بناء المفاهيم
السلبية في الإعلام السوري
في كثير من
الأحيان عندما أتكلم مع السادة الإعلاميين في الثورة السورية حول أهمية أن يكون
للإعلام الثوري استراتيجية عمل واضحة أجد في عيونهم الضياع، فتغيب عن أغلبهم مفهوم "الإستراتيجية،" وأحسنهم طريقة يفهم أن الإعلام هو أن تأخذ صورة
وترفعها، أو أن تقدم مداخلة على قناة
فضائية وتصرخ بالألم ومعانات شعبك قدر الإمكان.
وهكذا يصبح من الصعب جدا أن تتفاهم معهم حول "ماهية الرسالة
الإعلامية" التي يجب أن تصل للمشاهدين في لحظة ما؛ كما يصبح أكثر صعوبة أن
يتفق الإعلاميون على استراتيجية إعلامية حقيقية تخدم الثورة كما ينبغي.
وأحب هنا أن
أضع مثالا عن عملية بناء المفاهيم السلبية لدى المواطن في الإعلام السوري سواء كان
ذلك بحسن نية أو بسوء نية ؛ وكم هي كثيرة الأمثلة المشابهة لهذه في الثورة
السورية. وهذا المثال يعكس واحد من
أمرين: الأول أن المسؤول الإعلامي الذي
يقف خلف هذا الخبر لا يحمل من المهنية شيئا،
وبالتالي لايدرك تركيبة الخبر ومآلات الصياغة التي يصيغه بها، أو أنه يدرك هذا ولكنه يدس السم بالدسم.
فـ"مسار برس"
توزع مقالا على صفحات التواصل الإجتماعي وعلى الإيميلات بعنوان: "الاتحاد الأوروبي
يقرر تخفيف العقوبات عن سورية."
ومن يقرأ العنوان وحده لا يمكن أن يجد فيه صيغة أكثر إحباطا للثورة، فالعنوان وحده يستعدي السوريين على الأوربيين،
وهو يلعب على تعزيز مفاهيم النظام الذي زرعها في السوريين بأن السوري يقف وحيدا في
ثورته، ويزيد من احباط القارئ. والإعلامي
الذي كتب هذا الخبر مباشرة يناقض في نص الخبر نفسه كل هذه المفاهيم الذي حركها
العنوان وحده بالقارئ ، فمجرد أن يستمر القارئ في قراءة الخبر، فيجد أن الخبر يقول حسب ما أتى بمقال
"مسار برس":
"قرر وزراء خارجية
دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل تعديل العقوبات الأوروبية المفروضة على
سورية، من أجل تسهيل عمل الأمم المتحدة بإدخال مساعدات إنسانية إليها، إضافة إلى دعم
جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تقوم بإتلاف الكيماوي السوري.
كما قرر الاتحاد الأوروبي
إدخال بند جديد على العقوبات يفرض قيودا على التجارة بقطع أثرية أو قطع ذات أهمية تاريخية
أو ثقافية أو علمية أو دينية، تم تهريبها من سورية. ...إلخ. "
والسؤال
الحقيقي هل هو سوء نية أم جهل بالمهنة،
أنا أرجح أن يكون جهلا بالمهنة وغيابا لرؤية حقيقية للإعلام في الثورة
(اللهم إلا إذا كان القارئ يعرف ما لا أعرف عن "مسار برس") وقد أثبتت
تجاربنا منذ مطلع القرن أن الكثير من أدوات النظام تبدأ بهذا الشكل عندما يكون
النظام في أزمة ثم تسفر عن وجهها الحقيقي بمجرد أن يستقر الوضع له. فمثل هذا الخبر وبيد إعلامي يعرف مهنته ويحب
الثورة يمكن أن يصاغ مثلا تحت عنوان:
"أوربا تميز بين الشعب السوري والنظام السوري في عقوباتها." فأي العنوانين أجدر بالقراءة!