبقات الحاكمة في بلاد العرب.  ونحن اليوم نطمع واهمين أن تقوم هذه الطبقة بالتغيير خوفا من التهديد الأمريكي.  فلننظر ما هي أبعاد هذه الطبقة وكيف ستؤثر على قرارها بالتغيير. 
افلاس فكري وتقصير ريادي:
البعد الأول لهذه الطبقة الحاكمة في بلادنا هو البعد الفكري، حيث تبنت التحديث الغربي على الطريقة الاشتراكية تحت قيادة حزب البعث العربي الأشتراكي.  وقد يعتقد البعض غالطا أن أعضاء الجبهة الوطنية من الأحزاب الأخرى يخرجون عن اطار هذا البعد. وبغض النظر عن جلالة الأفكار الكبيرة التي تقدمها أحزاب الجبهة؛  فالجبهة -كأشخاص وتنظيمات لا كأفكار وعقائد- ببعثها وغير بعثها مارست قيادة الأمة نحو مستنقعات الموت الفكري بكل الوسائل.  فإن لم نكن نريد أن نحمل هذه الجبهة فشل الوحدة العربية مع مصر ولكننا لا نستطيع أن ننسى مسؤوليتها في الاسفين الذي دق بين سورية ولبنان من خلال ممارسات - أقل ما يمكن أن يقال- أن هذه الجبهة سكتت عنها ما يزيد عن ثمانية عشر عاما.  فإن كانت الحركة الانفصالية ضد مصر عبد الناصر تعتبر نكتة سوداء في قلب فكرة الوحدة العربية،  فيبق سوء السياسة التي اتبعها مع الإقليم الشمالي لا يعادل ما مارسته سورية في لبنان.  فعبد الناصر لم يعتبر قبل 1958 أن الوحدة هي الأصل، في حين كانت سوريا تعتبر نفسها أنها "مربض الوحدة العربية" وعرين العروبة النابض."  وقد كان الوجود السوري في لبنان على الأقل في التسعينات، فرصة البعث والجبهة الوطنية وراءه لنقل فكرة الوحدة والقومية العربية إلى حيز الوجود فعلا وعملا. والوحدة لا تعني ضرورة اختفاء الدولتين في دولة واحدة.   وقد تكلل جهود هم في لبنان بمظاهرات صاخبة تدعو ثبورا لسورية "الشقيقة." حتى أولئك الذين خرجوا تأييدا لسوريا وشكرا لها لدعمها لمقاومته البطلة، كان خروجهم تأييدا وليس طلبا بالبقاء.  إن القواصم التي قصمت العمود الفقري لفكر البعث وعصابة الأحزاب التي شاركته في حكم سورية لما يقارب نصف قرن أكثر من أن تذكر. إنها تمر بهزيمة 1967، فحرب لبنان الأهلية، وخصام الأخوة الأعداء بين البعث السوري والبعث العراقي، وفشلها في احتواء الحرب العراقية على إيران.  ناهيك عن الحلف مع الأمريكان ضد شقيق قومي في عام 1991. 
من هنا، فأصحاب القرار الفكري في هذه الأحزاب يدركون حق الادراك خواء افكارهم الحزبية.  ومما زاد من عجزهم أنهم فقدوا القدرة على الاقْناع ونشر مبادئهم.  فخلال العقود الماضيات لم يمارسوا هذه القدرة أبدا إذ أنهم لم يكونوا بحاجة لها.  فهناك الدولة التي تفرض فكرهم على المجتمع، وهناك المتملق لفكرهم بغية الحصول على وظيفة في الدولة أو منصب ما أو مربح مادي. فعجزوا هم عن التقدم، والذين انتموا إليهم لاحقا تملقا كانوا أعجز عن مدهم بجديد.  وأنا لا أتكلم بفراغ هنا، فأقول لأخواننا البعثيين والقوميين والإجتماعيين وغيرهم في الجبهة: ما هو النقاش الفكري الذي أنتج لدينا القرار من الحرب العراقية على إيران؟ بل هل تمت مراجعة فكرية لموقفنا مع الحلف الثلاثيني ضد العراق عام  1991 قبل الأنضمام له؟  ولماذا نذهب بعيدا،  لقد هرولت قيادة بشار الأسد إلى الصين بحثا عن انموذج تتبناه البلاد لمواجهة المرحلة الجديدة. هل مدت هذه القيادة يدها لهذه الاحزاب تسألهم رأيهم فيما هم مقدمون عليه؟  بل هل توجهت لمراكز البحث القومي والعربي الاستراتيجية تسألهم رأيهم؟  وإذا كنا تقدميون ووطينون وصامدون في وجه الشيطان الأكبر "أمريكا"  فكيف نقبل على الأقل فكريا أن يعلن بشار الأسد للصحفي الأمريكي قائلا: "أرجو أن تعلمهم بأنني لست صدام حسين. سأتعاون"  منذ متى كان التعاون مع أمريكا موقفا مقبولا في هذه الجبهة؟ أم أنه آخر مظاهر الخواء الفكري لهذه الأحزاب. 
لهذه الأسباب تدرك هذه الأحزاب زيفها الفكري عند شرائح الشعب في طول البلاد وعرضها. وتدرك أن الانفتاح سيفقدها قدرتها على الهيمنة الفكرية المرتكزة على الدولة.  وقيادات هذه الأحزاب تدرك بأنها ستهوي في مستنقعات النسيان في اللحظة التي يحصل المواطن فيها على حريته وخياراته.  أما العاقلون في هذه الأحزاب وأصحاب الفكر السليم فقد يمكنهم وعيهم من أدراك أهمية التواصل مع الشارع بعيدا عن الدولة وسلطتها.  وقد يجدون فيها فرصة لخطوة مراجعة للوراء تكون عامل دفع نحو بناء علاقة جديدة وحيوية مع المجتمع، تتشرف مستقبلا أفضل من العلاقة الميتة الحالية. ولكنني متشائم كعادتي فهؤلاء العاقلون من مفكري هذه الأحزاب هم الأبعد عن مواقع القرار فيها. 
نهب اقتصادي وعجز عن الانتاج:
البعد الثاني لهذه الطبقة التي حكمت سوريا خلال الأربعين سنة الماضيات هو البعد الأقتصادي.  فخلال هذه العقود ظهرت طبقة جديدة من أصحاب الثروة لم تكن لتظهر بهذا الشكل لولا تركيبة الدولة الديكتاتورية.  فقد أعيد توزيع الثروة في سورية بين النخبة الحاكمة.  فتحولت فئات كبيرة من المسؤوليين الحكوميين إلى سماسرة تتعاقد مع أصحاب الأعمال مقابل عمولات كبيرة أو صغيرة.  أما الجيش والقوات المسلحة فحدث ولا حرج فمن لا يشبع من عمولات البلاد وهو من المرضي عنه أو ممن يُطلب سكوته يرسل إلى لبنان ليملأ جيوبه بأمول تهريب البضائع عبر الحدود إن لم يكن بأموال المخدرات أو السرقات.  وبطبيعة الحال أن يطغى على هؤلاء كونهم من الفئة النصيرية التي ينتمي لها الأسد بحكم ولائهم وتمكينهم من الجيش.  وهذه الظاهرة ليست حصرا على القطر السوري، ففي أي بلد من بلاد العالم كان قد مارس نوعا من الاشتراكية مقترنا بنوعا من الديتاتورية أعيد توزيع الثروة بين طبقات المجتمع، فازداد تراكمها في يد الطبقة الحاكمة.  وبطبيعة الحال فعندما يصل هذا التراكم إلى درجة معينة سيطالب أبناء الاشتراكية انفسهم بالانفتاح والتحول الرأسمالي لتمكنوا من تحقق استثمارات أفضل لهذ الثروة الجديدة. 
ولكن الوضع في الطبقة السورية الجديدة يختلف تماما عن بقية البلدان. فهذه الطبقة تمرست بفن واحد وهو السمسرة.  وهي عاجزة عن أن تحول ثروتها لرأس مال منتج.  فكل ما تجيده هو مراوغة القانون وليس حل المشكلة الانتاجية. وغلبة الرشوة والحرمة على هذه الأموال يجعل أصحابها في شك كبير من أمرهم. فلا ثقة لهم ببلادهم فأصحاب الثروات الجدد عاجزون عن استثمارها في البلاد. بل يخشون عليها أن تبق في البلاد. فقد ذكرت صحيفة تشرين أن خلال الشهر الذي تلى استشهاد الحريري سحب ثلاث مليارات دولار من مصارف لبنان.  وقد يبرر ذلك حركة الاقبال على العقارات في دمشق خلال الأشهر الماضيات.  أما ايداعها في البنوك الأجنبية، فالقواعد القانونية لهذه البنوك تتغير كل يوم، وهم يدركون أن دولة ديمقراطية يسودها القانون في سورية ستتمكن من اللحاق بأمالهم أينما ذهبوا.  ويتواتر عند الناس أن بعض الشركات الكبرى التي تعود لعائلة الأسد والمخلوف في سوريا مسجلة باسم أناس نكرة كراعي غنم بدوي يُِِتفق معه على أن يستعمل اسمه مقابل دخل شهري (خمسة آلاف ليرة) رمزي بالنسبة لدخل الشركة وذلك كغطاء قانوني للعائلة. 
لكل ذلك فأنا متشائم فهؤلاء الذين ننتظر منهم أن يقوموا بالتغيير يدركون حقا أن الحرفة التي يمتهنون الوحيدة قائمة على ديكتاتورية الدولة، وأنهم إن فقدوا هذه الدولة فإن حرفتهم لن تعود عليهم بشروى نقير.  أما أموالهم التي بين أيديهم فهي كلها أموال حرام في أحسن حال ما ينفقوه منها لن يعود لهم وبأغلب الأحوال فإن محاسبة القانون في دولة ديمقراطية جديدة ستطالهم وتطال أموالهم أينما كانوا.  وهذه الطبقة لا تقتصر على الأسد وعائلته، بل تمتد لتشمل طبقة اجتماعية كاملة من كبار الضباط والحزبيين والمسؤولين القديمين، الجالسين على هرم عريض القاعدة من المنتفعين اقتصاديا من الدولة.  ونحن هنا لا نتكلم على صغار الحال من النصيريين وغيرهم من الشرفاء الذين يجدون أن حالهم تحسن لأن الدولة فتحت طريقا بقريتهم أو مستوصفا بمدينتهم.  ولكن نتكلم على هذا الهرم المعتمد على الدولة والذي جعل مصدر رزقه استمراريتها واستمرارية دكتاتوريتها.  فهؤلاء لن يتركون حلمنا بدولة الحرية يتحقق. 
ازدواجية الولاء:
البعد الثالث للطبقة الحاكمة في سورية هو بعد عسكري وطائفي معا. فقد تمكنت طبقة النصيريين من التحكم بالجيش ومن ثم بالدولة بشكل مطلق منذ منتصف الستينات.  خلال هذه العقود الطويلة اعتبرت بعض قيادات هذه الطائفة أن دولة الأسد دولة نصيرية بامتياز.  وإن حمل الأسد أبعادا قومية ووطنية، ولكن هذا المفهوم للدولة كان الغطاء الخارجي لما اعتبره البعض من قيادات الدولة العلوية بدولتهم الخاصة واعتبروا أن تواجدهم في الجيش هو وجود بامتياز وأن جيش البلاد جيشهم قبل كل شئ.  والعامة  تتواتر فيما بينها مقولة "دولة ألو" و"ألو" ما يقوله السوري عندما يجيب على الهاتف.  فهناك الدولة التي تسير البلاد ظاهريا وهناك دولة "ألو" الخفية التي تسير البلاد حقيقة عن طريق الهاتف. والانطباع السائد ولو غالطا بأن مجلس الطائفة هو المسؤول عن هذه "الدولة." مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي الذي كانت به مناطق النصيريين في شمال غرب البلاد لا تسر أحدا من بعيد أو قريب وقد كانت أحد أسباب انضوائهم في صفوف اقوات المسلحة.  ولكن هذا الوضع السئ كان يعيشه الكثير من أهالي سوريا في ذلك الوقت، ولم يفكر أحد بأن يحول جيش البلاد لجيش الطائفة قبلهم. ولا اعرف احدا من النصيريين يحمل مسؤولية وضعهم القديم للأغلبية من غيرهم. كما أن الشرفاء من هذه الأقلية تؤمن بأن الضرر اللاحق لسورية من هذه الطغمة الحاكمة واقع بالجميع مهما كانت طائفته أو دينه.   
والسؤال الذي تستمر طرحه القيادة اليوم: "كيف يمكننا التغيير دون أن نخسر سيطرتنا على الأمور" فمن هذا الباب كان ايفاد رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد إلى أوربا في الثمانينات لتأليف ما يشبه "جبهة" للعمل الديمقراطي المعارض للمحافظة على خط رجعة.  ومن نفس القبيل تأتي تصريحات الأخير حول الديمقراطية والحرية.  بل أن مفهوم الحرس القديم والحرس الجديد الذي يتكرر على لسان الأسد الابن أكثر من غيره مفهوم يأتي من هذا القبيل.  فالحرس القديم هم "السيئون" الذين لا يريدون التغيير وستلق قيادة الطائفة المسيطرة الجديدة على أكتافهم كل اخطائها كما ألقت جرائم حماة وتدمر والحجاب على أكتاف رفعت الأسد يوم انشق عن أخيه.  فالأسد يريد اقناعنا بأنه لو أصدر قرارا باعتقال خدام أو غيره فلن يسنطيع تنفيذه! أم أنه اتفاق بينهما.  فقد رأينا التصفيات بين اعضاء القيادة تصل للقتل والنفي دون رحمة عندما تعلق الأمر بتوريث الحكم للابن. والتغيير الذي نحلم أن لا يكون قسريا يعني اقناع هذه الطبقة التي هيمنت على أقدار الطائفة كما هيمنت على أقدار البلاد لعقود طويلة أن تتخلى عن كل سلطاتها وسطوتها وأن تعود قانعة لحظيرة الوطن الكبير، حيث يتحول جهدها من الدفاع عن الطائفة وسلطتها للدفاع عن الأمة وعزتها.
وإذا اقتنعت معي أن هؤلاء في طغيانهم لم يتمكنوا من رؤية مصالح البلاد أهم من مصالحهم خلال العقود الماضيات فما الذي سيغير رأيهم اليوم أدركت سبب تشاؤمي في حل قريب.  فأم المشاكل التي تهدد هذه الطبقة كامنة في دولة القانون، فجرائم زعاماتها وكبارها أكبر من أن تخفى ودولة القانون والديمقراطية ستعيد فتح ملفات كل الجرائم التي ارتكبتها خلال العقود السابقة.  هل باستطاعتنا تخيل حكومة ديمقراطية في مصر لا تلاحق جمال مبارك تسأله من أين لك هذ؟  أم أن هناك دولة قانون في سورية لا تعيد الحقوق لمن قضى في سجون النظام أربعين عاما من عمره.  أم أن هناك انفتاحا في ليبا لا يطارد أموال سيف القذافي حيث كانت من البرازيل إلى هنغاريا.  إنهم يدركون ذلك فهم يرون كل يوم ما يحدث لبينوتشه تشيلي وأمثاله.  وهم يدركون أن تخلى الغرب عن دعم أنظمتهم الدكتاتورية يعني غياب المؤى الذي سيهربون إليه عندما يسقطوا.  
لكل هذه الأسباب أخي المواطن لا أجد بدا من العودة إليك.  فهذه الطغم الحاكمة كالطفيليات تعرف أنها ستموت أذا أزيحت عن مواقعها، ولذلك فهي مستعدة أن تضحي بالبلاد والعباد بغية بقائها كما فعل صدام قبلها.  وإن قبلت أمريكا ببقائها أو تقاعست عن إزالتها فإن ثمن ذلك سيكون من حسابك وحساب قضاياك المصيرية.  أو لم يقل لهم بشار:  "أرجو أن تعلمهم بأنني لست صدام حسين. سأتعاون." إن دولتك اهش من الورق، هل تفكر باسقاطها بمظاهرة.  هل بقيت دولة واحدة لم تسقطها جحافل المتظاهرين إلا في بلادنا؟  دعنا نسقط هذه الدويلات لا حبا بأمريكا ولكن دعنا نسقطها استعدادا لقدوم أمريكا.  فنحن أقدر على مواجهتها إذا وقفنا صفا وطنيا واحدا.  كل يوم يعلن شعبنا بألف وسيلة بأنه أكبر من الدولة وأكبر من سلطتها.  مهما كلفنا تغيير هذه الطغم فإنها ستكون أقل من الكلفة التي ستدفعها شعوبنا لو جُرت لمواجهة مع الغرب بِحجتهم كما فُعل بالعراق.  وستكون أقل كلفة من التنازلات التي سيقدمونها للغرب في حال رضي الأخير بقائهم في الحكم، فتنازلاتهم لن تكون إلى على حسابنا وحساب امتنا. وقد كنت أتمنى أن أكون مخطئا ولكن الأمور تتطور لتؤكد مخاوفي، فها هو النظام يعتقل من تبق من ربيع دمشق، والعم السفاح يعود من منفاه ليسأل حصته بالورثة، ومؤتمر الحزب لم يطرح فكرة واحدة جديدة.  ألم يحن مجتمعنا أن ينهض بذاته ويأخذ زمام أموره بيده؟  إن كل يوم نتأخره ندفع ثمنه غاليا من حياتنا وحياة أبنائنا. 

