Tuesday, December 06, 2016

البحث عن الحل في المكان المريح: لا أمل بوجود الطبقة السياسية السورية الحالية:

البحث عن الحل في المكان المريح:  لا أمل بوجود الطبقة السياسية السورية الحالية:
  
يقف الدكتور أبو الحطب رئيس الحكومة المؤقته بهدوء ووقار ليقدم مشاريع حكومته لبعض الحضور من أبناء الجالية السورية في شيكاغو.  ومن بين ما يقول "أننا نحن بأشد الحاجة للخبرات."  و طبعا هذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يدعو "المجلس السوري الأمريكي" SAC  شخصيات وطنية ليقوم بعملية جمع النقود لمشاريعه.  فهذا فن تمرسوا به منذ الثمانينات. وجمع النقود لا يهمني هنا؛ ولكن النقاش مع الدكتور ابو الحطب هو أكثر اهمية بالنسبة لي ، فأنا لم أكن أعرف عنه شيئا بل كنت اعتقد انه من دير الزور واكتشفت أنه من دمشق.  وكلام الدكتور أبو حطب أتي في الصميم ويعكس الأزمة التي تعيشها طبقة الثوريين من أمثاله وتلاعب المؤسسات والأحزاب التقليدية المعارضة بجهودهم.  فهناك الكثير من القول الذي يستطيع أن يقوله ولكن لمن يشكو المسكين؟  فرغم سنوات البطولة التي تعيشها الثورة وثوارها في الداخل يجدون أنفسهم أمام كل أنواع المناورات ومحاولات التسخير لمصالح بعض الجهات بما فيها تسخير الناشطين أمثال الدكتور أبو الحطب.   
طبعا من نافلة القول أن الحكومة بحاجة شديدة للمساعدات المالية ولكن ما يجمع من الجالية له نفس الاستعمالات القديمة، ولكن المشكلة الأصيلة ترسخت في عبارة الدكتور السابقة : "أننا نحن بأشد الحاجة للخبرات." فهي المفتاح الأساس لكل الحلول الممكنة،  فالوضع في الثورة السورية لا يخفى على أحد وأن التفكير "خارج الصندوق"  وبعيدا عن التفكير النمطي هو ما تحتاجه الثورة وما يحتاجه أبو الحطب إن صدق.  فعوضا عن أن تتمحور النقاشات حول هذه القضية مُسِخَ النقاش ليقتصر على كم دولار سيجمعوها وكم فدان سيُزرع .   فتجلس تستمع تحلم بأن كل مداخلة قد ترفع بمستوى النقاش لمستوى همّ الأمة؛ فإن حصلت فسريعا ما توئد بعذر أو آخر أو تُقتل بالصمت والاهمال.  فتجد نفسك تنتقل من احباط لاحباط.  وإن حضرت مثل هذه اللقاءات ولم تشعر هذا فإنما أنت من المساكين الذين ينظرون للمسرح ببراءة.   

