انتصار سوريا اليتيم بأيد غير سورية:
مر الانتصار السياسي الوحيد لسوريا الثورة دون أن ينتبه له أحد، فلا أحد من
النظام ولا من المعارضة العصماء ولا من جيش الدورجية "الأبرياء" ادرك
عمق ومعنى هذا الانتصار. فقد حققت تركيا لنا هذا الانتصار المتمثل باتفاق أكبر
ثلاث دول معنية (روسيا وتركيا وإيران) على "وحدة الأراضي السورية" وهذه هي
الوثيقة الوحيدة خلال السنوات الخمس الماضيات التي تعترف أنه لا اتفاق ولا حلول مقبولة
ما لم تكون "سورية" وحدة سياسية واحدة.
وهذه إرادة سياسية تركيا ونهج تركي من ثوابت السياسة الخارجية التركية على
مدى عشرين سنة الماضيات. وهذه النقطة تقف في حلق كل من له علاقة بسورية من دول
الكبرى. ولا نستطيع أن نقول إن هناك فضلا
لأي من القوى الثورجية أو الثورية أو المعارضة في هذه القضية. فالإنجاز بذاته تركيٌ بحت، استطاع الأتراك
بحنكتهم أن يحشروه في حلق الروس والإيرانيين.
طبعا الأتراك لهم مصلحة قومية كبرى بهذا الإنجاز فوحدة الأراضي السورية
تعني استقرارا في تركيا. وهو انجاز يخرج
معارضا لكل المطلوب دوليا.
فالولايات المتحدة تكلمت مرارا عن ضرورة انتقال المعارضة السورية إلى الغرب
بعيدا عن تركيا، فبرأيها أن تركيا تترك أثرا غير إيجابي على مواقف المعارضة. ولكن امريكا
تخفي حقيقة في ذهن مخططيها مفادها أن الحل في سورية قد يكون شبيها بالحل في
العراق. وأن سورية مقسمة بين العرب والأكراد والعلويين/الشيعة هو الحل الأمثل الذي
يضمن استقرار نسبي، ويحول الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع "خفيف
الكثافة" مما يضمن قدرة أمريكية على استمرار التعامل معها دون الخروج عن السيطرة.
طبعا هذه الرؤية تناسب جزئيا كل من النظام الإيراني والروسي. ففي حال التقسيم سيخرج كل منهم بعميل محلي يخدم
مصالحه ولو كان يدور في فلك القوى الأخرى.
بل منذ 2016 تُسوَّق فكرة أن كل دولة تقوم بإعادة بناء قسم من سوريا، وقد
سوقت له روسيا بشكل رئيسي على أمل أن تستطيع أن تلتف هي وإيران على الحظر الغربي على
أموال إعادة البناء. ولكنه فشل هذا التسويق
بحكمة التعامل التركي الألماني وثبات قدم العربية السعودية في هذا المجال.
من هنا يأتي الاتفاق التركي الثلاثي كنصر لسوريا الثورة ولمخلصيها في الوقت
التي اضطرت لقبوله قوى الاحتلال على كراهية بعد أن عجزت عن إفشاله. ومن هنا نجد أن جيش من الدورجية هب لمعارضة هذا الاتفاق
بهذه الحِدّة، فالاتفاق وضع إطارا يخلق العثرات في طريق التقسيم الذي تسعى له القوى
الكردية الانفصالية، ولا يناسب فسد وخواتها التي تأتمر بالأمريكي فلا بد لها من الوقوف
ضد هذا الاتفاق، أما الطرف الثالث فهم حثالات الثورة ومدعي زعامة الجيش الحر المتأخرين
الذين باعوا انفسهم للأمريكي وشاركوا معه في الهجوم على عين العرب والرقة ولو كانت
مشاركة اسمية. فقد اكتشفنا (الأمريكيون)
ان هؤلاء "الضباط" لا يمتون للعمل العسكري بصلة ولا يحملون من صفة الضابط
إلا اسمه. ولم نستطع أن نستعملهم إلا إعلاميا
حسب تعبير أحد كبار الضباط الأمريكيين. ويستمر استعمالهم على هذا الأساس.
سواء كان من وقف ضد هذا الاتفاق من هؤلاء أو هؤلاء، فالأحداث "الإعلامية"
التي تلتها تؤكد بأن الثورجية-الدورجية لا يدركون الفرق بين الموقف السياسي
والتصريح السياسي. ولا يدركون من مصلحة
الوطن شروى نقير، والأهم من كل هذا أن سورية مازالت تحكمها العقلية "دون
الوطنية" فالرؤى المسيطرة على الجماهير ما زالت رؤى مناطقية وعشائرية بل وعائلية. وأن هذه الرؤى لم تبق حبيسة في الأرض السورية،
بل انتقلت مع المهجرين إلى مغترباتهم، فمازال عامة القوم، اللهم إلا اللم، لم
يتعلموا في مغاربهم أي شي جديد عن معنى الوطنية أبعد من معاني العشائرية ومصالحهم
الضيقة.
محي الدين قصار
شيكاغو 7/7/2022