"الأحكام
فرع عن تصورها" كما يقول الإمام الغزالي، وطالما اهتممت بتصورات الأخرين لاستطلع
الأحكام التي سيصلون إليها، وطالما قلت بأن
أخطر ما يهدد الثورة أن ننظر إلى دولة "الثورة" على أنها إمتداد لسلطة النظام. هنا مثال صغير مبهم عن تصورات البعض إن لم يستطع
أصحابه رده لسوء الفهم بسبب الإختصار في المحضر فإننا أمام معضلة حقيقية مع هذا الفكر
المعارض.
أتى بمحضر إجتماع الهيئة السياسية
للإئتلاف ما يلي:
"موضوع القمح و القطن و الفواكه :سورية تنتج ضعفي حاجتها من الفواكه
، يجب ان نضع يدنا على موارد بلدنا واستخدامها لتحقيق الاستقلالية "
عضو ثاني يقول: "هل يوجد
إمكانية لدى الأتراك بالسماح لنا ببيع القمح بتركيا؟"
وثالث يقول "ما يتعلق
بالمعابر هناك لجنة الشرطة و المعابر و أنا أتابعها بشكل مستمر، الذهب الأبيض وهوا
القمح و الذهب الأسود هوا البترول و الذهب الأهم وهوا الإنسان"
وآخر يقول: " يوجد موافقة على بيع القمح بتركيا و
القطن و يمكن استصدار قرار بالسماح بنقل النفط ضمن الأراضي التركية بشاحنات "
السؤال المهم هنا
الكيفية: فالقمح والفواكه هو ملك اصحابه من
الفلاحين، فكيف يمكن لهم أي يكونوا مصدر إستقلالية
للإئتلاف أولأي حكومة ما؟ وكيف يمكن أن يضع
الإئتلاف "يده على مثل هذه الموارد" ذات الملكية الخاصة. وهل أهمية
المعابر في هذا الحديث لأنها ستكون مصدر "أتاوات" للمعارضة؟ هذا غيض من فيض من الأسئلة التي يطرحها هذا المثال
من مبادلات أعضاء الإئتلاف. طبعا حتى مع
تشكيل لجنة رقابة مالية من شخصين بعد نقاش طويل حول الحاجة للرقابة المالية ولكن
الرقابة المالية قضية تختلف عن حقوق الناس والحق في مصادرة انتاجهم أو الحد من
قدرتهم على بيعها في دول أخرى.
وقد يقيس البعض
قائلا بأن بعض الكتائب تفرض على الفلاحين بيع إنتاجهم لها وهم بالتالي يصدرون هذه
المنتجات، ولكن هذا العمل بحد ذاته عمل غير شرعي ولا يملك الإئتلاف الشرعية
الكافية ليقرر هذا، أما أن يفرض تعاريف
التصدير على المعابر فهذه إسمها "أتاوات" ما لم تكون صادرة عن مؤسسة
تحمل "الشرعية الشعبية" مثل "حكومة" وضمن قانون متفق عليه على
جبي الضريبة وقانون يحدد بشكل لا لبس فيه مواضع صرف هذه الجباية. أما في الوقت الحالي وضمن الشروط الموجودة
اليوم فهذه "سرقات وأتاوات" لا تمت للعمل السياسي بصلة. فأننا بأمس الحاجة لأن نضع
"قواعد الإشتباك" في ثورتنا ولثوارنا وإلا فإننا نسير نحو الهاوية وبخطوات
متسارعة.
إن الثورة لم تقم لكي تأخذ صلاحيات النظام منه وتضعها في أيدي مجموعة أخرى
تتصرف كما كان يتصرف ولو بحسن نية. حتى
النظام ـ في لحظة ما ـ كان عنده جهاز
الرقابة المالية والتفتيش الذي كان أحد مفتشيه يثير عاصفة في مكاتب الوزراء في يوم
من الأيام. أما بالنسبة لأعضاء الإئتلاف ولاسيما من لم يخرج من سورية من قبل
فعذرهم الوحيد أنهم لم يروا في حياتهم إلا ممارسة النظام للعملية السياسية
والإدارة المالية، لذلك فهم مدعوون أن
يتعلموا وبسرعة كبيرة أن مصدر الخطر هو ما درجوا عليه، وبمقدار سرعتهم في إدراك
طرق الخروج من المألوف والتفكير بطرق إبداعية جديدة بمقدار ما يخدموا ثورتهم وشعبهم.
No comments:
Post a Comment