عندما قال رفعت
الأسد لعناصره : "سأستبيح حماة اسبوع ومن سمعت أنه بقي بعدها فقيرا
سألعن....." لم يكن شيئا يُعبر عن "حركة شعبوية" مثل هذه
العبارة. فالحركة الشعبوية ليست ظاهرة
جديدة، فالطائفية السياسية التي تتمثلت
لاحقا بدولة :عدس" (علوي-سمعولي-درزي) ثم تحولت لاحقا لدولة علوية "سياسية"
عام 1966 ومن ثم إلى دولة علوية عسكرية عام 1971.
هذه الدولة ركبت أعناق الناس بادعائاتها اليسارية وغطاء أمّنته مصطلحات الاشتراكية
و"إعادة توزيع الثورة" التي لم تكن حقيقة إلا مفاهيم تضليلية ، فكانت وعوده هذه الدولة ليست إلا دغدعة للعواطف
وشراء ذمم وفرض الصمت المقترن بالقهر السياسي على المجتمع بينما تمارس هذه
الطائفية السياسية في نهب البلاد، وساعدها
في هذا الشراذم والمتسلقين من الأغلبية من السنة والطوائف الأخرى.
فعبارة رفعت
الأسد الشهيرة رغم ظاهرها الطائفي ولكنها سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى. فهي تعبر في الواقع عن حال الطائفة في ذلك
الوقت وفي يومنا هذا. فهو تعبير عن الفشل
الواضح في تحقيق أي تقدم حقيقي للطائفة يجعلها تشعر أنها أفضل من عامة السوريين
أقتصاديا، وقد كتبت قبل عشر أعوام :
"فأبناءنا من الطائفة الذين ينتمون للقوات المسلحة بشكل أو بآخر ما زالت شروطهم
المعاشية لم تتحسن. فهؤلاء ما زالوا يعيشون في ضواحي دمشق أوضاعا اقتصادية مشابهة لتلك
التي دفعت آباءهم للالتحاق بالقوات المسلحة والرحيل من الريف السوري قبل نصف قرن. وما
زالوا يشعرون بالأزمة الاقتصادية ولا يجدون منفذا لهم سوي الالتحاق بالقوات المسلحة.
ومما لا شك فيه أن هناك تحسنا واضحا لكثير من العائلات التي تموضعت مصالحها مع العائلة
الحاكمة لعقود طويلة. ولكن ما زال الوضع الاقتصادي للعامة الغالبة من أبناء الطائفة
لا يوازي أبسط الطبقات من الطوائف الأخري. وعلي من يشك بهذه القضية أن يتساءل عن المهارات
والحرف التي أمنتها الدولة كعملية تأهيل لأبناء هذه الطبقة. فاشتباكات عصابات حي (86)
الشهير مثال واضح علي الأزمة التي يعيشها أبناؤنا من هذه الطائفة. وان كان التطوع بالجيش
هو المخرج من قري الساحل قبل أربعين عاما فاليوم يبقي هو المخرج ذاته لأبناء الحي
86 من وضعهم الاقتصادي المأزوم. وهذا الوضع لم يكن نتيجة مؤامرة أمريكية ولا نزعة من
نزعات شيراك الشخصية. بل كان سياسة عامدة متعمدة مقصودة لذاتها من قبل الأسدين الأب
والأبن. فالهدف الأول وراء هذه الوضعية أن يؤمن النظام مصدرا يزوده باليد العاملة الرخيصة
وعناصر الأمن والقوات المسلحة التي يعتقد القائد زيفا ولائها الأعمي له بناء علي ولاءات
طائفية محضة."
الوضع اليوم لم
يتحسن للطائفة رغم تراكم المسروقات أو عائداتها المباعة في "سوق السنة"،
فتراكم المال لايعني القدرة على الانتاج،
والانفاق من المتراكم دون انتاج سيتوقف يوما من الأيام ما لم يجد رديفا بالإنتاج
او بالجريمة. فالوضع الاقتصادي مازال كما
هو ؛ ولا أمل بمخرج اقتصادي لهذه الطائفة؛ فهي ورغم 60 سنة من الحكم والنهب المنظم
لم تستطع أن تتحول إلى عنصر منتج في المجتمع ؛ فكل انجازاتها ومهاراتها لا تتجاوز
جهازي الأمن والمخابرات. فلم يستطع النظام أن يُعلّم أبناء طائفته مِهنا أو يمنحهم
شهادات يعملون بها، فبالتالي لا أمل لهم إلا بالتحاقهم بالأمن أو بالحرس الجمهوري
أو بالجريمة المنظمة.
