Monday, September 29, 2025

في الطريق إلى الشام 8: مجلس الشعب واهل الحل والعقد بين الواقع والكلام

 يحمل الكثيرون  افكار وتصورات واهمة فيما يتعلق بتشكيل مجلس الشعب والانتخابات في الدول الديمقراطية. وأنا لن أفصل كيف كان الغربي ولا سيما في امريكا يخاطر بحياته بمجرد أنه قرر الذهاب إلى صندوق الإنتخابات في يوم من الأيام. فكان يعرض نفسه للقتل في طريقه للصندوق لأنه ينتمي لفئة سكانية غير الفئة المسيطرة.  فالأنتخاب والتصويت ليست هي المسألة المطلوبة في مسألة الحكم. بل هو التفويض الذي يحصل عليه المرشح من الناس أو من أغلبيتهم حسب الظروف الحاكمة للبلد في لحظة تاريخية معينة.  فمن يعيش في سويسرا اليوم تختلف ظروفه عمن يعيش في بلد كسوريا. فكيف بامكان السوري اليوم ان يسير امور بلده من خلال الظروف الراهنة بعد سنوات الدكتاتورية والتسيب الطويلة.  هل ننتظر لينتظم كل شي لننتخب اهل الحل والعقد من ابناء الشعب؟  أم "نصلي على الحاضر" فنسدد ونقارب الصفوف لكي نقترب من الحلول الأمثل.  والحلول المثلى لا تعني بالضرورة نهائية.  فأي حل نجده هو تابع للزمن وسيتغير قدر مناسبته بقدر تغير الزمن. هل نبدأ بحل ثم نقوم بتعديله حسب ما نراه في المستقبل؟ أم ننتظر أن نجد الحل الأنسب لتطبيقه؟   

برأيي ان الإنتظار لا يفيد.  وسيوسع الفجوة في مشاكل البلد،  فلا بد من الإنطلاق الفوري بمعالجة المشاكل القائمة ثم نقوم لاحقا بتصويب الأفعال والحلول المتبناة حسب الواقع وتغيراته.  

دور مجلس الشعب اليوم وغدا:  

بالنسبة لي أي من التشاريع الحديثة قائمة على القاعدة الأصولية: أصل السياسة قائم على استجلاب المصلحة ودرء المفسدة.  هذا الإستجلاب والدرء يعتمد اصلا على اصول الفقه الحنيف. فما اتفق عليه الأصوليين من قرأن وسنة مثلا لا خلاف عليه.  فمثلا لا يختلف الناس بأن الدولة عليها "محاربة الفقر"  ولكن يبدأ الخلاف في كيف؟ ومن سيدفع ثمن الحرب على الفقر؟ وقد يتوهم البعض أن الجواب بسيط، هو كذلك عندما نتكلم عن الفرد.   ولكن في المجتمعات لاتسير الأمور بهكذا بساطة على مستوى مجتمعات. 

ونضع مثالي المفضل: 

هل نبني سجن أم مدرسة في مدينة ما؟  

هل نبني مدرسة ام مشفى في مدينة ما؟

الحالة البسيطة،  نبني كلاهما.  ولكن ما العمل إذا لم يكن المتوفر من المال والموارد كاف إلا لإحدى الخيارات. بهذه الحال لا بد من وجود حاكم او مجلس يتخذ القرار النهائي. من هنا  تاتي اهمية "المنفعة المرسلة" في فقهنا.  فرغم ان الإنفاق في كلا الحالات شرعي ولكن وحده صاحب المال من يقرر ما الذي يحدث في ماله ومن يتصرف به.  فلايجوز للحاكم أخذ المال (المكس) إلا بتفويض من صاحبه. هذا التفويض يقوم على عدة أمور: 

اولا من اين يأت المال؟ 

ثانيا كيف ينفقه؟

 إذا كنا نرى مع بعض التوسع نجد أن الحاكم اسلامي كان أم غير اسلامي لا حق له في شريعتنا بمال الناس،  لذلك لا بد من أن نفوض من يمثلنا (المجلس) ليستطيع ادارة الدولة.  ومن غير هذا التفويض لا حق له بمال الناس وإن لم ياخذه لمصلحته الحاصة. فالمجلس هو وحده من له الحق بفرض الضريبة ليسد انفاق الدولة.  