Thursday, September 28, 2017

لماذا يجب أن لا أشترك بخطوط الهاتف العربي أو الإيراني:


بأي وقت من الليل أو النهار يأتيك هاتفهم المزعج بقلة أدب وسماجة يحاولوا أن يقنعوك بأن تشتري منهم خدمات التلفون الدولية والإتصالات وخدمات القنوات الفضائية.  وسواء رفضتهم بادب أو قلة أدب فسيستمروا بسماجتهم بلا كلل ولا ملل. ولو حاولت أن تجري حديثا متأدبا معهم فستجدهم متأدبين ولكن كل همهم معرفة ما ذا تفعل ومن هم أصدقائك ... إلخ.  أعتقد الكثيرين من المغتربين العرب في أمريكا يعانون من هذه الظاهرة.  ولكن القلة القليلة من ينتبه للبعد المخابراتي لهذه الظاهرة. 
فمن السهل إدراك قدرة شركة الإتصالات الدولية بربط كل منا بأصدقائه وقدرتها على تقديم شبكة العلاقات التي تواصل معها كل منا إلى طغات العالم العربي.  فالولايات المتحدة الأمريكية لاتحتاج تقنيا لأن نكون مشتركين معها لكي تفعل هذا ولاسيما بعد القواين الجديدة التي صدرت بعد فضيحة التجسس في 2013.  فهي بإمكانها بناء هذه الشبكة دون أن تحتاج لأن نستعمل خطوطها التلفونية. ولكن الحكومات العربية استمعت إلى مقولة مبارك "امريكا لا تغطي أحد"  ولا يريدون أن يبقوا في هذه النقطة الإستخباراتية تابعين لها. وقد رأينا مباشرة بعد إنقلاب السيسي على الرئيس الشرعي والوحيد المنتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر (مرسي) كيف دفعت الثورة السورية ثمنا باهظا من الإعتقالات ولا سيما في دمشق، لأن بعض الشباب اهمل هذه النقطة الأمنية.  وإن كانت هذه الإعتقالات لم تطال الرجالات المنخرطين مباشرة في الثورة؛  ولكن طالت بعضا ممن صدف أن كانوا في حلقات اتصالاتهم الإجتماعية التي رسمتها الإتصالات التلفونية لهذه الشركات. 

من المهم أن نعرف أن القانون الفيدرالي الأمريكي يحرم اتصالات هذه الشركات بالناس،  فالقانون أنشئ لائحة أرقام (ممنوع الإتصال بها)  Do not call list.  وكل فرد يسجل رقمه في هذه اللائحة فلا يحق لهم أن يتصلوا به.  طبعا أنا مسجل أرقام هواتفي في هذه اللائحة.  القانون يحتم على كل مُسوّق أن يتأكد أن الرقم الذي يتصل به غير مسجل فيها.  وكل مخالفة لهذا غرامتها عشرة آلاف دولار لكل حدث.  يعني أذا اتصلوا معي 3 مرات هذه مخالفتها ثلاثين ألف دولار. ومن الممكن ان نتخيل الرقم الخيالي لو أننا جمعنا كل هذه المخالفات.   فمن الواضح أن هذه الشركات تشعر بأنها في مأمن من هذه المخالفات وأن الحكومة الفيدرالية لا رغبة بها بإزعاج حكومات هذه البلدان إلا بالوفت المناسب. 

من الممكن أيضا أن نرى آثار مخابرات الأنظمة العربية في زيارات بسيطة مع بعض المعرفة التقنية لبعض غرف التواصل الإجتماعية مثل واتزأب وأشباهها المفتوحة للجميع.  بل أن مداخلات "افراد الأنظمة" في هذه الغرف لا تسعى فقط لمعرفة من في الغرفة بل تسعى لأبعد من هذا في بعض الأحيان.  فنرى كيف الأنظمة تسعى للتأثير في الرأي العام وتشكيله من خلال نقاشات الغرف والمبادلات فيها. 

نقول دوما أن أن انجح المؤتمرات السياسية العربية هي مؤتمرات وزراء الداخلية العرب، وكذلك تعاون هذه الأنظمة في هذا المجال لا يحتاج لإثيات. 

Monday, August 21, 2017

الأرملة المرضعة - للشاعر معروف الرصافي


نقلت لكم:  
كان معروف الرصافي جالسًا في دكان صديقه محمد علي الكائن أمام جامع الحيدر خانة الحالي.. بينما كان الرصافي يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه التتنجي، وإذا بامرأة محجبة ، يوحي منظرها العام بأنها فقيرة ، وكانت تحمل صحنًا ( من الجينكو ) وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن لكن صاحب الدكان خرج إليها وحدثها همسًا ، فانصرفت المرأة الفقيرة .
هذا الحدث جعل الرصافي يرسم علامات استفهام كبيرة ، وقد حيّره تصرف السيدة الفقيرة ، وتصرف صاحبه التتنجي معها همسًا ، فاستفسر من صديقه عنها فقال له : إنها أرملة تعيل يتيمين وهم الآن جياع وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما خبزًا فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشًا كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء وسلمت الصحن للرصافي وهي تقول : " الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن " فرفض الرصافي وغادرها عائدًا إلى دكان صديقه وقلبه يعتصر من الألم ، عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها وراح يكتب هذه القصيدة والدموع تنهمر من عينيه كما أوضح هو بقلمه وهذا يعني أن قصيدة الأرملة المرضعة كتبت بدموع عيني الرصافي فجاء التعبير عن المأساة تجسيدًا صادقًا لدقة ورقة التعبير عن مشكلة اجتماعية استأثرت باهتمام المعلمين في المدارس الابتدائية فيما بعد واعتبروها انموذجًا ، جسد معاناة الرصافي حيث استأثر بموضوع الفقر والفقراء .  
هذه القصيدة التى لا يعرفها إلا الجيل الذهبي 
د. حامد الفقي. 


من روائع الشعر العربي في عصر النهضة... 
الأرملة المرضعة - للشاعر معروف الرصافي

لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا = تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ = وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا = وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا = فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا = وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا = وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا = فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا = حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا = كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً = كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا = حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ === في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا = تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ = هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا = إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ = كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ = وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا = تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً = وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا = وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا = وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا = بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً = وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ = مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ = وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ = أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا = في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا = مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي = دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي = بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا
فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً = تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا = كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ = وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي = مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ = لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا
هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا = وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ = وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا







نساء

ثارت وحد سلاحها ساق صقيلة .. ورمـت ونبـع سهامهاعين كحـــــيلة
تاهت يمــزقها الضياع ومادرت .. أن الندامة والد مـوع لها حصيـــــلة
وأثارها زبد الحيـــــــاة فحومت .. فوق اللهــيب فراشـة فهوت قتيـــــلة
أنا بالزمـالـة كـافـر فاســـتبعـدي .. مـن عقـلك المخـدوع أنك لي زمـيـــلة
فلأنت في شرع الأبيّ صـغيرة .. وكبيـرة في عين منعــــدم الرجــــولة
قبــحا لجيـل أنت رمز نضـــاله .. بنت العليــلة لن تكون سوى عليــــلة
هيهات أن تلد الرخيصة ثائــرا .. وعلى معرّى صدرها رضع الرذيــلة
لن يصنع الجيل المعربد ثــورة .. ورواقص الأرداف لن تـلد البطـــولة
ما جئت أبكي الدين فيـك وإنـما .. أبـكي عرينــا فيه تنتـحر الفضيـــــلة
نهداك إن صنت الفضيـلة فيهما .. بقيـاد مركــب أمّتي أنـت الكـفيــــــلة
شرف الحرائرإن حفظت زمامه .. سيكون للخنساء في وطني ســليــــلة
اليـعربية منـذ كانت حــــــــــرة .. ولهـا بـكلّ مشــرّف بــاع طويـــــــلة
عجبي على بـلد الحمية والتـّـقى .. تجـد القبـول بأرضه نــحل دخيـــــلة
كـم أمّــة بنسـائها فــوق الــذرى .. كـم أمّــة بنسـائـها ركـــعـت ذلـيـــــلة
لولا وجود المحصنات لما غـدا .. مثــلا على الأيــــام تفــديه جـمـيــــلة
ما كــلل الغـار المعــطّر جبـهة .. إلا وخــلف شـموخها امـرأة نبيـــــــلة
أختـاه يـا ذات الحجــاب تحيــة .. كـم في حجــابـك أنت رائعــة مهـــولة
ياجنة في الأرض فاح عـبيرها .. وشــريعة الإسـلام دوحـتـها الظليـــــلة
ميلي على الدنيا فخارا واسحبي .. ثوب الإباء وجرجري تيـــــها ذيـــــوله
وإذا طغى الطوفان لاتسـتسلمي .. لمدمّــر الطـّـوفان واجـــتنبي ســـــيوله
ما قـيـمة الخفاش في تصـــخابه .. والليـــل فـوق جيـوشه أرخـى ســـدوله
والفجــر إن خفيت إليه بطاحنـــا .. بعثتـه بنت النــور مؤمنـــة أصيــــــلة
زرعت فأينــعت الثمار فكيف لا .. يزهو بــها التــاريخ أعمــالا جليــــــــلة
من روعة القرآن تفجـّـر قلبــــها .. وبجانب المحراب تحتضن الطفولــــــة

Monday, July 31, 2017

مالي أرى كلمات: إلياس أبو شبكة

ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُأَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقا سَبَبُ
بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِهاعَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَبُ
ذكرتُ لَيلَةَ أَمسٍ فَاِختَلَجتُ لَهاوَاللَيلُ سِكرانُ مِمّا سَحَّتِ السُحُبُ
ذكرَتُها غَيرَ أَنَّ الشَكَّ خالَجَنيإِنَّ النِساءَ إِذا راوَغنَ لا عَجَبُ
فَهُنَّ من حَيَّة الفِردَوسِ أَمزِجَةٌيَثورُ فيهِنَّ من أَعقابِها عَصبُ
أَخافُ في اللَيلِ من طَيفٍ يَسيلُ عَلىمَوجاتِ عَينَيكِ حيناً ثُمَّ يَغتَرِبُ
طيفٌ مِنَ الشَهوَةِ الحَمراءِ تَغزِلُهحمرُ اللَيالي وَفي أَعماقِهِ العَطبُ
وَوَجهُكِ الشاحِب الجَذّابُ تُرهِبُنيأَلوانُهُ يَتَشَهّى فَوقُها اللَهبُ
ما زِلتِ تَغتَصِبينَ اللَيلَ في جَهَدحَتّى تَجَمَّدَ في أَجفانِكِ التَعَبُ
وَما السَوادُ الَّذي في محجريكِ بَداإِلّا بَقايا من الأَحشاءِ تُغتَصَبُ
وَحَقِّ طِفلِكِ لَم أَشمُت بِإِمرَأَةٍزَلَّت بِها قَدَم أَو غَرَّها ذَهَبُ
فَربّ أَنثى يخون البُؤسُ هَيبَتَهاوَالبُؤسُ أَعمى فَتَعيي ثمَّ تَنقَلِبُ
لي مُهجَةٌ كَدُموعِ الفَجرِ صافِيَةنَقاوَتي وَالتُقى أُمٌّ لَها وَأَبُ
فَكَيفَ أَختَلِس الحَقَّ الَّذي اِختَلَسواوَكَيفَ أَذأبُ عَن لُؤمٍ كَما ذَئَبوا
لي ذِكرياتٌ كَأَخلاقي تُؤَدِّبُنيفَلا يُخالِجُني رَوغ وَلا كَذِبُ
أَبقى لِيَ الأَمسُ مِن غَلواءِ عِفَّتَهاوَلم يَزَل في دَمي مِن روحِها نَسَبُ
وَحَقِّ روحِكِ يا غلوا وَلَو غَدَرتبيَ اللَيالي وَأَصمَت قَلبِيَ النُوَبُ
إِن كُنتُ في سَكرَةٍ أَو كُنتُ في دَعرٍوَمَرَّ طَيفُك مَرَّ الطَهرُ وَالأَدَبُ
وَأَنتِ يا أُمَّ طِفلٍ في تَلَفُّتِهِسُؤلُ العَفافِ وَفي أَجفانِهِ لعبُ
صُبّي الخُمورَ فَهذا العَصرُ عَصرُ طَلاأَما السَكارى فَهُم أَبناؤُهُ النُجُبُ
لا تَقنطي إِن رَأَيتِ الكَأسَ فارِغَةيَوماً فَفي كلّ عامٍ يَنضُجُ العِنبُ
صُبّي الخُمورَ وَلا تُبقي عَلى مُهجٍمَوج الشَبابِ عَلى رِجليكِ يَصطخبُ
أَما أَنا وَلَو اِستَسلَمتُ أَمسِ إِلىخَمرِ اللَيالي فَقَلبي لَيسَ يَنشَعِبُ
قَد أَشرَبُ الخَمرَ لكِن لا أُدنِّسُهاوَأَقرَبُ الإِثمَ لكِن لَستُ أَرتَكِبُ
وَفي غَدٍ إِذ تُنيرُ الطفل ميعَتهوَتهرمينَ وَيَبقى ذلِكَ الخَشَبُ
قولي لَهُ جِئتَ في عَصر الخُمورِ فَلاتَشرَب سِوى الخَمر وَاِشحَب مِثلَما شَحَبوا
قولي لَهُ هذِهِ الأَيّامُ مَهزلَةوَلَيسَ إِلّا لمن ينشى بِها الغَلبُ
قولي لَهُ عَفَّةُ الأَجسادِ قَد ذَهَبَتمَع الجُدودِ الأَعِفّاءِ الأُلى ذَهَبوا
قولي لِطِفلِكِ ما تَستَصوبينَ غَداًفَكُلُّ أَمرٍ لَهُ في حينِهِ خُطبُ
وَلكِنِ اليَومَ صُبّي الخَمرَ وَاِنتَخِبيمِن المَلَذّاتِ ما الآثامُ تَنتَخِبُ
وَلا تَخافي عَذولاً فَالعَذول مَضىوَالعَصر سَكران يا أَخت الشَقا تَعِبُ
طَريقه الشك أَنّى سار يملكهوَحلمهُ الشهَوات الحُمرُ وَالقُربُ

Saturday, July 22, 2017

وين رايحين!

استراتيجيا، ما يجري الأن محاولة لإعادة ترتيب الاصطفافات لتريب الوعي العربي والإسلامي الشعبي، والعودة به إلى ما قبل الثورة من جناح صمود بـ"عمالة"   وجناح سلام بـ"عمالة".  وهكذا يتم تزويد "النظام العربي والإيراني" بالاسس اللازمة للسيطرة على الشعور الشعبي والعودة به لما قبل الثورة العربية.
وستعود قريبا فيروز مع "سنرجع غدا إلى راضنا"  لتصدح على راديو الصمود،  وستعود أخبار الأميرة ديانا لتهيمن على راديو السلام. 
المهم من كل هذا أن الشعوب لا تملك خطة عمل حتى الآن.      
#قبرعاتكانيات

Thursday, July 13, 2017

بين الكعكة وزينتها من عالم الأعمال إلى السياسة والدين: لا تبنى أمة من الماركتينغ

من بين جميع الأقسام في المؤسسات والشركات هناك قسمان يختلفان بطبيعتهما اختلافا شديدا.  القسم الأول هو قسم "البحث والتصميم" (وقد يكون الإنتاج او ما شابه) والقسم الثاني هو قسم التسويق والإعلام.  فإن دخلت قسم التسويق تجد الألوان واللوحات الزاهية والديكور المزركش حتى ما يصدر عنه تجده جذابا للناس بألوانه واصواته استجابة لرغباتهم.  بينما من يدخل قسم "البحث والتصميم" يجد الرصانة والرتابة والجدة إلى حد الملل مقارنة مع قسم التسويق. في القسم البحث نتكلم عن الـ"مصمم" للفكرة أو عن الكعكة؛ وفي قسم التسويق نتكلم عن الـ"مُسوّق" للفكرة أو عن زينتها؛   وأحيانا يختلط على حديثي العهد بهذه البيئة وهذا التمايز فلا يدركون الفرق بين الكعكة وزينتها.  والشركات التي لا تستطيع أن تميز بينهما فتقع ضحية أحد الحالتين فإما عندها منتجات مصممة بشكل جيد ومفيد ولكن لا يشتريها الكثيرون، أو عندها مشتريات كثيرة ولكن غير مفيدة ولا تصل إلى مستوى الالتزام التي وعدت بها الزبائن. 
كل الأمور الأخرى ولاسيما الدين والسياسة (غرضنا من المقال اليوم) تحمل نفس التقسيم بين التصميم والتسويق. فهناك اقسام التصميم التي تسهر على البحث المرجعي والتحليل القيمي والمعرفي لتقدم حلولا فتختبرها وعند ثبات نجاعتها للمجتمع ترسلها لأقسام التسويق والدعاية.  في مجتمعاتنا يكاد يختفي هذا التمايز بين القسمين ،  فلا نستطيع أن نذكر تاريخ آخر مرة اصدرت جماعة أو حزبا سياسيا كتابا أو حتى بحثا أو وثيقة تاريخية مبنية على دراسة معمقة للوضع في مجتمعاتها، بل أننا عندما نجد أن احزابا سياسية وهيئات تتشكل في عتم الليل وتضمحل مع آخر معونة تصلها ندرك أن كل هذا يأتي في أقسام التسويق. وأن هذا لن يستمر ولن ينفع الناس.  وكذلك عندما نجد علما ومعرفة ولكنها مبتذلة في إرضاء اقسام التسويق تعلم أن هذا لن ينفع الناس. ولو نظرنا في العشرين سنة الماضيات في سوريا لما وجدنا عملا سياسيا واحدا من انتاج "قسم البحث والتصميم" وإن تم هناك إنتاجا فهو انتاجِ سجن غبار المكتبة، لم يلق ما يحتاجه من اختبار تطبيقه ومرجعيته في المجتمع. وإن أردنا الاشتطاط بالمثال نستطيع اعتبار أن "اعلان دمشق" قد يكون مثالا وبتصرف وعلى علاته على نتيجة "قسم التصميم،"  ولكن بكل أسف لم تستطع "أقسام التسويق" السورية كلها أن تحوله لشيئ ما في ضمير المجتمع.  بل اكاد أجزم أن العديد من حملة هذه الوثيقة لم يدركوا معانيها، وخلطوا بين التسويق لأنفسهم وبين التسويق للاعلان.  الحكم نفسه نصدره على وثائقا سسياسة أخرى مثل بعض ما صدر عن حزب العمل وأضرابه وجماعة الإخوان المسلمين.  بل المأساة فيها ليس فقط خلطهم بين التصميم والتسويق بل أن التسويق – وهو ما به بارعين – اصبح على أيديهم ليس تسويقا للتصميم، بل اصبح تسويقا لاستمرار هيمنة قيادات تاريخية مازالت تعيش في القرن التاسع عشر وطواحينه.  (اليوم لن أتكلم عن الصنف الثالث، فهو لامسوق ولا مصمم، بل من صنعه التمويل الغريب غير الشريف)  
أما في الدين فالمصيبة أكبر،  فكيف تُعلّم هذا الإمام الذي يرتقي المنبر كل يوم جمعة - بكل حسن نية وتقى - بأن ما يفعله على المنبر ما هو إلا تسويقا وليس تصميما؟  فمن المهم  تعلميه أن يميز في انكبابه على كُتب التراث بأن ما كتبه فلان في  القرن العشرطش في القضية الفلانية قد كان كَتَبَهُ كـ"مُسوّق"؛  وأن ما كتبه فلان في القضية العلانية فقد كَتَبَه كـ"مصمم."  وكثيرا من الأحيان يقف العالم في مسألة مسوقا وفي مسألة أخرى مصمما.  ولكن مع بعد الزمن، واختلاف الحال ، يزيغ البصر وتختفي التفاصيل المهمة من المسائل، ويختلط الأمر بين المسوق والمصم.  وفي فقهنا الكثير من الأمثلة من علماء الأمة وكيف أن أحكاما عامة لم تجد موقعا عند الإمام عندما يتحدث عن حالة خاصة.  أكثرها شيوعا هو مثال الإمام ابن تيمية وحكمه في بيع الخمر لجنود التتار في معسكراتهم لكي لا ينزلوا إلى دمشق ويسكروا فيها. 
ونحن هنا لا نقول أن يتنطع القاصي والداني لمثل هذه القضايا بل العكس تماما، فعلى جماعة التسويق أن لا يتبنوا شيئا من هذا ما لم يكن له مصمما يقف خلفه ويعلم أبعاده ونتائجه. ولكن ما نقول بأن فصاحة البيان وحسن الإلقاء لا تعفي الخطيب من الالتزام بغرز المُصمِّم.  فالخطابة ما هي إلا أداة تسويق ومهما برع أحدهم بها فلا تعني اعفائه من رؤية مآلات الخطاب ونتائجه.  فالعبرة في الأحكام في مآلاتها. 
وكثير من معاني هذه المقالة لا تغيب عن الكثيرين،  ولكن مع حالة وسائل التواصل الإجتماعي هذه الإيام علينا إدراك الفرق الكبير بين المسوق والمصصم.  فمع الفيسبوك وأضرابها أصبح الجميع "صاحب منبر."  فلا يمكن أن يفوتك منبرا هذه الأيام مهما تحريت الصدق.  فلذلك على الناشر أو الخطيب أن يدرك هل هو مُسوّق في منشوره أم مُصمّم لكي لا تصيبه آثام كلمته، وعلى القارئ أيضا مسؤولية التخير فيما يقرأه، فهل ما يقرأ يتلقاه من مُسوّقٍ ام من مصممٍ. والمصيبة في وسائل التواصل اليوم أنها تجعل الكلمة "أبدية" فما خطبه أبو سعيد الدباغ رحمه الله في غرة رمضان عام 919 للهجرة في بغداد لم يسمع بها احد سواء أنكرنا مضمونها أم كان مضمونها سينقذ البشرية.   أما ما يُكتب ويُتداول اليوم فيصل إلى صقاع الأرض كلها في لمحة بصر وسيبق إلى يوم القيمة.  والأخطر من هذا أن من سمع للدباغ قبل ستة مئة سنة سمعها ووعيها ضمن المعطى التاريخي والثقافي في تلك اللحظة.  ولكن أين لنا أن ندرك هذا عندما تلق الكلمات جزافا كما نراها اليوم في عالم السياسي أو الدين العربي هذه الأيام. فأحيانا لا أمل لنا إلا أن تتلقى هذه الكلاما جزافا كما ألقيت جزافا.    

محي الدين قصار

شيكاغو 7 تموز 2017
mohyeddin.kassar@gmail.com  

Monday, July 10, 2017

في ذكرى الإنقلاب: مازال الهجوم مستمرا.

