المعضلة أم اللعنة السورية:
معضلة الثورة: أولا : مقاربة أمريكية
فاشلة أم أريد لها الفشل.
معضلة الثورة: ثانيا : حقيقة أصل
الأزمة و تنظيم الدولة الإسلامية.
معضلة الثورة: ثالثا : مع الدولة أم
ضده؟ الثورة هي الخاسر.
تتلخص الثورة السورية بانتقالها من ثورة سلمية لاعنفية إلى مواجهة عسكرية
مع النظام، واليوم تدخل هذه الثورة بمرحلة
ضبابية أشبه بحالة اقتتال داخلي يقتل فيها الجميع الجميع. وبينما تزداد أعباء الثورة
على كاهل مجتمعات المنطقة تندفع الدول الكبرى في لحظة مزاجية تتفق مع حالة هذه
الدول الذهنية لرمي مزيدا من الزيت فوق النار المشتعلة. فعوضا عن مواجهة أسباب الحريق القائمة في الإحتلال
الإيراني للشرق الأوسط وفي دكتاتوريات طائفية بغيضة في دمشق وبغداد وطهران؛ يُقدم الوضع للثوار السوريين بحيث يكونون الطرف
الخاسر الأكبر مهما كانت قراراتهم ودورهم في المعركة القادمة. ومن هنا يحق لنا أن نتكلم عن المعضلة السورية
التي تحولت إلى "لعنة
سورية" والتي ستحيق بالجميع إن استمر
الخط البياني المتخذ اليوم، في هذا المقال
سنحاول أن نقدم تفصيلا عن حقيقة الفشل في السياسة الأمريكية، ونحملها جزء من المسؤولية لما وصلنا له، وقد يبدو أن الوقت غير مناسب أن يصدر هذا الكلام
من "سوري أمريكي" يحاول أن يُرشّد المساعدة الأمريكية لسورية، ولكن أعتقد أن وقت المجاملات قد انقضى وأن
الدماء الغزيرة التي تُراق والتي ستراق تعذر لنا "صراحتنا المُحْرجة". في
القسم الثاني سنذكر السبب الرئيس لنجاح تنظيم الدولة الإسلامية، فمن يريد أن
يتعامل معها أو أن يقاتلها عليه أن يفهم هذا السبب ويمتلكه وإلا فإن التكاليف
ستزداد والنجاح سيكون الطريق إليه طويلا.
وفي القسم الثالث نضع الخيارات المتاحة أمام الثوار في سورية وكيف أن
الثورة السورية ومبادئها التي قامت من أجلها ستكون الخاسر الأكبر مهما كانت خيارات
الثوار في هذه الهستريا الجماعية التي يدور بها الغرب والدولة الإسلامية.
تكاليف اللافعل والمسؤولية
الأمريكية:
في 12 شباط 2014 قلت للجيروم
ماكدونالد في مقابلة على الراديو الوطني الأمريكي في شيكاغو "إنني على
قناعة بأننا إن لم ننجح في سورية فالكثير من قضايا السياسة الأمريكية الخارجية
خلال الخمسين سنة القادمات سنجدها تعود بصورة أو بأخرى إلى سياسة الرئيس أوباما." فالرئيس أوباما يعش في حالة عمه ونكران تجاه
الثورة السورية، لم يكتف أنه لم يساعد
الثورة السورية المجيدة بل أنه ساهم وبشكل مباشر بمنع كل الوسائل التي تمكن الثوار
من حسم المعركة وإنهاء حكم الأسد الدموي. هذه الحقيقة لا تحتاج للكثير من
الإثباتات، فيكفي للمهتمين أن يراجع مداولات لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس
الأمريكي، ولاسيما تلك التي حضرها السنتور
جون مكين. فقد كان الرئيس أوباما وفريق
موظفيه يتقاذفون الكرة السورية فيما بينهم كل منهم يلقيها في حضن الآخر حتى لا
يتحمل أي منهم أي مسؤولية. حتى في اللحظات
التي لم يعد تملك الإدارة الأمريكية أي من الأعذار نجدها قد ألقت السنارة للروس
لكي يستعملوا حق النقد ويلقوا بذلك اللائمة على الروس، يومها صرحتُ لقناة "روسيا اليوم" بأن
بوتين باستعماله حق النقض كان الخادم المخلص لما أرادت الديبلوماسية الأمريكية
تحقيقه. وحتى عندما قرر بعض الأشقاء العرب تجاوز حالة العمه الأمريكي ومنح الثوار
بعض الأسلحة النوعية، تدخلت إدارة أوباما لتمنع تسليمنا هذا السلاح.
استيقظ الجميع ـ أو بالأحرى شائت بعض حكومات الغرب ـ ان تستيقظ على سقوط
الموصل بيد الدولة الإسلامية، وبقدرة قادر أصبحت الدولة الإسلامية هي العدو
العالمي رقم واحد، فالجميع يريد أن يحارب الدولة الإسلامية وتناسى ثلاثة عشر سنة
من جرائم نظام المالكي ضد الشعب العراقي وجرائم النظام السوري على مدى ستين سنة ضد
شعب شرد منه عشرة ملايين نسمة، وقتل ما يزيد عن 190 ألف نسمة، وسجن ما يزيد عن نصف
مليون نسمة بإقرارات الأمم المتحدة. لقد
نسي هؤلاء أن الدولة الإسلامية ولدت في العراق مع الإحتلال الأمريكي للعراق، ولكن
الذي أعطاها الوقود الضروري للإحتراق هو الحاكم بريمر يوم أعلن حل الجيش العراقي
وبدأ بمطاردة البعثيين العراقيين. والذي
منحها القوة الحقيقية هو الإدارة الأمريكية عندما سلمت الحكم (كقوة احتلال)
للأقلية الشيعية في البلاد. والذي ضمن
استمرارها ونموها هو مطاردة الحكم الفئوي في بغداد لكل ما هو غير شيعي سواء كان
سني أو إسلامي، أو بعثي، إو ماركسي يساري أو حتى مسيحي. فما أصاب أهلنا في العراق من جرائم على يد وكلاء امريكا- إيران منذ 2006 يتجاوز
الحجج التي استخدمها أوباما ليبرر التدخل الأمريكي اليوم ـ مهما كانت صحيحة ـ بآلاف
المرات. فلم نسمع ولا بيانا يشجب من هذه الإدارة
لهذه الجرائم طوال السنوات الثماني الماضيات،
بل لقد كان سفاح العراق يُستقبل في البيت الأبيض ويقدم له ما يطلب من أدواة
القمع والقتل. ففي
هذه الظروف المأساوية لأهلنا في العراق يصبح فتح معسكرات التدريب للدولة الإسلامية
هناك وفي سورية تحصيل حاصل. وعندما لم
ترغب الإدارة الأمريكية بإنهاء الحكم الأسدي بأقصر وقت ممكن حولت سورية لقاعدة
تدريب للدولة الإسلامية إلى أن اشتد ساعدها وانضمت لثورة العراق لتحسم معاركا مهمة
لصالح الشعب العراقي ضد المندوب السامي الإيراني في العراق المتمثل بالمالكي.
لقد كان للإدارة الأمريكية فرص كثيرة لإنهاء حكم الأسد في سورية وإنهاء
الفراغ الأمني الذي خلقه الدكتاتور السوري، وقد عبرت المعارضة السورية المرتبطة
بالثورة ارتباطا حقيقيا للإدارة الأمريكية عدة مرات وبتوقيت مبكر جدا في الثورة
بأن الفراغ الأمني لن يكون بمصلحة أحد، وأن
الثورة قادرة بالقليل من المرونة من الطرف الأمريكي تجاه المساعدات الواصلة للثوار
من إنهاء النظام السوري والعودة بالمناطق المحررة إلى سلطة الدولة الجديدة، فقد أوشك النظام على الإنهيار لولا تدخل حزب
الله والحرس الثوري الإيراني الذي أنقذه باعترافهم، فالتدخل من هذه المنظمات الإرهابية الإيرانية
هو بحد ذاته إنعكاس لغياب الجدية الأمريكية في التعامل مع الثورة السورية، فلو شعر الطرف الإيراني بأقل درجة من الجدية في
الإعتراض الأمريكي على التدخل لما تجرأ، وأبسط مثال على فعالية الموقف الامريكي لو
أرادت إدارة إوباما شيئا نراه في ردة الفعل أمام التهديد بالضربة الجوية بعد جريمة
السلاح الكيماوي والذي أدى لإنصياع كامل من الطرفين الإيراني والسوري. هذا يؤكد غياب الجدية الأمريكية في وقف
المساعدة الإيرانية التي ستنقذ النظام السوري وتفتح الأراضي السورية لما يزيد عن
سنتين لتصبح معسكرات تدريب لجنود الدولة الإسلامية، بعد أن أنهك حزب الله
والميليشا الشيعية الإيرانية والعراقية قوى الثورة السورية المقاتلة. ولكن الإدارة الامريكية قابلت طلبات الثورة
السورية بالمعونة بالتجاهل الكامل وفضلت تشكيل هياكل لا علاقة لها بالثورة حقيقة
تستمد وجودها من اللعبة الدولية بعد ان هجنتها فلا تكون طلباتها
"مُحرجة". طبعا لا نستطيع أن نقول أن هذا العمل تم بحسن نية من الإدارة
الأمريكية، فطلبة السنة الاولى في العلوم السياسية يعلمون أنه إذا أردت أن تذهب
إلى السلام فعليك أن تحضر للحرب، وهذا
بالضبط ما لم تصنعه هذه الإدارة في سورية. فبنداءاتها المتكررة بأن الحل يجب أن يكون
سياسيا، وأمام دعم كامل عسكري وسياسي ومالي من إيران وروسيا للنظام السوري لم يكن
النظام يحتاج لعبقرية لكي يدرك أن الأمريكيون لا يملكون إلا "حلقهم
كبير" ؛ وهذه حدود فعلهم في اسقاطه. فلو
ارادت الإدارة الأمريكية حقيقة اسقاط النظام لذهبت إلى الحرب عن طريق السماح
بتزويد السلاح للثوار عندها سيتمكن الثوار من جرالنظام من إذنه إلى طاولة
المفاوضات الأمريكية.
********************************************
ما لم يقله الإعلام الغربي: هل حقيقة أصل
الأزمة في تنظيم الدولة الإسلامية ؟
بعد رحيل القوات الأمريكية المعلن عن العراق لم ينتهي الهجوم الإعلامي
والتعبوي على الولايات المتحدة ؛ ولكن تهديد الدولة الإسلامية للولايات المتحدة لم
يبدأ فعليا إلا بعد أن أعلن الرئيس اوباما بدأ الهجوم الجوي على التنظيم في
العراق، ومن الممكن اعتبار أن حقيقة
التهديد الذي انشأته الدولة في المنطقة وكان وراء خروج الإدارة الأمريكية من
سُباتها بأنها أعلنت عزمها على السير إلى بغداد.
فقد وجد الإدارة نفسها تتعرض لضغط داخلي لا تستطيع تجاهله. لأنه إن تمكنت الدولة من تحرير بغداد فكل أخطاء
السياسة الامريكية من اليوم الأول لإحتلال العراق ستقع على كاهل الرئيس أوباما
وسيكون هو المسؤول الأول على كل الفشل حتى الذي حدث قبل رئاسته. لذلك نجد الرئيس
أوباما يفصل حدود تدخله بشكل حذر لأن هدفه واضح ولا يتعلق بمصالح أي من الفرقاء في
المنطقة. ولا يهمه حقيقة الكوابيس التي أصابت بعض القوى الأقليمية من عودة
الإسلاميين/البعثيين للحكم في بغداد.
وإن دخل الشارع الإعلامي الأمريكي ومعه الطبقة السياسية في واشنطن في
مزاودات تتصاعد حلزونيا ليثبت أيهم اشد عداء للدولة الإسلامية. ولكن حمى المزاودات لا تفيد السوريين بشي ولن
تزيد وضعهم القائم إلا تعقيدا. فالمعضلة
القائمة أمام الثورة السورية أقرب إلى لعنة تلاحق الثورة مهما كانت خيارات الدولة
الكبرى ولا سيما أمريكا. فعسكريا الدولة
الإسلامية لا يمكن أن تنتهي بضربات جوية كما عبر عنها الرئيس أوباما. فمن الذي سيحارب التنظيم على الأرض؟ لكي ندرك هذا الكلام علينا أن الحقيقة التي لا
ينتطح عليها عنزان، وهي أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن تنتهي بالقوة الجوية وحدها،
وأنها إذا كان لابد من إنهائها فلا بد من قوات أرضية تقوم بمطاردتها قرية قرية في
منطقة تتجاوز مساحة بلجيكا. والسؤال الذي سيتحول إلى لعنة تطارد سورية والسوريين
لعقود عدة بنتائج الجواب عليه "من الذي سيرسل جنوده للقضاء على تنظيم الدولة
الإسلامية؟" فالرئيس أوباما واع للمشكلة المستعصية، وسيجد نفسه يميل أكثر فأكثر لزج قوات غير
أمريكية في المعركة ليس رغبة منه في إنهاء الدولة بقدر ما هي رغبته في الحد من
التورط الأمريكي في الشرق الأوسط . فعلى
الأقل لا نتوقع جنودا أمريكين على الأرض خلال عهد الرئيس أوباما، وإن قد يتغير
الوضع مع مجذرة جديدة يتركبها الدولة أو مع رئيس أمريكي جديد يبدأ عهده.
من الذي سيرسل جنوده للقضاء على
تنظيم الدولة الإسلامية؟
الجواب الحقيقي والقصير لا يوجد أحد اليوم له قدرة على الفعل العسكري على
الأرض رغم أن الكثيرين من الدول الإقليمية يملك الرغبة بالفعل ولكنه عاجز.
فإيران وهي الأقرب والأكثر تضررا بمصالحها من وجود الدولة الإسلامية قد
تكون الأقوى علي الأرض عسكريا من دول أخرى في المنطقة، ولكن التحذير الشديد من
الكثير من مراكز القرار الأمريكية أن مثل هذا العمل سيجعل المواجهة مع الدولة
الإسلامية ترتسم كحرب "صليبية" تواجه فيها أمريكا ومعها الشيعة وأقليات
المنطقة جميع السنة في العالم. وتموضع
الحرب على الدولة الإسلامية بهذه الصورة سيعتبر بحد ذاته انتصار للدولة
الإسلامية، ولو قضى مثل هذا التحالف على
كيان الدولة ولكنه سيعطي فكرة الدولة بين عوام السنة جناحان تطير بهما وروح جديدة
تبعثها من جديد في عقول الكثير من الشباب المسلم.
أما دول الخليج والجزيرة العربية فآخر ما تطمح له أن يحتك جنودها بجنود
الدولة الإسلامية، فالعقيدة القتالية لكلا
الطرفين تجعل آثار هذا الاحتكاك أقرب للكارثة بالنسبة لهذه الدول سواء انتصرت في
حربها على الدولة أم لم تنتصر. فهذا
التدخل سيكشف عورة الدكتاتوريات الإقليمية وسيدفع عجلة التغيير فيها للإنطلاق عن
طريق نقل هذه المواجهة إلى عواصم إقليمية أخرى. وستستمر الدول الإقليمية في سياسة
العمه التي تتبناها في أن تصدير الفكر المؤسس لدعائم الدكتاتوري وأن مواجهة الدولة الإسلامية سيغني عن مواجهتها
في طهران وتل أبيت ودمشق وغيرها من عواصم المنطقة.
الطرف المحلي الأخير هو القوى العشائرية المحلية، فمازالت تجربة تحالف الشمال في أفغانستان
وتحالف "الصحوات" وتكرار التجربة هو الأكثر احتمالية، ونحن نرى تسليح الأكراد والميليشيات الشيعية في
العراق كاللبنة الأولى لهذه الاستراتيجية.
ولكن التاريخ والوقت لا يلعب لصالح هذه الاستراتيجية، فمن جهة أولى ينظر
الجميع لما جرى لبعض أطراف العشائر التي دعمها النظام السوري والنتائج الوخيمة
للمواجهة مع الدولة. ومن جهة أخرى ينظر
الفرقاء لما حصل لسنة العراق الذين وقفوا مع بغداد كيف سلمتهم الإدارة الأمريكية
للمالكي وقواه الشيعية لتنهي دورهم السياسي في العراق وتحولهم إلى مواطنين من
الدرجة الثانية تحت الإحتلال الإيراني الشيعي.
وقد تستطيع الإدارة الأمريكية استعمال هذه المواجهة مع الدولة لإعادة تأهيل
النظام في بغداد والنظام الإيراني، ولكن
النظام الأسدي ذهب بعيدا في اجرامه مما يجعل أي محاولة إعادة تأهيله تقع على حودد الشراكة بجرائم ضد
الإنسانية؛ وسيصعب على أي سياسي في دولة ديمقراطية أن يشارك بها.
*****************************************
الخيار الأقرب للواقع والمعضلة
السورية:
أمام الخيارات المقدمة هنا فلن يكون هناك سوى احتمال واحد قائم، أقامة تحالف دولي من "الراغبين" وسيكون أغلب المشاركين بهذا التحالف هم من
أعضاء الناتوا، (وستبدوا علامات هذا التحالف في اجتماع الناتو هذا الأسبوع) يتولى هذا التحالف الحرب الجوية والإسناد
اللوجستيكي في حين يطلب من الثوار في سورية كما طُلب من الميليشيات العراقية
والكردية دفع قواتها الأرضية للأشتباك مع الدولة.
وفي حال كان هناك قدرة ديبلوماسية
للأقناع لدى أوباما فقد نجد جنودا من هذا التحالف في خط المواجهة ولا سيما من
الدول التي فيها وحدات اجنبية مثل فرنسا التي على الأرجح أن تدفع للواجهة الوحدات
التي تشابه حالة La Légion Étrangère
الشهيرة.
مع الدولة أم ضدها؟:
جنود الثورة السورية سواء كانوا مسلمين أم علمانيين سيذهبون ضحية التعقيدة
الدولية. ففي غياب ضمانات دولية وأقليمية
تؤكد تحويل سورية إلى دولة ديميقراطية حقيقية، وفي غياب قدرة قيادات الثورة
وخبرتها على المطالبة بحزم استراتيجية حقيقية تضمن التحول الديمقراطي والشروع بفرض
هذه الأستراتيجية على أرض الواقع، وفي ظل رغبة جميع الأطراف الإقليميين، اللهم إلا الطرف التركي والطرف القطري (إن لم
يكن قد غاب عني شيء)؛ فإن تأخير الاتفاق
على مثل هذه الاستراتيجية لما بعد الإنتهاء من الدولة الإسلامية يعني حقيقة العودة
بالمنطقة بكاملها إلى وضعية مشابهة للوضع قبيل الثورة السورية، فسيذهب الأسد كما ذهب المالكي ولكن سيعاد انتاج الأسد
والمالكي كما أعيد انتاج مبارك بالسيسي.
فقوى الثورة بعد المعركة مع الدولة الإسلامية ستخرج متعبة مثخنة الجراح، ولن تكون هذه القوى قادرة على مواجهة اي من
محاولات "إعادة إنتاج النظام" .
وسيُرسَم لها استبدال الأسد بغيره ولو كان سني على أنه نصر نهائي
للثورة. كما أن هذا الخيار سيمنح النظام
السوري فرصة جديدة للتعامل التكتيكي مع تنظيم الدولة، فإن لم يكن هناك رغبة حقيقية
للدول الكبرى في التحالف بإنهاء النظام فلن تشتبك معه، حتى ولو آذى تعاونه
"التكتيكي" حلفائها من الثوار.
فمع غياب الرغبة الحقيقية في إنهاء لانظام ومنع إعادة انتاجه ستخشى هذه
الدول أن يؤدي اشتباكها الحقيقي معه لإنهاء فرص إعادة الإنتاج. وإن كان من الممكن
أن نرى بعض الضربات التأديبية للنظام للحد من الأحراجات التي قد يسببها لهذ
الدول.
أما في حال قررت قوى الثورة الوقوف مع الدولة الإسلامية، وإن كنت استبعد أن
يتم هذا الكلام على صعيد القيادات؛ فارتباطات الإقليمية للكثير من هذه القيادات ستمنعها من
هذا الفعل. ولكن على مستوى القواعد فقد
نرى حركة تتسارع في انضمامات قواعد وقيادات دنيا إلى الدولة الأسلامية ولاسيما مع
تزايد الأمكانات في يد التنظيم ونقص الامكانات في يد الثوار، ففي هذه الحالة ستشهد المنطقة حرب استنزاف
طويلة المدى تطحن قوى الثورة السورية بين رحى النظام ورحى التدخل الدولي وأدواته
المحلية، ومن الواضح أن هذا يؤكده تصريحات القيادات الأمريكية أن الحرب على الدولة
حرب طويلة الأمد لن تنتهي بسنة أو سنتين.
لا بد من حلول عامة وجوهرية تعالج المشكلة من جذورها، وسواء كان خيار الثوار هو الخيار الأول ام
الثاني فإن الخطاب السياسي الغربي حتى اليوم يتجاهل الوضع الحقيقي الذي أنتج الدولة
الإسلامية، فالخطاب اليوم يعلن جهارا
عداءه للأسد ولكن بنفس الوقت يعتقد بأن نظام بغداد لا يحتاج أكثر من عملية تجميل، ففصل المسار السوري عن العراقي قد يروق للبعض
لأنه يبسط الرؤية ولكن جذور المشكلة لايمكن أن تحل إذا كان الذي سيقضي على الدولة
في العراق هم الميليشيات الطائفية الشيعية،
فإذا كان المالكي قفز إلى السلطة وتنمرد باسم التشيع على السنة رغم أن
الصحوات السنية هي التي استردت الكثير من المناطق العراقية من يد الثوار، فما
بالنا بماسيحدث لو أن رجال أشباه المالكي هم اليوم الذين يهاجمون المناطق السنية
التي تقع تحت يد الدولة الإسلامية.
إذا مالحل؟
لاتبدو الحلول المطروحة على الأرض أكبر من
حلولا مأزومة بذاتها. ولكن هناك حلولا
واستراتيجيات عديدة يمكن أن نطرحها على الولايات المتحدة، ولكن نجاح هذه
الاستراتيجيات تحتاج للكثير من التعقل على الأقل من طرف التحالف الدولي، والتفكير
غير النمطي ـ out of the box ـ ولا مجال لذكرها هنا بل
نحتاج لأن نفرد لها مقالا آخر. ولكن بالتأكيد
فإن كل الاستراتيجيات القديمة والتي نُبشت من جديد وأُعيد تنفيضها من غبار الأيام،
ومسح الدماء عنها دماء جنودنا ودماء جنودهم ، وتجري الحملة الإعلامية الكبرى لاقناع
الذات بأنها نجحت في الماضي، ولكنها لم
تنجح لأن المشكلة عادت من جديد وبشكل أخطر،
فنجاحها القادم ما هو إلا سراب ووهم نسخر به من أنفسنا، لأننا لا نبحث عن
الحل الصحيح، وإنما نبحث عن الحل السهل أو الذي يتراءا لنا بأنه سهل. ولكن هذه أيضا قصة لمقال أخر، فالفرصة ما زالت
متاحة لكي نجرب مقاربات جديدة، فكما قلت لجيروم مكدونالد "بأن عمل القائد أن
يقود، فإن لم يقود نكون في أزمة"
والولايات المتحدة عليها أن تقود وليس بإعادة الأخطاء التاريخية
السابقة، بل تقود بقوتها وتجربتهها
التاريخية بأن تفكر بعيدا عن النمطية وإعادة الأخطاء الماضي. فكما قلت " إن سورية هي حاضنة لأي تغيير
قادم في في الشرق الأوسط، فسورية بدات
كثورة سلمية، ولإن توفقنا بأن نحولها إلى
قصة نجاح، فستكون مثال يحتذى في المنطقة كلها،
فالمنطقة في حاجة ماسة إلى حاضنة للتغيير الصحيح. "
محي الدين قصار
شيكاغو - 5 إيلول 2014
No comments:
Post a Comment