تسير في حاضرات العالم العربي والإسلامي لتفاجئ بمقدار الفوضى التي تحكم الحياة اليومية للناس فيها، ولكن على مستويات مختلفة فيما بينها. في دمشق مثلا تجد الناس لا يأبه أحد بقانون السير ولا قواعد المرور رغم كل ما قيل وكتب ودرس في الشرع الإسلامي. والأهم من هذا أن الفرد يشعر أنه لا علاقة لها بالتدين. وأخب أن ابين هنا كيف تربط الكثير من الأمور بالفقه والشريعة. في بداية السبعينات كنت في التاسعة من عمري سمعت من الشيخ هشام الخطيب رحمه الله في جامع الفردوس في دمشق خطبة جمعة ما زلت أذكرها، يتكلم فيها عن "المصلحة المرسلة" خلاصتها أن من يخالف السير وقوانينه فهو يخالف الشرع الحنيف. طبعا الحكاية لها ما يزيد عن خمسين سنة وسأحاول أن آخذ بيد القارئ لنصل إلى حل لرؤية للفوضى التي تحكم الشارع العربي على الأقل في دمشق.
هناك لائحة من اصول الفقه المرتبة بحسب اولوياتها. الاجماع فيها على الكتاب والسنة النبوية. وتمتد بعدها بخلافية بين العلماء منها القياس والمصلحة المرسلة إلى ان تصل إلى رأي الصحابي وعمل أهل المدينة وما إلى هنالك. وأنا في سفر بعيد اليوم عن مكتبتي لاتمكن من التفصيل النهائي في الأمر ولكن من الممكن مناقشتها في يوم لاحق.
المصلحة المرسلة من مسائل اصول الفقه، وهي مسئلة خطيرة لوجود الظنية فيها. فمن يحددها؟ سؤال لابد للدولتنا الجديدة أن تضع معايير لتحقيقها. فعلى سبيل المثال، كيف نقرر أننا بحاجة لمدرسة أو سجن نبنيهما من المال العام؟ أيهما أولى (مصلحة) طبعا الجواب عند العامة غير مقبول لأن القرار لابد أن يأت من الحاكم سواء كان اسلاميا أم غير اسلامي. وما هو مصلحة اليوم قد لا يبقى مصلحة غدا. لذلك تنبع أهميتها.
هذه الفكرة لها تطبيقات كبيرة في المجتمع الحديث. فكما اذكر قول الشيخ هشام الخطيب رحمه الله، فعندمل يضع الحاكم "اشارة مرور" في شارع عام فعمله يأتي من "مصلحة مرسلة" وتشريعه يحمل الصفة القانونية يعرض المخالف للمسائلة القانونية كما يحمل المضمون الأخلاقي الإسلامي. فمن خالفها يقوم بذنب (اخلاقي) يحتاج ألمواطن أن يستغفر ربه كمن اتى بزنب إسلامي. فمن مثر اشارة المرور وتأدى إلى أذية أحد فو ذنب وجريمة. ذنب اخلاقي وجريمة تحت القانون.
بالتأكيد سيكون هناك نقاش لمثل مقولتي هذه. ولكن تخيلوا لو أننا قلنا: أن رمي القمامة في الحاوية من "المصلحة المرسلة" (أو السرعة العالية أو الترك السيارة في غير المسموح، أوالبيع بسعر أعلى مما قرره الحاكم إلى أخره من أمثلة) فيصبح كل من رماها خارج الحاوية مذنبا شرعا وقانونا. بالتأكيد هذه الفكرة ستمكن الدعاة من مشايخ وخطباء الجمعة أن يحفزوا الناس للالتزام بتعاليم الدين وبالتالي ينتهوا إلى تذكية البلد ليصبح الطيب آمن اهلها.
محي الدين قصار
دمشق 12 ايلول 2025
No comments:
Post a Comment