Friday, September 30, 2011

نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"

حسين جمو : تشويه وتشهير من تيمورلنك إلى الثورة السورية الكبر
نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"
تعليقي:  وصلتني هذه المقال، وبما أن الكاتب غير دمشقي سمحت لنفسي بأن اعجب ببعض طروحاته فيها. فأنا الدمشقي يصعب علي كالكثيرين من أهل دمشق أن يكتبوا مثل هذا،  بل أنني رغم معيشتي في دمشق لم أكن أحمل الوعي بالواقع الذي يتحدث عنه الإستاذ حسين جمو. فهل كنت من السذاجة بأنه فاتني هذا الواقع أم أن الأستاذ حسن يبالغ به؟   وأحببت أن أضعها على مدونتي لكي لا أنساها.  شكرا أخي حسين 



حسين جمو : تشويه وتشهير من تيمورلنك إلى الثورة السورية الكبر
نحن الذين تآمرنا على دمشق ودخلناها مثل"غزاة"


"سأدرس في الشام". كان قراري قاطعاً بعد صدور نتائج الثانوية العامة في صيف 2001. انقسمت الأسرة تجاهه إلى موالين ومعارضين، وفي معسكر الموالاة كنتُ وحيداً.

استعانت العائلة بحلفاء مهمتهم الاستهزاء بالصحافة التي لا مكان لدراستها إلا في جامعة دمشق، إلا أن هؤلاء بدأوا الحديث أيضاً عن دمشق. ويصح القول إنه لم يكن كلاماً اعتباطياً، بل نظرة تاريخية ممتدة تتغذي من التنافس التجاري بين حلب ودمشق.
"الشامي بيضيعك.. مثلاً لو سألته وين صايرة الجامعة، رح يدلك على طريق غلط... والله انا برأيي ما في أحسن من حلب.. عنا جامعة هون.. أدرس حقوق.. خيّو.. ليش تتغرب عن أهلك وبيتك.. حدا بيكون من حلب وبيروح عالشام... غريبة شغلتك لك خاي...".


تيمورلنك في دمشق

كان هذا ملخص "مهذّب" أحتفظ به في ذاكرتي لبعض ما قيل عن دمشق قبل أن أقيم فيها، ولن أفصّل في أمور أخرى غير مهذّبة سمعتها كثيراً وتتعلق بتيمورلنك. لا داعي لإخفاء ذلك الآن، فهذه التفصيلة المخزية هي اكثر ما يشيعه "المتآمرون الكارهون" عن دمشق. ندرك متأخراً أنّ أحد الأركان التي كانت تضمن بقاء النظام هو خلق مثل هذه الحالة تجاه دمشق تحديداً.

إنها مؤامرة اشتركت فيها كل المدن، يضاف إلى هؤلاء أيضاً الوافدون إلى العاصمة من شتى أنحاء سوريا. شيء كان أشبه بنهج رسمي اتخذته تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، والتي لا تزال تتردد حتى اليوم: "عرب بيس مللت" أي أن العرب قوم خائن أو سيئ. وفي صيغتها السورية، وصلتنا العناوين العريضة المتداولة من قبيل: "دمشق تفتح أبوابها للأقوى دائماً، ولا تقاوم الغزو الخارجي". صدقتُ ذلك ورددته رغم قراءتي للتاريخ الذي لم يذكر أو يشر بالصيغة التي كان يتم تداولها. أو"يعتقدون أنهم راقيين جداً ويترفعون عن مخالطة أبناء باقي المدن اجتماعياً". استهجنت ذلك رغم أن من تقاليد عشيرتي في القرية عدم تزويج أي فتاة لمن ينتمي لعشيرة أخرى داخل القرية ذاتها وعدم السماح للغريب بالاقامة، متجاوزين بذلك القانون. ونسمع أحياناً ما هو أمرّ وأدهى حينما تتوجه أصابع الاتهام إلى "الشوام" في جوانب من "التآمر" على الثورة السورية الكبرى أيام الانتداب الفرنسي، والذي دشّن هذه النظرة هو أكرم الحوراني الذي دأب على اتهام الكتلة الوطنية بخذلان الشعب في الاضرابات والاحتجاجات أيام الانتداب.وأضافت إليها الأقليات نكهتها الخاصة أيضاً. رددنا ذلك، نحن الذين ما زلنا نجهل الأسباب الحقيقية "الميدانية" التي كانت وراء هذه الثورة "الكبرى" التي فشلت فشلاً ذريعاً بينما نردد انتصاراتها إلى الآن.


وطني العاري

هكذا كانت الغلّة التي نزلت بها إلى الشام للدراسة. الاقامة في المدينة الجامعية هي شرط قدرة الطلبة من أبناء المحافظات الأخرى على الاستمرار. هناك تعرفنا على سوريا للمرة الأولى عارية، لا تسترها أي أقمشة. بدأت تتكون صداقات تستند في جذرها إلى قاعدة "كلنا لا ننتمي إلى هنا". أصبح الكشف عن الهوية الطائفية والقومية والمناطقية للشلّة الطلابية أمراً اعتيادياً، بل ومطلوباً. فعندما يقول أحدهم أن اسمه فادي، من حمص، نسأله بدون حرج: علوي أم سني أم مسيحي؟. ثم يعقبه الادعاء من الطلبة المحسوبين على الأقليات بأننا جميعاً "علمانيون".


لكم شامُكُم!

في السنتين الأولى والثانية، يبدأ الفرز الطائفي والمناطقي بالظهور أكثر فأكثر، يقل عدد الأصدقاء "الحقيقيين" من طوائف مختلفة. عندما يتشاجر علوي وكردي يستنفر مئات الطلبة من الجانبين، وكذا الأمر مع التجمعات الطائفية الأخرى يضاف إليهم الحوارنة (أهل درعا) والديرية (أهل دير الزور) اللذان يتعاملان من حيث الفكر الجمعي بعقلية طائفة أو حتى قومية.

يكتشف هؤلاء بعضهم البعض، يتناقشون، يتعاركون، يرقصون، يتوحدون حول كأس المتّة، لكن شيئاً واحداً يغيب عنهم: يتصرفون وكأنه ليست هناك من دمشق. دمشق هي الأماكن التي يعرفونها فقط، هي الشيخ سعد والمزة (86 والجبل والأوتوستراد) والبرامكة وجرمانا وزورآفا (وادي المشاريع). أهمية هذه المناطق تأتي من كونها الأساس الذي يجعل من مقولة "لكم شامكم ولنا شامنا" ممكنة التحقق بسهولة.


نزوح منظّم

بعد أن يبدأ الطالب الجامعي بالنزوح عن المدينة الجامعية، يختار غالباً واحدة من المناطق السابقة، وإن لم يكن التوزيع التالي دقيقاً بكل الأحوال، إلا أنه في العموم صحيحة ، فالكردي والعلوي يقيمان في حي واحد بشكل مختلط في مزة 86 (خزان ومدرسة) - ويردد كل من الكردي والعلوي أنهما الأقرب إلى بعضهما البعض في سوريا - ، بينما تقتصر ركن الدين وزورآفا (وادي المشاريع) على الأكراد الوافدين من منطقة الجزيرة مثلما تنحصر الاقامة في مساكن الحرس بالعلويين فقط. بينما يتوجه الدروز إلى جرمانا وصحنايا، والمسيحيون إلى الدويلعة وجرمانا. في هذه المناطق المذكورة تقيم جحافل بشرية من حيث الكم، يتوحد فيها الجامعي مع العامل مع الموظف، والأعزب مع المتزوج، تجمعهم الثقافة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي المتوسط المتدني غالباً. لكن الصورة ليست بهذه الحدة من الفرز الطائفي، حيث هناك حتى حالات زواج تتجاوز الطوائف، إلا ان المقصود دائما هنا هو رصد المزاج العام السائد، والذي يكون غالباً ذا طابع شعبي وطبيعي أيضاً، إذ ليس من الغريب أن تقيم الأقليات في أحيائها، لكن النقطة الأساسية هو توافق عام على النظر بازدراء إلى الدمشقيين وإلى تاريخ دمشق.

لا بد أن نراقب خارطة التظاهرات اليومية في العاصمة حتى نفهم شيئاً عن التركيبة الاجتماعية التي تتحرك. الشام الحقيقية تنتفض عن بكرة أبيها، جوبر، الميدان، حي الأكراد، برزة، القابون، وصولاً إلى الريف الذي يحيط بدمشق كزنّار حريري. وهنا يمكن تسجيل استثناء في أحياء القدم والحجر الأسود وتجمعات نازحي الجولان الأخرى. هذه المناطق شعلة حقيقية للانتفاضة، يهابها الأمن رغم انه يقتل شبابها. نازحو الجولان هم الجزء الآخر من المسكوت عنه في العلاقات بين مكونات الشعب السوري.
في جلسات المتآمرين على دمشق، كان اتهام دمشق وأهلها من التجّار بالتحالف مع السلطة البعثية غير قابل للجدل. وصل بهم الانفصام إلى هذا الحد. إنه أقرب إلى مشهد سوريالي، يتهم فيه المتفرجون شخصاً على منصة الإعدام بالتحالف مع السيّاف الذي يتهيأ لقطع رأس المتّهم.


أين هي دمشق؟

كان يراودنا شعور بأننا جزء حقيقي من دمشق، لنا أحياؤنا الخاصة، ولسنا أقلية فيها. عندما يداهمنا تصور خيالي بالخطر من الأغلبية، التي نتخيل أنها سنّية (طائفياً) وأكثر عروبية (قومياً)، نتوحد ويزول الخوف. لكن لمَ لمْ يتملك معظم الوافدين إلى العاصمة رغبة في اكتشافها؟. الوافد لا يعرفها، بل يضيع فيها بسهولة لو أنه قرر الخروج إلى أبعد من "شامِهِ" رغم مرور سنوات على مغادرته مدينته وقريته إلى العاصمة. لم يتملك الفضول أحداً منا في التعرف إلى شخص "شامي"، كنا ننفر منهم بطريقة غير مفهومة، ولم نسأل ولو مرة واحدة: ما الذي فعله الشامي والشام حتى يستحقا منا كل هذه النزعة الانتقامية؟.


طلائع الحرس الجمهوري

في المقابل، لم يحاول الدمشقيون الاحتكاك بوسط الوافدين "الغرباء" أيضاً، ولهم أسبابهم، أوضحها هو ما وصلت إليه العاصمة من انحطاط عمراني في الأطراف وانتشار العشوائيات بدون قيود. والتوزيع المجحف للوظائف الحكومية على أبناء أقارب الرئيس في الطائفة. وبدا كل وافد جزءاً من السلطة السياسية الأمنية القائمة. صباح كل يوم، يستيقظ الدمشقي ويرى أمامه طلائع قطعات الحرس الجمهوري على قمة جبل قاسيون. هذا الشامي المنتفض اليوم، مع قلّة ممن هم بخلافه، أدرك منذ زمن طويل أن هذه القوات إنما جاءت لتراقب تحركه وتقصف مدينته لو عصت أوامر "السلطان".


غزاة منتصرون

تآمرنا على دمشق وريفها بما فيه الكفاية، نزلنا إليها كغرباء نحلم بالعودة، ثم أعلنّا من هناك أن "الشام لنا" ولن نخرج منها طالما هناك روح تنبض فينا، مثلنا في ذلك مثل الحرس الجمهوري على قاسيون. وغضضنا الطرف عن تدميرها أيضاً تحت مسميات مختلفة. قررنا نسيان مدننا وقرانا، وتعاملنا مع الشام بعقلية الغزاة المنتصرين.. نحن المنهزمين في كل قضايانا، جئنا نلفّق انتماءنا إلى دمشق. لكن، دائما كان الهاجس الحتمي موجوداً في أعيننا نحن المتآمرين :"الشام ليست عاصمة بلا سكّان، وهي تعرفنا فردا فردا". كان صوت آخر يشوش على التأنيب الذي يعترينا :"أحببناها بجنون لكن أيضاً بتملك وإقصاء لأهلها، مع ذلك، لو ترك لأمر لنا، لنفيناهم أجمعين". هكذا، ساهمنا في إطالة عمر "الاحتلال الخفي" للمدينة طيلة خمسة عقود منذ تسلم البعث للسلطة في انقلاب عام 1963. هل هناك غرابة أو إشارة تعجب إذن في دفع السلطة سكان المناطق الشرقية والغربية إلى الهجرة لدمشق؟. أليست سياسة مربحة للدكتاتورية؟.


خسارة أبدية

أستعيد اليوم هذا الشريط من الذاكرة بينما يزاحم مشهد آخر اكتشفت فيما بعد أنه لم يكن عبثياً ، بل كان ذا معنى استغرقني سنوات لأعيَه. لم أعانق أياً من أفراد عائلتي في أول فراق لي عنها عام 2001 مذ وعيت هذه الدنيا، وهو ما دفع بأمي إلى وصفي بـ"قليل الأدب". أردت القول لهم إن دمشق ليست بعيدة، وما أفعله ليس هجرة، بل رحلة مؤقتة للدراسة والعودة إلى المنزل نهاية كل أسبوع. شعورهم أني أصبحت متغرباً كان مؤذياً. في المقابل، توحدت العائلة خلف جملة قالتها أمي ببكاء في موكب جنائزي كان يتحرك خلفي: "لقد خسرناه إلى الأبد.. الشام ستسرقه منا".

أمي العزيزة، لترقد روحك بسلام، الشام تُسحِر ولا تَسرِق أحداً. وهي اليوم تسترد مقتنياتها المسلوبة. دمشق ليست لي أو لقطّاع الطرق.. إنها لكل من لا يتآمر عليها. نحن أبناء الريف السوري (منها السلطة) أثبتنا تاريخياً عدم أهليتنا في حبّها. ولن ندع عقلية قروية تدمّرها من جديد.

المستقبل - الاحد 25 أيلول 2011 - العدد 4125 - نوافذ - صفحة 9

Sunday, September 25, 2011

للثورة جدليتها الخاصة وليس بوسع الساسة إدراكها


يبدو لبعض المحسوبين على المعارضة أن أطفال سورية ونسائها وشبابها استشهدوا لأنه لم يكن يعجبهم رئيس الوزارة والتشكيلة في مجلس الشعب.  ويبدو أنه على الثورة أن تعري هؤلاء "السياسيين"  بشكل واضح وصريح،  فأنصاف الحلول غير مقبولة وخيانة لدماء شهداءنا الأبرار.  إن هؤلاء بحيلة  "أن استمرار الثورة سيؤدي إلى التدخل الأجنبي" يلقي لهم النظام بعظمة يتلهون بها واسمها "انصاف الحلول".  فهم ان استمروا فيما هم عليه فسيجدون أنفسهم يبحثون عن حل يوصل بالبلاد إلى حالة شبيهة بحالة مصر في التسعينات.  بحيث يبق بشار يملك مؤسسة الرئاسة ويترك رئاسة الوزراء ملعبا للمتملقين من المعارضة وصراع البعث معها.  هل ترون خيانة للثورة مثل هذه الخيانة!  
 مما هو مؤكد ان للثورة جدليتها الخاصة وعلى ما يبدو أن الكثير من بقايا السياسيين السوريين ليس بوسعهم إدراكها

Wednesday, September 21, 2011

نحتاج لثوريين لا لسياسيين


المشكلة الرئيسية أن الثورة تعلو على السياسة، ولكن في الحالة السورية عوضا عن ان يتمسح السياسيين بالثوار ويطلبوا رضاهم، يقوم الثوار بطلب رضى السياسيين. نعم قد تبدو قيادات الثورة في الداخل متفرقة للعيان، لأن عملية القيادة تحتاج لنضج ولا تنتج بيوم وليلة، ولكن الهرب إلى الأمام عن طريق نقل المشكلة وتعليقها على "تأسيس مجلس وطني في الخارج" ، لا يفيد المقاربة الصحيحة بأن نعمل على تطوير هذه القدرات الداخلية، أما ممثليهم في الخارج فهم يجب أن يكونوا من التنفيذيين أكثر منهم سياسيين وهؤلاء التنفيذيين يصبحوا صلة الوصل بينهم وبين المعارضة المغتربة.

Tuesday, September 20, 2011

ما الذي تحتاجه الثورة من العالم الخارجي:



يشعر البعض أن هناك حاجة لإنشاء المجلس الإنتقالي،  وكأن إنشاء هذا المجلس سيضع نهاية لمتاعب الثورة،  وما اعتقده أن اجتماع 300 سياسي في غرفة واحدة في المرحلة الحالية لن يؤدي إلا لمزيد من الإختلافات،  ولو صدر عن اتفاقهم مجلس إنتقالي وتمكن من الإجتماع يوما من الايام فإنه لابد من أن يشكل لجنة أو هيئة رئاسية أو أمانة عامة يتم تشكيل أعضائها من خلال التجاذب الحزبي والإنتمائات المختلفة التي ستصيب اللجنة عاجلا أو آجلا بالشلل، أو تعيد آلية القرار السياسي لدكتاتورية الفرد.  بكل الأحوال هل يستطيع أحدٌ أن يتخيل لجنة فيها (السيد فلان، والسيد علان، وابن فلان وخال علان والدكتور زيد، والدكتورعبيد) وقادرة على العمل بشكل فعال وبسلاسة؟  أترك للأخوة ملأ الأسماء مختارة من واجهة العمل السياسي في الخارج اليوم. وكلامنا هذا لا ينقص من قدر أحد ولكن أن تجمع المختلفين في مكان واحد لا يعني اتفاقهم.  فهو من باب طلب الكمال في النقص.  
فالطبقة السياسية السورية تتعامل مع قضية "المجلس الإنتقالي" على أنها تقاسم للمناصب السياسية،  وهذا أمر طبيعي إذ انه نابع من الممارسة السياسية اتي يعرفونها،  فهم لا يعرفون الممارسة الثورية والثورة تحتاج غير هذه الممارسات.  ولا أعتقد ان هناك آلية يمكنها أن تغير هذا الأمر قبل الوصول إلى الشرعية الحقيقية وإلى صندوق الإقتراعات.  فالممارسة الثورية ترتبط  بالعلاقة مع الشارع الحقيقية ومرجعيتها تكمن في القدرة على امتلاك قدم صدق في الشارع السوري، والسياسييون وإن تم تلميع بعضهم بالإعلام، لا ينظرون إلى الديمقراطية على أنها الهدف النهائي، بل الوسيلة للوصول.  ومازال هناك لدى الكثير من السياسيين من يفقد قدم الصدق لدى الشارع السوري وقد يشك بعضهم في أن العملية الديمقراطية قد تُعري طروحاتها الفكرية والسياسية.  لذلك نراهم في هرولة مستمرة لصف أوراق اللعب قبل ان تعود إلى الشارع السوري.  ولا أعتقد بأنهم سيتوصلون إلى توافق في القريب العاجل.  هذا لا يعني أنهم سيئين،  ولكن لا بد أن يجتازوا في الثورة بعض المراحل ليتمكنوا من بعض النضج الثوري.  ونحن لا نريد أن نستبعدهم من العمل السياسي هنا،  ولكن نحتاج أن ننجز المهمات الضرورية للثورة دون أن نضطر لإنتظارهم إلى أن يتفقوا. 
إن أهداف الثورة اليوم سهلة ممتنعة لا تحمل التعقيد ولا تجيز الخلاف:
أولا:  إسقاط النظام.
ثانيا:  حماية الثورة من خلال الإشراف على انتخابات حرة وشريفة لصيغة ما لـبرلمان انتقالي يقود خلال المرحلة الإنتقالية. 
لذلك أقترح بأن ننطلق من المهمات (التنفيذية) التي تريد الثورة تنفيذها، بعدها وتبعا لهذه المهمات المطلوبة يتشكل الهيكلية  المناسبة لتنفيذ هذه المهمات. 

Saturday, September 17, 2011

من الوحي الحقيقي للثورة:



هذه القصة وصلتني ولم أجد بدا من إضافتها لمدونتي أضعها كما أتتني: 

كنت جالساً في أحد المحلّات في دوما... عند صديقِ لي... فإذا برجل في العقد الثالث من عمره يدخل المحل متوجها لصاحبه بالسؤال، حيث بدا أنه يعرفه من قبل: "ادّيش حقو الغرض يلي أخدتو منك مبارح أبو فلان؟" فاجابه البائع: "150 ليرة" فردّ عليه الرجل : "ممكن تستنّى عليّ للأسبوع القادم بحاسبك فيه" فردّ عليه البائع بالموافقة...
خرج الرجل فسألتُ صاحب المحل.. من هذا؟... قال لي: "هذا فلان من العائلة الفلانية... يعمل نجّار باطون.. واوضاعو على قدو".. خرجتُ مباشرة وراءه لأعطيه ما هو متوفّر لديّ في جيبي علّني أُساعده... فرجلٌ لا يملك 150 ليرة ماذا سيكون حاله؟!
تبعته ورأيتُه دخل إلى بقالية في نفس الشارع.. دخلت وراءه فرأيت يطلب: "علبة سمنة.. رز... معكرونة.." فتعجّبتُ منه.. لا يملك 150 ليرة.. وأتى لشراء كل هذه
الحاجيّات.. فلم أتمالك نفسي إلا أن أسأله ممازحاً: "شو عم تتبضّع معلم" فنظر إليّ وعرف أنني الشاب الذي رآه في المحل منذ قليل... فأجابني: "اي والله... بس مو إلي... جارنا مبارح أخدوه من بيتو.. لازم آخد لمرتو وولادو شي ياكلو.. لأنو أوضاعو على قدو"... صعقني وبقيت أنظر إليه عشرُ ثوانٍ دون أن أُجيب... وأحسستها دهراُ كاملاُ... هو حالو على قدو!! وأنت شو؟! لا تملك 150 ليرة!... يالله... ما هذا الشّعب العظيم.. كيف يمكنُ لمن يحكم هذا الشعب أن يعامله بهذه الطريقة والوحشية... ودارت في ذهني ألف فكرة وفكرة.. وجالت في عيني ألف دمعة ودمعة... قبل أن أجمع من الأغراض مثل ما جمع وأقول له: "هدول الك.. وهدول لجارك... روح الله ييسرلك عمّي ويجزيك الخير.. حسابهم عليّ.. الناس لبعضها"... خرجتُ وقد ملأ الخشوع جوارحي لعظمة الموقف.
لن تُهزمي يا شام... رغم الأسى والألم والمعاناة ما دام هكذا شبابك ورجالك... فهذا الحراك قد أخرج أفضل ما عند النّاس فلا تبتئسي.. إنّنا نسير في الاتّجاه الصحيح... وعزة الله ستنُنصرين

لقد سميت مدونتي من وحي الثورة.  إن لم تكن هذه القصة وحيا من الثورة فلا أعرف ماتكون الثورة.  فالمفكرون يعتبرون أن هناك علاقة بين سلوك الإنسان والبيئة فكلما زادت صعبات البيئة كلما ساء السلوك،  ولكننا في حالة الثورة نرى أن الصعوبات تخرج أفضل ما عند السوريين
وأنا أتمنى أن تصل روح الثورة هذه لجالياتنا في مغترباتها فقد أقطعنا مسافة طويلة لنصل إلى آليات الصدقة على الطريقة الأمريكية حيث تحتاج أن تقدم للمتبرع طبقا ب 75 دولارا ليتبرع بـ 100 دولار.  هل أحتاج أن أتكلم عن طرقنا في الصدقات أكثر من هذا،  ولو تكلمت طال الحديث.

Wednesday, September 14, 2011

وجه الأسد: الدموي والسيئ والقبيح:


(هذا المقال نشر بالأنجليزية يوم السبت ولاقى قبولا حسنا، وقد استجابت وزارة الخارجية الأمريكية لهذه المأساة وأصدرت يوم الأحد بيانا يدين هذه الجريمة بحق غياث مطر واعتقال يحيى شربجي.)  
مع الشكر الجزيل للمترجمة العزيزة


لقد خسرت البشرية اليوم. فقد ألقي القبض على غياث مطر قبل ثلاثة ايام في داريا. وسلم جثمان غياث الى اسرته اليوم.  ولكنه بدون حنجرة. ليس فرض عليك ان تتعرف يحيى وغياث.   ولكن معرفتهما أو حتى السماع عنهما سيجعلك إنسانا أفضل.  ففي مجتمع يسيطر عليه العنف من النظام وقمعه، أن تكون من دعاة السلام (اللاعنف) ليس شيئا يمكن أن يأت بسهولة.  فما أن تتعرف عليهم وتعرف من أين جاءوا ، ينهض في ذهنك سؤال واحد، "كيف يمكن أن تكون من دعاة اللاعنف في مثل هذه البيئة العنيفة."  يحيى ولد في 21 يناير 1979. حصل على نصيبه من السجن السياسي. وكان همه الأول الحفاظ على الثورة السلمية. لقد كان غياث ويحيى يرددان: "لإن أكون قتيلا وأفضل من أكون قاتلا" ، وقد كانت حنجرة غياث وحباله الصوتية سلاحه الوحيد.  فهل كان هذا السب الذي جعل قوات الأسد تفصل حنجرته وتعيدها لوحدها.  وعندما تساءل أحد أفراد العائلة حول هذا الموضوع قال الضابط للأسرة المفجوعة في لهجة ساخرة ، "اعملو منها شاورما".
قد تعتقدون أن هذا الأمر من قصص الخيال أو لا يصدق! ثمة مثلا عربيا يقول "إن لم تستح فافعل ماشئت"  عندما نتحدث عن الأكاذيب التي يروجها النظام السوري ، يتصور أصدقائنا الأمريكيين أن النظام السوري يقوم بتشويه للواقع بنفس الطريقة التي تفعل بعض السياسيين هنا . يفكرون بوسائل الاعلام الذي يمزج بين القصة مع بعض الأكاذيب لجعلها أكثر إثارة أو قول نصف الحقيقة ، الخ...
ولكن للأسف ليس هذا هو حال النظام السوري ووسائل اعلامه. قناة الدنيا الفضائية هي واحدة من وسائل الاعلام في النظام. في الأسبوع الماضي ، بثت الدنيا تقريرا لم استطع تصديقة لو أنني لم أره بعيني. تتتهم الدنيا في تقريرها قناة الجزيرة بتزييف كل حوادث الثورة السورية.   وتأتي بخبر مفاده أن الجزيرة قامت ببناء استوديوهات ضخمة مع مساعدة من منتجي الأفلام الأميركية والأوروبية. وفيها يتم تقليد الساحات والشوارع في المدن السورية مثل دمشق ، درعا ، حماة ، حمص ، الخ... فتقوم قناة الجزيرة ، بحسب وسائل الاعلام للنظام السوري ، وتستخدم هذه الاستوديوهات لتصوير المظاهرات والمسيرات الوهمية ضد النظام السوري. وبالتالي ، وطبقا لرواية الدنيا كل ما شهدناه منذ 15 مارس ليست إلا مؤامرة من الجزيرة.
في هذا الاسبوع انتشر شريط فيديو تم تصويره من قبل مجهول في سورية ، وزعت على نطاق واسع على اانترنت واليوتوب، ونشرته القنوات الإخبارية الرئيسية ، يظهر الشريط مجموعة من الجنود السوريين يحيطون بجريح من المدنيين على الأرض ويقومون بإفراغ مسدساتهم في جسده الذي يرتعش. لم تخرج علينا بعد وسائل إعلام النظام بروايتها حول هذا  حتى الآن.  قبل عدة أشهر ، ظهر شريط فيديو يصور جنود سوريين يدوس على ظهور  عدد من المدنيين وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم ويركلونهم.  تم بث الشريط على التلفزيون الألماني.  فقامت عندها السفارة السورية بتنظيم حملة ضد التلفزيون واجبرها على الاعتذار.  وكانت رواية النظام أن الشريط مصور منذ فترة طويلة في العراق والجنود كانوا ميليشيات كردية. اعتذر التلفزيون وقتها إلى السفارة. وبعد بعض الوقت خرج مرة أخرى شريط مع واحد من المدنيين الذين كانوا يتعرضوا للتعذيب في الشريط الأول. شريط فيديو يظهر الشاب معلنا انه هو السورية ويبين هويته. ويؤكد ما ورد في أول شريط فيديو.  ويثبت ان النظام يكذب في كل الوقت. 
وقائمة الأمثلة من الحرب على الحقيقة في وسائل اعلام النظام السوري لا تتوقف أبدا. فوسائل اعلام للنظام كما هي ممارسات جيشه لا تحترم أي حدود وليس لها اي علاقة مع الأخلاق أو مصداقية. وعندما أسمع أو أقرأ هنا عن بعض المثقفين ذوي العلاقة بالنظام يحاولوا إمساك العصا من المنتصف تحت ذريعة التوازن، اشعر بالغثيان. لا يمكن للمرء أن ينظر بأي طريقة مفهومة جرائم الاسد باعتبارها قضية سياسية. أولئك الذين يحاولون تأطير جرائم النظام السوري كقضية سياسية فهم شركاء في جرائم الأسد،  مثلهم مثل أي شخص في قوات الامن التابعة له. فهم كمن يعتقد أن جرائم جيفري داهمر يخضع للنقاش السياسي (داهمر: مجرم قتل 17 مراهقا وأكلهم في ميلووكي ، ويسكونسن ، في أوائل التسعسنات).
إن اغتيال غياث لم يبدأ قبل ثلاثة ايام. لم يقتل على يد واحدة. فدمه على يد جميع المشاركين بصمتهم. أعتقد عندما قال مارتن لوثر كنغ الابن: "في النهاية ، سوف نتذكر ليس كلمات أعدائنا ، ولكن صمت أصدقائنا." لم يكن يتصور أنه سيقف في يوم من الأيام يمسك باب الجنة ليفتحه لغياث مطر وأصدقائه.

Thursday, September 08, 2011

ترجمة مقابلة مع الراديو الوطني الأمريكي حول الثورة السورية بتاريخ 7 إيلول 2011


مع شكري الجزيل للأخت العزيزة التي جهدت بترجمة هذه المقابلة للغة العربية - محي الدين قصار -

جيروم ماكدونالد: مع دخول الإحتجاجات في سورية شهرها السادس، تبخر الدعم الدولي لبشار الأسد، حتى من كان من حلفاءه الأقوياء يوما من الأيام أصبح يدعوه الآن لايقاف العنف الذي حصد 2200 حياة منذ آذار،  ورغم أن أسد لا يعتزم أن يرحل بهدوء التحضيرات لسقوطه المحتوم قائمة على قدم وساق،  فهناك عدد من المجالس الإنتقالية التي ظهرت حديثا بإجتماعات منتشرة بين باريس، والقاهرة واستنبول.  ولكن تعارض الإهتمامات و صعوبة التواصل الآمن بين الداخل والمعارضة خارج سورية تضيف إلى تعقيدات انشاء قيادة موحدة.  معي هنا محي الدين قصار من مدينة شيكاغو وهو منخرط في عملية تأمين انتقال سلس إلى سورية حرية وديمقراطية،  محي الدين قصار، هو رئيس الجمعية السورية الأمريكية.  شكرا محي الدين على قدومك.
محي الدين قصار:  شكرا لكم على دعوتكم. 
جيروم ماكدونالد:  هل تستطيع أن تصف لنا كيف تبدو محاولات تجميع الجاليات السورية والمعارضة السورية لإنشاء شئ موحد؟   
محي الدين قصار:  هذه مهمة صعبة حقيقة،  والسبب الأصلي لهذه المشكلة أن السوريين لم يتحاوروا خلال السنوات الخمسين الماضيات.  سورية معروفة بأنها "مملكة الصمت"  فلا أحد يتكلم، ولا أحد يحاور الآخر.  وفجأة لدينا ثورة رائعة حيث آلاف وآلاف من الشباب الذين لم يسبق لهم الإنخراط بحراك سيساسي يهبطون إلى الشارع ويعلنوها بأنه "هذا يكفي".  والآن المعارضة وتكتلاتها يحاولون أن يلحقوا بالشارع ومستواه. ومن هنا تأتي الصعوبات.  
جيروم ماكدونالد:  هل هناك مشكلة في انشاء الثقة بالآخرين؟ أنا أتخيل أن المعارضة في داخل سورية تشعر بأنها في وضعية معينة، والناس خارج سورية لا يدركون هذه الوضعية أيضا؟ 
محي الدين قصار:  هذا صحيح.  الثقة تلعب دور في هذه القضية.  ولكن هناك أيضا قضية غياب الخبرة.  هناك نقص في الخبرات كيف تُبنى التحالفات سياسية، ونقص في الخبرة كيف تنظيم العمل بين الخارج والداخل.  نحتاج أن تذكر أن المعارضة الحقيقية للنظام السوري غادرت البلاد في الستينات والسبعينات وقدر كبير منهم في الثمانينات.  فهم غادروا البلاد ليعيشوا حياة سياسية ساكنة،  أو بأقل النشاطات السياسية الممكنة.  ففقدوا نوعا ما موقع قدمهم في داخل سورية.  والجيل الجديد الذي يصنع الثورة اليوم ليس على صلة وثيقة معهم.  أما الجيل الجديد (في الداخل) فتنقصه الخبرة السياسية اللازمة لإدارة أنفسهم،  فهناك حاجة لكل منهم، فهذه الإجتماعات التي تعقد في استنبول تركيا وفي القاهرة وفي باريس وبالأمس في الدوحة ليست إلا تمارين على التواصل مع بعضنا البعض.  فهذه هي المشكلة.  ولكنني متفائل جدا الآن لأننا قطعنا شوطا كبيرا في التواصل فيما بيننا.     
جيروم ماكدونالد:   إذا كيف كانت مقاربتكم في الجمعية السورية الامريكية؟  كيف تأتي للمجموعات السورية الأخرى وتقول: حسنا نحن مؤسسة من شيكاغو ونريد أن نوحد الجميع؟
محي الدين قصار:  حسنا، لقد أنشأنا ما يسمى لجنة التنسيق السورية.  هناك عشر مؤسسات تمتد من بوسطن لكاليفورنيا  وقلنا أننا نريد ان نتعاون على العمل لا على الأفكار.  فإذا أنت يساري أو يميني فالأفكار السياسية لا تهمنا نريد أن نتساعد حول المشاريع لا حول الأفكار، وعندما تعمل مع الآخرين في مشروع معين فأنت تتعلم الكثير عن الآخر.  فعوضا عن الجلوس في غرفة صغيرة ومناقشة أفكار فقط،  فالأفكار ولاسيما في السياسة تنتهي بالخلاف.  ولكن العمل ينجز انتاجا أفضل. 
جيروم ماكدونالد:  أعطني مثالا عن مشروع تعتقد أن المعرضة انجزته،  كيف يمكن أن تفاوض هذا؟ إذ تبدو أن هذه المشاريع صعبة الإنجاز؟
محي الدين قصار:  هناك مستويان،  الأول حول المعارضة كمعارضة في سورية، والمعارضة على الصعيد الدولي. فالتحدي الحقيقي الآن بين أيديهم هو توحيد أنفسهم.  على الصعيد الدولي: فقد نجحت المعارضة في التواصل مع الإدارة الأمريكية وهيئات الأمم المتحدة ؛ وأنهم زاروا روسيا وحاولوا اقناعهم – ودورهم كبير في الأمم المتحدة – بانه لا يمكنهم أن يقفوا متفرجون على السوريين يموتون دون اتخاذ موقف قوي.  والروس ببطئ بدؤا بتقارب موقفهم مع الموقف الأمريكي.  أعتقد هذا انجاز جيد للمعارضة السورية. 
جيروم ماكدونالد:  هل أرسلت المعارضة أناسا إلى روسيا. 
محي الدين قصار:  أعتقد هناك فريقان زارا الإدارة الروسية ونتج عن هذه الإجتماعت خطوات متقدمة من الجانب الروسي،  قد لا تكون بالرضى التي كنا نأمله ولكنه تطور بالإتجاه الصحيح. 
جيروم ماكدونالد:  كيف التواصل والإتصال مع الناس في سورية؟  فهذه العملية تبدو معقدة حقا؟
محي الدين قصار:  نعم إنها معقدة،  فالنظام يقوم بما عليه من مهمات وهو مجيدا لها. فهو دوما ينجح في اختراق المجموعات داخل سورية، ليس فقط على مستوى الشارع بل حتى على مستوى القيادة السياسية.  فهم دوما يدفعون لجدول أعمال جديد أوحلول نصفية تختطف الثورة،  وتطرح حلولا لا تتضمن إنهاء النظام الآن،  أحد هذه الحلول اليوم فيها اقامة مجلس وطني يؤخر ذهاب الرئيس،  فهو يبقي الرئيس في الحكم حتى إشعار آخر،  وأقول هذا لأنه يبقى حتى 2014، وهذا يعني أنه يبقى إلى ما شاء الله، فقد لدغنا من هذا الجحر من قبل.  هذه الطروحات تعكس اختراقات على مستوى القيادة.  على مستوى الشارع هناك مشكلة التواصل بين المجموعات، فهناك قتل مستهدف واعتقال مستهدف،  ولاسيما في الاعتقال المستهدف ينجحوا في اعتقال كل أفراد المجموعة،  وإذا كانت المجموعات متصلة فبالتالي يصبح كل المجموعات مهددة إذا اعتقل فرد من مجموعة واحدة.

جيروم ماكدونالد:  طيب، كنت أقرأ مقال أنطوان شديد هذا الأحد حول أعداد الشباب ماهرون بالتكنولوجيا فقد كان في سورية وزارهم في بيوتهم السرية وراقبهم ينامون في خمس بيوت مختلفة بالليلة،  فهم جميعا يعيشون على الإنترنت ونسمع منهم المعلومات.  فهل هناك فرق أجيال بينهم وبين الكثيرين الذين لا نسمع عنهم الكثير. 
محي الدين قصار:  نعم،  عندما كنت صغيرا في السبعينات كان الحلم بالثوريين بأنهم هؤلاء الذين يسكنون الجبال ويقاتلون.  ولكن اليوم يمكنك أن تقاتل وأنت في بيتك،  وهذا أمر متناقض لأنني أعيش مع عائلتي ولكنني غائب بشكل كامل عن بيتي رغم أنني أعيش في البيت لأن الثورة تتطلب الكثير منا.  فهناك فرق أجيال ولاسيما بين الجيل القديم من السياسيين الذين تحتاج أن تطبع لهم الرسالة الاليكترونية ليتمكنوا من قرائتها وبين الشباب في الشارع الذين يجدون الطرق لأخذ الصور وتحميلها واختراق سيطرة الحكومة على الإنترنت وإرسال الأخبار والقرارات حتى التحذيرات حول الاعتقالات وما ينتج عنها.  فهناك منطق غائم،  فالخبر يعلن ولا تعلم من سيأخذه وسيستعمله لاحقا. من قبل التواصلات كانت "واحد لواحد" والأن أصبحت "واحد لمجموع"  ولحسن حظنا كانت الحكومة متأخرة والآن تحاول اللحاق بنا،  فمع التقنية ندخل في لعبة "القطة والفار"  فكلما أكتشفوا طريقة علينا أن نجد طريقة بديلة.   فعلينا دوما أن نأتي بطرق جديدة لإختراق الصمت المفروض،  وإلا سنتحول لوضع شبيه بكوريا الشمالية.
جيروم ماكدونالد:  كم برأيك سيستمر الوضع هكذا،  فالأن منذ شهر آذار الناس تموت يوميا، ويبدو كانه لن يتمكنوا من الإستمرار دون أن يجدوا أنفسهم إما أنهم يموتوا أو عليهم أن يحملوا السلاح ويدافعوا عن أنفسهم؟
محي الدين قصار:  هذه هي المعضلة الحقيقية.  وأعتقد أننا في الغرب علينا واجب كبير تجاه هؤلاء الناس الذين يصرون على سلمية الثورة،  علينا أن نتذكر بأننا "تدللنا" مع الثورة التونسية التي انتهت بستة أسابيع أو المصرية التي انتهت ب18 يوم وسقط الطاغية.  لذلك اعتقد أن الثورة السورية صحيّة وأن الناس في الداخل مستعدون لتقديم مزيد من التضحيات من أجل سلمية الثورة.  وأنهم يريدون الثورة سلمية ودون سلاح وليبق المجرم الوحيد هو النظام.  وأعرف أناسا شخصيا من هم يعارضون حتى رمي الحجارة على الأمن، ويعتبرون أن رمي الحجارة عمل غير سلمي.  لذلك هؤلاء الناس الرائعين، والآن ستة أسابيع، ضحوا بما يقارب 3000 شهيد، ونحتاج أن نضرب هذا العدد بسبعة لنعرف عدد الجرحى،  وعندنا معدل 500 معتقل في كل يوم.  عندنا مدارس وتجمعات رياضية حولت إلى سجون، رغم كل هذا مازالوا يقاومون استعمال السلاح.
الآن تحمل المجموعة الدولية مسؤولية كبيرة وثقيلة لتقديم الدعم المناسب الذي يريدونه.  إنني لست خبيرا بالقانون الدولي، ولكنني متأكد بأن هناك طرق لحماية المدنيين في سورية. يجب أن يكون هناك طرق مناسبة لكي تضع الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ثقلهما لتطبيق وإجبار النظام على الإنفتاح وإيقاف القتل.  وهذه قضية مهمة جدا. 
جيروم ماكدونالد:  كم تقدر ضعف أو قوة نظام أسد، يبدو أنه لا يتزحزح، ولكن إذا قارنته مع نظام القذافي الذي لديه كل أموال الدنيا، لا يبدو أن نظام أسد بهذه القوة؟ 
محي الدين قصار:  طيب،  إذا تتكلم عن القوة السياسية فهو ميت، فأقرب الناس إلية بدأوا بالهروب منه، هناك مثلا إما اعتقالات أو منع من مغادرة البالد لمجموعة من الصناعيين والأثرياء حديثي الثروة،  فهو مجبرعلى العودة إلى مرحلة الاغلاق الإقتصادي الذي كان قبل عام 2000. 
جيروم ماكدونالد:  هل أفضل سيناريو هو الإنقلاب العسكري حيث أناس غير راضين من داخل النظام يسقطوه؟  
محي الدين قصار:  هو ميت من الناحية السياسية،  من الناحية العسكري من الطبيعي أن المظاهرات السلمية لا تتمكن من التفوق على أضعف جيش في العالم مسلح ولا يملك أي ضمير يمنعه من القتل.  ولكن في الجيش السوري هناك منشقون، وعندما نسمع أنه هناك مروحيات تطلق النار على الناس فهي تطارد افرادا متمردين من الجيش رافضين لاطلاق النار وهم يهربون إلى الحقول وتحت الشجر.  ذا هناك أفرادا من الجيش يتمردون.  عادة الجيوش هيئات منظمة، ومجرد ان يعلموا أن هذه المعركة لايمكن أن تُربح فسيتوقفون عن القتال،  ومن هنا يأتي أهمية إلتزام المجموعة الدولية بأن تجعل الرسالة واضحة وصريحة للجيش بأننا لن نسمح لبشار بالإستمرار وبأننا مستعدون أن نتخذ الخطوات الإضافية اللازمة لنزع سلاحكم،  ولا يوجد جيش يحب أن يُنزع سلاحه، وهذا شئ علينا أن نعالجه الآن. 
جيروم ماكدونالد:  طيب، سيكون مثيرا أن نتابع كيف ستتابع الاحداث،  محي الدين قصار رئيس الجمعية السورية الأمريكية شكرا جزيلا لهذه المقابلة القيمة عن الوضع في سورية. 
محي الدين قصار:  شكرا.  

Tuesday, September 06, 2011

بعد العيد: من سوق الحميدية إلى شارع التلل ذاب الثلج وبان المرج : أزمة قطاع الملبوسات السوري


أزمة قطاع الملبوسات السوري
بعد العيد: من سوق الحميدية إلى شارع التلل ذاب الثلج وبان المرج

يُعتبر رمضان وعيد الفطر الذروة التي يصل إليها الإنفاق الإستهلاكي في قطاع التجزئة السورية،  فهو شبيه بموسم أعياد الميلاد في الإقتصاديات الغربية،  حيث يكون موسم رمضان والعيد الموسم الذي يُعدّل أرباح السنة بكاملها بالنسبة لهذا القطاع بالذات،  وما لم تكن الثقة عالية لدى المستهلك فإن كساد هذا الموسم له عواقب وخيمة على قطاع التجزئة،  وقد أوصلت سياسات وممارسات  النظام السوري الثقة بقدرته على إدارة البلاد إلى الحضيض، ويمكن أن نرى هذا من خلال الملاحظات البسيطة لإدارته الكارثية لأزمة الشرعية السياسية التي يتعرض لها.  و يعتبر قطاع الملبوسات من أهم القطاعات في الإقتصاد السوري، وتبلغ صادراته ما يقارب 50 مليارليرة سورية (5 مليار دولار) تقليديا.  
مع انهيار السوق الداخلية والحصار الخارجي على النظام تمر صناعة الألبسة بأزمة حقيقية،  تتمثل هذه الأزمة بالتدني الحاد الذي وصلت إليه نسبة العمالة والتشغيل في هذا القطاع،  فتصل عادة نسبة التشغيل أقصاها في شهر رمضان،  ولكن هذه السنة تدنت بفعل عوامل كثيرة - منها الأمنية ومنها الإقتصادية - لتصل أيام العمل لثلاثة أيام في الإسبوع عوضا عن العمل 24 ساعة يوميا المعتادة في الفترة السابقة للأعياد.  وهناك بعدان للأزمة التي تعصف بالقطاع،  البعد الأول من ناحية الطلب،  فغياب الثقة لدى المستهلك بالمستقبل القريب يؤدي إلى تأجيل الإستهلاك وهبوط الطلب الحاد على المنتجات النهائية، وهذا ما سيلاحظه الجميع عند مراجعة نتائج مبيعات موسم رمضان مقارنة مع المواسم السابقة.  كما أن أزمة الثقة لدى المستهلك بمستقبله الإقتصادي وتدهور الدخل الحقيقي يدفعه إلى الإستهلاكات البديلة والتحول إلى البضائع أقل جودة وأقل تكلفة،  فسيلاحظ الكثيرون أن الملبوسات الحديثة ستفقد زبائنها الذين سيفضلون شراء موديلات السنة الماضية عن الموديلات الحديثة،  كما أن المستهلكين سيكونون أميل لشراء النوعيات الادنى،  فبالتالي يواجه القطاع انخفاضا حقيقيا في الطلب. 
البعد الثاني يأتي من غياب ثقة المنتجين:  فمن الناحية الأولى تدخل الخيوط والمواد الأولية المستوردة بنسبة لابأس بها في تكاليف الإنتاج،  ومع الهزات التي تتعرض لها الليرة السورية وتوقعات انهيارها أمام الدولار أو اليورو،  فإذا علمنا إن النظام السوري أنفق ما يقارب 35% من احتياطي النقد الدولي خلال الأشهر الستة الماضيات باعتراف حاكم المصرف المركزي أديب ميالة في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي أواخر شهر آب؛  أدركنا أن هذا النزيف لدعم الليرة السورية لايمكن أن يستمر إلى مالا نهاية،  وأنه لابد أن تتأثر الليرة السورية عاجلا أو آجلا بسوء الإدارة والسياسة السورية.  من هنا يصبح أمام المنتجين في قطاع النسيج خيارات صعبة،  فالمواد الأولية في مخزون مستودعاتهم تتجاوز قيمتها المستقبلية (لتعويضها بمواد أولية جديدة) مقدرة بالعملة الصعبة قيمة المنتجات النهائية التي يمكن أن أن تباع - أو لاتباع - داخليا،  هذا يعني أن هناك دافع قوي لعدم استخدام هذه المواد الأولية، لأن التتوقعات بإرتفع حاد في اسعارها بسبب السياسات النقدية.   هذه الوضعية تدفع المنتجين في قطاع النسيج لتأخير الإنتاج قدر الإمكان، وبالتالي يدخل القطاع بآلية مفرغة حيث يؤدي تخفيف الإنتاج لنقص العرض ودفع الأسعار نحو الإرتفاع (الركود التضخمي Stagflation)
على المدى المتوسط والطويل سيتعرض هذا القطاع لمزيد من الإشكاليات في حال طال عمر النظام،  فالوضع يسير باتجاه ارتفاع الإسعار ونقص الطلب، مما سيدفع من جديد النظام للتدخل بعملية التسعير بعد أن حررتها إلا على ألبسة الأطفال. (انظر مقالنا: " الثورة السورية ونهاية وهم الإصلاح الاقتصادي")  وهذا سينشئ ضغوطا كبيرة على الإستثمار في هذا القطاع،  فتقلص عوائد الأرباح بسبب تحديد الدولة للأسعار وزيادة تكاليف الإنتاج سيؤدي إلى إدخال القطاع في انكماش حقيقي لن تُحمد نتائجه. 
بكل الأحوال يشعر العاملون في قطاع النسيج السوري بالأزمة الإقتصادية الحادة التي تتعرض لها البلاد، واطالة عمر النظام السوري لا تبشر بتوفر أي حل يملكه سوى مزيد من السياسات الإنغلاقية ومزيد من القوانين التضيقية على القطاع، والانكفاء نحو سياسات التدخل الإقتصادي من خلال تحديد الأسعار وقوانين الإستيراد والتصدير.  فالحلول التي بإمكانها أن تخدم هذا القطاع المهم في الإقتصاد السوري لا يملك النظام منها شروى نقير. وكلما طال الأمد بهذا النظام كلما زادت الأزمة في القطاع وتعقدت امكانيات حلها.