جرت العادة أن يقام حفل صغير للحجيج العائد، يقف خلاله العائدون من الحج يروي واحجا واحدا للحضور ملاحظاته ومشاهداته في رحلته المبارك. في احدى السنوات كان المتحدث رجلا أمريكيا دخل للإسلام عن طريق زوجته، ودارت به الأيام وإذا به على حدود السبعين يجلس إلى جانب زوجته في طائرته إلى جزيرة العرب. فتكلم للحضور عن مشاهداته بعد أن وصف نفسه بـ“الحاج المتردد" لأنه لم يكن حقيقة راغبا بالحج. ولكنه أضاف بأنها ظاهرة فريدة في حياته لأنه لم يعتد السفر ولا من أجل السياحة.
من بين ما قال أن أكثر ما أثار انتبه هو دعاء الحجيج لله سبحانه وتعالى ، فذلك يدعو طالبا الصحة وذلك طالبا بيتا و وصف ما سمعه من أدعية التي تطلب الكثير من الدنيا والآخرة. وبين كل هذه الطلبات التي ترتفع إلى الله سبحانه وتعالى وجد أنه لا يملك أن يسأل شيئا. فهو عنده كل ما يريد المرء. ولكن سؤاله لنفسه كان: "علمنا لماذا أتى هؤلاء الناس إلى هنا ولكن لماذا اتيت أنا إلى هنا؟" أخيرا وضح الأخ بأنه وجد الجواب. فالله أتى به إلى هنا ليُعين به كل أولئك المحتاجون المعونة.
مقالته هذه جعلتني أرى في هذا "الحاج المتردد" التعريف العملي للإنسان العدل في قوله تعالى:
{75} وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {76}