Tuesday, December 24, 2024

افكار ثورية للنقاش : 2 ارتفاع الأسعار وطرق التفاعل معها

     

يعتبر "ارتفاع الأسعار" أو “انخفاض القوة الشرائية للعملات الوطنية" ظاهرة عالمية خلال السنوات الماضية.  ولكل بلد أسبابها الخاصة التابعة لتشكيلاتها السياسية والاقتصادية. ما يهمنا هنا هو القوة الشرائية للعملة السورية في يد المواطن السوري بعد التحرير. وهناك تفكيرا حثيثا في القيادة السورية الجديدة في إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه المشكلة التي تسيء بشكل كبير للحالة الاقتصادية والصحية لأبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة. كما أنها تراكم الكثير من المشاكل على الحركة الإنتاجية في الوطن. والاقتصادي يستطيع أن يطرح الكثير من الحلول في هذا المجال، ولكن أكثر الحلول اضرارا هو الحل الذي يربط تحسن القوة الشرائية بعامل واحد.  فهناك لائحة طويلة من الخطوات التي ستمهد لوضع خطط أو سياسات سيطرة على القوة الشرائية بشكل فعال. واستعرض هنا بعض الخطوات ببعض الانتقائية كما اراها اليوم وهذه الخطوات تعمل معا بشكل متواز وليست تراتبية .

أولى هذه الخطوات هو تفعيل دور المصرف المركزي السوري.  فالدور الحقيقي للمصارف المركزية هو إدارة صحيحة لعرض السيولة النقدية للبلاد. وهذا الأمر لم يعرفه المصرف المركزي السوري لأنه كان محكوما بالقرار الأمني وأولويات امنية لا علاقة لها بالمال والاقتصاد. والحال الصحي أن يكون هناك استقلالية صحيحة في إدارة المركزي عن النظام الحاكم. لذلك أنا أقترح أن تستعين السوريا بعدد من المختصين الذين هم بعيدون عن السياسة حاليا. وأقترح اسم الدكتور غياث شابسيغ الذي أمضى فترة جيدة في جبهة النقد الدولية ليكون حاكم المصرف المركزي السوري أو أن يُعين مستشارا للمساعدة في حل مشاكل النقد السوري. (ملاحظة الدكتور غياث من أصدقاء الجامعة وأنا أثق بقدرته رغم أني لم اره منذ أكثر من 24 سنة) وهذا لا يقل من قدره كما أنني لم أسأله رأيه باقتراحي هذا فأرجو منه أن يسامحني إن لم يكن راض باقتراحي. بكل أحوال، سأقوم بتحديث هذه الاقتراحات عندما اسمع التوجه الذي تتخذه القيادة مع قيادة المصرف المركزي في دمشق.

ثاني هذه الخطوات هو العمل على سياسات لضغط الإنفاق من العملة الصعبة. ومن أجل هذا نحتاج إلى محورين الأول هو تقليص الحاجة للطاقة ومنها البترول،  فقد يكون مفيدا أن نتواصل عن طريق سفاراتنا مع الدول التي نجحت في التحويل للطاقة البديلة مثلا السكندانافيات أو الطلب من الأخوة في المغرب أن ينصحونا برأيهم أو بخبرتهم في انتاج الطاقة البديلة. 

لاحظوا معي أنني لا أؤمن بالمشاريع الكبرى، بل اعتقد ان نجاح المشاريع الصغيرة هو الطريق المناسب لاقتصادنا.  هذه المقاربة ستوفر العملة الصعبة التي نستعملها في شراء الطاقة.  وإن كانت هذه الطاقة محلية الآن، ولكن التحول للطاقة المستديمة ستجعل الطلب على عملتنا الصعبة يتقلص وتوفر مزيدا من هذه العملات لمتطلبات بقية القطاعات الاقتصادية. (ملاحظة:  قد تتمكن الحكومة من الاستفادة من مساعدة الأمم المتحدة في تمويل مشاريع الطاقة المستديمة هذه تحتاج تفاصيل)    والآن يمكننا أن نعالج الطلب على الطاقة من حيث تحويل الطلب على الطاقة البترولية الاستهلاكية إلى الطاقة الشمسية في المنازل والبيوت.  (من الممكن لكل منزل أن يكون عنده تحولاته الخاصة به من الطاقة الشمسية، هذه التفاصيل تناقش على الأرض في وقتها) هذا التحويل سيتطلب تغييرات حقيقية في الإنشاءات الداخلية حيث سيبدأ الطلب عليها في زيادة على الطلب العمالة الداخلية وتتقلص العطالة عن العمل وتزيد الدخول الداخلية. وهكذا بمقاربة بسيطة إن نفذناها بنجاح ستحل مشكلة الطاقة في البلاد وبنفس الوقت ستحل مشكلة الطلب على العملة الصعبة قد لا يكون هذا الحل كلي، ولكن سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح.  طبعا عندما يخف الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة سيزداد الفائض منه للتصدير كما سيخف تكاليف الإنتاج المحلي وبالتالي سيزداد تنافسية البضاعة السورية داخليا وخارجيا.  وهكذا تتحرك الليرة السورية باتجاه التعافي. 