من السهل رؤية المعضلة في الخروج من الوضع القائم إلى وضعِ آخرَ بالقيادات الحاضرة.  فهذه القيادات نتنة عبر الزمان لا تدرك إلا سطوة المال الذي يجمعونه ولا يعلمون إلا قدرته على التحكم بأجندات حزبية ضيقة.  فالقيادة الموجودة هي من مستحاثات الأخوان الذين لم يتعلموا إلا التفكير الحزبي والتآمر للوصاية على الأمة.  وانتقالهم من فشل إلى آخر عبر السنوات الماضية أكبر من أن يخفى على أحد.  فعلى سبيل المثال مع الايام الأولى للثورة كانت قيادة الأخوان (بوساطة تركية في ذلك الوقت) مستعدة لقبول عدة مقاعد في البرلمان الأسدي وبعض الحقائب الوزارية في حكومته لكي "تنسى الثورة"  لم يتحقق ذلك لهم لسبب بسيط أن النظام لم يرض بذلك.  في أمريكا أكبر منظمة اسلامية (تابعة لهم بدون اسم) تعقد مؤتمرها في كل سنة في شيكاغو في الاسبوع الأخير من تشرين الأول.  بعد الحاحات كثيرة وتدخلات عدة استطعنا في "الجمعية السورية الأمريكية" SAS أن ننتزع منهم بالحياء قاعة لمحاضرة مخصصة للثورة السورية.  مُنحنا قاعة جانبية صغيرة وفي أبعد فندق عن القاعة الرئيسية من فنادق المؤتمر.  رغم ذلك حشر 400 شخص في القاعة رغم مشقة المسافة. (الانتقال بين الفنادق في درجة حرارة 20 تحت الصفر ليس بالأمر السهل)    
بعد المؤتمر كنت في جلسة مع احد القياديين للمنظمة وهو من أخوان مصر فعاتبته بالموضوع. فأجابني بأنه هناك اتفاق ضمني بينهم وبين الأمريكان على "التخفيف من حدة الربيع العربي"  بعد هذا الحديث بسته أشهر طار الرئيس مرسي من على عرش مصر فرج الله عنه. 
الأخوان في العراق لايقلون تيها عن هؤلاء.  فخلال عشر سنوات على حكم المالكي سقط ما يزيد عن مليون عراقي بسكين النظام الطائفي بينما كان الأخوان لا همّ لهم إلا ممارسة لعبة الحكم والقتال على كرسي يستجدونه في البرلمان الإيراني في بغداد، واليوم أصبحوا شركاء في قرار تحويل مرتزقة إيران في الحشد الشعبي المجرمة وغيرها إلى "مؤسسة وطنية" ،  ودعونا نفترض جدلا أن المشكلة هي في الدولة الإسلامية.  طيب ما حالهم وحال المقاومة العراقية الباقية؟  لقد أرسلوا مندوبونهم من أمريكا إلى المجلس الوطني ثم الإئتلاف ليتزعموا مهمة "اصلاح النظام"  ثم عملوا على دعم كل سفيه وسافل في المجلس الوطني وبعدها في الإئتلاف وكرسوا جميع المناورات في تفيذ مخططاتهم فهل نرى لهم مناورة واحدة للقاء مع المقاومة العراقية الشريفة؟ (لننس الدولة الإسلامية حاليا.) 
نعم كما قال الدكتور ابو الحطب : "أننا نحن بأشد الحاجة للخبرات."  ولكن هذه الخبرات لن يحصل عليها بالتفكير النمطي لأمثال هؤلاء،  وهذا الكلام ينطبق إيضا على الأحزاب السورية التقليدية الأخرى ولكن يتحمل الأخوان مسؤولية أكبر، فهم الأكثر تنظيما في الخارج،  فعوضا عن تحمّل مسؤولياتهم والتقدم لقيادة الجالية بشكل صحيح ينظرون للجالية كجعبة دنانير يمدون يدهم لها كلما احتاجوا. فلو نظرنا للحضور لما تجاوز عدد الحضور في اجتماع مع رئيس الحكومة أكثر من 50 شخصا،  فهل هذا حقيقة ما يمثل وزن الجالية السورية الحقيقي.  أم ان الجالية السورية يئست منهم ومن ألعابهم.  فالجالية أغنى من هذا وأكثر نشاطا وثقافة وعلما وخبرة،  فعندما بدأت الثورة تشكلت جمعيات كثيرة على يد ناشيطين بعيدين عن السياسة و نساء سوريات نشيطات صادقات بعملهن قدمن الكثير للوطن والثورة،  وإن أردْنَ أضفتُ اسمائهن لهذه المقالة لاحقا.  وأنا أزعم أنه ما قدمه هؤلاء النسوة للثورة بعملهن الصامت والدئوب يتجاوز كل ما قدمه ممثل الأخوان السوري في أمريكا المتمثل بـ"المجلس السوري الأمريكي" SAC  ؛ الفرق بينهم أنههن يجمعن النقود من أجل العمل الخيري وينفقنه على العمل الخيري ، اما المجلس فيصرفه على البرنامج السياسي الذي يراه مناسبا.  فعندما يريد هؤلاء أن يتقربوا من النظام يدعون المقربين منه لالقاء المحاضرات عليهم، وعندما يحتاجون نقودا يدعون شيخا مثل "كريم راجح" ليعطوه ربع ساعة في حفل خيري في آخر الليل بعد أن قطع عشرات الألاف من الكيلومترات ليصل لهم.  وإن لنا الحق أن نسأل أصحاب هذا التنظيم، لقد انفقتم كل هذه الأموال للتقرب من البيت الأبيض،  بل ذهبتم أبعد من هذا لتعلنوا تأييدكم لقصف الأمريكان للمجاهدين في سورية والعراق.  فهل "قبضتم" ـ على الأقل ـ ثمن هذا من الآخر سواء كان ثمنا ماديا او سياسيا؟  أم أن كل مشاريعكم في الوطن ما هي إلا من أموال الجالية لا منة لكم فيها.  

نعم نحن بحاجة لخبرات كثيرة وتفكير غير نمطي يخرجنا من الحلول النمطية التي تعودت عليها أحزابنا المتحجرة.  ولكن هذه القيادات تعرف أن النقاش بهذه الساحة سيكشف سوءتها ويظهر عقمها الفكري والتنظيمي.  لقد تأسست مؤسسات كثيرة في العالم منذ نشأت الثورة،  ولكن لايمكن لأي مؤسسة ان تستمر إن كان هؤلاء اعلنوا الحرب عليها.  ونحن نستطيع أن نتفهم ـ جدلا ـ  لعلماني يرى في الإسلام عدوا له وفي الغرب حليفا موقفه من الثورة والمجاهدين.  أما موقفهم الذي نراه علنا فهذا لا يتم في المنطق الأخلاقي ولا الإسلامي، اللهم إلا انهم يروا بأنفسهم وقد منحهم ربهم صكوك الغفران. 

نعم "أننا نحن بأشد الحاجة للخبرات."  ولكننا لسنا بحاجة لخبرات جمع النقود، ولا مهارات التآمر اللئيم ولا تكالب الذئاب على السباع.  بل نحن بحاجة للخبرات التي تطرح الأسئلة الصعبة التي توقظ الحضور وإن لم يحبوا هذه الأسئلة أو الإجابة عليها.  والدكتور ابو الحطب لن يجدها بمن دعاه إلى أمريكا،  وأنا لا أدعوه إلى معاداتهم، فتجربتي تؤكد أن سلوكهم لا يختلف عن سلوك سرايا الدفاع في شوارع دمشق عندما كانوا يتكالبون على الناس، إن عادوه سيقضي عمره بدفع بلاهم عنه وعن مشاريعه.  بل أدعوه أن يعلم أن الحل لن يكون قادما منهم، فهم لا يملكون التفكير أو غير التفكير النمطي الذي درجوا عليه.   فنحن في حاجة لمساعدة ولكن نوع آخر من المساعدة تخرج بالثورة من المأزق وبالنشاط من المألوف المريح إلى التفكير الثوري الذي يفتح آفاقا أخرى ولو كان متعبا ومرا.  
أنا لا امتنع عن حضور اي نشاط يهم سوريا،  وتشاء الأقدار أن أكون بعيدا عن شيكاغو في كل مرة يكون هناك نشاطا ما طوال السنوات الأربعة الماضيات.  ولكن هذا الأحد كانت زيارة الدكتور في وقت متوفر لدي فقررت الحضور لأسمع منه،  وكلما غبت عن هؤلاء أعود وأقول لنفسي لعل وعسى أن يكونوا قد تغيروا،  ولكن يبدوا أنه من شب على شي شاب عليه. وأقول لزعيمهم الذي يستطيع أن يتحمل كلام شبيح في الله وفي الثورة ساعات طوال ولا يستطيع تحمل كلاما مخالفا له من صفه خمس دقائق قبل أن يرسل كلابه؛ ما كان يردده والدي رحمه الله:  "إن اردت أن تضحك علينا فهذه سهلة، ولكن فكرك حتضحك على الله هذه مشكلة" أو نقول له وقد قرُب زماننا وزمانه:  " ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" 

محي الدين قصار

شيكاغو 12 كانون الأول 2016 

No comments: