تنطبق المقولة السياسية المشهورة بأن "الدبلوماسية
هي حرب بأدواة أخرى" على الواقع الذي فرزته أحداث الإسبوع، وعلينا إدراك
أن الدبلوماسية (المفاوضات) لا تعني نهاية الحراك العسكري ولا حتى إيقافه، والثورة تحتاج أن تفهم أن الحراك السياسية هو امتداد
للحراك العسكري وعلى كل منهما أن يبني على إنجازات الآخر. فما حصل هذا الإسبوع بعد اللقاء الروسي ـ الأمريكي
من المكن أن يكون خطوة في الإتجاه الصحيح نحو خير للثورة السورية إذا أحسنّا
التعامل معه. وإن كان البعض ينظر إلى
السياسة على أنها تعبير عن نيات السياسيين ولكن حقيقة هو محاولة التعبير عن ما هو
ممكن في هذه اللحظة، والإتفاق الذي تمخضت عنه مباحثات روسيا أمريكية يعكس قدرات
كلا اللاعبين على الفعل أومحدوديته.
فالضربة الإسرائيلية لقواعد صواريخ نظام
الطائفة العلوية بعد يومين من مذبحة بانياس لم تكن بالضربة العشوائية، فالمذبحة هو رسالة صريحة من الأسد للجميع يستعرض
بها قدراته الإجرامية التي هي جرائم ضد الإنسانية على المكشوف فيما إذا وجد نفسه
محاصرا. لذلك أتت الضربة الإسرائيلية
لقواعد الصواريخ اللصيقة بالقصر الجمهوري لتنهي وهمه بالقدرة على الردع أو بعمل
جنوني أخير في اليوم الأخير من حكمه إن فكر بضرب أي قوى أقليمية كما كرر عدة مرات بشكل
مباشر.
بهذا ذهب جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لروسيا
وقد سبقته رسالته التي حملتها الطائرات الإسرائيلية مفادها أن السلاح الروسي الذي
بيد الأسد سواء كانت صواريخ أرض - أرض التي دمرت أم رادارات وصواريخ مضادة
للطائرات لا تسمن ولا تغني من جوع في سورية.
فإن لم يزل هناك من يعتقد ولا سيما في الصف الروسي أن هذه الأسلحة أدواة
ردع عليه أن يعاود حساباته من جديد. كما
أن عجز النظام عن تحقيق أي تقدم باتجاه الحسم في "الهجوم المعاكس" الذي
تشنه قواته للمرة الثالثة على الأرض ووسائل إعلامه ودبلوماسيته يرافقها في هذا كل
الثقل الإيراني والروسي، جعل الروس في موقف مفاوض هو الأضعف.
من ناحية الطرف الأمريكي، فالضغط الداخلي
السياسي الذي تمارسه المعارضة الجمهورية على إدارة إوباما يجعل حكومة الديمقراطيين
تبدو عاجزة عن التعاطي على مستوى السياسة الخارجية، فالكونغرس اليوم يدخل في حراك ضاغط على البيت
الأبيض يدفعه لفعل شي على الصعيد السوري،
وأمام الكونغرس اليوم قانونا يفرض تقديم المساعدات بما فيها العسكرية
للثوار في سورية. وهكذا ذهب الطرفان
الأمريكي والروسي و لديهما رغبة بحل القضية السورية. هذه الرغبة سهلت لهما التوصل إلى إتفاق ما ولكن
هل هذا الإتفاق هو في مصلحة الثورة السورية؟
لا أعتقد أنه من المهم اليوم أن ننبذ هذا
الإتفاق أو نتقبله ولكن ما هو أهم هو أن ندرك الطريق الذي نسير به بعد هذا
الإتفاق، فعلى ما يبدو أننا سندخل مرحلة
ستطلب بها روسيا من عميلها بأن يحاول تحقيق أكبر عدد من الإنجازات على الأرض سواء
كانت عسكرية أو تطهيرية طائفية لكي يتمكن الروس من الدخول في المفاوضات ببعض
القوة، من طرف ثاني سيقدم الأمريكان مزيدا
من الأموال بغية تسهيل الوصول إلى اتفاق وسط.
الثورة اليوم تحتاج لمن يداهن في كل الأمور إلا
مع النظام، ومهما يكن موقف المعارضين
من الحوار مع النظام أو عدم الحوار معه، فعلى الثورة أن تدخل هذه المباحثات من
موقع القوة، فالروسي والإيراني يريدان أن
ينتهيان من هذه الأزمة بأقل الخسائر بعد أن بدأت تعصف بهما وتتجاوز قدراتهما على
الفعل. وسيمارس الطرفان الضغوط الكثيرة على النظام للقبول وتقديم التنازلات. أما الثوار فلن يتعرضوا للضغط الأمريكي إلا
بمقدار ما يسمح به المعارضون أنفسهم.
فالأمريكي لن يخرج منتصرا من هذه المباحثات ـ إن تمت ـ إلا إذا انتصرت
الثورة. لذلك على من يُمثل الثورة في هذه
المباحثات أن يدرك أهمية التصلب بكل المواقف التي تتعلق بالنظام. وعليه ان يدرك أنه حتى لو بدى الطرف الأمريكي
راغبا بممارسة الضغط عليه باتجاه معين ولكن سيكون هذا الضغط محدود الفعل.
ويمكن لممثلي الثورة في المباحثات أن يعززوا
قدرتهم على المناورة وفرض شروطهم بوسيلتين: الأولى والأهم أن تتراكم إنجازات
الثوار على الأرض في كل يوم وحتى بعد بدء المباحثات. ومع كل انجاز يحققه الثوار على الأرض تزداد
الإنجازات السياسية التي ستحققها المفاوضات إن أُحسن إستغلالها. أما الوسيلة الثانية الذي ستزيد من مناعة
المفاوضات للثورة فهي أن لا يدع الثوار أنفسهم يدخلون هذه المفاوضات وحيدين، فمهما
بلغت نباهة معارضينا الذين يتفاوضون، علينا أن ندعم حضورنا بحضور تركي - سعودي،
وإن إمكن سيكون الحضور القطري مفيدا جدا، فسورية وللعقدين القادمين لن تتمكن من
السير إلا معتمدة على عكازين أحدهما في الجزيرة العربية والأخرى في آسيا الصغرى
ونحن بحاجة لهما لكي لا يستفرد بنا النظامان الروسي والإيراني.
محي الدين قصار