Tuesday, November 10, 2015

العالم بعد اسقاط الطائرة الروسية



بعد سقوط الطائرة الروسية في جزيرة سيناء، هناك واقعا جديدا وحقيقة سياسية قائمة لا مجال لنكرانها، وهذه الحقيقة لها قراءة ذات أبعاد عدة:
أولا: بأن ردات الفعل على ما يحدث في سورية والعراق لا تبق حبيسة الهلال الخصيب، وانها تتجاوز سورية والعراق.  فالتدخل الأجنبي والمتمثل بالغزو الروسي يواجه أولى عواقبه،  فهو يُعاقِب من جهة النظام الروسي ومن جهة ثانية يعزل نظام السيسي اقتصاديا.    وقد رأينا ارهاصا لمثل هذا التطور في باريس مع حادث "شارلي أبدو"،  ولكن الهدف في سيناء كان دولة ؛ بينما استطاع الإعلام الغربي أن يصنف العدوان على "شارلي هبدو" على أنه اعتداء على مؤسسة خاصة.  فالنظام الروسي والمصري ووراءه العالم يحاول أن يدور قصة الطائرة بكل الوسائل لكي لا يربطها بالدور الذي يلعبه النظامان في حربهما على سوريا والعراق.  وخلافا لعملية قتل الطيار الأردني #فالدولة_الإسلامية وجدت بأن ردة الفعل الأولية على القتل كانت سلبية، ولكن الدعم اللاحق للدولة الذي خلفه عملية الثأر للطيار كانت إيجابياتها أكبر بكثير من سلبياتها.  

ثانيا:  أن قيادة الدولة الإسلامية انتقلت إلى فضاء تنظيمي جديد،  فبعد أن اعتادت خلال سنواتها الماضيات على "مركزية قوية" في العراق وأضعف بقليل منها في سوريا، ولكن عندما تنتقل إلى مناطق أخرى كأفريقيا وأفغانستان تصبح هذه المركزية صعبة التحقيق، فيبدو أن اسقاط الطائرة كان بقرار محلي،  فسواء كان بعلم القيادة المركزية أو بعدم علمها فالمرحلة الجديدة تشير إلى أن ماكان يسمى "الذئب الوحيد" التي تخوفت منه المخابرات الغربية والتي عزت هجوم باريس له دخل في مرحلة أكثر تنظيما وفعالية يتجاز فعل الفرد أو بعض الأفراد. فأرى أن هناك حتمية بسير الدولة باتجاه التصرف على أنها فكرة أكثر منها على أنها تنظيم. طبعا سواء كانت دولة أو فكرة فكل منهما له تبعاتها ونتائجها على المستوى التنظيمي، وأهم نتائج غياب المركزية إن على المركز تحمل نتائج تصرف الأطراف وضرورة تنقية أعلى للصفوف.    

ثالثا:  اعتدنا على أن لا تقترب حالات الإشتباك العسكري من إسرائيل، وأن إسرائيل استطاعت أن تضع إطارا أمنيا يحمي محيطها.  حتى رغم تسيب الحدود مع سورية لما يزيد عن ثلاث سنوات فلم تذكر حالة تسيب أمني اسرائيلي بفضل التعاون الإسرائيلي السوري الإيراني.  ولكن الطائرة أقلعت واسقطت من منطقة قريبة جدا من الحدود الاسرائيلية،  وهذا يجعل مطارات جنوب اسرائيل والطائرات التي تستخدمها في المدى المجدي لهذه الأشتباكات. وقد اصيبت هذه المطارات بحركة قوية من تعديل وتغيير في اقلاعاتها وهبوطها ومسارات طياراتها.  فاسرائيل التي تتبجح ببيعها منظومة احباط الصواريخ المضادة للطيارات المدنية تريد أن تعرف بالضبط ما الذي اسقط الطائرة الروسية ،  وتصلي ليلا نهارا أن يكون الفاعل هو قنبلة داخلية كما حاولت أن تسوق.

