Thursday, October 02, 2014

الموضوع المنسي في العالم العربي: التمييز والتحرش الجنسي في مكان العمل:


هذا المقال نسخة متقدمة ويحمل مزيدا من التفاصيل على النص النشور في مدونتنا الأسبوع الماضي. 


الموضوع المنسي في العالم العربي:
 التمييز والتحرش الجنسي في مكان العمل:

طاف هذا الإسبوع على اليوتوب فيديو يظهر فيه معالي وزير خارجية لبنان جبران باسيل في اجتماع مع وزيرخارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد النهيان و بحضور وزير التربية والتعليم العالي اللبناني الياس ابوصعب.   وفي الفيديو يسأل الوزير باسيل "أينكارولين؟"  فينطلق أحد المساعدين "باحثا عن كارولين" بينما يشير الوزير باسيل للحضور بإشارة يفهم منه أنه يريد أن يعرضها أمام ناظري الوزير الإماراتي لجمالها،  ويضحك الجميع وتحضر السيدة كارولين.
عالج البعض هذا الحدث في الإعلام اللبناني من باب التهكم الفكاهي ولاسيما من المعارضين للسيد الوزير باسيل، ولكن في الحقيقة تكمن في هذه الحادثة وحتى في بعض المعالجات لهذه الحادثة ظاهرة التمميز الجنسي والتحرش الجنسي في مكان العمل في العالم العربي.  فقضايا التحرش والتمييز الجنسي في مكان العمل متأصل في منطقتنا لدرجة أن مثل هذه الحادثة تتم بحضور ثلاثة وزراء (لبنانيان وإماراتي)  ويسمحان لهذه الظاهرة أن تمارس بحرية في مجالسهم، فلم تقدم إي من حكومتي البلدين موقفا مما حصل،  ولم يقوم أي مسؤول من الحضور بتقديم اعتذار للسيدة كارولينا على الأقل. 
إن أهمية الحدث هذا لا تتعلق بالموقف السياسي من السيد باسيل، بل هي في صميم حقوق المرأة وضمانات حمايتها من التميز الجنسي في مكان العمل.  فهذه الحوادث تضر أول ما تضر بالنساء في مكان عملهن. ويجب علينا أن نقف مع السيدة كارولينا في رفض هذا الموقف، وعلينا إدانته معها بقوة،  فقبول هذا الفعل يعني بقاء الباب مفتوحا للتحرش والتمييز الجنسي في مكان العمل ضد النساء، واستمرارية التقليد الذي يعامل المرأة في موقع العمل على أنها مجرد كائن جنسي (Object Sexual)  وإن غياب ردة الفعل القوية والإدانة الحازمة لهذه التصرفات يعني أنه لا بأس لكل نساءنا أن يتعرضن لمثل هذه المواقف في مكان عملهن،  فإن فعلها وزير وأمام الكاميرة  فما الذي يمنع أن يفعلها مثلا رئيس ورشة الحياكة بالخفاء مع العاملات لديه.      
لقد تطورت القوانين التي تحمي المرأة في العالم،  والدول جميعا تسير باتجاه تحريم التميز ولا سيما بين الجنسين، كما أنها تمنع أن يتحول مكان العمل إلى موضع يُنظر به للمرأة على أنها مجرد "كائن جنسي"،  بل أن القوانين المتقدمة تحرم أن تُعامل المرأة في العمل بهذا الشكل وتذهب أبعد من هذا بأن خلق جو متوتر جنسيا ضد المرأة في مكان العمل يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.   ففي الدول المتقدمة تفرض القوانين على الشركات أن يدربوا موظفيهم على تجنب هذه الأنواع من التصرفات، وتقع الشركات التي يمارس مسؤوليها مثل هذه الأفعال تحت طائلة العقوبة القانونية.  فما فعله الوزير باسيل أنه لم يستدع كارولينا لأجل مهمتها الحقيقية التي تعمل بها بل استدعاها لدورها "الجنسي" ويحدد غرضه منها بالضبط،  وإذا كان باسيل رئيس السيدة كارولينا الإداري،  فهذا سلوك غير لائق بمكان العمل ويحق للسيدة أن تحاسبه أمام القضاء.  فغياب اللياقة هو أدنى ما يقال فيه،  بل هو تمييز جنسي يطاله القانون في الحالة الامريكية على سبيل المثال، وبهذه المناسبة الموقف القانوني موقف ثابت سواء رضيت المرأة بالتمميز أو بمعاملتها ككائن جنسي أم رفضته.   
الحالة العربية والشرق أوسطية مازالت بعيدة كل البعد عن الوضع الصحي التي يحمي فيها النساء والرجال من التمييز الذي يتعرضوا له من صاحب العمل.  فمثلا مازلنا نرى إعلانات عمل تقول: مطلوب موظفة (لا يريدون موظفا)  بل أنني رأيت شركات ترفض تعيين نساء لإنهن كنا حوامل، وشركات تعلن أنها بحاجة لموظفة شقراء، أو لموظف في سن معين،  والأمثلة كثيرة في الحالة العربية التي مازال مفهوم التمييزفي مكان العمل لم ينضج في الثقافة بعد، ولم تتبناه المنظومة القانونية للبلد لتدفع في اتجاه تغيير ثقافة التمييز.  إنني بحكم عملي في الولايات الالمتحدة الأمريكية يدخل قانون تحريم التمييز في كل التفاصيل لدرجة أن القانون يمنعني على سبيل المثال أن أسأل موظفتي فيما إذا كانت حامل رغم أنها في الشهر الثامن والجميع يرى حجم بطنها،  فهذه المعلومة لا يحق لي السؤال عنها كمدير لها،  اللهم إلا إذا تبرعت واعلمتني بذاتها.  بل أنني لا أستطيع أن أسأل موظفي ـ ذكرا كان أم أنثى ـ عن حالته العائلية أو عن عمره لأن كل هذا يعتبر مصدر من مصادر التمييز.
هذه الحالات في الوطن العربي مازالت بعيدة كل البعد عن الدعم القانوني لها فما بالكم بالحالات الأكبر، ومازالت القضية متروكة لأخلاق الأشخاص،  ولكن مع خروج المرأة للعمل لابد لهذه الدول أن تسن القوانين المناسبة التي تردع بها من لا تردعه أخلاقه، ولا سيما أن الكثير من النساء من يضطر للقبول بهذا التمميز على أنه ظلم لابد منه وأنه "ضريبة الأنوثة."   إن هذه الحادثة تعكس قضايا كثيرة مازالت مجتمعاتنا بحاجة ماسة لمعالجتها في قضية التحرش الجنسي والتمييز الجنسي ضد النساء في مكان العمل،  وعلينا أن نعاود النظر في الكثير من هذه القضايا.   

No comments: