يتسائل الكثيرون حول الوضع في سورية: ثم ماذا؟ ويستغربون عندما أجيبهم الثورة بخير والحال كله تمام، فليس من مهام الثورة أن تحسم المعركة مع النظام، فالنظام سقط وأنتهى وكل ما على الثورة أن تقوم به هو تعرية النظام، تعريته بإظهار وجهه القبيح للشعب في سورية وللعالم كله وهذا ما فعلته الثورة بكل وضوح، وتعريته أمام شعبه باظهار ضعفه وزيف إدعائات قوته. وهذا بالضبط ما فعلته الثورة لما يزيد عن خمسة أشهر، وكل انجازات الثورة هذه دون أن تطلق رصاصة واحدة على النظام، فمن منا لا يرى هذه الإنجازات: ولنعطي هنا أمثلة:
1. من كان يعتقد أن السعودية التي بقيت تمسك العصى من الوسط حتى عندما شتمها بأنها "أنصاف رجال" تتخلى عنه بالصورة التي تجري اليوم.
2. من كان يتوقع أن "الصديق الشخصي" التركي كما عرف عنه أسد في يوم من الأيام يُرسل له اليوم وزيره ليهدده في عقر داره.
3. من كان يتخيل أن دولا مثل قطر والكويت والبحرين تتبرء من النظام بعد أن علمتا أنه أرنب في ثوب أسد وهو الذي مارس البلطجة لسنوات طويلة عليها بحكم علاقته بإيران.
4. بل من كان ينتظر اليوم أن تقف روسيا وتنظر إلى أن موقع قدمها الباقي الوحيد في الأبيض المتوسط أصبح في مهب الريح وأن قاعدتها البحرية في طرطوس تحت الخطر فيما إذا استمر تعنتها ووقوفها مع النظام، وان استمرار هذا الموقف سيعرض هذه القاعدة للإغلاق عند انتصار الثورة الحتمي.
5. ويمكننا الكلام عن الإنجازات الداخلية الكثيرة: فقد فضحت الثورة عجز أجهزة النظام كلها، ولا نقول عجزها عن المقاومة الثورة، بل عجزها عن القيام بأبسط أدوارها أو إدارة حوار من أي نوع:
i. فنقابات العمال والفلاحين والحرفيين و.. كلها لا تعمل
ii. حزب البعث لا يعمل.
iii. القيادة القطرية لا تعمل.
iv. اتحادات الطلبة والشبيبة وحتى الطلائع لا تعمل.
v. المؤسسات التي كان يقف عليها النظام لا تعمل، حتى مؤسسة الشعائر الدينية لم يبق منها إلا البوطي وحسون.
vi. حتى القبيلة والعشيرة لا تعمل.
vii. حتى طائفة المقربين منه لا يعملون.
viii. حتى طبقة الأثرياء الطفولية الجديدة هربت أغلبها خارج البلد ولم يبق منها إلا المطلوبون دوليا.
ix. وها هو الجيش لا يعمل، فيعلنها بلسان النظام نفسه باستبدالات وتنقلات في القيادة بدأ من وزير الدفاع إلى رئاسة الأركان وقيادات الفرق والقطعات.
x. حتى نظام الأمن الشهير لا يعمل، فهو عاجز حتى عن استيعاب المهمات الموكلة له، فيستعين بالمرتزقة وفرق الموت الخاصة التي تذكرنا بمرتزقة "البلاك واتر" الأمريكية غير أن مرتزقة الأسد لا تحمل لا مهنيتها ولا قدرتها على الأداء وتحولت اليوم إلى عبئ على النظام أكثر من أن تكون سلاحا بيده، وأدع القارئ يتصور مالذي سيفعله هؤلاء إذا قال لهم النظام اليوم عودوا إلى بيوتكم.
فكل هذه الإنجازات لم يكن يتصورها عاقل، وقبل الثورة عندما كنت أتكلم بحماس مع اصدقائي في الجالية، كانوا ينظروا لي وكأن بي مس من الجن. فحولتها الثورة لا إلى خيال ممكن بل حولتها إلى واقع محسوس. وهؤلاء الطيبون اليوم يسألونني كيف الحسم وكيف تنتهي الأمور. فما زال البعض عندما يعجز على رؤية النهاية يعتقد أنه لا يوجد نهاية. فليس من مهمات الثورة الحسم. لقد أدت الثورة دورها وكل ماعليها أن تثبت أنها ما زالت تملك الشارع. المشكلة الحقيقية في قدرة أسد على رؤية الطريق أمامه بأنه انتهى، وهذه احد المشاكل عندما تواجه عدوا لا قدرة له على التجريد أو على إدراك الموقف. هذا مثاله كلاعب الشطرنج الذي بعناده أو بحماقته يستمر باللعب بينما وضع الأحجار على الرقعة يقول بأن اللعبة انتهت. فيعجز عن التسليم ويزداد تضحيته بجنوده من أجل معركة خاسرة.
وإذا كان هذا هو حال أسد ونظامه بعناده وحماقاته. فإننا لسنا مستعجلين لنرى نهاية النظام ولا حاجة لنا لأي عنف أو سلاح لمثل هذا. وهذا يذكرني بقصة المريض الذي قال له الأطباء بأن اصبع قدمه يجب أن تُبتر. ولكن بحث عند الأطباء عن حل، إلى أن وجد طبيبا مختصا قام بلف الإصبع بكيس فيه ملح وقال له دعه هكذا عدة أيام. فرح الرجل بالحل وسأله مستبشرا: يعني يا دكتور لا يحتاج إلى بتر؟ أجابه الطبيب: لا تحتاج للبتر لا تخاف سيسقط حده. ونحن نقول للأخوة الذين يتساؤلون عن النهاية: لاتخافوا النظام يسقط وحده. كل ما علينا إن نستمر بما نحن عليه منذ خمسة أشهر، فالشجاعة صبر ساعة.