أُعرّف الثقافة لطلابي على أنها "طريقة الفرد في
التعامل مع معلومةٍ وصلته" وهذا التعريف حفرته منذ بضع سنين وساعدني على
رؤية الكثير من المشاكل والقضايا من زوايا أخرى أكثر إفادة لغرضي. تحت هذه التعريف
اقرأ بعض الجمل التي اعتاد المسلمون أن يرددوها، ومن هذه المقولات: "القابلية
للاستعمار" وهي كلمة حق قرأتها في السبعينيات عند المفكر الجزائري "مالك
بن نبي" رحمه الله. كما تبناها شيخنا السوري "جودت سعيد" ليُلبِسها
ثوب الـ
"لا عنف" رحمه الله. طبعا لا
أحد من الذين عالجوا هذه النقطة استطاع أن يضع استراتيجية لتطبيقها أو أن يجد حلا
لتغييب أو التعافي من "القابلية للاستعمار" كما ينبغي. ومن وضع خطة ما لم تثبت السنون بنجاعة تطبيقها. وأنا لن أوجه لها النقد هنا فهي أداة لا ذنب
لها. ولكن المشكل قائم في التفاعل بين
الأداة والواقع الثقافي القائم.
فمن تابع البسط الثقافي مع الوقت اكتشف أن في ثقافة العامة
في وطننا - ومن غير وعي حقيقي لمشكلة الثقافة - ستُستعمل هذه الجملة كثيرا إلى أن تُفرغ
من محتواها ـ فلن تُخرج المواطن العادي من وضعية: "الاستلاب الحضاري"
التي وضعها علينا الاستعمار والتي مع محتوى هذه المقولة تُفرّغ المجرم عن مسؤوليته
وهمجيته وجريمته. بالأحرى وجدت أن كثير من
المرددين لهذه الفكرة من العامة هم الأكثر استلابا أمام الغريب. وأبسط مثال نراه في تطبيقهم لمسألة الحجاب
عندما يخرجون للغرب. ففي حين نرى المسلمين
الذين درسوا مصطلح "القابلية للاستعمار" يقع من يدرسونه في صف أول من
تخلى عنه بـ"حجة" سفرهم للغرب. وهذه الخاطرة ليست في معرض مناقضة الحجاب
فمن يريد أن يبحث في هذا يمكننا أن نفعله في مكان آخر.
لذلك استعملُ هذه
المصطلحات بحذر كبير. فلو نظرنا لبلد
الجزائر في 1830 لحظة الاحتلال لها لرأينا الفرق الكبير في التقدم بينها وبين
مستعمرها (الفرنسي)، فقد كانت فرنسا غارقة بالدين والجزائر تمدها بالقمح وما شابهه،
ففي نفس الوقت كانت الجرذان تباع في أسواق باريس وكانت أسعارها تأتي بالجريدة كما
نتكلم اليوم عن الأسهم في البورصة. فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: ما الذي
جعل آكل الجرذان الفرنسي يستعمر من أطعمه قمحا الجزائري ولقرون طويلة!
طبعا الإجابة على مثل هذا السؤال ستدور في صميم الثقافة المعتدية
وليست في الثقافة المسالمة. وبذلك نرى أن الطرح كان في صميم منطق العنف، ولكنه يرتدي
ثوب السلمية الزائف إن علِم صاحبها أم لم يعلَمِ. فمهما تكون المعالجات اليوم رغم
القناعة بأننا علينا التخلص من "القابلية للاستعمار" ولكن العمل الحقيقي
هو العمل الذي يستطيع أن يردع منطق العنف عند المستعمر. فالسؤال كما يقترح نفسه في
مصطلح "القابلية للاستعمار" يضع مسؤولية المرض على المريض وليس على الوباء،
وعلى الضحية وليس على المجرم، وكذلك "كما تكونوا يُول عليكم" فهذه
الرسائل التي يظن أصحابها أنهم يبحثون عن رفع المسلمَ وأداءَه، يضعهم هذا المصطلح
بالدعس على الضحية التي يريدون رفعها. فإن أردت أن تنقذ أحدا من منطق قوانين
الغابة التي تسحقه لا يمكنك أن تعتمد هذه القوانين نفسها إلا إذا توفر عندك شعبا
آخر ليسحقه مريضك كما سحقه المستعمر. فمقاومة هذا المنطق سينهي بك لتقع ضحية ما
تقاومه.
لقد طرحت هنا مولّدا للأسئلة أكثر من مجيبا عليها وقد
نتمكن في المناقشة الإجابة على بعضها إن وجدت الرغبة.
محي الدين قصار
شيكاغو 5/29/2023