" حرمة الاموال المجموعة من الأنفاق المحفورة "
"هذه الفيلا هي ملك أحد أهالي
القرية" أجابني بعض الثوار على سؤالي.
ومتى سيأتي؟ سألته؛ لا نعرف ولا نعرفه فهو مسافر منذ اشهر حسب ما قال الجيران. تعجبت سائلا:
وهل أذن لنا بالسكن في بيته؟ أجابني أحدهم ضاحكا: "هذا من الفيئ على
الثورة."
طبعا بعد عصور طويلة من الظلم وحكم الطغاة وتسلطهم
على بلاد المسلمين تصبح فحوى مثل هذه المحادثات كثيرة وطبيعية، فمفهوم المال العام والمال الخاص مفهوم مبهم
جدا عند الخاصة من الناس فما بالك بالعامة من الناس. ففي غياب المتسلط الأول "النظام" تصبح الأمور متروكة لضمير الفرد، والنفس أمارة
بالسوء وإن لم تكن كذلك ولكن درج الناس على أمور توقعهم في الحرام دون أن يدروا. واريد أن أناقش هذه القضية بشكل مبسط من خلال مثال
حقيقي تعيشه مناطق الإشتباك في سورية، ولكن إن أدركناه اصبح من السهل تعميمه على
كثير من القضايا المماثلة.
في سورية يقوم الثوار بحفر الأنفاق الطويلة
للوصول إلى المناطق المحاصرة. هذه الأنفاق تبدا في أحسن الأحوال في أرض ذات "ملكية
فردية" وتنتهي في أرض ذات "ملكية فردية". ولنفترض جدلا أن جميع من عمل في حفر الأنفاق قد
حصلوا على أجورهم بالكامل ولم يكونوا متطوعين بجهدهم من أجل الثورة والصالح العام.
وعندما يأتي من اشرف على النفق ويفرض "ضريبة مرور" على الأشخاص والبضائع
التي تُسرب إلى المناطق المحاصرة ومنها. فهذه
"الضريبة" لا تجوز لمن يأخذها لا في الشرع ولا في قانون المدني السوري
ولو افتاها هؤلاء لأنفسهم:
أولا:
فهذه الأنفاق حكمها كحم الطرق سواء كانت تحت الأرض أو فوق الأرض حكمها كحكم
المال العام فهي ملك لكل أهل البلد ولا يجوز لأحد تملكها ولو كان هو الذي أنشأها.
ثانيا:
ولو تحققت مصلحة عامة من هذا العمل يُعتبر فاتح النفق شرعا
"متطفلا" ؛ أرأيت لو ان جارك أصلح جزء من حائطك في غيبتك فهو يسمى شرعا "متطفلا" ؛ ولا يُعتبر
المتطفل مالكا للحائط (او للنفق) ولا حق له بمطالبتك بتكاليف الإصلاح. وإن جر عمل
المتطفل ربحا عليه فلصاحب العين الحق في كل هذا الربح.
ثالثا: قد يدفع متحججٌ بأن نتيجة فتح النفق كانت
مصلحة عليا لجميع الأطراف، وفي هذا قد يكون صوابا، كما أن اصلاح حائطك قد تحقق فيه
نفعا لك فلم يسقط الحائط في غيبتك ففي عمل "المتطفل" مصلحة ما ولكن لا
يمكن ان يطالب به او بتعويض ما لم تأذن له.
رابعا:
وجه آخر قد يدفع به "المتطفل" فاتح النفق (اسميه من الآن فصاعدا
المتطفل اختصارا) بأنه وإن كانت عائدات النفق أموالا عاما فهو ينفقها في المصلحة
العامة. وهذا أيضا لا يستقيم، فالمال العام لايُنفق
إلا في مصارفه الحقيقية والمصالح العامة. والمصلحة العامة (شرعا تُسمى
المصلحة المرسلة) لا يحددها إلا المجتمع، وحده المجتمع الذي يقرر ما هي المصلحة
وما هي أولويتها وكم ينفق على كل منها.
فهل يشتري بهذا المال سلاحا أم يشتري به معدات طبية، أم يؤمن الغذاء أم يمتنع عن اتخاذ "ضريبة
المرور" إلى ما هنالك من مصالح مرسلة أغلبها ما تكون خلافية. وإن كانت هذه المصالح
خلافية فلابد من أن يفصل فيها الناس او من ينوب عنهم. فإن لم يكن هناك من ينوب عنهم وبرضاهم وبتفويض
رسمي منهم في استعمال حصتهم من المال العام فلا يجوز شرعا لأحد ان يتصرف بهذا
المال. وكل انفاق منه هو كمن ينفق من مال مسروق.
خامسا: وجه آخر من الحرمة في استخدام المال
العام أن من يقوم عليه لايستطيع أن يستعمله إلا في محله الذي فوضه الناس به. فعلى
سبيل المثال إن كان أهل القرية فوضوا المُتطفل بأن يبني مشفى (صغيرة كانت أم
كبيرة)، فلا يجوز للمشفى ان يكون لها
استعمال خاص ولا يجوز أن يؤذن للبعض في استعمالها ويُمنع البعض. من الممكن أيضا ان
نطبق هذه المسأله على السلاح الذي يشتريه الثوار من هذا المال أو من أي مال عام
أخر. فكما أن المشفى العام لا يحق لأحد
الاستئثار باستعماله كذلك لا يحق لاحد استئثار هذا السلاح واستعماله في شأن
خاص. هذه لها تبعة أخرى أن القائمين على
هذا السلاح لا يجوز لهم شرعا القعود بهذا السلاح عن نصرة جيرة لهم يغزوها العدو
ولو بُعدت طالما أن المسلمون الذين يلونهم لا يكفوا لرد العدو وردعه.
لقد رأيت أحد وثمانين مسالة تُستخرج من هذه
المسألة البسيطة وجميعها يكمن في مصدر ضعف ثورتنا. ولكني أشفق على القاريء من طولها. ولكن هذه المسئلة لها تطبيقات كثيرة ، وبامكاننا
العثور على تطبيقاتها الكثيرة منها المازوت الذي يُهرب كأبسط مثال. والأموال التي
يحصل عليها فصيل ما من افتداء أسير من النظام. فهل تعرفون على سبيل المثال كم من
الناس من يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟
وفي هذا ايجاز أرجو من الأصدقاء ان يغنوه
بنقاشهم.
البحث القادم سيكون تحت عنوان "الخلافة لا
تجزء عن الانتخاب؟"
No comments:
Post a Comment