اليوم تستمر
لعنتهم على سوريا، فمع سقوط النظام الحتمي
سيتم تنسيقهم من صفوف الدولة بشكل أو بآخر
تدريجيا (مع استمرار الحل السياسي) أو دفعة واحدة (مع انتصار عسكري) ؛ وتوقعي أن
تتحول مناطقهم ومستعمراتهم (يسمي
الدمشقيون أحياء العلوية المحيطة بدمشق بالمستعمرات) إلى مناطق موبوءة تتركز فيها
الجريمة والمخدرات. وحتى الآن لا نعرف مدى
الاختلال السكاني في الطائفة بين الذكور والإناث، وإن صحت التوقعات الأولية لدرجة
هذا الاختلال فإننا سنشهد الكثير من العائلات
منهم من غير معين ، وهذا الاختلال سيترافق مع المشكلة الاقتصادية وضعف الحامل
الأخلاقي سينتج عنه أن نضيف إلى نشاطات الجريمة المنظمة والمخدرات شبكات الدعارة.
ولن يكون غريبا أن نرى أن قيادات هذه الشبكات هي نفسها القيادات الأمنية
المسرحة أو المطرودة من أجهزة المخابرات أو الحرس الجمهوري. وهكذا سيجد العلويون أنفسهم يعملون للسيد
العلوي من جديد.
هذه المشكلة
ليست مشكلة علوية كما سيعتقد البعض. ولكنها
مشكلة سورية. فهؤلاء سيكون حجر عثرة في
نمو وتقدم سوريا الحرة. ولابد لنا من وضع السياسيات التي تكفل بمعالجة هذه المشكلة
بأعدل الطرق وأقلها ضررا على البلاد وأسرعها نتيجة. وإن كنت في مقالي هذا أتكلم عن المشكلة العلوية
ولكن في الحقيقة تعاني الأغلبية غير العلوية من مشاكل اقتصاديات ما بعد الحرب. ومازالت كل المفاوضات تدور حول مسائل لا علاقة
لها بجوهر مشاكل ما بعد سقوط النظام ؛
فالنظام وعملائه من المعارضة يعتقدون أنهم وضعوا الآليات التي تضمن تدفع
"أموال الأعمار" من المانحين إلى جيوبهم واحتكاراتهم. وهم يعملون تحت فرضية خاطئة؛ وهو استمرارية
الوضع الراهن (قبل 2011) فلا الشعب السوري
اليوم اصبح مثل ماكان قبل الثورة ولا متطلبات الإعمار تستطيع أن تُلبى بالقليل
القادم ما لم يستعمل بفعالية عالية.
فالثورة اليوم مطالبة أكثر من ذي القبل بالتفكير بمسائل مابعد النظام
المصيرية، ومشكلة العلويين جزء من هذه المشاكل،
ولكن مشاكل الأغلبية لا تعتبر "مُعضلات" إذا وضعت الأمور بيد أغلبية
مخلصة. وعليها –هذه الأغلبية - أن تفكر بلائحة
طويلة من المشاكل تبدأ بالتأهيل النفسي والاقتصادي لشباب الثورة و اعادة تأهيل
المؤسسة العسكرية والأمنية وتحرير العملية الانتاجية وأعادة بناء البنية التحتية ؛ ولا تنتهي
بالمشكلة العلوية ؛ ولكن المشكلة العلوية ستبقى وسيلة لاختراقات أجنبية (أبسطها
حالة شيعة لبنان مع إيران) ومن الممكن أن تكون هذه الطائفة وسيلة لعرقلة كل معالجات
المشاكل الأخرى .
محي الدين قصار
شيكاغو
1\1\2017
No comments:
Post a Comment