مر بالأمس أول
خميس عمتي الحسناء هيفاء قصار، وقد وصفتها بالـ"حسناء" في نعوتي لها
رحمها الله واسكنها فسيح جنانه. مما أثار بعض الأخوة وكُتب تعليقا جميلا على
الكلمة. فنحن في عصر ومجتمع يبحث الأغلبية على عناوين، يستحقونها أو لا يستحقونها،
ولكن المرآه في مجتمعنا حتى اسمها لا تملكه فسرعان ما تصبح "ام محمد" و "ام
سعيد" حتى ولو معها دكتوراه. وفي مجتمع مولع بالألقاب الخُلّبية مثل: "أكبر
قرص فلافل" و"الأول على صف" من الطلاب (شاطرين كانوا او كسولين) و"أول
من أوصل الكهرباء للمصباح" (أكمل اللائحة من عندك) يصبح للنساء وألقابهن في
مجتمعاتنا موضع مهم و حساس. فنحن ما
نذكره اليوم مثلا أنهن أول من هاجم بأيديهن العاريات سيارات المخابرات وحررن الشباب
في الساعات الأولى من الاحتجاز وقبل أن يصل الزبانية بهم إلى مراكز الاعتقال؛ فهل
أحد منكم يعرف اسم أي من هن؟ وهل هناك لقب
لهذا يمكن أن نستعمله؟ فهل هناك منصبا أو شهادة اسمها "محرِّرة الــ... فلانه الفلانية" نضعها قبل اسم المرأة"
فعندما تعمل الحرة في مجتمعاتنا لا يرى الكثيرون أعمالها، فكيف نلقب أختا كانت
تطبخ لفيلق من المجاهدين؟ وأخرى كانت تحمل
الرسائل للثوار وثالثة تمضي ليلها ترقب الطريق لهم؟ فهل هناك شهادات ونضعها قبل أسمائهن؟
فما هو
اللقب الذي سأعطيه لعمتي وهي التي أمضت كل يوم ساعات تمنحني حب الدراسة وتُسمّع لي
ما احفظه من اشعار شوقي والأخطل؟ وما هو اللقب
المناسب الذي أعطيه لعمتي وهي التي شرحت عيناها لي محنة الأمة واليأس من استمرارية
وضع الشباب في بلدنا؟ وماذا اسمي من استطاعت ان تعلوا على تعليمها لتدرك ما لا
يدركه الكثيرون.
أيها السادة
لسنا عدولا في مجتمعاتنا، ننجح ثم نخفي عوامل نجاحنا، وأول هذه العوامل هن اللواتي
وقفن في صمت يدفعن بنا نحو الأمام في وقت يكون فعلهن جريمة في كثير من الحيان،
وفعلن ذلك دون ان ينتظرن جزاء او شكورا.
فكيف اصفها رحمها الله وهي الدمشقية التي لم تكن تعرف في شبابها كيف الذهاب
إلى سوق الحمدية وحدها، وكيف لا أزكيها وهي التي ربتني ولم يكن بيننا أكثر من سبع
سنوات، وهي التي ربت بعدها أبناءها السبعة (العبير وأخواتها الستة حفظهم الله)
فأخرجتهم بأفضل حالة ممكنه.
عندما كنا
أطفالا أسرّت لي ـ رحمها الله - وكلانا كنا يحب أن يلعب لعبة كرة القدم في حديقة
بيتنا، بأنها تتمنى أن تذهب للسويد لأن السويد في ذلك الوقت الأولى في الكرة
النسائية. نعم كانت امنية مستحيلة التحقيق، ولكنها جرأت على التمني والحلم، لم تتحقق،
ولكن هكذا الحلم، أولا أن تتجرأ عليه، وسيرسله الله في الأجيال إلى أن يحين قطافه.
وفي حياتها كان شعار الثوار "خرجنا للحرية"، وكذلك سيرسل الله هذا
الشعار في الأجيال تحت قيد التحقيق.
رحم الله
نسائنا، مَن رَحَمَ طفولتنا في ظروف ما كان لها أن تُرحم، وأنقذنا من براثن الجهل
في عصر كان الجهل سيد الموقف، ورحم عمتي الحسناء هيفاء قصار فهي الحسناء ـ في نظري
ـ رغم سنواتها السبعين وعظم الله أجر ذريتها المنتشرة على وجه الأرض.
محي الدين
قصار
شيكاغو 24
أيار 2024
No comments:
Post a Comment