هذه بعض الأفكار السريعة لمعالجة الغلاء الفاحش والسيطرة على الأسعار في الداخل.   هذه السياسات ستلعب بالتعاون مع الدول المجاورة تركيا الأردن والسعودية وقطر مثلا ورا كبيرا في تقوية التعاون الشعبي بين الأشقاء.  وهذا حديث ليوم آخر.

ارحب بالنقاشات والأضافات

 

Thursday, December 19, 2024

افكار ثورية للنقاش : 1 ماذا يفعل الشباب؟

 الفعالية من اهم المفاهيم التي يدأب الطغيان على قتلها في نفوس الناس، وهي قضية مهمة نحتاج أن نبعثها من جديد لنبني وطننا عليها.  وهذه الفعالية تصيبها بعض التشوهات، وأحب أن اتعرض لفكرة واحده هنا، وهي الشعور المغالط لدى الناس أن أي عمل لابد له من أن يمر بـ"مؤسسة الدولة".   وهذه فكرة مُدمّرة علينا أن نستأصلها من مجتمعنا.  فالدولة في كل البلاد الناجحة لا تعتبر ضرورية لنجاح الأفكار. ولاسيما الأفكار الجديدة. 

لا يستطيع حاكم مهما بلغ علمه وحكمته من انتاج الأفكار الجديدة التي تحتاجها البلاد.  ولكن إن مَكّن افراد المجتمع من العمل على إنتاج الأفكار الجديدة سنجد البلاد تعج بالنجاحات بإذن الله. ومنذ فتح دمشق ويتواصل معي شباب واع وصادق منهم خريجي جامعة دمشق أو طلابها ومنهم طلابي السابقين في جامعة حلب (المحرر) يستشيرون في كيفية المساهمة في تطوير البلد.   جوابي الأول لهم أن يبدأوا بإمكاناتهم البسيطة وأن يختاروا زاوية معينة وصغيرة يعملوا عليها. فالحكمة السورية تقول "لا تكبر الحجر حتى ينضرب معك".  واليوم نحن بحاجة ماسة للطاقات الشبابية لكي تساهم في دفع عجلة الحياة نحو الأمام وبالاتجاه الصحيح.  ومن الأمور التي تنقصنا هو الترجمة العلمية في بعض الاختصاصات، فعندما كنت أُحضر لبعض الصفوف في الاقتصاد كانت مشكلة غياب المراجع الرصينة باللغة العربية، فكانت صعوبة الأمر أن تجد مرجعا مترجما وبسعر يناسب الحالة المالية للطلاب. 

فمن يريد أن يعمل لا بد له من تعلم مفاهيم العمل الجماعي بشكل عملي، فنجاح فريق العمل يتعلق بنجاح كل عضو في الفريق. وتحقيق الأهداف البعيدة لا يتم إلا عن طريق تحقيق الأهداف الصغيرة والمرحلية.  فالحرب تكتسب معركة - معركة، والمعركة تُكتسب طلقة – طلقة.  فيا شباب بلادي لننسا الدولة وانسوا المعارضة السياسية التي لا علاقة لها بالثورة. وركزوا على ما تنتجونه انتم وما تتعلمونه من تجاربكم.  


Tuesday, August 06, 2024

إدوارد سعيد

 صورة تذكارية لـ إدوارد سعيد وشقيقته روزماري في أحد استوديوهات التصوير في مدينة القدس _فلسطين. 1940م.



Friday, May 24, 2024

نساؤنا وعمتي الحسناء

مر بالأمس أول خميس عمتي الحسناء هيفاء قصار، وقد وصفتها بالـ"حسناء" في نعوتي لها رحمها الله واسكنها فسيح جنانه. مما أثار بعض الأخوة وكُتب تعليقا جميلا على الكلمة. فنحن في عصر ومجتمع يبحث الأغلبية على عناوين، يستحقونها أو لا يستحقونها، ولكن المرآه في مجتمعنا حتى اسمها لا تملكه فسرعان ما تصبح "ام محمد" و "ام سعيد" حتى ولو معها دكتوراه. وفي مجتمع مولع بالألقاب الخُلّبية مثل: "أكبر قرص فلافل" و"الأول على صف" من الطلاب (شاطرين كانوا او كسولين) و"أول من أوصل الكهرباء للمصباح" (أكمل اللائحة من عندك) يصبح للنساء وألقابهن في مجتمعاتنا موضع مهم و حساس.   فنحن ما نذكره اليوم مثلا أنهن أول من هاجم بأيديهن العاريات سيارات المخابرات وحررن الشباب في الساعات الأولى من الاحتجاز وقبل أن يصل الزبانية بهم إلى مراكز الاعتقال؛ فهل أحد منكم يعرف اسم أي من هن؟  وهل هناك لقب لهذا يمكن أن نستعمله؟ فهل هناك منصبا أو شهادة اسمها "محرِّرة الــ...  فلانه الفلانية" نضعها قبل اسم المرأة" فعندما تعمل الحرة في مجتمعاتنا لا يرى الكثيرون أعمالها، فكيف نلقب أختا كانت تطبخ لفيلق من المجاهدين؟  وأخرى كانت تحمل الرسائل للثوار وثالثة تمضي ليلها ترقب الطريق لهم؟ فهل هناك شهادات ونضعها قبل أسمائهن؟

فما هو اللقب الذي سأعطيه لعمتي وهي التي أمضت كل يوم ساعات تمنحني حب الدراسة وتُسمّع لي ما احفظه من اشعار شوقي والأخطل؟  وما هو اللقب المناسب الذي أعطيه لعمتي وهي التي شرحت عيناها لي محنة الأمة واليأس من استمرارية وضع الشباب في بلدنا؟ وماذا اسمي من استطاعت ان تعلوا على تعليمها لتدرك ما لا يدركه الكثيرون.

أيها السادة لسنا عدولا في مجتمعاتنا، ننجح ثم نخفي عوامل نجاحنا، وأول هذه العوامل هن اللواتي وقفن في صمت يدفعن بنا نحو الأمام في وقت يكون فعلهن جريمة في كثير من الحيان، وفعلن ذلك دون ان ينتظرن جزاء او شكورا.  فكيف اصفها رحمها الله وهي الدمشقية التي لم تكن تعرف في شبابها كيف الذهاب إلى سوق الحمدية وحدها، وكيف لا أزكيها وهي التي ربتني ولم يكن بيننا أكثر من سبع سنوات، وهي التي ربت بعدها أبناءها السبعة (العبير وأخواتها الستة حفظهم الله) فأخرجتهم بأفضل حالة ممكنه.

عندما كنا أطفالا أسرّت لي ـ رحمها الله - وكلانا كنا يحب أن يلعب لعبة كرة القدم في حديقة بيتنا، بأنها تتمنى أن تذهب للسويد لأن السويد في ذلك الوقت الأولى في الكرة النسائية. نعم كانت امنية مستحيلة التحقيق، ولكنها جرأت على التمني والحلم، لم تتحقق، ولكن هكذا الحلم، أولا أن تتجرأ عليه، وسيرسله الله في الأجيال إلى أن يحين قطافه. وفي حياتها كان شعار الثوار "خرجنا للحرية"، وكذلك سيرسل الله هذا الشعار في الأجيال تحت قيد التحقيق. 

رحم الله نسائنا، مَن رَحَمَ طفولتنا في ظروف ما كان لها أن تُرحم، وأنقذنا من براثن الجهل في عصر كان الجهل سيد الموقف، ورحم عمتي الحسناء هيفاء قصار فهي الحسناء ـ في نظري ـ رغم سنواتها السبعين وعظم الله أجر ذريتها المنتشرة على وجه الأرض.

محي الدين قصار

شيكاغو 24 أيار 2024     

 

Sunday, May 12, 2024

الشاعر العراقي "معروف الرصافي الأرملة المرضعة

 لقصيدة التي كتبت بدموع #الرصافي !

تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .
#الأرملة_المرضعة - للشاعر العراقي
كان الشاعر العراقي "معروف الرصافي " جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد
و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالاشارة من صاحبه ان يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن
ولكن صاحب الدكان خرج اليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد ان ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز
فما كان من الرصافي الا ان يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن
فرفض الرصافي و غادرها عائداً الى دكان صديقه و قلبه يعتصر من الالم ...
عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها و راح يكتب هذه القصيدة و الدموع تنهمر من عينيه
، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشكلة أجتماعية ((الفقر و الفقراء ))
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة
بل إن من روعتها نال درجة الدكتوارة بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس
وترجمت قصيدته الى اللغة الفرنسية والانجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا
كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ
في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا
تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ
وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا
تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً
وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا
وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا
وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا
بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً
وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ
مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ
وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ
أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي
بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا
فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً
تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا
كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ
وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ
لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا
هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ
وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا

Wednesday, February 21, 2024

القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي وصاحب العقد

 قال القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي: كنتُ مجاوراً بمكة، فأصابني يوماً من الأيام جوع شديد، لم أجد شيئاً أدفع به عني الجوع، فوجدت كيساً من إبرسيم (لعله نوع من القماش) مشدوداً بشرَّابة، فأخذته وجئتُ به إلى بيتي، فحللتهُ فوجدتُ فيه عقداً من لؤلؤ لم أرَ مثله.

فخرجتُ فإذا بشيخ يُنادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسُ مئة دينار،
ويقول: هذه لمن يردُ علي الكيس الذي فيه اللؤلؤ،
فقلت في نفسي أنا محتاجٌ، وجائع، آخذ هذا الذهب فانتفع به، وأردُ عليه الكيس.
فقلت له: تعال معي، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة اللؤلؤ، وعدده، فأخرجته ودفعته إليه، فسّلم إلي خمس مئة دينار، فما أخذتها،
وقلت: وجبُ عليَّ أن أعيده إليك، ولا آخذعليه جزاءاً،
فقال: لا بُد أن تأخذ وألحّ عليّ كثيراً، فلم أقبل، فتركني ومضى.
وبعدها بمدة، خرجتُ من مكة من الفقر وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناسُ، وهلكت أموالهم، وسلمتُ أنا على قطعة من المركب، فبقيتُ مدةً في البحر لا أدري أين أذهب! فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فاقمت في المساجد اصلي وأنام ، فسمعوني أقرأ القرآن حفظا، وجأني كثيرا منهم وقالوا علمنا القرآن، و يدفعون لي الأجر على التعليم حتى صار عندي الكثير من المال.
ثم إني رأيتُ في المسجد أوراقاً من المصحف، فأخذت أقرأ بها،
فقالوا لي: اوتُحسن القراءة والكتابة؟
فقلت: نعم،
فقالوا: علِّمنا الخط، فجاؤوا بأولادهم من الصبيان و الشباب، فكنت أُعلمهم، فزاد رزقي كثيرا،
ثم قالوا: عندنا صبيةٌ يتيمة، ولها شيءٌ من الدنيا (غنية)، نريد أن نزوجك بها، فإمتنعتُ، فاصروا وألزموني فأجبتهم وما كنت انوي.
فلما زفوها إليَّ صرت أنظر إليها، فوجدت نفس ذلك العقد في عُنقها، فما كان لي شُغلٌ إلا النظر إليه،
فقيل لي: يا شيخ!! كسرت قلب العروس من نظرك إلى هذا العقد،!!
فقصصتُ عليهم قصة العِـقد، فصاحوا بالتهليل والتكبير، حتى ضج جميع أهل الجزيرة،
فقلتُ: ما بكم؟!!
قالوا: إن الشيخ الذي أخذ منك العقد هو أبو هذه الصبية،
وكان يقول ما وجدت في الدُنيا مثل الذي رد علي العقد، ويدعو اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، وقد استجيب له بعد موته، ورزقت منها بولدين، ثم ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فكان العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال.
ذيل طبقات الحنابلة/ لابن رجب. بتصرف

Thursday, November 23, 2023

المسؤولية الشخصية

 أحيانا كثيرة يعتقد فريق من الناس أن حالة الغلط التي هم فيها يعود سببها للبيئة او الظرف التي هم فيها، أو أنهم لم يروا نتائج حالتهم وطريقتهم، فيسألون لو أنهم حصلوا على "نذير" والنذير ليس بالضرورة صوتا في السماء، فمن اعتبر برؤيته لمصير الآخر فقد أتاه النذير، ومن رأى كيف وصل الآخرون لحل مشاكلهم فقد أتاه النذير، وهؤلاء يتوهمون غالطين أنه إن تغيرت هذه الظروف فإنهم سيمتنعون عن الغلط ويغيرون طريقتهم، وكثيرا منا يغادر قطره وتجده يحمل معه كل الممارسات الغالطة، فتجد أن الحرية التي حصل عليها في مغتربه لم تفده شيئا. وكأن الحرية واطلاعه على الحقائق الجديدة ورؤيته كيف تعيش الشعوب الأخرى (النذير) ورؤيته كيف تعلمت هذه الشعوب من اخطائها لم تزيده سوى نفورا واستكبارا، فيستمر بمكره وتصرفاته القديمة وكأنه لم ير ولم يتعلم شيئا. فلا يكون له إلا أن يحيط مكره السئ إلا به.. عندما اجالس قوما وأجدهم في غيهم ومكرهم ما زالوا وكأنهم في بلدهم قبل 50 سنة ولم تزدهم غربتهم إلا استكبارا، فأفهم أن استكبارهم ومكرهم السئ لن يحيط إلا بهم. وهؤلاء سيزداد مكرهم السئ لأن طريقتهم القديمة عليها أن تستمر ولكنها تحمل مهمة جديدة هو التحايل على الجو والبيئة الجديدة التي أتى بها "النذير".



وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌمَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً {42} اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ

11/23/2010

Thursday, October 19, 2023

طريق واحد: أصبح عندي الآن بندقية شعر نزار قباني

 

طريق واحد

أريد بندقيه..
خاتم أمي بعته
من أجل بندقيه
محفظتي رهنتها
من أجل بندقيه..
اللغة التي بها درسنا
الكتب التي بها قرأنا..
قصائد الشعر التي حفظنا
ليست تساوي درهماً..
أمام بندقيه..
أصبح عندي الآن بندقيه..
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدليه
إلى القباب الخضر.. والحجارة النبيه
عشرون عاماً.. وأنا
أبحث عن أرضٍ وعن هويه
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
أبحث عن طفولتي..
وعن رفاق حارتي..
عن كتبي.. عن صوري..
عن كل ركنٍ دافئٍ.. وكل مزهريه..
أصبح عندي الآن بندقيه
إلى فلسطين خذوني معكم
يا أيها الرجال..
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أريد.. أن أنبت في ترابها
زيتونةً، أو حقل برتقال..
أو زهرةً شذيه
قولوا.. لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي.. صارت هي القضيه..
أصبح عندي الآن بندقيه..
أصبحت في قائمة الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنيه..
مشيئة الأقدار لا تردني
أنا الذي أغير الأقدار
يا أيها الثوار..
في القدس، في الخليل،
في بيسان، في الأغوار..
في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا..
تقدموا..
فقصة السلام مسرحيه..
والعدل مسرحيه..
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ
يمر من فوهة بندقيه..

( يوسف بن عبد القدوس ) المتوفى عام 776 وكل بيت فيها يعدل كتاباً من الحكم والنصائح ...

 قصيدة من عيون الشعر العربي لأحد شعراء الدولة العباسية

( يوسف بن عبد القدوس ) المتوفى عام 776 وكل بيت فيها يعدل كتاباً من الحكم والنصائح ...
فدَعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ فإنـهُ مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ إنّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـب

Thursday, September 28, 2023

صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدوله العباسية

 القصيدة التي لم يشتهر منها غير بيت واحد :

يُعطيكَ من طرف اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منك كما يروغ الثعلب **
رغم أهمية البيت الذي يليه ولكن الناس لم تعره بالا !
وَصِلِ الكرام وإن رموك بجفوةٍ
فالصفح عنهم بالتجاوز أصوب
كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتابا
أقرأها جيداً
هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر: صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدوله العباسية :
فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداك زمانُهُ
وازهَدْ فعمرك مر منه الأطيَـبُ
ذهب الشباب فما له من عودةٍ
وأتَى المشيبُ فأين منه المهرب
دَعْ عنك ما قد كان في زمن الصِّبا
واذكر ذنوبك وابِكها يـا مذنب
واذكر مناقشة الحساب فإنه
لابد يُحصي ما جنيت ويكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتـاهُ وأنت لاهٍ تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرورُ دنياك التي تسعى لها
دارٌ حقيقتها متاع يذهب
والليلُ فاعلم والنهار كلاهما
أنفاسنا فيها تعد وتحسب
وجميع ما خلفته وجمعته
حقا يَقينا بعد موتك يُنهب
تباً لدار لا يدوم نعيمها
ومَشيدُها عما قليل يخرب
فاسمعْ هديت نصيحةً أولاكَها
بر نصوح للأنامِ مجرب
صَحِبَ الزمان وأهلَه مُستبصراً
ورأى الأمور بما تؤوبُ وتعقب
لا تأمن الدهر فانه
ما زال قدما للرجال يؤدب
وعواقِب الأيام في غصَّاتِها
مضض يذل له الأعزُّ الأنْجَـبْ
فعليك تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ
إن التقي هو البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعمل بطاعته تنل منه الرضا
إن المطيع له لديه مقرب
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ
واليأسُ مما فاتَ فهوَ المطلب
فإذا طمعت كُسيتَ ثوب مذلة
فلقدْ كُسيَ ثوب المذلة أشعب
وابـدأْ عدوك بالتحية ولتكن
منه زمانك خائفاً تترقب
واحذره إن لاقيته متبسماً
فالليثُ يبدو نابه إذْ يغضب
إن العدوُّ وإن تقادم عهده
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مغيب
وإذا الصديق لقيته متملقاً
فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ودِّ امـريءٍ متملق
حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاكَ يحلفُ أنه بك واثـقٌ
وإذا توارى عنك فهو العقرب
يُعطيكَ من طرف اللِّسانِ حلاوةً
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
وَصِلِ الكرام وإن رموك بجفوةٍ
فالصفحُ عنهم بالتَّجاوز أصوَب
واختر قرينك واصطنعهُ تفاخراً
إن القرين إلى المُقارنِ ينسب
واخفضْ جناحك للأقاربِ كلهم
بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا
ودعِ الكذب فلا يكن لك صاحباً
إن الكذوب يشينُ حُـراً يصحب
وزن الكلام إذا نطقـتَ ولا تكن
ثرثارة في كل نادٍ تخطب
واحفظْ لسانك واحترزْ من لفظه
فالمرءُ يسلم باللسانِ ويُعطَب
والسِّر فاكتمهُ ولا تنطق به
إن الزجاجةَ كسرها لا يشعب
وكذاك سرُّ المرءِ إن لم يُطوهِ
نشرته ألسنة تزيد وتكذب
لا تحرِصَنْ فالحرص ليس بزائدٍ
في الرزق
بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظل ملهوفاً يروم تحيّـلاً
والرزق ليس بحيلة يستجلب
كم عاجزًا في الناس يأتي رزقه
رغَـداً ويحرم كيس ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانة * والخيانة فاجتنبْ
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطب لك مكسب
وإذا أصابك نكبة فاصبر لها
من ذا رأيت مسلَّماً لا ينكب
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبة
أو نالك الأمر الأشقُّ الأصعب
فاضرعْ لربك إنه أدنى لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كن ما استطعتَ عن الانام بمعزلٍ
إن الكثير من الورى لا يصحب
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّه
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذر من المظلوم سَهماً صائباً
واعلم بأن دعاءَهُ لا يحجب
وإذا رأيتَ الرزق عز ببلدة
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحل فأرض اللهِ واسعة الفَضَا
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فلقد نصحتك إن قبلتَ نصيحتي
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَبُ

Monday, May 29, 2023

مفاهيم شائعة حقيقية، ولكن ليست مناسبة:


أُعرّف الثقافة لطلابي على أنها "طريقة الفرد في التعامل مع معلومةٍ وصلته" وهذا التعريف حفرته منذ بضع سنين وساعدني على رؤية الكثير من المشاكل والقضايا من زوايا أخرى أكثر إفادة لغرضي. تحت هذه التعريف اقرأ بعض الجمل التي اعتاد المسلمون أن يرددوها، ومن هذه المقولات: "القابلية للاستعمار" وهي كلمة حق قرأتها في السبعينيات عند المفكر الجزائري "مالك بن نبي" رحمه الله. كما تبناها شيخنا السوري "جودت سعيد" ليُلبِسها ثوب الـ "لا عنف" رحمه الله.   طبعا لا أحد من الذين عالجوا هذه النقطة استطاع أن يضع استراتيجية لتطبيقها أو أن يجد حلا لتغييب أو التعافي من "القابلية للاستعمار" كما ينبغي.  ومن وضع خطة ما لم تثبت السنون بنجاعة تطبيقها.  وأنا لن أوجه لها النقد هنا فهي أداة لا ذنب لها.  ولكن المشكل قائم في التفاعل بين الأداة والواقع الثقافي القائم. 

فمن تابع البسط الثقافي مع الوقت اكتشف أن في ثقافة العامة في وطننا - ومن غير وعي حقيقي لمشكلة الثقافة - ستُستعمل هذه الجملة كثيرا إلى أن تُفرغ من محتواها ـ فلن تُخرج المواطن العادي من وضعية: "الاستلاب الحضاري" التي وضعها علينا الاستعمار والتي مع محتوى هذه المقولة تُفرّغ المجرم عن مسؤوليته وهمجيته وجريمته.  بالأحرى وجدت أن كثير من المرددين لهذه الفكرة من العامة هم الأكثر استلابا أمام الغريب.   وأبسط مثال نراه في تطبيقهم لمسألة الحجاب عندما يخرجون للغرب.  ففي حين نرى المسلمين الذين درسوا مصطلح "القابلية للاستعمار" يقع من يدرسونه في صف أول من تخلى عنه بـ"حجة" سفرهم للغرب. وهذه الخاطرة ليست في معرض مناقضة الحجاب فمن يريد أن يبحث في هذا يمكننا أن نفعله في مكان آخر.

