بكل أسف خمسة اجيال من العرب درجوا
على رؤية مراجلَ الحاكمِ بأمره الإعلامية والخطابية وتصديقها. ولم يروا حقيقة كيف
التعامل مع الآخر على المستوى السياسي،
هذه الممارسات ولدت شعبا أقرب منه لتصديق تخييل* الإعلام عليهم عندما يمتنع
السياسي عن لقاء الخصم علنا. ويتناسى الناس كيف أن هذا مجرد وهم يشتروه ويريحوا
بهم ضمائرهم. وأبسط مثال على هذا علاقة العداء الذي درج الشعب على تصديقها بين عبد
الناصر والنظام الأمريكي؛ وبقي الناس هكذا إلى ان أتانا هيكل بعد أن بلغ من العمر
عتيا ليقول لنا أن السفير الفرنسي لم يكن "يتكنس" من مكتبه ومكتب سيده
جمال عبد الناصر. ورغم كل مراجعات هيكل وفضائحه مازال بعض المساكين يعتقدون أن
جمال عدوا لأمريكا.
فهذا الشعب اليوم لا يستطيع أن يفهم
ما يجري بين تركيا وجارتها روسيا. فهذان
البلدان هما في حرب غير رسمية في كثير من الأمور. ولكن ما لم يفهمه العرب أن الحرب
لا تعني أن تمارس السياسة بطريقة المراجل الفارغة. وبالحقيقة سيأتينا يوما ننظر
بإعجاب، إن لم نفعل بعد، لما تفعله
القيادة التركية من مناورات ثنائية ومناورات
دولية لا تقتصر على روسيا بل تتعداها لكثير من دول العالم، تمكنها من تحقيق
تحييد لأعدائها إن لم تستطع أن تحقق أنتصارات.
فالسياسة هي "فن دفع المفسدة وجلب المصلحة."
والمصلحة هنا هي كل ما يحقق مصلحة الشعوب في
سوريا وجيرتها إلا إذا كانت هذه المصلحة ستجر مفسدة على تركيا، فقبل كل شي حزب
العدالة ورئيسه وحكومته هم للأتراك وليسوا
لنا. سيأتي يوما قريبا ليتعلموا العرب أن
حكوماتهم أمعنت في الخيانة تحت الطاولة واليوم لم تعد تهتم لهم بل تجاهر بعداوتها
لهم، بينما يبق اللاعب التركي يشغل موقعه بجدارة كوسام على جبهة التاريخ.
*التخييل هو عندما يحرك الفارس فرسه
وهو يراوح في مكانه فيثير غبارا يوهم المشاهد بالأعمال البطولية.