Tuesday, September 06, 2011

بعد العيد: من سوق الحميدية إلى شارع التلل ذاب الثلج وبان المرج : أزمة قطاع الملبوسات السوري


أزمة قطاع الملبوسات السوري
بعد العيد: من سوق الحميدية إلى شارع التلل ذاب الثلج وبان المرج

يُعتبر رمضان وعيد الفطر الذروة التي يصل إليها الإنفاق الإستهلاكي في قطاع التجزئة السورية،  فهو شبيه بموسم أعياد الميلاد في الإقتصاديات الغربية،  حيث يكون موسم رمضان والعيد الموسم الذي يُعدّل أرباح السنة بكاملها بالنسبة لهذا القطاع بالذات،  وما لم تكن الثقة عالية لدى المستهلك فإن كساد هذا الموسم له عواقب وخيمة على قطاع التجزئة،  وقد أوصلت سياسات وممارسات  النظام السوري الثقة بقدرته على إدارة البلاد إلى الحضيض، ويمكن أن نرى هذا من خلال الملاحظات البسيطة لإدارته الكارثية لأزمة الشرعية السياسية التي يتعرض لها.  و يعتبر قطاع الملبوسات من أهم القطاعات في الإقتصاد السوري، وتبلغ صادراته ما يقارب 50 مليارليرة سورية (5 مليار دولار) تقليديا.  
مع انهيار السوق الداخلية والحصار الخارجي على النظام تمر صناعة الألبسة بأزمة حقيقية،  تتمثل هذه الأزمة بالتدني الحاد الذي وصلت إليه نسبة العمالة والتشغيل في هذا القطاع،  فتصل عادة نسبة التشغيل أقصاها في شهر رمضان،  ولكن هذه السنة تدنت بفعل عوامل كثيرة - منها الأمنية ومنها الإقتصادية - لتصل أيام العمل لثلاثة أيام في الإسبوع عوضا عن العمل 24 ساعة يوميا المعتادة في الفترة السابقة للأعياد.  وهناك بعدان للأزمة التي تعصف بالقطاع،  البعد الأول من ناحية الطلب،  فغياب الثقة لدى المستهلك بالمستقبل القريب يؤدي إلى تأجيل الإستهلاك وهبوط الطلب الحاد على المنتجات النهائية، وهذا ما سيلاحظه الجميع عند مراجعة نتائج مبيعات موسم رمضان مقارنة مع المواسم السابقة.  كما أن أزمة الثقة لدى المستهلك بمستقبله الإقتصادي وتدهور الدخل الحقيقي يدفعه إلى الإستهلاكات البديلة والتحول إلى البضائع أقل جودة وأقل تكلفة،  فسيلاحظ الكثيرون أن الملبوسات الحديثة ستفقد زبائنها الذين سيفضلون شراء موديلات السنة الماضية عن الموديلات الحديثة،  كما أن المستهلكين سيكونون أميل لشراء النوعيات الادنى،  فبالتالي يواجه القطاع انخفاضا حقيقيا في الطلب. 
البعد الثاني يأتي من غياب ثقة المنتجين:  فمن الناحية الأولى تدخل الخيوط والمواد الأولية المستوردة بنسبة لابأس بها في تكاليف الإنتاج،  ومع الهزات التي تتعرض لها الليرة السورية وتوقعات انهيارها أمام الدولار أو اليورو،  فإذا علمنا إن النظام السوري أنفق ما يقارب 35% من احتياطي النقد الدولي خلال الأشهر الستة الماضيات باعتراف حاكم المصرف المركزي أديب ميالة في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي أواخر شهر آب؛  أدركنا أن هذا النزيف لدعم الليرة السورية لايمكن أن يستمر إلى مالا نهاية،  وأنه لابد أن تتأثر الليرة السورية عاجلا أو آجلا بسوء الإدارة والسياسة السورية.  من هنا يصبح أمام المنتجين في قطاع النسيج خيارات صعبة،  فالمواد الأولية في مخزون مستودعاتهم تتجاوز قيمتها المستقبلية (لتعويضها بمواد أولية جديدة) مقدرة بالعملة الصعبة قيمة المنتجات النهائية التي يمكن أن أن تباع - أو لاتباع - داخليا،  هذا يعني أن هناك دافع قوي لعدم استخدام هذه المواد الأولية، لأن التتوقعات بإرتفع حاد في اسعارها بسبب السياسات النقدية.   هذه الوضعية تدفع المنتجين في قطاع النسيج لتأخير الإنتاج قدر الإمكان، وبالتالي يدخل القطاع بآلية مفرغة حيث يؤدي تخفيف الإنتاج لنقص العرض ودفع الأسعار نحو الإرتفاع (الركود التضخمي Stagflation)
على المدى المتوسط والطويل سيتعرض هذا القطاع لمزيد من الإشكاليات في حال طال عمر النظام،  فالوضع يسير باتجاه ارتفاع الإسعار ونقص الطلب، مما سيدفع من جديد النظام للتدخل بعملية التسعير بعد أن حررتها إلا على ألبسة الأطفال. (انظر مقالنا: " الثورة السورية ونهاية وهم الإصلاح الاقتصادي")  وهذا سينشئ ضغوطا كبيرة على الإستثمار في هذا القطاع،  فتقلص عوائد الأرباح بسبب تحديد الدولة للأسعار وزيادة تكاليف الإنتاج سيؤدي إلى إدخال القطاع في انكماش حقيقي لن تُحمد نتائجه. 
بكل الأحوال يشعر العاملون في قطاع النسيج السوري بالأزمة الإقتصادية الحادة التي تتعرض لها البلاد، واطالة عمر النظام السوري لا تبشر بتوفر أي حل يملكه سوى مزيد من السياسات الإنغلاقية ومزيد من القوانين التضيقية على القطاع، والانكفاء نحو سياسات التدخل الإقتصادي من خلال تحديد الأسعار وقوانين الإستيراد والتصدير.  فالحلول التي بإمكانها أن تخدم هذا القطاع المهم في الإقتصاد السوري لا يملك النظام منها شروى نقير. وكلما طال الأمد بهذا النظام كلما زادت الأزمة في القطاع وتعقدت امكانيات حلها.    

2 comments:

ميسون said...

شكرا جزيل بروفيسور قصار على شرح الوضع المأساوي التي تمر بها هذه الصناعة. هل تعتقد بأن الصناعينن والتجار والعمال في هذذا القطاع يشعروا بهذه الأزمة ام أن هذه الأزمة قادمة ولم تبدا بعد.

Mohyeddin Kassar said...

أعتقد أغلب العاملين في القطاع يشعرون بهذه الأزمة ومنذ فترة، طبعا المشكلة في مجتمعاتنا عندنا الناس لها مفهوم مطاطي للزمن
ولذلك قد يشعر البعض أنها "أزمة وتعدي" ولكن هذه المرة لن تمر بسلامة.
فالنظام بدأ بفرض التعرفات الجمركية العالية على المواد المستوردة، وسيستمرتفاقم الأزمة لا تنتهي إلا بنهاية النظام