رسالة من أجل مبادرة جهادية:

مقدمة:
هذه الرسالة هي دعوة لإنشاء "مبادرة جهادية" يباشرها العلماء العاملون في بلاد الشام (والعراق ولبنان إن أمكن)، توحد صف المجاهدين وتنير دربهم ليصلوا بالبلاد إلى النصر المبين بأقل التكاليف الممكنة على أمتنا بإذن الله.  لذلك سأعطي لمحة سريعة كيف بدى لي علماؤنا خلال السنة الأولى من الثورة المباركة من خلال تجربتي الشخصية، وأعرض بعض نواحي التاريخية عن التدريس الديني التقليدي الذي عرفناه ، وكيف أن ما نراه من علاقة المجاهدين بهم ما هو إلا نتيجة طبيعية لهذه الحقبة التاريخية التي أنتهت مع إندلاع الثورة.  فأصل إلى وجوب قيام "مبادرة جهادية" تجمع المجاهدين سواء في "الدولة الإسلامية" أو غيرها لكي نتمكن من مواجهات التحديات القادمة سواء قبل سقوط النظام أم بعده. وقد عرضت  أهمية "المبادرة الجهادية" المطلوبة وأهمية صفاتها وأن يتبناها علماء المسلمين العاملين.   فليس من المعقول أن نسمع دعوات حوار مع النظام ولا نجرؤ ان نتحاور مع المجاهدين.  وتركت أخيرا الباب مفتوحا للسادة القراء بأن يضيفوا لهذه الرسالة وأن ينقحوها ودعوتهم أن يطرحوا الأسئلة لعلنا نطورها معا إلى واقع يحقن الدماء وينصر الحق.   

قيادات سنية فاضلة نشأت في كنف الطاغية : 
في حزيران 2012 حضرت لقاء رابطة علماء العالم الإسلامي لنصرة الشعب السوري في استنبول،  وفي اليوم الثاني توزع الحضور على ورشات عمل وقد أخترت أن أشارك بورشة العمل الفقهية،  وقد كان فيها ما يقارب من 30 شخصية وكنت الوحيد بين الحضور من غير عمامة أو جبة، وكان من الحضور بين علماء المسلمين ما يجعل مثلي من "المجاهيل".  لم يترك موضوعا إلا تطرق له المشاركون،  الموضوع الوحيد الذي لم يطرح للنقاش هو موضوع الجهاد. ومن يعرفني يعرف أنني كنت كمن يجلس على صفيح ساخن ،  أخيرا كان لا بد من "ابق البحصة"  فقلت ما فيه نصيب،  وخلاصة حديثي أني طالبت برفع توصيتين: 
الأولى : إعلان الحالة السورية حالة جهادية مُلزمة لكل قادر من المسلمين. 
والثانية : مطالبة العلماء ولاسيما القادرون والشباب منهم الإلتحاق بمعسكرات الثوار لإرشادهم وتوعيتهم.   
أطبق الصمت على الحاضرين ونظر الجميع نحوي كمن ينظر لرجل من المريخ.  وعاد الحضور لموضوعهم القديم وكأن شيئا لم يُقل،  بعدها بقليل تحدث أخ قادم من حمص المحاصرة ـ في ذلك الوقت ـ وأكد على ضرورة إعلان الجهاد.  وكانت ردة فعل الحضور على كلامه شبيهة بردة فعلهم القديمة. فالحوار باهت حوله وغير مباشر وكأن جميع الكبار فيهم لايريدون الحديث بهذا الموضوع، وكأنهم يخشون الدول الكبرى على الثورة السورية لو أنهم أعلنوا الجهاد.  وعلى ما أذكر أن أكبرالحضور سنا (رحمه الله) أنهى الموضوع قائلا:  "الجهاد لا يحتاج لمن يعلنه".  وتكلمت محاولا أن أثبت لهم بأن رؤيتهم السياسية للجهاد يجب أن تستقل عن ومواقف الدول الكبرى، وأن الحق لا يتأثر بالمواقف الدولية، وانهيت كلامي قائلا:  "ياجماعة أنا من عليه أن يخاف من أمريكا،  فأنا أمريكي قادم من أمريكا وسأعود إلى أمريكا قريبا." فقال أحدهم ضاحكا:  "لأنك أمريكي لن يُسمع لك"  تبسمت ناظرا للحضور،  فهؤلاء يخشون أمريكا أكثر من خشيتهم لربهم.  ولم تخرج التوصيات التي طلبتها. مرت الأيام وأثبتت الأحداث أني كنت على حق وأنهم على باطل، ذهبوا - أنفسهم أو أغلبهم- بعد سنة كاملة ليعلنوا الجهاد من مصر في صيف 2013 ولكن بعد أن سبق السيف العزل.  ولم أحضر مؤتمرهم ولكن سألت العالمين ببواطن الأمور فقالوا "لقد حصلوا على الموافقة الآن."   
مما لا شك فيه أن معظم قيادات الإسلام السني الشعبوية التي تشكلت في ظل الدكتاتوريات تنقصها الرؤية السياسية التي حجبتها قواعد "الأحكام السلطانية" ورأسها "حرمة الخروج على الحاكم المتسلط على الإمارة" ، والأمثلة كثيرة على هذه الأحكام وقد أتى في شرح الإمام النووي لصحيح مسلم:  "أما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين"  أنظر شرح النووي على صحيح مسلم:  12/229.   وخلال عهود الطغيان تقلصت الرؤى السياسية السنية لتنحصر بتعليم هذه "الأحكام السلطانية" وإن تم تعليم غيرها ولكن كل ما تم تدريسه كان يمر في ظل هذه الرؤية. ومن هنا كان هذا الشرخ الكبير بين الشباب والشيوخ العلماء، فتنظيم الدولة الإسلامية لم يلد من القمر بل هو نتاج من منتجات مجتمعاتنا الإسلامية،  فإن أعتبرنا أنه انجاز علينا أن نعترف بأنه لنا، ومن يعتبر انه "مشكلة" فلا يمكننا أن نحلها كمشكلة ما لم نتملكها ونعترف بأنها من منتجات مجتمعاتنا. فكيف ولماذا يشعر البعض أن هذا التنظيم بعيد عنا؟ 

