الاقتصاد التركي وسعر الفائدة:
كثر الهجوم في الإعلام الغربي على تركيا
واقتصادها،
وقد وجدها الكثيرون ممن لا يحب الخير
لشعبنا في تركيا مناسبة لشن هجوم على إدارة الرئيس إردغان؛ فمنذ 2015 هناك محاولة
مستمرة في الإعلام الغربي للتشكيك بالنمو الاقتصادي الذي تحققه تركيا، والغرض من
هذه الحملة هو بث الشكوك وخلق حالة تشاؤم كي تمنع تحويل الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا. وحتى قبل أيام صدرت مقالات تحمّل الليرة
التركيا المسؤولية عن هبوط الأسهم لبعض المصارف الأوربية الغربية تحت ادعاء بأن
هذه المصارف لها "علاقة قوية مع تركيا". ولو صح هذا الكلام فمسؤولية
الحكومة التركية والبنك المركزي التركي هي أمام مواطنيها لا أمام المستثمرين الأجانب؛
وأقول إن صحت هذه الادعاءات، وإن كنت أعتقد بأن هذه الادعاءات غير مبنية على حقائق
اقتصادية. فكم يجب أن تكون نسبة الاستثمارات
في تركيا من مجمل استثمارات البنك الألماني أو الإسباني لكي يتأثر البنك سلبا كما
يدعي المدعون؟
وأحب هنا أن أتناول جانب واحد من مسألة
تحديد سعر الفائدة في تركيا، ونترك الجوانب الأخرى لفرص لاحقة. أو أسئلة السادة القراء، فما الذي سيحدث لو
أن البنك المركزي التركي يعلن رفع معدلات الفائدة؟
سعر الفائدة له علاقة سلبية بعرض النقود
في البلاد، فرفع سعر الفائدة سينقص من "عرض المال" (Monney Supply)في البلاد وسيجعل الاقتراض أكثر كلفة على المُقترض. كما
أنه سيرفع تكاليف "الفرصة البديلة "على المُستثمر. فبالتالي النتيجة الأولى لرفع سعر الفائدة هو
تبطئ الانفاق الأهلي وتخفيض الاستثمار. ففي
مجتمع يعاني من نسبة عالية من البطالة سيكون هذا دفعا للبطالة ومعدلاتها نحو الأعلى
وهكذا سيكون أمامنا جيشا جديدا من العاطلين عن العمل.
نقطة أخرى هنا: طبعا من المفيد للمستثمر الأجنبي رفع سعر
الفائدة إن كان هذا المستثمر مُقرِضاً للمؤسسات التركية فالمستثمر عادة يربط معدلات
فائدته بمعدلات فائدة البنك المركزي المعلنة. هنا يعتمد جواب سؤال "من هو المستفيد من
رفع الفائدة" على نسبة القروض الأجنبية المرتبطة بالفوائد المحلية
(التركية) مع نسبة القروض المرتبطة بأسعار الفوائد الغربية؛ فإذا كانت القروض (الأموال)
التركية أكبر نسبتها من الأجنبية أصبح تخفيض سعر الفائدة مفيدا للمُقترض (الصناعة)
المحلية التركية. وقد يكون مُضرا لمنشأة تركية معينة بحد ذاتها، ولكن مفيدا للبلد
ككل لأن المستفيدين أكثر من الخاسرين. طبعا
بهذه الحالة المستثمرين الأجانب لن يعجبهم هذا الكلام لأن هذا يقلل من عوائدهم
المالية. فهؤلاء شركاء في الربح والمغنم
ولا يستطيعوا أن يدعوا بأنه على المركزي التركي أن يغير الدنيا ليرضيهم. فهو مصرف
الشعب التركي لا مصرف "الأجانب". في الاقتصاد الكلي (Macroeconomics) هناك دوما رابحون وخاسرون، وعمل القيادة الاقتصادية
تطبيق السياسة التي تفيد الأغلبية بغض النظر عن أقلية ملتزمة بالبنوك الأجنبية وإن
كان بعضها تركيا.
نقطة أخيرة هنا أحب أن ابينها، بأن عمل السياسة هي دفع المفسدة
وجلب المصلحة، وهذا عمل "ترجيحي" لا يترك إلا للمختصين. لا يصح - في
الوقت التي تتبع المصارف المركزية العالمية والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي موديلات
الاقتصاد المعيارية الدقيقة Econometrics وبرامج الذكاء الاصطناعي Artificial intelligenceالتي تقوم بتحديث المعطيات ثانية بثانية على
مدار الساعة للتدخل وإعادة التوازن لقيم عرض النقود ـ أن يترك هذا الأمر للعامة
وللأبواق الإعلامية ولاسيما إذا كانت هذه الابواق من له أجندات غير وطنية.
محي الدين قصار
شيكاغو 11/29/2021
أرحب
بأسئلتكم 😊