Tuesday, October 04, 2016

من "أم معارك" إلى "أم معارك": من القصير إلى داريا واليوم "معركة دابق وأمريكا":

معركة دابق مثال حي على تعاطي مركز الدعاية والتشتيت المعنوي التابع للبنتاغون في حربه ضد المسملين.  ومن لا يعرف هذا المركر نذكره بالإعلان عن تشكيله في مطلع القرن بإدارة بوش والذي ادعي لاحقا أن الفكرة غير ناجحة ولن يتابعها؛ ولكنها انتقلت إلى العمل السري عندما رفضها بعض اصحاب الضمائر الحية في المجتمع الأمريكي.  فالمركز نُسّق على أنه سري وانطلق يضاعف مئات المرات جهده من خلال رؤية (الفوضى الخلاقة)
هذا المركز ليس مركزا اعتباطيا بل هو يتابع وبشكل علمي ودقيق تطور الفكرة المسيطرة في العالم الإسلامي ويستعملها بناء على استراتيجيات معينة لتوجيه وُقُودَ المعارك وتسهيل التوريطات؛ فتارة هذه الدعاية تؤكد بعض الرؤى السخيفة التي لا فعل لها إلا عند أصحابها.  فمن هذه الأفكار التي رآها المركز أن "معركة دابق" كما وصفتها بعض الأحاديث (بغض النظر عن صحتها) ما هي إلا معركة حاسمة بين المسلمين والكفار.  بالطبع  يتم التطبيل والتزمير والنفخ والدعوة للمواجهة الكبرى لكي يتم استئصال الجميع. 
هذه ليست المرة الأولى التي يستعمل أعداؤنا هذا التكتيك الإعلامي معتمدين على غرورنا بأنفسنا وتمثلنا قول الله سبحانه وتعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"   وكم اكتشفنا أننا لسنا أهلا لهذا فيأتينا قوله تعالى بعدها:  " قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ

وقد تكلمتُ في العام والخاص على هذه القضية ومع قياديين عسكريين وميدانيين بأن المعارك لا تصنف قبل المعركة ولكن بعد أن تنتهي الحرب.  وأن قائد المعركة لا يصنفها ولا يصفها بل المؤرخ من يفعل هذا.  وكم كانت معارك الحسم المعلنة ما هي إلا قنابل دخانية لا أثر لها على الأرض وكم مرة خسرناها. 
وفي نقاشنا فقد اتفق معي كل من له رأي يمت للعسكرية بصلة؛ بأن النظام وإيران، ومن ثم النظام وروسيا وإيران، والآن النظام وروسيا وأمريكا وإيران، يستطيعوا أن يحتلوا أي منطقة صغرت أو كبرت في سورية إذا اتفقوا على استعادتها من الثوار.  وهذه ليست لها علاقة ببطولات الثوار، ولكن لأنه هناك علاقة بين الكم والنوع تحددها المقاييس الأرضية،  حتى المقاييس السماوية تعترف بهذه العلاقة ففي قوله تعالى مايكفي : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ {65} الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"  والأية الكريمة ومقولتي هذه لا تدعو إلى الفرار من الزحف، ولكن إلى تنزيل امور الواقع بما هو حقيقي،  فالواقع لا ينشأ في ثنايا الكتب والإشاعات التي يعبث بها العابثون. 

واستراتيجية النظام واضحة لا ريب فيها ؛ وقد وصرح عنها في الكثير من المناسبات على لسان بشار الأسد ومن الشهر الأول للثورة:
1.    تفريغ سورية من أهلها:  بشار الأسد يقول في أول صيفية للثورة ومباشرة للتلفزيون الأمريكي "من اراد الإنشقاق والخروج خارج البلد نسهل له هذا حتى يخرج" واليوم فقدت سورية ثماني مليون نسمة من أهلها السنة.  
2.   استئصال من لم يخرج بمعارك طاحنة تحسم الأمور لمصلحة النظام وتقوض النفوس ومشاعر الثورة بالجميع:
a.    كم مرة أعلن بشار للغرب بـ"أنكم إذا أغلقتم الحدود ومنعتم ايصال السلاح" فهو سيقضي على الثورة ويسحب المتبقي لديها من السلاح بغضون أسابيع.
b.   كم مرة بوتين تكلم عن ستاليين غراد في سورية.

إذا، ليس من الحكمة أن يضع المجاهدون كل بيضهم في سلة واحدة كما يقول المثل،  والثورة باعتراف البنتاغون لا يمكن أن تهزم إلا من داخل صفوفها.  فنحن مطالبين بانتهاج استراتيجية جديدة، اعلامية وعسكرية و....  تتكلم مباشرة مع الناس وتوقظ مشاعر العدل فيهم،  وتحفذهم وتضعهم في بوتقة واحدة، معلنة أن المعركة طويلة بل وطويلة جدا وأنها لا حدود لها حتى يأتي الله بنصره ويومئذ يفرح السسوريون. ولنا باخوتنا في فلسطين أسوة حسنة؛  فمن فتح إلى جيش التحرير ومن الأردن إلى لبنان إلى تونس ومن ثم إلى الضفة،  تغيرت أشكال النضال ولكن بقي النضال واحدا.

مع حملات التضليل المتاحة اليوم والتي جند لها العدو جيش من الدورجية بابخس الأثمان (اول صفحة أمريكية دفع تكلفتها الأمريكان 150 ألف دولار،  اليوم الصفحة يفتحها السوري لهم بأقل من عشرة آلاف دولار) يصبح الالتزام بالأصل من أصعب الأمور، وتمييز الحق عن الهوى من أهم ما يلزمنا في عملنا، فهذا الجيش من المضللين لا يواجهك بسلاحه بل يدخل عليك ليفسد عندك الرؤى سواء بما يتعلق بالأهداف أو بالوسائل التي توصلك لها؛  فإن كانت "مرج دابق" كمفهوم ستوصل عدوك لمبتغاه فسيصبح سيد المرسلين وإمام المحدثين.  فأخطر ما يتهددنا كأمة  هو ان تصاغ مصطلحاتنا ومفرداتنا من قبل العدو وأن نتبناها كما يريده هو لا كما يتفق مع تراثنا.     

No comments: