يحمل الكثيرون افكار وتصورات واهمة فيما يتعلق بتشكيل مجلس الشعب والانتخابات في الدول الديمقراطية. وأنا لن أفصل كيف كان الغربي ولا سيما في امريكا يخاطر بحياته بمجرد أنه قرر الذهاب إلى صندوق الإنتخابات في يوم من الأيام. فكان يعرض نفسه للقتل في طريقه للصندوق لأنه ينتمي لفئة سكانية غير الفئة المسيطرة. فالأنتخاب والتصويت ليست هي المسألة المطلوبة في مسألة الحكم. بل هو التفويض الذي يحصل عليه المرشح من الناس أو من أغلبيتهم حسب الظروف الحاكمة للبلد في لحظة تاريخية معينة. فمن يعيش في سويسرا اليوم تختلف ظروفه عمن يعيش في بلد كسوريا. فكيف بامكان السوري اليوم ان يسير امور بلده من خلال الظروف الراهنة بعد سنوات الدكتاتورية والتسيب الطويلة. هل ننتظر لينتظم كل شي لننتخب اهل الحل والعقد من ابناء الشعب؟ أم "نصلي على الحاضر" فنسدد ونقارب الصفوف لكي نقترب من الحلول الأمثل. والحلول المثلى لا تعني بالضرورة نهائية. فأي حل نجده هو تابع للزمن وسيتغير قدر مناسبته بقدر تغير الزمن. هل نبدأ بحل ثم نقوم بتعديله حسب ما نراه في المستقبل؟ أم ننتظر أن نجد الحل الأنسب لتطبيقه؟
برأيي ان الإنتظار لا يفيد. وسيوسع الفجوة في مشاكل البلد، فلا بد من الإنطلاق الفوري بمعالجة المشاكل القائمة ثم نقوم لاحقا بتصويب الأفعال والحلول المتبناة حسب الواقع وتغيراته.
دور مجلس الشعب اليوم وغدا:
بالنسبة لي أي من التشاريع الحديثة قائمة على القاعدة الأصولية: أصل السياسة قائم على استجلاب المصلحة ودرء المفسدة. هذا الإستجلاب والدرء يعتمد اصلا على اصول الفقه الحنيف. فما اتفق عليه الأصوليين من قرأن وسنة مثلا لا خلاف عليه. فمثلا لا يختلف الناس بأن الدولة عليها "محاربة الفقر" ولكن يبدأ الخلاف في كيف؟ ومن سيدفع ثمن الحرب على الفقر؟ وقد يتوهم البعض أن الجواب بسيط، هو كذلك عندما نتكلم عن الفرد. ولكن في المجتمعات لاتسير الأمور بهكذا بساطة على مستوى مجتمعات.
ونضع مثالي المفضل:
هل نبني سجن أم مدرسة في مدينة ما؟
هل نبني مدرسة ام مشفى في مدينة ما؟
الحالة البسيطة، نبني كلاهما. ولكن ما العمل إذا لم يكن المتوفر من المال والموارد كاف إلا لإحدى الخيارات. بهذه الحال لا بد من وجود حاكم او مجلس يتخذ القرار النهائي. من هنا تاتي اهمية "المنفعة المرسلة" في فقهنا. فرغم ان الإنفاق في كلا الحالات شرعي ولكن وحده صاحب المال من يقرر ما الذي يحدث في ماله ومن يتصرف به. فلايجوز للحاكم أخذ المال (المكس) إلا بتفويض من صاحبه. هذا التفويض يقوم على عدة أمور:
اولا من اين يأت المال؟
ثانيا كيف ينفقه؟
إذا كنا نرى مع بعض التوسع نجد أن الحاكم اسلامي كان أم غير اسلامي لا حق له في شريعتنا بمال الناس، لذلك لا بد من أن نفوض من يمثلنا (المجلس) ليستطيع ادارة الدولة. ومن غير هذا التفويض لا حق له بمال الناس وإن لم ياخذه لمصلحته الحاصة. فالمجلس هو وحده من له الحق بفرض الضريبة ليسد انفاق الدولة.
كما أنه من طرف الآخر نحتاج هؤلاء المفوضين لاقرار استعمالات المال العام حسب "المصلحة المرسلة" في شرعنا. فإن أقر المجلس مصلحة ما للأمة ، يُقرعندها انفاق المال عليها (مثال السجن أو المدرسة اعلاه)
هذه النقاط تحمل الكثير من التعقيد، وقد بسطتها قدر الإمكان، والمجلس القادم لن يكون بالكمال المرجو. فما أيريده أن يبدأ بترسيخ بعض النقاشات والمسائل الأولية لكي نستطيع أن نبني ما يبدو "فقها دستوريا" بعد سنتين مثلا. ودون هذا البناء وهذا الفهم سنبق نحمل الغرب في طيات دولتنا أردنا ذلك أم لا.