كما أنه من طرف الآخر نحتاج هؤلاء المفوضين لاقرار استعمالات المال العام حسب "المصلحة المرسلة" في شرعنا.  فإن أقر المجلس مصلحة ما للأمة ، يُقرعندها انفاق المال عليها (مثال السجن أو المدرسة اعلاه)   

هذه النقاط تحمل الكثير من التعقيد، وقد بسطتها قدر الإمكان، والمجلس القادم لن يكون بالكمال المرجو.  فما أيريده أن يبدأ بترسيخ بعض النقاشات والمسائل الأولية لكي نستطيع أن نبني ما يبدو "فقها دستوريا"  بعد سنتين مثلا. ودون هذا البناء وهذا الفهم سنبق نحمل الغرب في طيات دولتنا أردنا ذلك أم لا.   

  

Sunday, September 21, 2025

في الطريق إلى الشام 7 التشريع والشرع الحنيف وتنظيم دولتنا

تسير في حاضرات العالم العربي والإسلامي لتفاجئ بمقدار الفوضى التي تحكم الحياة اليومية للناس فيها، ولكن على مستويات مختلفة فيما بينها. في دمشق مثلا تجد الناس لا يأبه أحد بقانون السير ولا قواعد المرور رغم كل ما قيل وكتب ودرس في الشرع الإسلامي.  والأهم من هذا أن الفرد يشعر أنه لا علاقة لها بالتدين.  وأخب أن ابين هنا كيف تربط الكثير من الأمور بالفقه والشريعة.  في بداية السبعينات كنت في التاسعة من عمري  سمعت من الشيخ هشام الخطيب رحمه الله في جامع الفردوس في دمشق خطبة جمعة ما زلت أذكرها،  يتكلم فيها عن "المصلحة المرسلة"  خلاصتها أن من يخالف السير وقوانينه فهو يخالف الشرع الحنيف.   طبعا الحكاية لها ما يزيد عن خمسين سنة وسأحاول أن آخذ بيد القارئ لنصل إلى حل لرؤية للفوضى التي تحكم الشارع العربي على الأقل في دمشق. 

هناك لائحة من اصول الفقه المرتبة بحسب اولوياتها.  الاجماع فيها على الكتاب والسنة النبوية.  وتمتد بعدها بخلافية بين العلماء منها القياس والمصلحة المرسلة إلى ان تصل إلى رأي الصحابي وعمل أهل المدينة وما إلى هنالك.  وأنا في سفر بعيد اليوم عن مكتبتي لاتمكن من التفصيل النهائي في الأمر ولكن من الممكن مناقشتها في يوم لاحق. 

المصلحة المرسلة من مسائل اصول الفقه،  وهي مسئلة خطيرة لوجود الظنية فيها. فمن يحددها؟  سؤال لابد للدولتنا الجديدة أن تضع معايير لتحقيقها.  فعلى سبيل المثال،  كيف نقرر أننا بحاجة لمدرسة أو سجن نبنيهما من المال العام؟  أيهما أولى (مصلحة)  طبعا الجواب عند العامة غير مقبول لأن القرار لابد أن يأت من الحاكم سواء كان اسلاميا أم غير اسلامي. وما هو مصلحة اليوم قد لا يبقى مصلحة غدا.  لذلك تنبع أهميتها. 

هذه الفكرة لها تطبيقات كبيرة في المجتمع الحديث.  فكما اذكر قول الشيخ هشام الخطيب رحمه الله، فعندمل يضع الحاكم "اشارة مرور" في شارع عام فعمله يأتي من "مصلحة مرسلة" وتشريعه يحمل الصفة القانونية يعرض المخالف للمسائلة القانونية كما يحمل المضمون الأخلاقي الإسلامي.  فمن خالفها يقوم بذنب (اخلاقي) يحتاج ألمواطن أن يستغفر ربه كمن اتى بزنب إسلامي.  فمن مثر اشارة المرور وتأدى إلى أذية أحد فو ذنب وجريمة.  ذنب اخلاقي وجريمة تحت القانون. 

بالتأكيد سيكون هناك نقاش لمثل مقولتي هذه.  ولكن تخيلوا لو أننا قلنا: أن رمي القمامة في الحاوية من "المصلحة المرسلة" (أو السرعة العالية أو الترك السيارة في غير المسموح، أوالبيع بسعر أعلى مما قرره الحاكم إلى أخره من أمثلة) فيصبح كل من رماها خارج الحاوية مذنبا شرعا وقانونا. بالتأكيد هذه الفكرة ستمكن الدعاة من مشايخ وخطباء الجمعة أن يحفزوا الناس للالتزام بتعاليم الدين وبالتالي ينتهوا إلى تذكية البلد ليصبح الطيب آمن اهلها. 

محي الدين قصار

دمشق 12 ايلول 2025 




Wednesday, September 17, 2025

لنتذكر ما فعل الفلول في الحكم الديمقراطي

 "الفلول"  حالة نفسية تصيب المرء كلما لم يتحقق له مراده، وبحسبب إيمانه بشرعة ربه أو بوطنه أو كلاهما تقصر وتطول هذه الحالة النفسية. وسنستمر هكذا إلى أن يتحول "الفلول" إلى حالة استثنائية. ومن الممكن للمرأ أن يحد من تاثيرها عليه وعلى محيطه ببعض التضحية. أما من لم ينتهِ  فكما تقول العامة عندنا "العصاية من الجنة" أما من يسعى لاستعمالها لإثارة الفتنه بين الناس كما استعملها البعض بمعركة الجمل وصفين وقتل عثمان ثم الإنقلاب على مرسي فلا ارى هؤلاء إلا أنهم محاربين لأننا رأينا تكاليف السكوت عنهم منذ ايام سيدنا علي إلى اليوم.   سأذكر بعض الشواهد والمشاهدات في سورية لهذه الفلول.  

ذهبت اليوم إلى دائرة السجل المدني (النفوس) في دمشق لاستخراح قيد نفوس.  طبعا كما يقال اليوم اول مرة بتفتح منذ اغلاقها حسب ماقالوا،  على بابها كان يقف عنصر مسلح صغير السن ربما 18 سنة لاغير.  يحاول أن يلزم ما يزيد عن 500 مراجع بالدور.  سألته أي وقت اكثر مناسبة قال لي حاول باكرا.  وقفت مترددا أحاول دراسة قراري، فمن الواضح أني لن اتمكن من الحصول علي طلبي اليوم.

كان هناك رجلا اطول مني بقليل يروي للناس حوله في هذه الجموع انه يريد فقط أن يذهب إلى محله في الطابق الثاني, سألته لماذا؟ قال عندي بضاعة.  لم اعره انتباها.  فصرخ أحد المنتظرين وبدأ بتصوير الجموع قائلا أنها سيرسلها إلى الجزيرة (القناة) بقيت فوضى البعض بينما على ما يبدو أنه ارسل خلف بعض التعزيزات.  ولكن كان الرجل طويل يتحرك بين الجموع يتكلم مع الجميع ويثير الفوضى حوله.  ليصل إلي أو وصلت إليه في الزحام.  فبدأ يقول لنا قصة أخرى عن سبب وجوده وكيف ان العنصر طرده وانه لا نظام و...  طبعا أنا لا اصبر على هذا.  قلت له ألم تقل لي قبل خمس دقائق انه عندك محل وبضاعة بالطابق الثاني. فأنتبه انه غيّر كذبته وابتعد عني. أخرجت هاتفي اريد أخذ صورة له،   رآني واعطاني ظهره.  وانطلق بسرعة بعيدا عن المكان،  تابعته اريد التأكد من الصورة ولكنه لم يلتفت لي حتى انتهى الشارع.  

المشهد كما اراه أن الزحام الموجود بعد فترة من انقطاع الخدمات يكاد أن يكون أمرا طبيعيا.  وهذا الرجل يحاول أن يخلق مشاكل وفوضى رغم دماثة اخلاق عناصر الأمن وصبرهم عليه ولكن هذا الرجل كان يريد أن تتحول المشكلة إلى مشكلة أكبر. ولكن عندما جابهته عرف أنه فضح وهرب. 

بعد أن عرفت متطلبات الحصول على جواز السفر حجزت موعدا على الساعة 11:30 صباحا. في الساعة 11:50 اعطوني موعدا على 2:00 بعد الظهر بنفس اليوم لأخذ الجواز بدون عذاب ولا مشكلة. ولله الحمد لا يوجد مشاكل. 

المهم ما نقول بأن "الفلول"  حالة نفسية تصيب المرء كلما لم يتحقق له مراده، وبحسبب إيمانه بشرعة ربه أو بوطنه أو كلاهما تقصر وتطول هذه الحالة النفسية. وسنستمر هكذا إلى أن يتحول "الفلول" إلى حالة استثنائية.  

        

Tuesday, September 09, 2025

خطوة في تاسيس الدولة المنشودة

 منذ فتح دمشق في الثامن من كانون  الأول، كثيرة هي الأحداث والتصريحات المسفوحة في الساحة السياسية السورية. وقد نختلف في ايها أكثر أهمية من غيرها،  ولكنني برأيي المتواضع يأتي تصريح الشيخ العرقسوسي عضو مجلس الإفتاء حول واجبات هذا المجلس هو الأكثر أهمية والأقدر على أن يؤسس لما بعده سواء رضينا على هذا الكلام أم لم نرض.  فالشيخ العرقسوسي قال في تصريحه بأنه "من واجبات مجلس الإفتاء أن يصحح القرارات التي تأخذها الحكومة ويرشدها"  أو بما معناه،  يومها قام بعض المعارضين لمقولة الشيخ العرقسوسي ولا سيما من العلمانيين السوريين بتقديم تصريحات مستنكرة مقولته.  يومها ماتت القضية أو سُكِت عنها ولم تجد فرصتها للنقاش والنمو.  في الحقيقة اغلب المسيسين السوريين (واكاد ان اقول العرب)  يعرفون طبيعة النظام السياسي الذي ينشدونه،  فالعلمانيين يرون نظامهم في الغرب أو في النظام الإشتراكي الحاليين.  أما الإسلاميين فكثير منهم ينظرون للنظام الإسلاني التاريخي ينظام منشود.  وبرأي أن مشكلة كل منهما تكمن ليس في معرفة نظامه، بل في تحديد الطريق للوصول إلى هذا النظام "المنشود"  وبرأي هنا تكمن المشكلة.  فإذا اعتبرنا الطريق، يعتبر كل منهما أنه بمجرد السير على طريق نظامه لا يمكن أن يتقاطع مع الطريق للنظام الآخر.  لذلك نرى ان الخشية من الآخر لا تبدو عند الوصول أو في درجات ومراحل متقدمة من الطريق، فالإعتراض على الآخر ينطلق في الخطوة من الطريق. 

وهكذا كانت محاولة الشيخ العرقسوسي لتوصيف اجزء من المراد في عمل مجلس الإفتاء انطلقت الحناجر بالإعتراض دون محاولة إدراك ما هي الإحتمالات التي يفتحهها تصريح الشيخ العرقسوسي.  بل ألتصريحات التي يمعنتها تشير إلى أن المعترض يحبذ أن تبق الأمور التشريعيى فوضوية على الأقل على أن تملك مرجعية تشرية راتبة. والعلماني السوري واضح في اعتراضاته حساسيته الكبيرة من كل ما هو شرعي اسلامي،  رغم ان الشريعة الإسلامية تعتبر مصدرا للقانون الفرنسي والدستور الأمريكي على سبيبل المثال.

فيتناسى البعض أننا لا نريد أن بني دولة في صباح الثورة بل دولة ولاّدة تعيش الألفية كاملة. لذلك لا بد من آليات ترعى عملية التقنين والتجديد في مجتمعنا بعيدا عن احتكار السلطة في اليد الجهة التنفيذية منها.   

Tuesday, September 02, 2025

للتاريخ فقط

في 2014 وعلى التلفزة المباشرة دار الحديث التالي مع مقدم البرنامج على قناة "روسيا اليوم" : 

- هؤلاء ليسو ارهابيين ولا متشددين بل طالبين للحرية 

* ولكن الا ترى قطع الرؤوس الذي يقومون به؟ 

- هذا لا يعني شيئا.  الثورة الفرنسية انشأت آلة لقطع الرؤوس وسمتها "مقصلة"  مات فيها 95000 فرنسي، ومع ذلك العالم يتبجح بالقيم الإنسانية للثورة الفرنسية.  المجاهدون لم يصلوا لهذا الرقم بعد. 


:-) لا يؤت المجاهدون من قبلك مهما تظن انهم أخطأوا.