 لذلك استعملُ هذه المصطلحات بحذر كبير.  فلو نظرنا لبلد الجزائر في 1830 لحظة الاحتلال لها لرأينا الفرق الكبير في التقدم بينها وبين مستعمرها (الفرنسي)، فقد كانت فرنسا غارقة بالدين والجزائر تمدها بالقمح وما شابهه، ففي نفس الوقت كانت الجرذان تباع في أسواق باريس وكانت أسعارها تأتي بالجريدة كما نتكلم اليوم عن الأسهم في البورصة. فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: ما الذي جعل آكل الجرذان الفرنسي يستعمر من أطعمه قمحا الجزائري ولقرون طويلة!

طبعا الإجابة على مثل هذا السؤال ستدور في صميم الثقافة المعتدية وليست في الثقافة المسالمة. وبذلك نرى أن الطرح كان في صميم منطق العنف، ولكنه يرتدي ثوب السلمية الزائف إن علِم صاحبها أم لم يعلَمِ. فمهما تكون المعالجات اليوم رغم القناعة بأننا علينا التخلص من "القابلية للاستعمار" ولكن العمل الحقيقي هو العمل الذي يستطيع أن يردع منطق العنف عند المستعمر. فالسؤال كما يقترح نفسه في مصطلح "القابلية للاستعمار" يضع مسؤولية المرض على المريض وليس على الوباء، وعلى الضحية وليس على المجرم، وكذلك "كما تكونوا يُول عليكم" فهذه الرسائل التي يظن أصحابها أنهم يبحثون عن رفع المسلمَ وأداءَه، يضعهم هذا المصطلح بالدعس على الضحية التي يريدون رفعها. فإن أردت أن تنقذ أحدا من منطق قوانين الغابة التي تسحقه لا يمكنك أن تعتمد هذه القوانين نفسها إلا إذا توفر عندك شعبا آخر ليسحقه مريضك كما سحقه المستعمر. فمقاومة هذا المنطق سينهي بك لتقع ضحية ما تقاومه.   

لقد طرحت هنا مولّدا للأسئلة أكثر من مجيبا عليها وقد نتمكن في المناقشة الإجابة على بعضها إن وجدت الرغبة. 

محي الدين قصار

شيكاغو 5/29/2023 




Wednesday, December 14, 2022

كذبة كبيرة استطاعت أوربا أن تقنع العالم أن مهاجريها أتوا "سباحة".

في الثمانينات كان لدي صديقتين اختين من أبوين من المغرب، ولدتا في فرنسا، يسكن أهلهما بالمساكن الشعبية الفقيرة HLM  الغيتو العمالي. كانتا تدرسان القانون لتصبحا محاميتين.  وكانتا الأجنبيتين الوحيدتين في كلية الحقوق.  وكلما قدمتهما لصديق فرنسي ترى مباشرة ردة الفعل السلبة، والجيد منهم من يثير تعجبه وجودهما في كلية الحقوق. فهل منكم من يعلم هذا الشعور عندما تجد نفسك أن "وطنك" ينبذك. نحن في سوريا نجد شعورا جزئيا من هذا عندما نتعامل مغ نصيري من جماعة النظام، فيشعرك أنه لا وجود لك في هذا البلد.  اضرب هذه الشعور السلبي بعشرة اضاق مضاعفة لتدرك شعور المهاجر أو ابنه في اوربا.

فمن لم يغترب لم يعلم قيمة نجاح أبناء المغتربين ولا سيما المسلمين منهم في أوربا، فما نراه اليوم من توفيق لهؤلاء الأبطال لم يأتِ من فراغ، بل من تضحيات آبائهم وسباحتهم ضد تيار مجتمع أُحادي الثقافة. هذه الثقافة تكيدُ العداء و العنصرية وكراهية للمهاجر ولا سيما المسلم منهم . هذا العداء "عينّي" لا يمكن التخلص منه. برغم كل الجهود وحسن نية الطيبين من أهل البلد هذا العداء كان هو المصيطر.  ولا يمكن أن يهرب منه أبناء المهاجرين.  فهم يرونه في كل مكان من المدرسة إلى السوق إلى الجامعة.  فإن جاهدوا للنجاح يستفزهم أهل البلد ويحبطهم، وإن نجحوا يستكثر اهل البلد هذا النجاح عليهم. 

من أين أتى المهاجرين؟

كذبة كبيرة استطاعت أوربا أن تقنع العالم أن مهاجريها أتوا "سباحة".  بعد الاستقلال السياسي الظاهري لأفريقيا، كانت أوربا ولا سيما فرنسا في حاجة مستعمراتها ولا سيما حاجة يد العاملة الرخيصة في افريقيا.  فكانت ترسل فرق معها طبيب صحة إلى القرى الأفريقية وتعرض على الناس الهجرة، فمن كان عنده الرغبة ووجد الفريق انه مناسب ووجد الطبيب أن صحته جيدة للعمل فمنح حق العمل (لاحق الهجرة) عندما وصل إلى فرنسا، أخذ موقعه على خط الإنتاج.  في ذلك الوقت لم تبذل فرنسا أي جهد لتأهيلهم حتى لتعليمهم الفرنسية حقيقة.  أُسكن هؤلاء العمال في تجمعات سُميت فيما بعد "فويه سوناكاترا"   

Société nationale de construction de logement de travailleurs

 التي تأسست عام 1956 من قبل وزارة الداخلية الفرنسية.  رغم أن هذه التجمعات السكنية رخيصة بسب المساعدة الحكومية، ولكنها أبعد ما يكون عن العيش الفعال لمساعدة العمال على التأقلم.  فأحسن ما تراه في الغرفة أنها تتألف من سرير ومغسلة وكرسي وطاولة، إن مددت ذراعيك إلى أقصاها فستلمس الحائطين، وكل جناح (عدد من الغرف) يشترك بحمامات جميلة نظيفة وتوفر الماء الساخن للجميع.  ويشارك الجناح بمطبخ وبراد ومكان للطعام. 

هكذا تدور حياة هؤلاء المهاجرين في المعمل والغرفة بانتظار الصيف ليملأ المهاجر سيارته بما يحتاج أهله في البلاد ويذهب لهم ليمضي عطلة الصيف معهم. كثير من هؤلاء المهاجرين الأوائل لم يتأقلموا بداية مع المجتمع الفرنسي ولم يتطوروا مع مجتمعاتهم الأم.  ومن يهاجر كما هاجرتُ يعلم أن المهاجرين لا يعلموا أهلهم بمشقاتهم وبلاوي الحياة في الغرب. وأعتقد أن هذه القضية هي التي ساهمت في رسم الصورة الخيالية في مخيلة الناس في الجنوب عن الحياة "المخملية" التي يعيشها ابناءهم في الشمال.  مع الوقت أنشئت تجمعات مشابهة، ولكن على شكل شقق يمكن للعائلة أن تسكنها سميت HLM هي أقرب لصناديق اسمنتية من أي شي آخر.

علينا الاعتراف بأن هذه الأوضاع تحسنت عبر الوقت بالنسبة للمهاجر، ولكن الجهد المبذول في هذه البلاد لاستيعاب المهاجر ثقافيا وتأمين حضور ثقافي له كان محدودا ولم تستطع فرنسا أن تدرك الفرق الثقافي ولاسيما مع المسلمين إلا مع بداية القرن الواحد والعشرين.  وحتى هذا الإدراك لثقافة المهاجر لم تكن حيادية، فأرادت أن ترى هذه الثقافة من جهة نظر سلطة تدخلية في حياة المهاجر دون نظير لها للتدخلات في حياة غير المهاجر.  فما زالت فرنسا متأخرة عن كثير من الدول الأوربية الأخرى باعتبار المهاجرين كثروة وطنية، فعوضا عن تحييدهم تحتاج أن تقر بأنهم عماد للصناعة والتقدم الفرنسي.  أما معاركها التي تفتحها معهم من فترة لأخرى فلن تفيدها شيئا. 

وقد استطاعت فرنسا أن تخدع نفسها باعتقادها أن معركتها مع مترين من القماش يُدعى "الحجاب" ولكن في الحقيقة هذا الوهم تعتبر خط الدفاع الفرنسي الأخير، فالثقافة الفرنسية لم يبق لها من معابد إلا المنشأة الاقتصادية الفرنسية (الشركات) ومن هنا فإن هذه الشركات تخترق يوميا بجيل جديد من الأبناء المهاجرين نراهم في كثير من مواقع الإنتاج ويتزايدون بسرعة في مواقع القرار الاقتصادي.  ومن الواضح أن فرنسا كعادتها تريد أن تخفي الشمس بغربال، فحربها تهدف ان لا يأتي يوما ترى فيه نساء المهاجرين في مواقع قراراتها بحجاباتهن.  فتتناسى أنها هي التي دعت آباءهم وأجدادهم لناء الاقتصاد الفرنسي، فتتساهل معهم عندما كانوا نساء ورجالا يعملوا بتنظيف المعامل، أما إدارتها وقيادتها فلا.  فهذه لن تكون إلا محاولة لتأخير المحتوم.  

اليوم فريق فرنسا والمغرب سيلتقيان في تصفيات كاس للعالم.  كسوري أمريكي مسلم أعلم الصعوبات والجهود التي بذلها دمبلي أو حكيمي ليصلا إلى ما وصلا له. وانتصار أي منهما هو انتصار لنا أجمعين. 

 



محي الدين قصار

شيكاغوا 12/14/2022

نصف ساعة قبل المباراة