Saturday, August 15, 2015

الاقتصاد السوري: الليرة السورية إلى أين؟ - 1 -

مما لا شك فيه أن نظام بشار أسد في ظل الإحتلال الإيراني قد أوصل الاقتصاد السوري إلى حضيض جديد حيث تقلصت عمليات الإنتاج أكثر من 81% مقارنة مع الحال في 2010.  وقد تقلصت الإيداعات من احتياطيات العملة الصعبة من 23 مليار دولارا في 2010 لتصل في آخر اعلان رسمي إلى 4 مليار دولار عام 2012.  ولا أحد يعلم حقيقة كم هى اليوم هذه الاحتياطيات.  وقد أصبح الخارج والتحويل من الخارج المصدر الأول للدخول في البلاد.  فاغلب الناس يسدون احتياجاتهم من انتاجهم الأهلي مكملا بمساعدات من مصادر خارجية كأهاليهم واقربائهم و منظمات الإغاثة وما شابه بما فيها المنظمات الدولية.  وقد يبدو أن هناك غيابا للاحصائيات الجدية التي تحدد مقدار نسبة مساهمة الخارج في تأمين الاحتياجات الأهلية.  ولكن يكفي أن نقارن الحالة الاقتصادية بين القرى التي لها عدد كبير من المغتربين في دول الخليج مع المناطق التي لا تملك هذا العدد من أبناءها في المُغترب لندرك دور المعونات الخارجية في الاقتصاد الداخلي.  (هذا البين بين الفريقين يتقلص باستمرار مع عموم البلوى على جميع المناطق ووصول المغتربون لأقصى الأمكانيات التي يملكونها) 
فأما السلطة فيتمتع تابعينها بالسيطرة على كل ما يضعون اليد عليه من مسروقات من الآهالي سواء بشكل رسمي أو غير رسمي،  ولكن المصدر الأساسي لها فهو المعونات الخارجية ولاسيما الإيرانية التي تتدفق بصورة ديون آجلة على النظام، ومن أجل تأمين احتياجاته ولاسيما الأمنية،  فقد وصل الحال به أنه بدأ برهن المنشآت العامة لإيران ليستدين المزيد من الأموال.  كما ان النظام عمد بشكل كبير لاعتماد  سياسة "تسييل الدين العام" Monetization of the public debt لتأمين احتياجاته المالية.  وبهذه السياسة يقوم النظام بطباعة مزيد من العملة الورقية عوضا عن الاقتراض.  فالسوق السورية مُغرقة بالعملة الورقية التي تساهم بشكل كبير في تدهور القوة الشرائية لليرة السورية والارتفاع الفاحش والمستمر للأسعار.  فتتمايز الآن في الأسواق السورية العملة القديمة المطبوعة في النمسا والتي يحبذ الناس الاحتفاظ بها والتخلص من العملة الجديدة المطبوعة في روسيا.  حتى انتاج القطاع العام الذي تملكه الدولة لا يباع في الخارج ولا يشكل مصدر دخل للدولة دون المعونات الخارجية.  فلكي ندرك كيف يساهم الوضع في استمرار تجيير المعونة الخارجية لمصلحة النظام واتباعه بمكننا ان نعطي مثلا:  فالمساعدات الأهلية تأتي بشكل نقود مباشرة بغية تأمين الحاجيات الغذاية مثلا،  فإن كان مصدر هذه الحاجيات الغذاية هو السلطة فتأتي قيم هذه الحاجيات وكأن الدولة تقوم بعمليات تصديرها خارج البلاد وقبض قيمتها بالعملة الصعبة من المستهلك المحلي بشكل مباشر أو غير مباشر. ورأينا كيف فرضت الدولة على المزاعين الواقعين تحت سيطرتها بيعها منتجاتهم الزراعية بأسعار تفرضها عليهم ثم تستغل حالة الحصار لإيصالها للمستهلك باسعار مضاعفة طالما أن الدافع يدفع بالعملة الصعبة (المساعدات الخارجية)  وفي كثير من الأحيان يستعمل الحصار العسكري للتحكم بمزيد من الأرباح.  فعلى سبيل المثال في غوطة دمشق المحاصرة يصل سعر كيلو البرغل لستة آلاف ليرة سورية،  وكذلك سعر علبة السجائر السورية. فإن أرسلت مساعدة بقيمة كيلو برغل فلا تضمن أن تتم المقايضة من البرغل بعلبة السجائر لتنتهي المساعدة بجيب النظام بطريقة أو أخرى (صناعة السجائر في سورية احتكار للنظام وعائلته)
فنحن الأن في مواجهة اقتصاد فاشل لدولة فاشلة يعتمد اقتصادها على الخارج،  ويساهم الأنتاج المحلي بالقليل من هذا الاقتصاد.  فتتعاظم دور العملة الأجنبية من جهة في عملية حفظ القيمة وتتعاظم دور الليرة السورية كاداة بيد النظام، لأنه يستعملها دون قيود او ضوابط اعتادت الدول أن تتبناهات لتجنب الكوارث الاقتصادية.  وقد تبدو هذه الكوارث على الليرة السورية غير واضحة المعالم اليوم ولكنها آتية أن لم نقم بتغيير حقيقي للواقع المالي والاقتصادي،  فإن لم نر بعد أن الدولار الأمريكي مثلا قد وصل لألفي ليرة سورية فذلك لسببين رئيسيين:  الأول أن الطلب الداخلي على الإستيراد  سواء كان استيرادا استهلاكيا أم استيرادا لمواد انتاجية قد انخفض إن لم يكن قد انعدم نهائيا،  وبالتالي لم يعد هناك طلب على القطع الاجنبي.  أما السبب الثاني فإن المساعدات الأهلية من المغتربين لأهليهم في الداخل تتم كلها بالعملة الصعبة.  وكلا السببين يساهمان بالحد من هبوط الليرة السورية.  فالسبب الأول يقلص الطلب على العملة الصعبة أما السبب الثاني فيزيد العرض الداخلي من العملة الصعبة.  مما يؤدي للحد "المؤقت" لتدهور الليرة السورية. 
وهكذا علينا أن نتوقع حقيقة الكارثة المحيطة بالليرة السورية مع كل خطوة باتجاه الحل،  سواء كان الحل بسقوط النظام أو بفشل الثورة.  فعندما تعود التوقعات لقرب دوران العجلة الإنتاجية وإعادة الاعمار ومتطلباتها من زيادة الطلب الداخلي والطلب الخارجي فسيزداد الطلب على العملات الصعبة وستجد الليرة السورية طريقها إلى 2000 ليرة للدولار إن كنا متفائلين.  طبعا المشكلة ستكون أكبر أضعافا مضاعفة إن فشلت الثورة ففشل الثورة سينتج نظاما معزول سياسيا لا حليف له سوى إيران المنهكة اقتصاديا.  
( يتبع :  تتريك أو دولرة العملة في الشمال )
محي الدين قصار
أكاديمي واقتصادي
شيكاغو 8 آب 2015





نشر في اللوموند
جـريــدة لـومــــوند : الاقتصاد السوري: الليرة السورية إلى أين؟ - 1 - http://www.lemonde.us/2015/08/1.html#.Vc_eoVgZWxo.twitter



No comments: