ليست عربية في ملامحها ولا تركية، هي أقرب لأن تكون أوربية منها لأي عرق
آخر، في منتصف العقد الثالث من عمرها، تقف وعلى وجهها تعابير وكأنه يُغرَسُ في قلبها
سكينا طويلا، والسكين يتابع الدخول ببطء
ودون أن يتوقف، والألم يعصر وجهها، تحاول
أن تشيح بوجهها عن شاشة العرض أمامها ولكنها تعجز، تتابع النظر بطرفي عينيها دون
جدوى، فهما مربوطتان بالشاشة بينما وجهها يحاول أن يديرها للإتجاه الآخر، الصور التي أمامها كابوس سيلاحقها ما بقي لها
من ذاكرة، خلفها تقف كورية تسترق النظر من
تحت كفها التي تغطي بها عينيها بينما رجلها لم يتمالك إلا أن يدير ظهره للشاشة لكي
لا يتابعها، أرقب المشهد وأحاول أن أحجب
الرؤية عن فتاة صغيرة لم تتجاوز الخامسة بعلم سورية الإستقلال لكي لا ترى مايدور
على الشاشة.
ورغم قلة الإضاءة وبعد
المسافة بيننا كنت أرى الدموع تقطر كالمطر في يوم عاصف من وجه الإمرأتين حالهما
كحال المئات من المارة الذين صادف مرورهم أمام اعتصام التي نظمها في مدينة استنبول شباب وصبايا سوريون
تحت عنوان "مجزرة بلا دم". وكأن الرعب الذي يدور على الشاشة
أمام المارة يصيبهم بشلل فلايستطيعوا متابعة المسير، فما يرونه هو مناظر مقتضبة لفتاة سورية لم تبلغ
العاشرة بعد تصرخ بأنها لا تزال "عايشة" وأب ينهار لاكتشافه أن ابنه مازال على قيد
الحياة.
بجهد جميل استطاع هؤلاء الشباب أن يضعوا صور
المأساة السورية أمام الآلاف من الناس في كل ليلة، وانا أيضا أصاب بعجز عن
الكتابة بشكل متزن، ( بل أنني كتبت الكثير هنا ولكنني لن أنشرها)، فمازالت السكين
تغوص في القلب رويدا رويدا وتمنعني من التفكير السليم وتصيب الرشد بالشلل لمجرد
الذكرى، ولكن ما يمكنني قوله هنا أننا في الثورة نملك الكثير من "أوهام القوة"،
البعض يسميها مدفعية والآخرون يسميها غطاء جوي، ولكن دموع هؤلاء هو أقوى ما نملك
لنصرة أهلنا. لقد قدمت أمتنا من الشهداء على
مدار ما يزيد نصف قرن ما لو وُزّع على أمم الأرض لسموا بها. ولكننا حولنا هؤلاء الشهداء إلى مجرد
ديباجة افتتاحية لمداخلاتنا التلفزيونية.
بعض من أخبار الفعالية مجزرة بلادم: مجزرة بلادم
No comments:
Post a Comment