سوريالية الحدث والإشارات:
كنت قد وصلت إلى استنبول حوالي 30 ساعة قبل محاولة الإنقلاب المشؤومة التي بائت ولله الحمد بالفشل الكبير.  ولم تكن هذه المحاولة مفاجئة لأي مُطّلع على مسار السياسة الأمريكية وخياراتها التي يطرحها النظام الأمريكي على الصعيد العالمي، وقد أجرت معي محطة "القناة" مقابلة تلفزيونية على مدار الساعة حول الإنقلاب التركي. في الحقيقة لا اعرف كيف علمت "القناة" بوجودي في استبول أم أنها مجرد صدفة أو أحد الأصدقاء أعلمهم عن وصولي الله اعلم؛ وكنت قد اطمئنتُ نوعا ما لأنها "تميل للديمقراطية وشرعيتها في مصر."  ومما قلت في بداية المقابلة: "من قام بالإنقلاب يريد أن ينقل شرخ الصراع الغربي الإسلامي إلى استنبول،  فقد كان هذا الشرخ قد قفز من افغانستان إلى العراق، ومن ثم تصدع طرفه لينتقل إلى سورية، ولو نجح هذا الإنقلاب لأصبحت استنبول في قلب المواجهة الإمريكية مع الإسلام.
طبعا في المقابلات الناجحة عادة تحتاج أن تُلقِ فكرة جديدة ليتلقفها المذيع النبيه ويجعلها المحور الخفي للنقاش، لكي يتمكن من اشباع فضول المستمعين، فيصل بنقاشه مع صاحب الفكرة إلى تفنيد فكرته أو اثباتها عند المستمعين.  ولكن مقدم البرنامج ابتعد في نقاشه كل البعد عن الفكرة، فلا نعلم فيما إذا كان هذا قلة خبرة عنده أم قدرة الممول للقناة على فرض أجندته الخاصة.  هذه المقابلة كانت على الهواء ولكنني لم أعثر على نسخة منها رغم وعد المخرج بإرسالها لي.
ولا يحتاج أي من الناس أن يثبت أن بعض أعمدة النظام الإمريكي كانوا وراء الإنقلاب؛ فهذه مسأله لا ينتطح فيها عنزان.  بل أن حتى وزير خارجيتهم "كيري" يوم السبت صباحا (12 ساعة بعد الإعلان عنه) صرح ملقيا الملامة على "غباء المخططين" ومهاجما إياهم على فشلههم ولم يهاجمهم على الإنقالب بذاته أو غياب شرعيته أوكونه مشروع جريمة.   
 وقد شهدتُ كما شهد العالم معي "الأعراس" والنشاطات التي اجتاحت تركيا بعد فشل الإنقلاب طوال صيف 2016.  ورأينا كيف رابط التركي  في شوارع استنبول ليلا و نهارا  في مراكز البلد لكي لا تتمكن مرتزقة الدولة العميقة من اعادة السيطرة من جديد.  وقد حدث أن كنت ذلك الإسبوع في محطة المترو،  وهذه عادة عندي إذ احب دوما أن أتنقل في النقل العام أينما ذهبت، فالنقل العام يسمح لي بالاحتكاك مع أكبر عدد من الناس. وقد كنت أنتظر "المترو" وأنا أقرأ خريطة القطارات مما قد يشير للبعض أنني غريب.  اقترب مني شاب تركي في العشرينات من عمره نحيل قصير وضعيف قد لا يتجاوز وزنه 45 كغم،  وتكلم معي، فأجبته بالانجليزية أو بالعربية،  فطفق يتكلم بانجليزية مكسرة،  ومما قاله: "ان أردغان مثله مثل نبيه محمد، كلاهما يحبان ان يناما مع البنات الصغار ذات اربع سنوات واغتصابهن"؛ وأن أردغان عنده جيش من "الأولاد للإغتصاب"  وأنه (الشاب) وجد المخلّص في الأبن عيسى المسيح إلخ ... وجدت فجأة في نفسي غضب شديد وفكرتُ جادا بالبطش به هناك على رصيف القطار حيث لم يكن إلا بضع أشخاص متفرقين في المحطة الطويلة. فأن لا يحب رئيس بلده هو حر، أما ان يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم باغتصاب الأطفال فهذه قضية أخرى. ولكن بدأت أنظر له وأحلل الموقف؛  دعوني اسمي هذا الشاب "كاييب"  فالموقف عبثي وغير راشد وانا أبحث له عن تحليل راشد،  فلعل هذا الشاب أحمق أو مجنون أولعله مخابرات تركية أو أمريكية  تحاول أحداهما أن ترى ردة فعلي، ورسمت سيناريوهات كثيرة لا طعمة لها شغلتني عن إلقائه تحت عجلات القطار. 
وصل القطار وصعدنا به؛ فكان في القطار جمهور من الشباب المتوجه إلى ميادين الإعتصامات يحملون الأعلام التركية ويتكلمون بنوع من الفرح الصاخب.  طلبت من أحدهم أن يعطيني علما فقدمه لي،  وقال "أنسى الإنجليزي وتعلم التركي،" قلت "إن شا الله وسأعلق العلم في بيتي في شيكاغو."  نظرت بطرف عيني لارى "كاييب" كان قد ذهب إلى آخر القاطرة التي كنا فيها وحاول أن يشغل أصغر مساحة من المكان ليختفي عن أعين الجميع قدر إمكانه.  ولكنه بقي مراقِبا لي وما سأفعله.  فارسلت له نظرة عندما التقت عينانا تقول:  "هل أقول لهؤلاء ماذا قلت عن نبيهم؟"    بدى لي الوضع يومها من الأوضاع السريالية التي لم تحصل عند اي فنان بعد.  فالشاب "كاييب" حاله كحال النخب المتغربة المنثورة عبر العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه. وكلما ظنت هذه النخب أننها ستصل إلى فرض نفوذها على المجتمعات الإسلامية بعمالتها للغرب كلما بائت بالفشل وباعها الغرب لطاغية جديد يستعبدها.  فهي كالمستجير من الرمضاء  بالنار. والقناة التلفزيونية التي تصدح بنداءات الديمقراطية في قطر من الأقطار  نجدها ممولة من الدولة التي تقوم بالإنقلاب على آخر معقل من معاقل الحرية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.  فالإشارات التي نقرأها اليوم تكاد تجعل المرء يردد " لم أعد أفهم شيئاً يا بني" من قصيدة "مرسوم بإقالة خالد بن الوليد" لشاعر دمشق نزار قباني رحمه الله.   

كيف يفكر من وراء الانقلاب:

من يعتقد بأن المشروع فشل وانتهى فهو حالم،  فالفاعل الحقيقي للإنقلاب يعلم - وقبل الانقلاب - أن هناك ثلاثة مخارج أو نتائج لهذا الحدث (ان يفشل الانقلاب ؛ أن ينجح بشكل كامل ؛ أو أن ينجح نصف النجاح) 

الأول وهو أن يفشل الإنقلاب (قاصمة وعاصمة)  
ففي هذه الحالة ستتجه الأمور إلى تشديد قبضة الدولة التركية على الحكم واندفاعها نحو الطرف الآخر من الشدة،  وبذلك تفشل تجربة الحرية في المجتمعات الإسلامية وتفقد النموذج الوحيد الناجح،  فمع تشدد الحكم الذي سيكون قد بُعِث من جديد بعد الإنقلاب ستُصاب قيادات هذا الحكم بالعزلة الدولية والإقتصادية،  وسيُدفعون دفعا إلى مواقف متطرفة من الداخل ومن الخارج شبيهة بمواقف دول الممانعة المنفصلة عن جماهيرها، وبالتالي سيسهل ترك القيادة التركية لكي تواجه العداء للغرب أمام جماهيرها بينما تتم استجرار تنازلاتها بسبب ضعفها وضعف ارتباطها بجماهيرها.   لذلك يوم الإنقلاب نشرتُ كاتبا: "يستطيع الطيب أردغان أن يتحول إلى محور وحدة وطنية وقاعدة لزيادة التفاف الشعب التركي حوله" وبالفعل أندفعت الدولة التركية محقة في هذا الإتجاه، وسرعان ما عدّلَت حدة هذا التوجه بعد أن وضح الفاعل الحقيقي وراء الانقلاب وبعد أن ترسخت القواعد الحاكمة من جديد، والأهم من هذا بعد أن أثبتت المعارضة التركية (أو اغلبها) مستوى عال من الوعي الوطني والحس السياسي والشعور بالمسؤولية أمام عواصف المنطقة.  لذلك نستطيع أن نقول أن الأزمة التي تُدفع لها تركيا من هذا الباب قد سُيطر عليها وبقي هناك اذناب الغرب من أشباه الشاب "كاييب" من الشخصيات المعارضة أو الهيئات المعارضة؛ ولكن قلمت مخالبهم وانتكسوا وفقدوا الكثير من مصداقيتهم صباح استيقظوا على خبر الإنقلاب. 

