الصالحة

سأل سائل عن نصر قادم  للثائرين والمجاهدين بإذن الله ليس له من مانع وعذاب للظالمين ليس له من دافع. 

هناك ثنائية في الثورة السورية قلما ينتبه لها المراقب العادي،  فبقدر ما يتقدم الثوار على الأرض بقدر ما تبدو الأمور أكثر بؤسا ويأسا للمعارضة في الخارج والداخل. 

هذه الثنائية تعكس عجزا عن المواكبة بين تطور الخطاب السياسي للنخبة المعارضة وتطور المنظومة الفكرية للجماهير الثائرة.
  

فقد تحجم خطاب النخبة السياسي المعارض واستمر باجترار مفاهيم أقل ما يقال فيها أنها تعود للقرن الماضي،  في الوقت الذي تقلصت تصرفات هذه النخب لتنكمش على رؤى عشائرية قبلية، مناطقية، وعائلية،  بل أنها تحولت الثورة للبعضها لتصبح خطاب لقضية زوجة مخطوفة أو صديق محتجز.  

بامكاننا أن نعط أمثلة طويلة هنا ولكن لا نريد التجريح ومن يريد أن يتفكر بهذه القضية عليه أن يطرح بعض الأسئلة، وفي معالجة الجواب تكون الحقيقة ، من بداية  تأسيس المجلس أو الإئتلاف إلى:  

كيف دخل فلان الفلاني الإئتلاف؟  

هل حقيقة كانت ألية وصوله إلى الإئتلاف طرحا وطنيا ؟  

ما الذي جعل فلان الفلاني "قامة وطنية"؟ 

دعوني أضيف سؤالا بريئا آخر هنا لعل الفكرة توضح،  يعتبر الجميع أن إعلان دمشق الخطاب السياسي الأكثر وطنية خلال العشرين سنة الماضيات. أين هذا الخطاب اليوم من قيادة الإعلان اليوم؟    

هذه الجهات "اللاوطنية" ؛ بخطابها وليست بسبب غياب إخلاصها ؛  تتهم الآخرين بمشاكلها وعجزها ، فتلوم القوى الإقليمية من طرف،  ولا تستطيع أن تتواصل مع قواعد شعبية جديدة فاعلة على الأرض وتعتبرها رجعية تاريخية "ماضوية" كما كان يُعير النظام على هذه القواعد.  

   

من طرف آخر من يتقدم على الأرض قوى شعبوية بثقافات "جديدة" تختلف عن هذه النحبات الماضوية. رغم أن هذه النخبات تتهم هذه القوى بأنها "ماضوية" بسبب إسلاميتها، ولكن حقيقة ما لم تستطع أن تدركه أن دماء الشهداء تنفض غبار التاريخ عن فكرة مهما كانت "ماضويتها" ولا سيما إن كانت هذه الفكرة مزروعة في ضمير المجتمع وتراثه وعقله الباطني.     

فنستطيع  أن نصف القوى الحقيقية الفاعلة على الأرض   بكل شي إلا بمصطلح "غير اسلامية" فهم جميعا إسلاميون بصنوفهم: ونرى منهم الدولة الإسلامية و النصرة و.. و... حتى الجيش الحر فهو في الواقع يقف بحراب المجاهدين ؛  ورأينا كيف اضمحل دور الضباط الذين انشقوا أو شُقوا في بداية الثورة من "العلمانين".  فهؤلاء وجدوا أن الثورة ليست مناورة من غير ضمير ولا وجدان إسلامي.  فكما وجدوا أنفسهم غرباء بعائلاتهم وممارساتهم اليومية في بيئة المخيمات المحافظة. فطال أمد الثورة ليتحولوا عنها وليتركوها للمجاهدين في صفوف الجيش الحر أو ارتقوا إلى صفوف الإسلاميين في عقيدتهم وممارساتهم.  

إذا الخطاب السياسي الجديد منفصل عن الأبجديات القديمة.  واليوم الدولة تسير إلى تدمر والنصرة تتمدة في عرسال والحر يقترب من الساحل واللائحة تطول .  فما الذي يجب فعله؟ 

أولا علينا أن نعترف بالواقع الجديد،  فالمكابرة لا تفيد إلا بزيادة الخسائر وتزايد نزعة استئصال كل ما هو "وطني" أو بقاياه.

ثانيا:  علينا إدراك أن الواقع الجديد يطرح تموضعات جديدة داخليا وأقليميا.  فلانستطيع مثلا  أن نقدم حلا لدمشق بينما تبق الموصل والفلوجة معلقة وتبق الرياض وعمان وبيروت تحت التهديد. 

ثالثا:  لا نستطيع أن نقدم مصالحات مع الغرب والشرق ولكن لانطرح مصالحات مع قوى نختلف معها.  

المهمة الأولى والأهم للسياسة الأقليمية هي كيف نُحضِر جميع هذه القوى لندفعها إلى حراك جديد يحميها من تطرفها ويعينها على تطوير نفسها ذاتيا وداخليا.  أما الرؤية الأستئصالية (كما يُنظر للدولة الإسلامية والنصرة اليوم) أو الإستعمالية (كما يُنظر للجيش الحر) فهذه لن تخدم إلا إلى زيادة النزعة التطرفية في أي طرف كما أنها لا تخدم إلا  في اضعاف الأمة وتعريتها من عوامل صمودها.  

هذه النقطة يحتاج المجاهدون أن يفهموها ولكن الملوك العرب يحتاجون أن يدركونها
 بشكل أكبر لأن المبادرة بيدهم وحدهم.  

    

 للحديث بقية