مع اقتراب التدخل
الأمريكي لإسقاط من "غنى السوريون" له ما يزيد عن ستين سنة أجد أنفسنا
في معضلة أخلاقية واضحة، وقد يسهل على
البعض التخلص من المعضلة بأعذار واهية، ولكننا نحتاج مراجعة حقيقية للذات لكي
نستطيع أن نستفيد من هذه المعضلة ومعرفة العوامل التي أوصلتنا لهذه المعضلة
الأخلاقية، فنحن ندفع ثمن هذه الأخطاء
اليوم، ولكن الحكيم من لا يدفع ثمنها مرتين، فنحن اليوم حالنا كقوله تعالى: " يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ {2} فما وصلنا له سببه
ظلم أكبر يوسفني أن أقول بأن حالنا كان طوال السنوات السبعين الماضيات ينطبق عليها
قوله تعالى:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ
أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {84} ثُمَّ
أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ
تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ
وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ {85}
فنحن المسلمون
أقرب الناس لينطبق علينا قوله تعالى بأننا أعطيناه ميثاقنا بإسلامنا فماذا فعلنا:
·
لا تسفكون دمائنا: وقد سفكنا دماء بعضنا، فكم منا قضى في سجوننا وكم منا وقف متفرجا لم يقم
بما وجب عليه ونحن شهود على ذلك. (وأنتم تشهدون).
·
لا تخرجوا أنفسكم من دياركم: فكم من المهجّرين والمغتربين والهاربين
والنازحين على طول القرن منا (وأنتم تشهدون).
·
تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان: هل بقي هناك
أحد لم نظاهر بعضنا على قتل بعضنا ألم
نظاهر الموارنة لقتل الفلسطينين، ثم ظاهرنا الشيعة لقتل الموارنة، وظاهرنا الإيرانية لقتل العراقية، ثم ظاهرنا
الأمريكان لقتل العراقية، وبعضنا ظاهروا العراقية لقتل الكويتية، هل أقف هنا على هذه الأمثلة، أم أستمر؟ فأنا لا
أريد أن أذكر الفرقاء الداخليين بمواقف مماثلة
·
وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ: ألم تصبح رؤية الأم لإبنها الأسير تكلف كيلو
ذهب في تدمر، ألم يسعى بعضنا لإطلاق سراح
الأسرى من حزبه فقط ويتمنى أن يلقى القبض على كل الأحزاب الأخرى.
·
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ: هل منا بداية من مشايخنا إلى سياسييينا
مرورا بمفكرينا، من لم ينتقِ آيات الكتاب
التي تبرر قعوده أو سكوته أو مخالفاته للقواعد الأخلاقية؟
الأمثلة كثيرة ويمكننا أن ندون المجلدات في
هذا. لا تبدأ باتهام الإسلام على أنه سبب
هزيمة 1967 ولا تنتهي بتبرير اعتقالات وإعدامات من قبل النظام ومن قبل غيرهم.
هذه ليست محاولة لجلد الذات ولكن لا بد أن ندرك هذا لكي نتجنب دفع ثمن هذه
السنوات الستين العجاف مرتين. فقد آن لنا أن
نتعلم أن ضلالان لا يصنعان صوابا واحدا. وأنه ما بُني على غلط فهو غلط، الكثير من نقاط
الإنحراف المفصلي في تاريخ أمتنا يمكننا ردها إلى هذه القاعدة، فباسم الوحدة العربية
سكتت سورية عن دكتاتورية عبد الناصر ومن يومها تذوق ويلات هذا السكوت. وباسم التقدم
والاشتراكية ضحت مصر باليمن فدمرتها وجعلتها يمنان في صراعها مع السعودية. والأمثلة
كثيرة لا تبدأ بحلبجة ولا تنتهي عند طرابلس الشام، فأعطني بلاء واحد في الأمة لم يكن
اصله تبنينا لقاعدة "أن ضلالان قد يصنعا صوابا واحدا"..
No comments:
Post a Comment