رابعا:  أن التعاون الروسي الإسرائيلي الصامت خلال سنوات الثورة والذي دخل علنا منذ الغزو الروسي لسورية لم ينفع أي منهما.  فالتعاون المخابراتي لم ينفع بتوقع الهجوم، والتعاون العسكري لم يستطع إحباطه.  وإن كان بدا هذا التعاون مركزا على شمال إسرائيل والساحل السوري اللبناني ولكن عليه أن لا يسقط من حساباته الآن الجنوب الإسرائيلي.  بل أن الخط البياني الذي نراه الآن مع سقوط طائرة الشحن الروسية في جنوب السودان يشير بأن البحر الأحمر لم يعد منطقة أمان اسرائيلية أو روسيا.       

خامسا: ينتج عن النقطة السابقة والواقع الجديد أن استراتيجية مواجهة التابع - المتبوع ستتغير تدريجيا في الدولة،  فالتابع مع القاعدة هو الأنظمة العربية والإسلامية،  والمتبوع هو المركزية الغربية المتمثلة في الثنائي واشنطن - لندن. والقاعدة تبنت الهجوم على المتبوع مباشرة بينما كان الدولة الإسلامية يقدم الهجوم على القوى التابعة.  لذلك تعتبر دوائر الاستخبارات الغربية أن القاعدة أخطر عليها من الدولة الإسلامية.  مع الواقع الجديد ودخول روسيا إلى سوريا فالتصنيف سيختلف،  فهل روسيا تابع أم متبوع؟  إلى وقت قريب كانت تعتبر خطا منفصلا عن الغرب، ولكن من الواضح أنها وضعت نفسها في صف واحد مع الولايات الامتحدة الأمريكية على الأقل على صعيد المواجهة مع الجماعات الإسلامية في المنطقة.  وسيشعر المسؤولون عن الدولة أن مقاربة القاعدة لهذه القضية لها أيضا قيمتها الذاتية وأنه عليهم دراسة هذه التطورات ونتائجها.        


سادسا:  التحالف الدولي سيدخل حالة زعزعة وقد يُلغى أو يحجم دوره لأقل ما يمكن،  فنرى من طرفٍ عديدا من الدول أولها كندا تراجع دورها في هذا التحالف العسكري. ونرى دولا عديدة قد تبنت سياسة "المواجهة الإجتماعية" من خلال استقطاب معانات أبناء المنطقة وإعادة تأهيلهم رغبة بالابتعاد عن الاصطفاف مع الموقف الأمريكي من المواجهة على الأقل العسكرية.  هذه الدول تمتد من اليونان وألمانيا والاسكندنافيات لتصل إلى اسبانيا؛ مثالها الضربة الإعلامية التي كللت بتعيين مدرب كرة قدم سوري في أحد أندية اطفالها، هذه المواجهة الإجتماعية والتي طبعا لها أبعادها السكانية والإنسانية الأخرى تأمل أن تخفف من حدة المواجهة العسكرية  واستجلاب بعض الدعم الشعبي الإسلامي، ولاسيما بعد أن شعرت هذه الدول كيف تخلت عنها واشنطن في أوكرانيا والقرم.  فهذه الدول تسير باتجاه اصطفافات محايدة في المواجهة العسكرية مع العالم الإسلامي.  طبعا أفسدت التدخلات الفرنسية ضد الدولة موقف فرنسا بهذا الاتجاه وأتوقع أن تكون فرنسا مأوى العلويين قريبا.  أما روسيا فنقلت نفسها إلى صف الدول التابعة.

هكذا فإننا نمر باصطفافات جديدة، تتطلب هذه الاصطفافات قدر كبير من الحكمة وليونة عالية وتكتيكات دقيقة لنصل إلى استراتيجية سلام واستقرار وحرية في المنطقة.  

محي الدين قصار 
شيكاغو 
11 تشرين الثاني  (نوفمبر) 2015
نشر في اللوموند أيضا 
لقراءة المقال في اللوموند


http://www.lemonde.us/2015/11/blog-post.html
   


No comments: