في مثل هذه الأوقات تصبح الكتابة بالاقتصاد أمر مؤلم، فلا أحد يحب أن ينقل الأخبار السيئة ولا أحد يحب أن يسمعها. ولكن حالة النكران والوهم التي يعيشها النظام السوري يجعل الكتابة حول هذه الأخبار المؤلمة ضرورة مفروضة. فقد عصفت سياسة النظام الاقتصادية والسياسية بما بقي من قطاع السياحة ذو الأثر الإيجابي عادة في سورية. وإن كانت وزيرة السياحة تعترف بأن هناك انخفاض في هذا القطاع بمعدل 25% فقط. ولكن يبدوا أنها إما جاهلة لحقيقة الأمر أو أنها تمارس ما اعتاد عليه النظام من تكرار الكذب إلى أن يصدقه الناس، فالنظام السوري يكذب حتى في النشرة الجوية ودرجات الحرارة في موسم الصيف.
فقد قمت بالاتصال بعدد من الفنادق السياحية السورية لأتأكد من الأسعار والتخفيضات التي تعلنها وزارة السياحة على صفحتها، ردة فعل الموظفين كانت أكثر إثارة من الأسعار نفسها، فأغلبهم لم يصدقوا بأنني أريد أن أحجز غرفة لمدة أسبوع، أو أنني اتصل من أمريكا. ومن صدقني لم يصدق إلا بعد أن قرأ الكاشف عنده أنني اتصل من خارج البلد. والانطباع الذي أخذته منهم ولم يقولوه: "هذا مجنون مودريان شو صاير بالبلد!". النتيجة أن الأسعار التي تعلنها صفحة وزارة السياحة صحيحة.
ولكن ما يهمنا هنا حالة الكساد التي وصل لها الاقتصاد السوري. فمثلا الغرفة (خمس نجوم) التي كانت السنة الماضية تسعيرتها 12000 ليرة سورية (250 دولار) أصبحت الآن 4000 ليرة سورية (75 دولار) ؛ يعني انخفاض الأسعار في هذا القطاع يعادل 67% بالعملة السورية أو 72% بالدولار إذا حسبنا هبوط الليرة السورية. المشكلة القائمة الآن أمام سورية أن آثار هذا القطاع على الاقتصاد الكلي آثار طويلة المدى، فمن ناحية حركة قطاع السياحة موسمية، فبالتالي على شركات هذا القطاع الانتظار في أحسن الأحوال حتى موسم السياحة القادمة على أمل أن تعوض بعض من الخسارات المحققه هذه السنة. ومن ناحية أخرى قطاع السياحة قطاع "زبائني"، ففي معمل في قطاع الصناعة مثلا يمكن تأخير طلبات زبائنه إلى أن يعاد تشغيله، أما في قطاع السياحة فتكلفة الزبون للمرة الأولى عالية جدا؛ وعندما يتوقف الزبون أو يذهب إلى مكان آخر فتحتاج استثمارات دعائية عالية من أجل أن تحضره مرة ثانية. فالزبون الذي لم يشتري بضاعة اليوم سيشتري غدا أما السائح الذي لم يأت اليوم فلن يأت غدا. وهذا سيجعل الأزمة طويلة الأثر على الاقتصاد الكلي. يمكننا أن نضيف هنا ما سيجري في قطاع الحج والعمرة. فالحركة الموسمية لهذا القطاع وقرب العهد به ينشئ ضغطا جديدا على النظام واقتصادياته، فيعتبر هذ القطاع جزء من قطاع السياحة وموسمهما الأول في شهر آب (رمضان) والثاني في شهري تشرين وكانون الأول. ولا يبدو أن النظام سيتمكن من انهاء أزمته السياسية قبل هذا الموسم.
من ناحية ثانية فقد ألغت ملايين المغتربين السوريين حجوزاتها هذا الصيف، وهؤلاء المغتربون يدخلون في العادة كمية لابأس بها من العملة الصعبة على البلد سواء بانفاقهم المباشر أو غير مباشر. كما أنهم جزء كبير من السياحة الداخلية التي تحدث في سورية، فالمغترب يزور أهله وعادة ما يزور عددا من المصايف وما شابهها من منشآة سياحية، مما يجعل الغاء حجوزات المغتربين له أثاره ايضا على قطاع السياحة. طبعا مع استمرارية المظاهرات في الخارج المعادية للنظام والمطالبه بسقوطه والمتضامنه مع أهلنا في الداخل مما يؤكد أن العلاقة بين الداخل والخارج علاقة عضوية أبدية لا يمكن أن تقطع. وفي حال استمر النظام القائم فإن هذه الملاييين الغفيرة من المغتربين ستتردد كثيرا قبل أن تعود إلى سورية في المواسم القادمة.
فإذا نستطيع أن ننظر بعين التشاؤم لمستقبل قطاع السياحة في سورية مع استمرارية النظام. وهذا القطاع لن ينقذه إلا ملايين المغتربين ولاسيما أولائك الذين غادر آبائهم سورية في الثمانينات والذين لو أتيحت لهم العودة لاستطاعوا أن يقدموا الكثير ليس على مستوى الانفاق الشخصي وتشجيع قطاع السياحي فقط بل أيضا على مستوى الاستثماري في كل القطاعات.
No comments:
Post a Comment