Tuesday, December 24, 2024

افكار ثورية للنقاش : 2 ارتفاع الأسعار وطرق التفاعل معها

     

يعتبر "ارتفاع الأسعار" أو “انخفاض القوة الشرائية للعملات الوطنية" ظاهرة عالمية خلال السنوات الماضية.  ولكل بلد أسبابها الخاصة التابعة لتشكيلاتها السياسية والاقتصادية. ما يهمنا هنا هو القوة الشرائية للعملة السورية في يد المواطن السوري بعد التحرير. وهناك تفكيرا حثيثا في القيادة السورية الجديدة في إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه المشكلة التي تسيء بشكل كبير للحالة الاقتصادية والصحية لأبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة. كما أنها تراكم الكثير من المشاكل على الحركة الإنتاجية في الوطن. والاقتصادي يستطيع أن يطرح الكثير من الحلول في هذا المجال، ولكن أكثر الحلول اضرارا هو الحل الذي يربط تحسن القوة الشرائية بعامل واحد.  فهناك لائحة طويلة من الخطوات التي ستمهد لوضع خطط أو سياسات سيطرة على القوة الشرائية بشكل فعال. واستعرض هنا بعض الخطوات ببعض الانتقائية كما اراها اليوم وهذه الخطوات تعمل معا بشكل متواز وليست تراتبية .

أولى هذه الخطوات هو تفعيل دور المصرف المركزي السوري.  فالدور الحقيقي للمصارف المركزية هو إدارة صحيحة لعرض السيولة النقدية للبلاد. وهذا الأمر لم يعرفه المصرف المركزي السوري لأنه كان محكوما بالقرار الأمني وأولويات امنية لا علاقة لها بالمال والاقتصاد. والحال الصحي أن يكون هناك استقلالية صحيحة في إدارة المركزي عن النظام الحاكم. لذلك أنا أقترح أن تستعين السوريا بعدد من المختصين الذين هم بعيدون عن السياسة حاليا. وأقترح اسم الدكتور غياث شابسيغ الذي أمضى فترة جيدة في جبهة النقد الدولية ليكون حاكم المصرف المركزي السوري أو أن يُعين مستشارا للمساعدة في حل مشاكل النقد السوري. (ملاحظة الدكتور غياث من أصدقاء الجامعة وأنا أثق بقدرته رغم أني لم اره منذ أكثر من 24 سنة) وهذا لا يقل من قدره كما أنني لم أسأله رأيه باقتراحي هذا فأرجو منه أن يسامحني إن لم يكن راض باقتراحي. بكل أحوال، سأقوم بتحديث هذه الاقتراحات عندما اسمع التوجه الذي تتخذه القيادة مع قيادة المصرف المركزي في دمشق.

ثاني هذه الخطوات هو العمل على سياسات لضغط الإنفاق من العملة الصعبة. ومن أجل هذا نحتاج إلى محورين الأول هو تقليص الحاجة للطاقة ومنها البترول،  فقد يكون مفيدا أن نتواصل عن طريق سفاراتنا مع الدول التي نجحت في التحويل للطاقة البديلة مثلا السكندانافيات أو الطلب من الأخوة في المغرب أن ينصحونا برأيهم أو بخبرتهم في انتاج الطاقة البديلة. 

لاحظوا معي أنني لا أؤمن بالمشاريع الكبرى، بل اعتقد ان نجاح المشاريع الصغيرة هو الطريق المناسب لاقتصادنا.  هذه المقاربة ستوفر العملة الصعبة التي نستعملها في شراء الطاقة.  وإن كانت هذه الطاقة محلية الآن، ولكن التحول للطاقة المستديمة ستجعل الطلب على عملتنا الصعبة يتقلص وتوفر مزيدا من هذه العملات لمتطلبات بقية القطاعات الاقتصادية. (ملاحظة:  قد تتمكن الحكومة من الاستفادة من مساعدة الأمم المتحدة في تمويل مشاريع الطاقة المستديمة هذه تحتاج تفاصيل)    والآن يمكننا أن نعالج الطلب على الطاقة من حيث تحويل الطلب على الطاقة البترولية الاستهلاكية إلى الطاقة الشمسية في المنازل والبيوت.  (من الممكن لكل منزل أن يكون عنده تحولاته الخاصة به من الطاقة الشمسية، هذه التفاصيل تناقش على الأرض في وقتها) هذا التحويل سيتطلب تغييرات حقيقية في الإنشاءات الداخلية حيث سيبدأ الطلب عليها في زيادة على الطلب العمالة الداخلية وتتقلص العطالة عن العمل وتزيد الدخول الداخلية. وهكذا بمقاربة بسيطة إن نفذناها بنجاح ستحل مشكلة الطاقة في البلاد وبنفس الوقت ستحل مشكلة الطلب على العملة الصعبة قد لا يكون هذا الحل كلي، ولكن سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح.  طبعا عندما يخف الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة سيزداد الفائض منه للتصدير كما سيخف تكاليف الإنتاج المحلي وبالتالي سيزداد تنافسية البضاعة السورية داخليا وخارجيا.  وهكذا تتحرك الليرة السورية باتجاه التعافي. 

هذه بعض الأفكار السريعة لمعالجة الغلاء الفاحش والسيطرة على الأسعار في الداخل.   هذه السياسات ستلعب بالتعاون مع الدول المجاورة تركيا الأردن والسعودية وقطر مثلا ورا كبيرا في تقوية التعاون الشعبي بين الأشقاء.  وهذا حديث ليوم آخر.

ارحب بالنقاشات والأضافات

 

Thursday, December 19, 2024

افكار ثورية للنقاش : 1 ماذا يفعل الشباب؟

 الفعالية من اهم المفاهيم التي يدأب الطغيان على قتلها في نفوس الناس، وهي قضية مهمة نحتاج أن نبعثها من جديد لنبني وطننا عليها.  وهذه الفعالية تصيبها بعض التشوهات، وأحب أن اتعرض لفكرة واحده هنا، وهي الشعور المغالط لدى الناس أن أي عمل لابد له من أن يمر بـ"مؤسسة الدولة".   وهذه فكرة مُدمّرة علينا أن نستأصلها من مجتمعنا.  فالدولة في كل البلاد الناجحة لا تعتبر ضرورية لنجاح الأفكار. ولاسيما الأفكار الجديدة. 

لا يستطيع حاكم مهما بلغ علمه وحكمته من انتاج الأفكار الجديدة التي تحتاجها البلاد.  ولكن إن مَكّن افراد المجتمع من العمل على إنتاج الأفكار الجديدة سنجد البلاد تعج بالنجاحات بإذن الله. ومنذ فتح دمشق ويتواصل معي شباب واع وصادق منهم خريجي جامعة دمشق أو طلابها ومنهم طلابي السابقين في جامعة حلب (المحرر) يستشيرون في كيفية المساهمة في تطوير البلد.   جوابي الأول لهم أن يبدأوا بإمكاناتهم البسيطة وأن يختاروا زاوية معينة وصغيرة يعملوا عليها. فالحكمة السورية تقول "لا تكبر الحجر حتى ينضرب معك".  واليوم نحن بحاجة ماسة للطاقات الشبابية لكي تساهم في دفع عجلة الحياة نحو الأمام وبالاتجاه الصحيح.  ومن الأمور التي تنقصنا هو الترجمة العلمية في بعض الاختصاصات، فعندما كنت أُحضر لبعض الصفوف في الاقتصاد كانت مشكلة غياب المراجع الرصينة باللغة العربية، فكانت صعوبة الأمر أن تجد مرجعا مترجما وبسعر يناسب الحالة المالية للطلاب. 

فمن يريد أن يعمل لا بد له من تعلم مفاهيم العمل الجماعي بشكل عملي، فنجاح فريق العمل يتعلق بنجاح كل عضو في الفريق. وتحقيق الأهداف البعيدة لا يتم إلا عن طريق تحقيق الأهداف الصغيرة والمرحلية.  فالحرب تكتسب معركة - معركة، والمعركة تُكتسب طلقة – طلقة.  فيا شباب بلادي لننسا الدولة وانسوا المعارضة السياسية التي لا علاقة لها بالثورة. وركزوا على ما تنتجونه انتم وما تتعلمونه من تجاربكم.  


Tuesday, August 06, 2024

إدوارد سعيد

 صورة تذكارية لـ إدوارد سعيد وشقيقته روزماري في أحد استوديوهات التصوير في مدينة القدس _فلسطين. 1940م.



Friday, May 24, 2024

نساؤنا وعمتي الحسناء

مر بالأمس أول خميس عمتي الحسناء هيفاء قصار، وقد وصفتها بالـ"حسناء" في نعوتي لها رحمها الله واسكنها فسيح جنانه. مما أثار بعض الأخوة وكُتب تعليقا جميلا على الكلمة. فنحن في عصر ومجتمع يبحث الأغلبية على عناوين، يستحقونها أو لا يستحقونها، ولكن المرآه في مجتمعنا حتى اسمها لا تملكه فسرعان ما تصبح "ام محمد" و "ام سعيد" حتى ولو معها دكتوراه. وفي مجتمع مولع بالألقاب الخُلّبية مثل: "أكبر قرص فلافل" و"الأول على صف" من الطلاب (شاطرين كانوا او كسولين) و"أول من أوصل الكهرباء للمصباح" (أكمل اللائحة من عندك) يصبح للنساء وألقابهن في مجتمعاتنا موضع مهم و حساس.   فنحن ما نذكره اليوم مثلا أنهن أول من هاجم بأيديهن العاريات سيارات المخابرات وحررن الشباب في الساعات الأولى من الاحتجاز وقبل أن يصل الزبانية بهم إلى مراكز الاعتقال؛ فهل أحد منكم يعرف اسم أي من هن؟  وهل هناك لقب لهذا يمكن أن نستعمله؟ فهل هناك منصبا أو شهادة اسمها "محرِّرة الــ...  فلانه الفلانية" نضعها قبل اسم المرأة" فعندما تعمل الحرة في مجتمعاتنا لا يرى الكثيرون أعمالها، فكيف نلقب أختا كانت تطبخ لفيلق من المجاهدين؟  وأخرى كانت تحمل الرسائل للثوار وثالثة تمضي ليلها ترقب الطريق لهم؟ فهل هناك شهادات ونضعها قبل أسمائهن؟

فما هو اللقب الذي سأعطيه لعمتي وهي التي أمضت كل يوم ساعات تمنحني حب الدراسة وتُسمّع لي ما احفظه من اشعار شوقي والأخطل؟  وما هو اللقب المناسب الذي أعطيه لعمتي وهي التي شرحت عيناها لي محنة الأمة واليأس من استمرارية وضع الشباب في بلدنا؟ وماذا اسمي من استطاعت ان تعلوا على تعليمها لتدرك ما لا يدركه الكثيرون.

أيها السادة لسنا عدولا في مجتمعاتنا، ننجح ثم نخفي عوامل نجاحنا، وأول هذه العوامل هن اللواتي وقفن في صمت يدفعن بنا نحو الأمام في وقت يكون فعلهن جريمة في كثير من الحيان، وفعلن ذلك دون ان ينتظرن جزاء او شكورا.  فكيف اصفها رحمها الله وهي الدمشقية التي لم تكن تعرف في شبابها كيف الذهاب إلى سوق الحمدية وحدها، وكيف لا أزكيها وهي التي ربتني ولم يكن بيننا أكثر من سبع سنوات، وهي التي ربت بعدها أبناءها السبعة (العبير وأخواتها الستة حفظهم الله) فأخرجتهم بأفضل حالة ممكنه.

عندما كنا أطفالا أسرّت لي ـ رحمها الله - وكلانا كنا يحب أن يلعب لعبة كرة القدم في حديقة بيتنا، بأنها تتمنى أن تذهب للسويد لأن السويد في ذلك الوقت الأولى في الكرة النسائية. نعم كانت امنية مستحيلة التحقيق، ولكنها جرأت على التمني والحلم، لم تتحقق، ولكن هكذا الحلم، أولا أن تتجرأ عليه، وسيرسله الله في الأجيال إلى أن يحين قطافه. وفي حياتها كان شعار الثوار "خرجنا للحرية"، وكذلك سيرسل الله هذا الشعار في الأجيال تحت قيد التحقيق. 

رحم الله نسائنا، مَن رَحَمَ طفولتنا في ظروف ما كان لها أن تُرحم، وأنقذنا من براثن الجهل في عصر كان الجهل سيد الموقف، ورحم عمتي الحسناء هيفاء قصار فهي الحسناء ـ في نظري ـ رغم سنواتها السبعين وعظم الله أجر ذريتها المنتشرة على وجه الأرض.

محي الدين قصار

شيكاغو 24 أيار 2024     

 

Sunday, May 12, 2024

الشاعر العراقي "معروف الرصافي الأرملة المرضعة

 لقصيدة التي كتبت بدموع #الرصافي !

تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .
#الأرملة_المرضعة - للشاعر العراقي
كان الشاعر العراقي "معروف الرصافي " جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد
و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالاشارة من صاحبه ان يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن
ولكن صاحب الدكان خرج اليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد ان ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز
فما كان من الرصافي الا ان يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن
فرفض الرصافي و غادرها عائداً الى دكان صديقه و قلبه يعتصر من الالم ...
عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها و راح يكتب هذه القصيدة و الدموع تنهمر من عينيه
، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشكلة أجتماعية ((الفقر و الفقراء ))
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة
بل إن من روعتها نال درجة الدكتوارة بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس
وترجمت قصيدته الى اللغة الفرنسية والانجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا
كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ
في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا
تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ
وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا
تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً
وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا
وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا
وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا
بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً
وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ
مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ
وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ
أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي
بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا
فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً
تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا
كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ
وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ
لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا
هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ
وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا

Wednesday, February 21, 2024

القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي وصاحب العقد

 قال القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي: كنتُ مجاوراً بمكة، فأصابني يوماً من الأيام جوع شديد، لم أجد شيئاً أدفع به عني الجوع، فوجدت كيساً من إبرسيم (لعله نوع من القماش) مشدوداً بشرَّابة، فأخذته وجئتُ به إلى بيتي، فحللتهُ فوجدتُ فيه عقداً من لؤلؤ لم أرَ مثله.

فخرجتُ فإذا بشيخ يُنادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسُ مئة دينار،
ويقول: هذه لمن يردُ علي الكيس الذي فيه اللؤلؤ،
فقلت في نفسي أنا محتاجٌ، وجائع، آخذ هذا الذهب فانتفع به، وأردُ عليه الكيس.
فقلت له: تعال معي، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة اللؤلؤ، وعدده، فأخرجته ودفعته إليه، فسّلم إلي خمس مئة دينار، فما أخذتها،
وقلت: وجبُ عليَّ أن أعيده إليك، ولا آخذعليه جزاءاً،
فقال: لا بُد أن تأخذ وألحّ عليّ كثيراً، فلم أقبل، فتركني ومضى.
وبعدها بمدة، خرجتُ من مكة من الفقر وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناسُ، وهلكت أموالهم، وسلمتُ أنا على قطعة من المركب، فبقيتُ مدةً في البحر لا أدري أين أذهب! فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فاقمت في المساجد اصلي وأنام ، فسمعوني أقرأ القرآن حفظا، وجأني كثيرا منهم وقالوا علمنا القرآن، و يدفعون لي الأجر على التعليم حتى صار عندي الكثير من المال.
ثم إني رأيتُ في المسجد أوراقاً من المصحف، فأخذت أقرأ بها،
فقالوا لي: اوتُحسن القراءة والكتابة؟
فقلت: نعم،
فقالوا: علِّمنا الخط، فجاؤوا بأولادهم من الصبيان و الشباب، فكنت أُعلمهم، فزاد رزقي كثيرا،
ثم قالوا: عندنا صبيةٌ يتيمة، ولها شيءٌ من الدنيا (غنية)، نريد أن نزوجك بها، فإمتنعتُ، فاصروا وألزموني فأجبتهم وما كنت انوي.
فلما زفوها إليَّ صرت أنظر إليها، فوجدت نفس ذلك العقد في عُنقها، فما كان لي شُغلٌ إلا النظر إليه،
فقيل لي: يا شيخ!! كسرت قلب العروس من نظرك إلى هذا العقد،!!
فقصصتُ عليهم قصة العِـقد، فصاحوا بالتهليل والتكبير، حتى ضج جميع أهل الجزيرة،
فقلتُ: ما بكم؟!!
قالوا: إن الشيخ الذي أخذ منك العقد هو أبو هذه الصبية،
وكان يقول ما وجدت في الدُنيا مثل الذي رد علي العقد، ويدعو اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، وقد استجيب له بعد موته، ورزقت منها بولدين، ثم ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فكان العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال.
ذيل طبقات الحنابلة/ لابن رجب. بتصرف