كنت ما زلت في المرحلة الثانوية عندما تقاطر أخوتنا اللبنانيين على دمشق هربا من ويلات الحرب الأهلية خلال النصف الثاني من عقد السبعينات في القرن المنصرم. وقد حملت هذه الهجرة القصرية لدمشق بعض المظاهر الجديدة منها ظهور أول سائقة "تكسي" وأول قصاصة شعر للرجال،
ومن يعرف القوانين السورية يدرك أن سيارة الأجرة العمومية "التكسي" تحتاج ترخيصا خاصا من الدولة لتتمكن من العمل وهذا الترخيص يجعل سعر السيارة يصل إلى ثلاث أو خمس مرات سعر السيارة الخاصة.
ولكن كان اخوتنا اللبنانيين يعملون بسياراتهم الخاصة كسائقي تكسي في دمشق. وما زلت أذكر بأنني كنت أركب أحد السيارات العامة "سرفيس" وفتح الركاب هذا حديث سيارات لبنانيين التي أصبحت تنافس السيارات السورية العامة وتتحمل تكاليفا أقل. وكنت في ذلك الوقت حدثا لا يسمح لي عمري أكثر من الإستماع. ولدهشتي وجدت أن السائق السوري هو أكثر دفاعا عن هؤلاء "المنافسين" الجدد. رغم أنه عمليا هو الأكثر تضررا من منافستهم الإقتصادية.
هذه القصة عادت إلى ذاكرتي وأنا أرى التلفزيون السوري يكرر مشاهد الشكر والثناء على الرئيس الأسد لاستقبال سورية لهم. هل للأسد أي دور في هذه الحفاوة التي استقبل بها لبنانيين؟ فلبنانيونا عندما أتوا إلى سورية أتوا إلى بلدهم وأهلهم، فلم هذا التركيز على دور الأسد في استقبالهم. وهل يملك أي سياسي سوري أن يتخذ موقفا مغايرا لما يفعله السوريين في هذ القضية عن طيبة خاطر، إن كل سوري يرى بأن هناك محاولات تجيير مستمرة من القيادة السورية لجهود المقاومة اللبنانية وأن ابخس هذه المحاولات هو اللعب على آلام الهاربين من جحيم القصف. فالشعب السوري لا يحتاج لأوامر رئاسية ليقف إلى جانب أخيه اللبناني في أزمته. أما من يملك القرار السياسي فكان حريا به أن يعد جيشه ووسائل قمعه للدفاع عن الشعبين أمام الهجمة القذرة لا للمتاجرة بآلامهم دون أن يطلق طلقة واحدة.
No comments:
Post a Comment