أتتني رسائل مختلفه حول مقالي السابق: "تعليقا على فورد: قتله الأحنف" وبعضهم ممن اعتبروا أنفسهم من "الدورجية." وما يزعج بعضهم أن عقيدته الحزبية تمنعه من التعامل مع الإمبريالية العالمية المتمثلة بأمريكا "عدوة الشعوب المقهورة وعدوة الإسلام والمسسيحية." فالجواب لهؤلاء جميعا أن طلب الطهر حيث لا يكون هناك وجوب للطهر هو خداع للذات. بل مما يحسب للمثقفين والمعارضيين السوريين أنهم في مرحلة ما قبل الثورة أبدوا "مرونة عالية" في التعامل مع بعضهم ومع الفكر الآخر من أجل التحرر من الطاغوت. ولكن علينا إدراك أن "المناوراة الفكرية" كانت واضحه للجميع ولا داع لنكرانها، ولا أعتقد أن الأمر جلل إلا عند من يعتقد أنه كان يخدع الناس طوال هذا الوقت. ومن يشك في هذا عليه أن يعيد قراءة بعض من "كلمات في المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي لإعلان دمشق في الخارج" الذي انعقد في بروكسل في تشرين 2010. ومما قلته:
"لقد رأيت خلال حياتي تقلبات السياسيين، فأريت كيف يصبح اليميني يساري واليساري يميني، وشاهدت ابناء الفكر القاعدي يتجولون في شوارع واشنطن يتمولون من الحكم الأمريكي، ورأيت الرأسمالي يتحول لاشتراكي، والماركسي يصبح في يوم وليلة رأسماليا والاشتراكي ينقلب ليبراليا. وكل هذه التقلبات والتحولات التي تتم سرا وعلنا لا تخفى أبدا عن المواطن في بلدنا الحبيب، فأنا ثقتي كبيرة بهذا المواطن وثقتي كبيرة بحكمته وصحة تقديره، فمواطنينا لا ينظرون إلى هذه الحركات إلا على أنها علامات نفاق، وعلي الجميع التنبه إلى آثارها على مصداقيتهم أمام الناس.
إني على قناعة بأن مواطنينا يريدوا أن يرونا متمسكين بالثوابت الوطنية ولو كانت تعكس اختلافات ظاهرية، فأنا والمواطن في بلدي نريد أن يبق الكردي كرديا، وأن يبق الآشوري أشوريا، وأن يبق المسيحي مسيحيا والماركسي ماركسيا والبعثي بعثيا، وأن يبق المسلم مسلما، وأن نتسابق جميعا في تحقيق الخير لمجتمعنا وأهلنا، إننا الآن امام تحدي حقيقي يطرحه علينا مواطنينا، وهو أن نقدم لهم في اجتماعنا هذا رؤية واضحة وصريحة تحافظ على كل هذه المضامين وهذه التيارات فلاتلغيها ولاتنتقص منها شيئا؛ بل توحدها في بوتقة واحدة تنفع الوطن والمجموع دون أن تلغي الفرد وخصوصيته او خصوصية مجموعته. إنه هذا هو التحدي الحقيقي الذي نقف أمامه والجواب الذي ينتظره منا المواطن. "