ما لا يعجب البعض في التنظيم الجهادي ليس سيئا بالمطلق: 
في الحقيقة لا أعتبر أن أفعال هذا التنظيم بعيدة كل البعد عما نشأ عليه المسلمون، وهناك الكثير من الامثلة التي نستطيع أن نسردها هنا تؤكد رأينا هذا.  فقد حضرت قبل الثورة لجلسة علم في دمشق يحضرها كبار علماء دمشق ودعاتها ـ ممن أعتقد فيهم الصلاح حفظهم الله وأطال عمرهم وأحسن عملهم ـ ولا أزكي على الله أحدا، وكان طلاب هذه الجلسة أغلبهم من الأطباء والمهندسين (ليسوا طلاب جامعة)  وكان البحث المدروس يومها حول "حد الردة" وقتل المرتد، طبعا لم يكن البحث في نقاشه بل في تعليم أحكامه.  وقد كان أن أصدرت فتوى في دمشق بعدم جواز البحث في "حد الردة".  فعلى ما يبدو أنه كان هناك هناك حوارا قويا في سورية حول الموضوع مما جعل البعض يصدر هذه الفتوى. تابعت بصمت الدرس وأنا أتسائل في سري ما ينفع الطبيب أو المهندس هذا العلم؟ وكيف يستفيد من هذه التفاصيل؟  والعالم يقول بقتل المرتد وكذا، فما كان لي إلا أن سألت سؤالا فيه من الإعلام المؤدّب أكثر من الإستفسار: "حكم المرتد من أحكام الإمامة أم من إحكام الدعوة شيخنا؟" طبعا شيخنا الفاضل تدارك مباشرة ـ فأنا لم أعلّمه شيئا ـ أن هذه الأحكام هي من "أحكام الإمامة" وأنه لا تقوم إلا بقيام الحاكم المتمكن بها وبحكم قاض عالم بأصول المحاكمات وما إلى هنالك مما فتح الله به على شيخنا.  في الحقيقة كان سؤالي الثاني للشيخ هو "إذا كان هؤلاء الحضور لا يملكون ولن يملكوا ما يلزمهم ليتحولوا لقضاة قادرين على البت في مثل هذه الأمور فلماذا ندرّسهم هذا؟"  ولكنني كضيف تركت الأمر لحصافة الشيخ الذي لا أشك بها.  هذه المنهجية في تدريس الإسلام خلال سنوات القمع في العالم الإسلامي هي نفسها من أندونيسا إلى السنغال،  فقد ترك شبابنا يدرسون الإسلام في فضاء مليء بالفراغات المبهمة بسبب الخوف من الطاغوت، وبنظريات تجد نفسها في صدام دموي مع الواقع في لحظة التطبيق. 
مثالا آخر:  لقد حضرت نقاشات عديدة في سهراتنا مع بعض الثوار الانقياء أكبرهم سنا لا يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر،  وفي كل عشاء يتجادلون في ما فعلوه، فقد أصلاهم الموتَ أحدُ قناصة النظام لمدة ثلاثة أيام من موقع مرتفع، وهم يدعونه لكي يستسلم فلم يبق غيره بالموقع، ووعدوه بعدم الأذى وما إلى هنالك، ولكنه لم يستجب لهم إلى أن مكنهم الله منه،  فعندما قفزوا عليه يقيدونه أعلن قائلا: "لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله"،  عندهى أتى أحد الشباب ووضع طلقة برأسه قائلا:  "الآن بدك تضحك علينا ولنا أيام نقول لك أنزول يا إبن الحرام."  طبعا سيكون لكل من السادة القراء رأيه بهذا الموقف ولن أحاول أن أصحح أحدا.  ولكن ما يهمني من القضية أن هؤلاء الشباب رغم مرور أشهر على هذه الحادثة مازالت سببا لتكدير أنفسهم، فنقاشها في كل يوم بهذا الشكل يؤكد على طهارة أنفسهم، كما يُظهر كم هم بحاجة إلى مشايخهم وعلمائهم أن يكونوا بينهم يوجهوهم ويهدوهم سواء السبيل في كل خطوة يقومون بها.  

لا بد من مبادرة تنقل علماء المسلمين إلى ساحة الجهاد ولا تترك المجاهدين وحدهم:
ما يهمنا هنا أن علماء المسلمين المشهود لهم بالصلاح بحاجة ماسة لأن يكونوا مع المجاهدين فإن لم يكن جسديا على الأقل أن يمدوا جسور التواصل معهم. إن مجاهدي الدولة الإسلامية لم يقوموا في يوم وليلة، ولو أنهم رأوا في علماء الشام الحاضن الذي يستقبلهم في أيامهم الاولى لما وصلنا لمرحلة الشقاق الذي نعيشها اليوم.  فمن غير المقبول أن ننظر لحل القضية باستئصالهم،  أو أن نقف متفرجين على من يستأصلهم،  بل الحل الحقيقي بأن نكون شركائهم في جهادهنا وجهادهم.  لقد خرج البعض علينا بمبادرات الحوار مع النظام ومبادرات الحوار الوطني والحوار الأهلي وما إلى هنالك من دعوات حق وقد أريد ببعضها باطلا،  فمن باب أولى أن تكون هذه الجهود والمبادرات موجهة لتوحيد المجاهدين، ونحن لا نحتاج لتوحيد المتطابقين ، فليس في جمع المتفقين بطولة، ولكن الجهد البناء الحقيقي أن نجمع المختلفين.  فقد قاموا هؤلاء العلماء بتعليمنا "النظري" من أحكام الجهاد وغيرها،  فآن لهم الأوان ان ينتقلوا من النظري إلى التطبيقي،  ففي التطبيق تظهر محاسن النظرية وتكشف عن بعض عوراتها،  فإن كشفت عن عوراتها في غياب أهل الإختصاص تحكمت العورة بالمشهد كله وترسخت وباتت هي الأصل، أما إن كان أهل الاختصاص من العلماء حاضرين فسَهُل تصحيحها وردها إلى وضعها السليم.     
إن المجاهدين اليوم ينضوون تحت الكثير من الأسماء، بعضهم أقربهم إلى الطريقة من غيرهم،  فهل يصح أن نقول "تعالوا إلى كلمة سواء" مع الغير ولا نجرؤ على قولها لأخوتنا في الدين؟ وهل يستقيم  أن يتحالف البعثيون في العراق مع مجاهدي الدولة الإسلامية من أجل نجاح ثورتنا العراقية ولا يتفق هؤلاء المجاهدين مع علمائنا أو الفصائل الأخرى من مجاهدي سورية؟  نعم لقد سارع بعض العلماء بإعلان موقفا قاسيا تجاه جناح من المجاهدين، وهذا الموقف قد يكون نابعا من الموقع الجغرافي لهذا العالم أو ذك، ولكننا اليوم أمام أزمة تتجاوز كل هذه القوى المحلية،  وأعتقد أن وحدتنا ووحدة المجاهدين هي الكفيلة اليوم أن تحول الإسلام لقوة دولية تتفهمها الدول الكبرى أكثر من قدرة طغاة المنطقة على قبولها.   وقد نشأ حكم رشيد في تركيا لا يُظلم عنده أحد فهو عادل في حكمة كريم في خلقة قد يكون ملاذ هؤلاء العلماء المؤقت ريثما يعودوا مع المجاهدين إلى بلداتهم وبيوتهم.  فمن يجد من علماء الشام أن البلد الذي يستقبله يحد من قدرته على قول الحق أو رؤيته فلم تُبْقِ تركيا له عذرا.    
إن لم يتحد المجاهدون اليوم فسيضرب أعدائنا بعضنا ببعض، واليوم يقسمنا أعدائنا ليتباحثوا مع كل منا على انفراد، حتى بات الحليم حيران فأي قيادينا مخترق وأيهم مخلص لله. وأنا إذ أدعو إلى مبادرة يقودها العلماء من أجل الحوار بين المجاهدين، فلا أدعو إلى حفلة لـ"تقبيل اللحى" ولا إلى إعلان لتشكيل قيادة موحدة ،  وإن كان هذا مفيد،  ولكن أدعوا إلى وضع "قواعد حكم انتقالية" يتفق عليها الجميع خلال مرحلة الثورة، تحكم هذه القواعد أعمال الجهاد والمجاهدين تبين دور كل منهم وتجعل المجاهدين جميعا.  فإن قامت دولة الحق بعدها ينتقل التدافع من شكله العسكري وأدواته القتالية إلى شكله السياسي وأدواته الفكرية. وكلما ارتفع شأن الشيخ والعالم  كلما زادت مسؤوليته في انشاء مثل هذه المبادرة ، وكلما زادت قدرة المجاهد وارتفع شأنه عدةً وعدداً كلما زادت مسؤوليته أما الله وأمام أهله على انجاح هذه المبادرة والسير بالعباد والبلاد إلى بر الأمان وإقامة دولة الحق. إن الأنصار الذين أتونا ينصرونا على الطاغوت الذي حكم بلادنا لهم حق علينا وكذلك هم ضيوفنا ولهم واجباتهم التي لا أعتقد أنهم يمانعون وحدتنا. 
قد يعتقد البعض أن القضية "منتهية" وأن سقوط النظام بات قاب قوسين أو أدنى،  وإن صح هذا، فما أدعوه هنا هو مبادرة ليست بالمرحلية، ولا أدعو لـ"مبادرة تكتيكية" تتغير مع الأوضاع أو تسقط مع أول دولار يصل إلى جيب البعض،  بل أدعوا إلى انشاء مبادرة إخاء دائم تترسخ جذوره بالإيمان وتُنشء تحالفا أبديا بين الأخوة،  يعرف كل منا دوره في كل مرحلة من المراحل الجهادية القادمة.  لقد كتب الرسول صلى الله عليه وسلم أيان وصوله "صحيفة المدينة" بين كل الأطراف في المدينة المنورة،  وبقيت مرجعا فقهيا على مر العصورتطورت معها علاقات فئات المجتمع الإسلامي.  نحن اليوم بحاجة شديدة لمقاربة تمشي على هدي سنة الرسول الكريم في هذه الصحيفة دون أن ننسى معطيات العصر ومستجداته. 
وأخيرا، أرحب بكل سؤال أو تصحيح لرسالتي هذه، وأسأل السادة القراء أن يصلوا برسالتي هذه إلى مشايخهم الكرام فلرب مبلغ أوعى من سامع،  وإن كانوا مشايخا أو مجاهدين أن يناقشوها مع مريديهم، فالخطب جلل هذه الأيام ، وكل يوم له ما بعده، وعدونا يَرَانا هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ نراه. 
والله من وراء القصد

محي الدين قصار
شيكاغو 14/8/2014  الموافق 18 شوال 1435

# مبادرة_ جهادية
#الثورة_السورية
#الدولة_الإسلامية



mohyeddin.kassar@gmail.com
skype:  Kassarm
http://kassarm.blogspot.com/
http://syriarevelations.blogspot.com/
cell: 00-1-708-856-9816

1 comment:

Mohyeddin Kassar said...

أخي فهد:
أشكرك جزيل الشكر على التعليق الجميل الذي وضعته
نعم أنا أتفق معك
في الحقيقة هذه ليست مبادرة بل هي رسالة من أجل مبادرة
وتكوين "مرجعية شرعية" كما تقول هو الهدف الأصلي لهذه الرسالة، فكي تقوم أي مبادرة لابد لها من مرجعية شرعية تتكلم لغة المعنيين (الجهاديين) وعلماؤنا أبعد ما يكون عن هذا اليوم.
فنحن لا نستطيع أن نطالب حزب الشعب على سبيل المثال أن ينشئ مثل هذه المرجعية ، بل المسؤولية تقع على علماء المسلمين.
أما بالنسبة لموضوع استئصالهم الذي قد يبدو للبعض ممكنا، فرسالتي لا تحاول أن ترسم صورة تاريخية (تنظر للوراء) بل احاور أن تصيب هدفا متحركا، فأنا أتوقع أن تصبح تنظيم الدولة الإسلاية بمعدل 200 ألف مقاتل خلال السنة القادمة غن استمر الخط البباني الموجود، فهل هناك من رُشد في الكلام عن الإستئصال في هذه الحالة.
أشكرك جزيل الشكر وارجو ان يستمر النقاش بين كل المعنيين
محي الدين