الإحتمال الثاني أن ينجح الإنقلاب (قاصمة لاعاصمة لها)  
كنت أجول في شوارع استنبول على مدار اسابيع ما بعد الـ"الضربة" (كما يسمونها الأتراك) واشاهد مئات الألوف من الشباب الإسلامي الذي يملأ الساحات واسأل النفس: "ماذا لو نجح الإنقلاب مالذي كان هؤلاء سيفعلون؟"  هذا السؤال ليس بالعبثي ؛ فالجواب عليه هو مبتغى من كان وراء الانقلاب،  وسواء نجح الإنقلاب بالكامل أو نصف - نصف فالنتائج كلها تتلخص على المستوى الاستراتيجي بعبارتي : "نقل شرخ الصراع الغربي الإسلامي إلى استنبول"  أو نقل خط المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي إلى استنبول.  فإن كان فشل الإنقلاب يحمل في طياته مخاطر تصلب القيادة التركية وانزلاقها في فخ الفصام مع مجتمعها؛  فإن نجاح الإنقلاب سيؤدي إلى تصلب هذه الجماهير التي ملأت سماء تركية ستة أشهر بحراك رفض الانقلاب.  وإن كان الانقلاب التركي الناجح الأخير أنتج ما يقارب 625 ألف سجين سياسي؛ فكم من الشباب التركي سواء في صفوف الإسلام السياسي أو غيره سيدفع ثمن نجاح هذا الإنقلاب؟  والإجابة علئ هذا السؤال لا تحتاج للكثير من المعطيات،  فقد كنت كلما شهدت أحد مهرجانات "الفاتح" بعد الإنقلاب أتخيل كل هؤلاء الشباب وقد دفعتهم حماقة الإنقلابين  وخيانتهم  إلى إعلان اليأس من "حلول وسط" مع الحداثة الغربية.  وسيجد الانقلابيون في سوريا وكردستان مصدران لمعارك الالهاء للداخل التركي، فمن طرف سيكون ترحيل اللاجئين السوريين (والعراقيين بالتالي)  طاحونة هواء يُثار الرأي العام حولها.  ومن طرف آخر ستُقدَّم الطاحونة الثانية بصورة "القضاء على الخطر الكوردي."  في الأولى سيكون حاضنها الشعبي مرتكز في العلويين الأتراك؛ بينما تضمن القوى القومجية التركية احتضان الطاحونة الثانية بما هو معروف من عداءها مع الكورد.  وخلال هذه الفترة سيعاد تموضع البنك الدولي وجبهة النقد الدولية في مراكز القرار التركي، الرابط الذي فك غرزه بهدوء وتروي حزب العدالة والبناء على مدار 15 سنة فسيعود الإنقالب ليرهن مقدرات التجربة الناجحة الوحيدة في العالم الإسلامي لمن لايريد لهذا العالم أي خير.

من أجل تلك القاصمة جدع قصير انفه:
لا يحتاج القارئ أن يملك خيالا جامحا لتخيل ما كان يدور في أروقة القرار الأمريكي خلال التحضير للانقلاب من نقاشات.  فهذه النتائج للانقلابات ليس من الصعب التنبؤ بها ـ بل على بساطتها تكاد تعكس "التيار الرئيس" في تحليل الإنقلاب وتبريره. ولكننا نستطيع أن نسأل هل طرحت قضية التطرف الذي سيصيب الشباب التركي؟  وهل هؤلاء الذين كنا نراهم في الفاتح والتقسيم و.و.. وسيدفعهم الإنقلاب ونجاحه لحضن الإسلام الجهادي؟  ويمكننا أن نتخيل أن الذين فنّدوا هذه النقطة في تلك النقاشات والاجتماعات الاستراتيجية اعتمدوا على ردات الفعل عند اخوان المسلمين بعد الانقالب على زعيمهم المصري. ولكن من راقب هذه النقاشات بدقة يعلم أن من صرخ لا تخافوا فلن يتطرف الأتراك، وهؤلاء المفندين لموضوع "الإسلام الجهادي" هم أولئك المستثمرون في "مُجَمّعات الصناعات الإمنية" في أمريكا وأصحاب "الفوضى الخلاقة"  والمدافعون الأشد عن أنظمة الفساد الأسدي والمالكي والعبادي وآيات الفرس في قم وغيرهم من طغات العالم الإسلامي؛  فكما ادعى مهندسو غزو العراق أن العراق يستحق أفضل من صدام ولا يستحق جيشا كجيش العراق، فالغوا الجيش وخوّلوا دوره لمرتزقة السوق الأمريكية،  واستأجروا المجرم الإيراني ليقوم بمهمات الجيش العراقي. فالجيش العراقي لا يدر ثراء عليهم، ولكن البديل الذي أحلوه مكانه ما هو إلى أجير بالفُتات مقابل السلطة والقدرة التي يخولونها لأنفسهم. وكذلك اليوم كلما ارتفع صوت "عاقل" لتحذر من نتائج السياسة الأمريكية وأدواتها مثل هذا الانقلاب كلما ارتفعت عقيرة الكثيرين لتقول: "لا تخافوا الأمور تحت السيطرة.  وإذا حصل الخراب فإننا سنعيد بناءها بشكل أفضل ولكم حصة كبيرة من الكعكة."   لقد نجحوا بهذا في العراق ومصر، ومازالوا يسعون لتحقيقه في تركيا وكوردستان.  وخزان القوة الكامن في هذين المجتمعين يجعل من حروب العراق ألعابا نارية مقارنة ما قد يحدث فيهما لو لم يفشل الإنقلاب. 

عواصم من قواصم ممكنة:
مرت سنة على فشل الإنقلاب ولكن أصحابه لم يستكينوا بعد ومازالوا يشحذون سيوفهم ليوم آخر،  ومحاولات عزل تركيا عن الساحة الدولية والإسلامية ستستمر ولن تهدأ. فمن شوارع واشنطن-العاصمة إلى دوسلدورف  ومن فنادق الإمارات إلى أقبية قم ومن دهاليز المجموعة الإوربية إلى دهاليز الأمم المتحدة؛ ستستمر المؤامرة ولن تتوقف إلى أن تُردع ردعا، والحق وحده هو سلاح الردع الحقيقي،  فالحق والعدل هو عماد القوة، وبه يتم التحام القيادات مع شعوبها. وقد يكون هذا الالتحام هو الأقوى أن كان الطرف فيه الشعوب الحرة، وأعتقد أن الشعب التركي بلغ من النضج وتذوق الحرية ما يؤهله ليكون قاعدة هذا الإلتحام وعلى أحرار سوريا والعالم العربي أن يدركوا أهمية الصمود التركي في مواجهة العالم في القرن الواحد والعشرين.  فكيف تتعامل هذ القيادات مع من هم على شاكلة الشاب "كاييب" مهم جدا،  فلابد من إدراك ان الحق يعلو وأن الباطل زهوقا بطبعه،  فالاحتضان مهم وأن لم ينفع معه فلابد من العزل الإجتماعي دون افراط ولا تفريط.   ولابد ممن يشكل الرأي العام أو يحاول صياغته كقنوات الإعلام المتمولة من الغرب أن يدركوا أن تمويلهم لايكون بريئا دوما. فالآخر كالشيطان قد يصدقك وهو كذوب.  كما أنه على المجاهدين ادراك دورهم الحقيقي في هذه المواجهة. فالأحلام هو أمل من الله سبحانه وتعالى ووعده الذي يتحقق،  أما الأوهام فهي التي يبني عليها العدو مجده.  وبعد سنة نقول للقيادة التركية أنك صمام الأمام بحكمتك وليس بوجدك وحده،  فإن الخلط بينهما سينشأ الوهم بأن الوجود هو الهدف وسنعود لمقولة القيادة البعثية النصيرية عام 1967 لقد خسرنا الأرض ولكن انتصرت الثورة.   

محي الدين قصار
شيكاغو 7/7/2017