Monday, June 01, 2015

هذه المرأة لو كانت في أي أمة أخرى لنصبوها القديسة الآولى في تاريخهم :أتتفرَّغ للزواج والعرب يقتل بعضها بعضاً ؟


هنيسة بنت أوس بن حارثة بن لام الطــَّـائي 

حُـكيَ عن الحارث بن عوف بن أبي حارثة ، أنه قال لخارجة بن سنان :
- أترى أني أخطب إلى أحد ، فيردَّني ؟ قال خارجة بن سنان :
- نعم ، هو أوس بن حارثة بن لام الطــَّـائي .
قال الحارث : اركب بنا إليه .
فذهب إلى بلاد أوس ، فوجده في فناء داره ، فقال أوس :
- مرحباً بك يا حارث ، ما الذي جاء بكَ ؟ قال : جئتُ خاطباً .
فانصرف أوس ، ولم يُكلـِّـمهُ ، ثمَّ دخل على امرأته غاضباً ، فقالت له :
من الرَّجل الذي سلــَّـم عليكَ ، فلم تـُطل معه الوقوف ، ولم تكلـِّـمهُ ؟ فقال :
- ذلكَ سيِّد العرب الحارث بن عوف ، ولقد أهانني لأنه جاءني خاطباً . قالت :
- ألستَ تزعم أنه سيِّد العرب ؟ وإذا لم تـُزوِّج سيِّد العرب في زمانه ، فمن تـُزوِّج ؟ فتدارك ما كان منكَ بأن تلحقهُ ، فتردَّهُ .

ثمَّ مضى أوس حتى لحق بالحارث ، فقال لهُ :
- إنكَ لقيتني وأنا مُغضب لأمر ، فلكَ المعذرة في ما فرط مني ، فارجع ، ولكَ عندي كلَّ ما طلبتَ .

فرجع مسروراً ، ثمَّ دخل أوس منزلهُ ، وطلب من زوجته أن تدعو إليه كبرى بناته ، وعندما أتته قال لها :
- يا بُنيَّة هذا الحارث بن عوف سيِّد من سادات العرب ، جاءني خاطباً ، وقد أردت أن أزوِّجكِ منه فما تقولين ؟
قالت : لا تفعل ، لأنَّ في خلقي رداءة ، وفي لساني حِدَّة ، ولستُ بابنةِ عمِّه ، فيُراعي رحِمي ، ولا هو بجارلكَ في البلد ، فيستحي منكَ ، ولا آمنُ أن يرى فيَّ ما يكره ، فيُطلـِّقـني ، فيكون عليَّ بذلكَ سُبَّة .
قال لها : قومي باركَ اللهُ فيكِ .
ودعا ابنتهُ الثانية ، فقالت لهُ ما قالت أختها . ثمَّ دعا الصّغرى ، وقال لها :
- إني عرضتُ الزواج من الحارث بن عوف على أختيكِ فأبتاهُ ، فقالت لهُ :
- والله ، إني الجميلة وجهاً ، الرَّفيعة خلقاً ، الحسنة رأياً ، فإن طلـَّـقـني فلا أخلف الله عليهِ . 
فقال لها : باركَ اللهُ فيكِ . ثمَّ خرج إلى الحارث وقال لهُ : قد زوَّجتكَ يا حارث بابنتي هنيسة .

ثمَّ بعثها أبوها إلى زوجها ، وعندما دخلت عليه مدَّ يدهُ إليها ، فقالت لهُ :
- مَهْ ( كـُفَّ وامتنع ) ، أعند أبي وإخوتي ؟ هذا ، والله ، لا يكون أبداً .

ثمَّ أمر الحارث بالرِّحلةِ ، وفي بعض الطريق ، عندما قرُبَ منها ، قالت لهُ :
- أتفعلُ بي كما يُفعل بالأمة السَّبيَّة ، لا والله لا يكون هذا حتى تـنــحر الجُزر والغنم ، وتدعو العرب .
فقال في نفسه :
- والله ، إني لأرى همَّة وعقلا ً، وأرجو من الله أن تكون المرأة النـَّجيبة .

ثمَّ مضى وورد إلى بلاده ، فأحضر الإبل والغنم ونحر وأوْلمَ ، ثمَّ دخل عليها ، وقال لها :
- قد أحضرتُ من المال ما تـُريدين .
قالت : واللهِ ، لقد ذكرتَ من الشـَّـرف بما ليس فيكَ . قال لها : ولمَ ذاكَ ؟ قالت :
- أتتفرَّغ للزواج والعرب يقتل بعضها بعضاً ؟
وكان ذلك في أيَّـام قيس وذبيان أيْ حرب داحس والغبراء ، فقال لها : فماذا تقولين ؟ قالت :
- اخرج إلى القوم ، فأصلح بينهم ، ثمَّ ارجع إلى أهلكَ ، فلن يفوتكَ ما تريد . فقال في نفسهِ :
- والله ، إني لأرى عقلا ً ورأياً سديداً .

فخرج الحارث بن عوف وهـرم بن سنان حتى أتيا القوم ، ومشيا بينهم بالصّـلح ، فأصلحوا على أن يحسبوا القـتـلى ، ثمَّ تؤخذ الدِّيـة ، فحملا عنهم الدِّيات ، فكانت ثلاثة آلاف بعير ، وانصرفا بأجمل ذكر ، ثمَّ دخل الحارث على زوجته ، فقالت لهُ :
- أمَّا الآن فنعم . فأقامت عنده في ألذ عيش وأطيبه ، وولدت لهُ بنيــن وبنات .

وحفِظ التاريخ للحارث بن عوف وهرم بن سنان هذا العمل النبيل ، حيث أنهيا حرب داحس والغبراء بعد أربعين سنة من القتل والدَّمار والويلات .  


 وفي مديح الحارث بن عوف وهرم بن سنان قال زهير بن سلمى معلقته الشهيرة : 


أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِبِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّهامَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةًوَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةًفَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍوَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِهاأَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍتَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ
عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍوِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ
وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌأَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكوراً وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍفَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُوَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ
ظَهَرنَ مِنَ السوبانِ ثُمَّ جَزَعنَهُعَلى كُلِّ قَينِيٍّ قَشيبٍ مُفَأَّمِ
كَأَنَّ فُتاتَ العِهنِ في كُلِّ مَنزِلٍنَزَلنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَم يُحَطَّمِ
فَلَمّا وَرَدنَ الماءَ زُرقاً جِمامُهُوَضَعنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَماتَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُرِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
يَميناً لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُماعَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَماتَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعاًبِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍبَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِهاوَمَن يَستَبِح كَنزاً مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
فَأَصبَحَ يَجري فيهُمُ مِن تِلادِكُممَغانِمُ شَتّى مِن إِفالِ المُزَنَّمِ
تُعَفّى الكُلومُ بِالمِئينَ فَأَصبَحَتيُنَجِّمُها مَن لَيسَ فيها بِمُجرِمِ
يُنَجِّمُها قَومٌ لِقَومٍ غَرامَةًوَلَم يُهَريقوا بَينَهُم مِلءَ مِحجَمِ
فَمِن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةًوَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ
فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُملِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَرلِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُوَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةًوَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِهاوَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُمكَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِهاقُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ
لَعَمري لَنِعمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيهِمُبِما لا يُواتيهِم حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ
وَكانَ طَوى كَشحاً عَلى مُستَكِنَّةٍفَلا هُوَ أَبداها وَلَم يَتَجَمجَمِ
وَقالَ سَأَقضي حاجَتي ثُمَّ أَتَّقيعَدُوّي بِأَلفٍ مِن وَرائِيَ مُلجَمِ
فَشَدَّ وَلَم تَفزَع بُيوتٌ كَثيرَةٌلَدى حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ
لَدى أَسَدٍ شاكي السِلاحِ مُقَذَّفٍلَهُ لِبَدٌ أَظفارُهُ لَم تُقَلَّمِ
جَريءٍ مَتى يُظلَم يُعاقِب بِظُلمِهِسَريعاً وَإِلّا يُبدَ بِالظُلمِ يَظلِمِ
رَعَوا ما رَعَوا مِن ظِمئِهِم ثُمَّ أَورَدواغِماراً تَسيلُ بِالرِماحِ وَبِالدَمِ
فَقَضَّوا مَنايا بَينَهُم ثُمَّ أَصدَرواإِلى كَلَأٍ مُستَوبِلٍ مُتَوَخَّمِ
لَعَمرُكَ ما جَرَّت عَلَيهِم رِماحُهُمدَمَ اِبنِ نَهيكٍ أَو قَتيلِ المُثَلَّمِ
وَلا شارَكوا في القَومِ في دَمِ نَوفَلٍوَلا وَهَبٍ مِنهُم وَلا اِبنِ المُحَزَّمِ
فَكُلّاً أَراهُم أَصبَحوا يَعقِلونَهُمعُلالَةَ أَلفٍ بَعدَ أَلفٍ مُصَتَّمِ
تُساقُ إِلى قَومٍ لِقَومٍ غَرامَةًصَحيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخرِمِ
لِحَيٍّ حِلالٍ يَعصِمُ الناسَ أَمرُهُمإِذا طَلَعَت إِحدى اللَيالي بِمُعظَمِ
كِرامٍ فَلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِترَهُلَدَيهِم وَلا الجاني عَلَيهِم بِمُسلَمِ
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِشثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِبتُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُوَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَم
وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍيُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِعَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِيَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
ومن لا يزد عن حوضه بنفسهيهدم ومن يخالق الناس يعلم
وَمَن هابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَهاوَإن يرق أَسبابَ السَماءِ بِسُلَّمِ
وَمَن يَعصِ أَطرافَ الزُجاجِ ينلنهُيُطيعُ العَوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذَمِ
وَمَن يوفِ لا يُذمَم وَمَن يُفضِ قَلبُهُإِلى مُطمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمجَمِ
وَمَن يَغتَرِب يَحسِب عَدُوّاً صَديقَهُوَمَن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍوَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
وَمَن يزل حاملاً على الناسَ نَفسَهُوَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ

No comments: