تكرر السؤال نفسه من الشباب بالداخل، خلاصته التالية:
"لماذا نشهد أسماء بعض السوريين في أمريكا تلمع فجأة بوسائل التواصل
الإجتماعية وتنتقل بعدها لبعض اللإعلام الأمريكي ثم تختفي؟ "
لكي نفهم الإجابة على مثل هذا السؤال علينا أن ندرك
آليات العمل في العاصمة الأمريكية والعلاقة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني
التي تتعامل مع العالم الخارجي ولا سيما العالم الإسلامي وقضاياه. فعندما نسمع على سبيل المثال أن الإدارة
الأمريكية خصصت مبلغا ما كمساعدة لمعالجة "حبة حلب". وأنا استعمل هنا هذا المثال لأنه خيالي ولكي اتجنب أن يرسل لي البعض ويقول "ليش عم تضربنا بحجارك؟" لو أنني استعملت
مثالا آخر. فما الذي سيحصل لهذا المبلغ ؟
أولا الحكومة الأمريكية التي أعلنت المبلغ لن تنفقه
مباشرة على معالجة الحبة، بل تضع شروط
لمنظمات المجتمع المدني الأمريكية لتلقي هذا المبلغ وانفاقه على معالجة "حبة حلب" ومن هذه الشروط أن تكون
المنظمة عندها خبرة طبية بمعالجة "حبة حلب" وعندها تجربة وخبراء عن
سورية. الشرط الأول أكثر سهولة، فالطبيب
طبيب أينما ذهب، وأي طبيب بغض النظر عن جنسيته يستطيع أن يدعي ـ بقليل من الأريحية
ـ بأن عنده خبرة بمعالجة "حبة حلب". النقطة الثانية وهي الأصعب وهي كيف تُظهر هذه الجمعية بأن لديها خبرة أو
خبير بالشأن السوري، من هنا تبدأ هذه
المنظمة بالسعي وراء السوريين لتبني لهم خبرة بالشأن السوري فنرى بعض مقاطع
الفيديو المصنعة لتنشأ لهذا السوري علاقة بالوضع في الداخل، ثم تقوم وسيلة إعلام بمقابلة قصيرة أو طويلة
حسب قدرة هذا الشخص التعبيرية وفي خلال أسبوعين يصبح هذا السوري "خبير
مقيم" لدى المنظمة "مختص بالشأن السوري وبنتائج حبة حلب"
عندها تقدم المنظمة الأهلية الأمريكية طلب المساعدة للحكومة
الأمريكية. وتحصل على الملبغ المخصص
لها. طبعا أحب أن أنوه هنا أن هذا الأمر
ليس سيئا بالمطلق، فالمبلغ الذي وصل ليد
المنظمة تقتطع منه المنظمة بعض تكاليفها (بين 40% -60%) تخمينيا، وتمنح معاش لابأس به للـ"سوري الخبير المقيم"
عندها. وتنفق الباقي على معالجة "حبة حلب" وبمقدار خبرة واخلاص هذا "الخبير
المقيم" وحنكته في إدارة قضايا المعالجة وتأثيره على المنظمة وتواصله مع
الشارع بحلب بمقدار ما تستمر المعالجة ويستفيد أهل حلب وتتكرر المساعدة ووصولها
بين الحكومة الأمريكية والأهل في حلب.
طبعا اترك للقارئ تقرير مقدار فعالية هؤلاء السوريين الذين صنعتهم وسائل
التواصل الإجتماعي.
هذه الآلية تتكرر في كل مرة بنتائج جيدة حينا وسيئة
أحيانا وبامكان القارئ الكريم أن يستبدل "حبة حلب" بأي قضية من القضايا
السورية الآخرى ولاسيما تلك التي لها رنين في إذن الإدارة الأمريكية: بداية من انعاش
التواصل الثقافي من خلال الدورات التثقيفية إلى محاربة الفكر المطرف مرورا بتحرير
المرأة السورية. لذلك عندما أسمع عن "الدورجية"
لا أعتبر بأنها مشكلة حقيقة فإن لم تستعمل هذه الأموال من قبلهم سيستعملها الآخرون
ولن يستفيد منها السوريون. ولكن الأصح أن
يكون لدينا من النضج أن يتم استعمال هذا المساعدات بأفضل الطرق وأكثرها فعالية. فكلما
زادت علاقة "الخبير" بالأرض كلما زادت فعاليته في استجلاب الخير وكلما
زاد وزن كلامه عند الطرف الأمريكي. نموذج العمل هذا ينطبق أيضا مع بعض التعديل على
المساعدات السيادية كالمساعدات السياسية والعسكرية. لذلك عندما يسمع الأخوة في الداخل أن هناك من
يتكلم باسمهم مع الأمريكان بهذه القضايا عليهم أن يسألوا من هو ولماذا، فحتى الطرف الأمريكي يتمنى لو يجد من يمثل
الثوار افضل التمثيل، فهو يرى أنه من تصدر الصورة بقدرة قادر ما هو إلا الموقودة والنطيحة
وما أكل السبع، ولن يتخل الأمريكي عن
المساعدة حقيقة لو أن الثوار قالوا له بأن هذا الخبير ليس له علاقة بالقضية التي
يتنطع لها.
طالما أجت السيرة وأجت: أذكر يوما في الشهر الأول من
الثورة أرادت حلقة الشباب في سورية أن أكون متحدثا باسمهم في أمريكا. ولكن أحد أفراد هذه المجموعة اعترض محتجا بأنني
أبحث عن الشهرة وأن أكون على شاشات التلفزيون.
لم ألق للقضية بالا فعندي من المهمات ما يملأ يومي بالعمل، بعدها بشهرين
أصبح هذا الثورجي "خبير مقيم مختص بالشأن السوري" ولم نعد نسمع صوته بعد أن قبض أول معاش. (صحتين على قلبه)
No comments:
Post a Comment