يقول المثل "عدو عاقل خير من صديق
أحمق"، فكيف والسوريون يملكون نظاما مجرما
مجنونا ومعارضة حمقاء خرقاء. كتبتُ في
آب 2011 ـ والتاريخ مهم هنا - خاطرة سريعة بعنوان "الحوار ولكن مع من؟" وكنت
قد اقترحت ثمان خطوات عملية تستطيع أن تضع أسس "مباحثات" ممكنة مع النظام،
ولم يكن هناك بعد عسكرة للثورة ولم يكن هناك عدد الشهداء قد تجاوز الخمسة آلاف
شهيد. اليوم وبعد 200 ألف شهيد وسبعة
ملايين مُهجّر مازالت المعارضة عاجزة عن وضع ما طلبتُه قبل ثلاث سنوات كمؤشرات حسن
نية من النظام، بل أن الكثير من هذه
الشروط التي وضعتُها تضمنها إعلان جنيف الأول الذي أتى بعد مقالي بعشرة أشهر، ولم
يطالب أحد الدول العظمى بتطبيق أي منها أو أن يجعلها شرطا لحضور جنيف الثاني، فما فائدة الثاني إن لم يطبق الأول؟ إليكم نص المقال بالكامل فما زالت صالحة برأيي، أما ما يحدث اليوم فلاتتجرأ المعارضة على
اشتراط مثل هذه الشروط، وقد يكون السبب كامنا بأن هذه المعارضة ـ بعقلها الجمعي ـ تعتقد
أن هذه الشروط تنطبق عليها لو استلمت الحكم، وقد يكون وعجز رؤيتها للحكم وللثورة تجعلها
تعتقد أن وسائل الحكم لهذا النظام هي نفسها
التي سيورثه لها لتحكم بها. فكيف تسأله أن
يطبقها؟ هل تستطيعون رؤية أثر هذه الشروط
على أي حكومة قد تستلم زمام الأمور بعد سقوط لانظام؟
الشروط الثمانية:
- اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم من اعتقل في المظاهرات.
- سحب جميع أشكال التواجد المسلح من شوارع مدن وقرى سورية.
- تكليف الأمن العام (الشرطة) ووزارة الداخلية بتنظيم الأمن.
- الزام جميع عناصر المخابرات والأمن السياسي وماشابهها بالإلتزام في الدوام في فروعها وثكناتها ومراكزها وتعليق كل مهامها خارج قطعاتها إلى إشعار آخر.
- إلزام جميع قوات الأمن بترك أسلحتها في مراكزها ما لم تكن في مهمة رسمية وفي لباس رسمي موحد.
- إلحاق الحرس الجمهوري ومختلف قطعات القوات المسلحة ووضعا بشكل فعلي تحت تصرف وزارة الدفاع وقيادة الأركان العامة.
- اغلاق مكتب الرقابة ورفع شرط الترخيص لممارسة الاعلام المحلي والعالمي والكف عن عرقلة عمله.
- إلغاء أي قانون يتعلق بضرورة الحصول على ترخيص مسبق للتظاهر والتجمع.
نص المقال بالكامل:
يردد النظام السوري عبارات مفرغة من
المفاهيم تجاهلها لما يزيد عن 50 عاما من حكم أسد. فقد صم النظام اذنيه عن
كل شعارات الحوار التي رفعتها المعارضة بكل انواعها منذ بدايات ربيع دمشق إلى عشية
مذبحة درعا. و أتى النظام يتملق أشباه السياسيين وينفض الغبار عن بعضهم
ليدعي أنه يريد الحوار.
الثورة تدعو سرا وعلانية للحوار، فهذا
مطلبها الأول ولكن الحوار ليس مع النظام بل الحوار بين فعاليات وقوى المجتمع
السوري، فالثورة تدعو إلى حوارِ لا مكان للنظام وقواه فيه. فما اقترفت
يدا النظام هذا العام وحده جعله خارج أي تغطية شرعية وسحبت منه كل جدوى التحاور
معه. ما لا يريد أن يدركه النظام أن الثورة افقدته شرعيته. فالثورة
وردة فعله عليها جعلته خارج الشرعية وخارج التاريخ وخارج مستقبل سورية الممكن.
فالثورة ترفض الحوار الذي يقود إلى أنصاف حلول، وترفض حوارا يحاول النظام أن
يكون طرفا به.
فلا بد للنظام من ادراك هذا الكلام ولا بد
له الخروج من حالة النكران التي يعيش في وهمها. وبإمكان النظام أن يظهر
تفهمه للواقع السوري الجديد الذي فرضته الثورة عليه. فإن أراد النظام أن
يقدم مبادرة فهناك الكثيرمن الخطوات الفعلية – لا الوعود المستقبلية – التي يستطيع
أن يبدأ بها. ولو بدأ بها فسينظر الثوار عندها في إمكانية التنسيق –
وأقول التنسيق لا الحوار – مع هذه الخطوات خلال مرحلة انتقالية لمدة قصيرة لنقل
مثلا شهر واحد حول نقاط تطبيقية تسمح لخلق جو للحوار الوطني، وبإمكاني ان أعطي بعض
النقاط التي يمكن أن تُلزم السلطة نفسها بها من جانبها وتحولها إلى واقع قائم
لتفتح المجال للحوار الحقيقي بين اطراف المجتمع وقواه المختلفة.
وخلال هذه الخطوات سيظهر النظام حسن نيته وجديته في درب التغيير الوطني وأضع بعض
الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر:
- اطلاق سراح جميع المعتقلين
السياسيين بما فيهم من اعتقل في المظاهرات.
- سحب جميع أشكال التواجد المسلح
من شوارع مدن وقرى سورية.
- تكليف الأمن العام (الشرطة)
ووزارة الداخلية بتنظيم الأمن.
- الزام جميع عناصر المخابرات
والأمن السياسي وماشابهها بالإلتزام في الدوام في فروعها وثكناتها ومراكزها وتعليق
كل مهامها خارج قطعاتها إلى إشعار آخر.
- إلزام جميع قوات الأمن بترك
أسلحتها في مراكزها ما لم تكن في مهمة رسمية وفي لباس رسمي موحد.
- إلحاق الحرس الجمهوري ومختلف
قطعات القوات المسلحة ووضعا بشكل فعلي تحت تصرف وزارة الدفاع وقيادة الأركان
العامة.
- اغلاق مكتب الرقابة ورفع شرط
الترخيص لممارسة الاعلام المحلي والعالمي والكف عن عرقلة عمله.
- إلغاء أي قانون يتعلق بضرورة
الحصول على ترخيص مسبق للتظاهر والتجمع.
من الممكن لهذه الخطوات الأولية أن تطبق في
يوم واحد وأن تفتح المجال لحوار لاحق، فهي تظهر أنه في داخل
النظام بقايا تيارا اصلاحيا ما. ولكن لنكن على يقين بأنها ليست نهاية
المطاف. إنه مما لاشك فيه أن الثورة أسقطت النظام، وأن ردة فعل النظام على
الثورة أنهى صلاحيته. وأن أي حوار في ظله لن يكون ممكنا، لذلك هذه
الخطوات ممكن ان تطبقها قوى النظام “الإصلاحية” لا تهدف ولا يمكن أن تهدف لإعادة
احياء النظام، ولكنها تساعد على تخفيف تكاليف هذا التحول إلى الديمقراطية لا
على الثورة وحدها ولكن على السلطة وأتباعها أيضا.
لقد أثبتت الثورة السورية درجة عالية من
الحس الوطني والوعي بالمصلحة العليا للبلاد. فإن اتخاذ هذه الخطوات الثمانية
من قبل النظام ما هو إلا آخر “معروف” يفعله النظام لبعض الصالحين في
صفوفه.