مع شكري الجزيل للأخت العزيزة التي جهدت بترجمة هذه المقابلة للغة العربية - محي الدين قصار -
جيروم ماكدونالد: مع دخول الإحتجاجات في سورية شهرها السادس، تبخر الدعم الدولي لبشار الأسد، حتى من كان من حلفاءه الأقوياء يوما من الأيام أصبح يدعوه الآن لايقاف العنف الذي حصد 2200 حياة منذ آذار، ورغم أن أسد لا يعتزم أن يرحل بهدوء التحضيرات لسقوطه المحتوم قائمة على قدم وساق، فهناك عدد من المجالس الإنتقالية التي ظهرت حديثا بإجتماعات منتشرة بين باريس، والقاهرة واستنبول. ولكن تعارض الإهتمامات و صعوبة التواصل الآمن بين الداخل والمعارضة خارج سورية تضيف إلى تعقيدات انشاء قيادة موحدة. معي هنا محي الدين قصار من مدينة شيكاغو وهو منخرط في عملية تأمين انتقال سلس إلى سورية حرية وديمقراطية، محي الدين قصار، هو رئيس الجمعية السورية الأمريكية. شكرا محي الدين على قدومك.
محي الدين قصار: شكرا لكم على دعوتكم.
جيروم ماكدونالد: هل تستطيع أن تصف لنا كيف تبدو محاولات تجميع الجاليات السورية والمعارضة السورية لإنشاء شئ موحد؟
محي الدين قصار: هذه مهمة صعبة حقيقة، والسبب الأصلي لهذه المشكلة أن السوريين لم يتحاوروا خلال السنوات الخمسين الماضيات. سورية معروفة بأنها "مملكة الصمت" فلا أحد يتكلم، ولا أحد يحاور الآخر. وفجأة لدينا ثورة رائعة حيث آلاف وآلاف من الشباب الذين لم يسبق لهم الإنخراط بحراك سيساسي يهبطون إلى الشارع ويعلنوها بأنه "هذا يكفي". والآن المعارضة وتكتلاتها يحاولون أن يلحقوا بالشارع ومستواه. ومن هنا تأتي الصعوبات.
جيروم ماكدونالد: هل هناك مشكلة في انشاء الثقة بالآخرين؟ أنا أتخيل أن المعارضة في داخل سورية تشعر بأنها في وضعية معينة، والناس خارج سورية لا يدركون هذه الوضعية أيضا؟
محي الدين قصار: هذا صحيح. الثقة تلعب دور في هذه القضية. ولكن هناك أيضا قضية غياب الخبرة. هناك نقص في الخبرات كيف تُبنى التحالفات سياسية، ونقص في الخبرة كيف تنظيم العمل بين الخارج والداخل. نحتاج أن تذكر أن المعارضة الحقيقية للنظام السوري غادرت البلاد في الستينات والسبعينات وقدر كبير منهم في الثمانينات. فهم غادروا البلاد ليعيشوا حياة سياسية ساكنة، أو بأقل النشاطات السياسية الممكنة. ففقدوا نوعا ما موقع قدمهم في داخل سورية. والجيل الجديد الذي يصنع الثورة اليوم ليس على صلة وثيقة معهم. أما الجيل الجديد (في الداخل) فتنقصه الخبرة السياسية اللازمة لإدارة أنفسهم، فهناك حاجة لكل منهم، فهذه الإجتماعات التي تعقد في استنبول تركيا وفي القاهرة وفي باريس وبالأمس في الدوحة ليست إلا تمارين على التواصل مع بعضنا البعض. فهذه هي المشكلة. ولكنني متفائل جدا الآن لأننا قطعنا شوطا كبيرا في التواصل فيما بيننا.
جيروم ماكدونالد: إذا كيف كانت مقاربتكم في الجمعية السورية الامريكية؟ كيف تأتي للمجموعات السورية الأخرى وتقول: حسنا نحن مؤسسة من شيكاغو ونريد أن نوحد الجميع؟
محي الدين قصار: حسنا، لقد أنشأنا ما يسمى لجنة التنسيق السورية. هناك عشر مؤسسات تمتد من بوسطن لكاليفورنيا وقلنا أننا نريد ان نتعاون على العمل لا على الأفكار. فإذا أنت يساري أو يميني فالأفكار السياسية لا تهمنا نريد أن نتساعد حول المشاريع لا حول الأفكار، وعندما تعمل مع الآخرين في مشروع معين فأنت تتعلم الكثير عن الآخر. فعوضا عن الجلوس في غرفة صغيرة ومناقشة أفكار فقط، فالأفكار ولاسيما في السياسة تنتهي بالخلاف. ولكن العمل ينجز انتاجا أفضل.
جيروم ماكدونالد: أعطني مثالا عن مشروع تعتقد أن المعرضة انجزته، كيف يمكن أن تفاوض هذا؟ إذ تبدو أن هذه المشاريع صعبة الإنجاز؟
محي الدين قصار: هناك مستويان، الأول حول المعارضة كمعارضة في سورية، والمعارضة على الصعيد الدولي. فالتحدي الحقيقي الآن بين أيديهم هو توحيد أنفسهم. على الصعيد الدولي: فقد نجحت المعارضة في التواصل مع الإدارة الأمريكية وهيئات الأمم المتحدة ؛ وأنهم زاروا روسيا وحاولوا اقناعهم – ودورهم كبير في الأمم المتحدة – بانه لا يمكنهم أن يقفوا متفرجون على السوريين يموتون دون اتخاذ موقف قوي. والروس ببطئ بدؤا بتقارب موقفهم مع الموقف الأمريكي. أعتقد هذا انجاز جيد للمعارضة السورية.
جيروم ماكدونالد: هل أرسلت المعارضة أناسا إلى روسيا.
محي الدين قصار: أعتقد هناك فريقان زارا الإدارة الروسية ونتج عن هذه الإجتماعت خطوات متقدمة من الجانب الروسي، قد لا تكون بالرضى التي كنا نأمله ولكنه تطور بالإتجاه الصحيح.
جيروم ماكدونالد: كيف التواصل والإتصال مع الناس في سورية؟ فهذه العملية تبدو معقدة حقا؟
محي الدين قصار: نعم إنها معقدة، فالنظام يقوم بما عليه من مهمات وهو مجيدا لها. فهو دوما ينجح في اختراق المجموعات داخل سورية، ليس فقط على مستوى الشارع بل حتى على مستوى القيادة السياسية. فهم دوما يدفعون لجدول أعمال جديد أوحلول نصفية تختطف الثورة، وتطرح حلولا لا تتضمن إنهاء النظام الآن، أحد هذه الحلول اليوم فيها اقامة مجلس وطني يؤخر ذهاب الرئيس، فهو يبقي الرئيس في الحكم حتى إشعار آخر، وأقول هذا لأنه يبقى حتى 2014، وهذا يعني أنه يبقى إلى ما شاء الله، فقد لدغنا من هذا الجحر من قبل. هذه الطروحات تعكس اختراقات على مستوى القيادة. على مستوى الشارع هناك مشكلة التواصل بين المجموعات، فهناك قتل مستهدف واعتقال مستهدف، ولاسيما في الاعتقال المستهدف ينجحوا في اعتقال كل أفراد المجموعة، وإذا كانت المجموعات متصلة فبالتالي يصبح كل المجموعات مهددة إذا اعتقل فرد من مجموعة واحدة.
جيروم ماكدونالد: طيب، كنت أقرأ مقال أنطوان شديد هذا الأحد حول أعداد الشباب ماهرون بالتكنولوجيا فقد كان في سورية وزارهم في بيوتهم السرية وراقبهم ينامون في خمس بيوت مختلفة بالليلة، فهم جميعا يعيشون على الإنترنت ونسمع منهم المعلومات. فهل هناك فرق أجيال بينهم وبين الكثيرين الذين لا نسمع عنهم الكثير.
محي الدين قصار: نعم، عندما كنت صغيرا في السبعينات كان الحلم بالثوريين بأنهم هؤلاء الذين يسكنون الجبال ويقاتلون. ولكن اليوم يمكنك أن تقاتل وأنت في بيتك، وهذا أمر متناقض لأنني أعيش مع عائلتي ولكنني غائب بشكل كامل عن بيتي رغم أنني أعيش في البيت لأن الثورة تتطلب الكثير منا. فهناك فرق أجيال ولاسيما بين الجيل القديم من السياسيين الذين تحتاج أن تطبع لهم الرسالة الاليكترونية ليتمكنوا من قرائتها وبين الشباب في الشارع الذين يجدون الطرق لأخذ الصور وتحميلها واختراق سيطرة الحكومة على الإنترنت وإرسال الأخبار والقرارات حتى التحذيرات حول الاعتقالات وما ينتج عنها. فهناك منطق غائم، فالخبر يعلن ولا تعلم من سيأخذه وسيستعمله لاحقا. من قبل التواصلات كانت "واحد لواحد" والأن أصبحت "واحد لمجموع" ولحسن حظنا كانت الحكومة متأخرة والآن تحاول اللحاق بنا، فمع التقنية ندخل في لعبة "القطة والفار" فكلما أكتشفوا طريقة علينا أن نجد طريقة بديلة. فعلينا دوما أن نأتي بطرق جديدة لإختراق الصمت المفروض، وإلا سنتحول لوضع شبيه بكوريا الشمالية.
جيروم ماكدونالد: كم برأيك سيستمر الوضع هكذا، فالأن منذ شهر آذار الناس تموت يوميا، ويبدو كانه لن يتمكنوا من الإستمرار دون أن يجدوا أنفسهم إما أنهم يموتوا أو عليهم أن يحملوا السلاح ويدافعوا عن أنفسهم؟
محي الدين قصار: هذه هي المعضلة الحقيقية. وأعتقد أننا في الغرب علينا واجب كبير تجاه هؤلاء الناس الذين يصرون على سلمية الثورة، علينا أن نتذكر بأننا "تدللنا" مع الثورة التونسية التي انتهت بستة أسابيع أو المصرية التي انتهت ب18 يوم وسقط الطاغية. لذلك اعتقد أن الثورة السورية صحيّة وأن الناس في الداخل مستعدون لتقديم مزيد من التضحيات من أجل سلمية الثورة. وأنهم يريدون الثورة سلمية ودون سلاح وليبق المجرم الوحيد هو النظام. وأعرف أناسا شخصيا من هم يعارضون حتى رمي الحجارة على الأمن، ويعتبرون أن رمي الحجارة عمل غير سلمي. لذلك هؤلاء الناس الرائعين، والآن ستة أسابيع، ضحوا بما يقارب 3000 شهيد، ونحتاج أن نضرب هذا العدد بسبعة لنعرف عدد الجرحى، وعندنا معدل 500 معتقل في كل يوم. عندنا مدارس وتجمعات رياضية حولت إلى سجون، رغم كل هذا مازالوا يقاومون استعمال السلاح.
الآن تحمل المجموعة الدولية مسؤولية كبيرة وثقيلة لتقديم الدعم المناسب الذي يريدونه. إنني لست خبيرا بالقانون الدولي، ولكنني متأكد بأن هناك طرق لحماية المدنيين في سورية. يجب أن يكون هناك طرق مناسبة لكي تضع الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ثقلهما لتطبيق وإجبار النظام على الإنفتاح وإيقاف القتل. وهذه قضية مهمة جدا.
جيروم ماكدونالد: كم تقدر ضعف أو قوة نظام أسد، يبدو أنه لا يتزحزح، ولكن إذا قارنته مع نظام القذافي الذي لديه كل أموال الدنيا، لا يبدو أن نظام أسد بهذه القوة؟
محي الدين قصار: طيب، إذا تتكلم عن القوة السياسية فهو ميت، فأقرب الناس إلية بدأوا بالهروب منه، هناك مثلا إما اعتقالات أو منع من مغادرة البالد لمجموعة من الصناعيين والأثرياء حديثي الثروة، فهو مجبرعلى العودة إلى مرحلة الاغلاق الإقتصادي الذي كان قبل عام 2000.
جيروم ماكدونالد: هل أفضل سيناريو هو الإنقلاب العسكري حيث أناس غير راضين من داخل النظام يسقطوه؟
محي الدين قصار: هو ميت من الناحية السياسية، من الناحية العسكري من الطبيعي أن المظاهرات السلمية لا تتمكن من التفوق على أضعف جيش في العالم مسلح ولا يملك أي ضمير يمنعه من القتل. ولكن في الجيش السوري هناك منشقون، وعندما نسمع أنه هناك مروحيات تطلق النار على الناس فهي تطارد افرادا متمردين من الجيش رافضين لاطلاق النار وهم يهربون إلى الحقول وتحت الشجر. ذا هناك أفرادا من الجيش يتمردون. عادة الجيوش هيئات منظمة، ومجرد ان يعلموا أن هذه المعركة لايمكن أن تُربح فسيتوقفون عن القتال، ومن هنا يأتي أهمية إلتزام المجموعة الدولية بأن تجعل الرسالة واضحة وصريحة للجيش بأننا لن نسمح لبشار بالإستمرار وبأننا مستعدون أن نتخذ الخطوات الإضافية اللازمة لنزع سلاحكم، ولا يوجد جيش يحب أن يُنزع سلاحه، وهذا شئ علينا أن نعالجه الآن.
جيروم ماكدونالد: طيب، سيكون مثيرا أن نتابع كيف ستتابع الاحداث، محي الدين قصار رئيس الجمعية السورية الأمريكية شكرا جزيلا لهذه المقابلة القيمة عن الوضع في سورية.
محي الدين قصار: شكرا.
3 comments:
السيد محيدين القصار لك جزيل الشكر ربما نلتقي يوما في سوريا حرة مسالمة ديمقراطية وعادلة
شكرا جزيلا نلتقي بإذن الله
Post a Comment