نشرت في وكالة أنباء أوربا والشرق الوسط بتاريخ 6 أذار 2013
اليوم وعندما يقول لي معارضُ اللحظةِ
الأخيرة أنه "مقبلون على معارك ضارية قبل أن نزيح النظام." هو يراها نبوءة زكية من طرفه وأنا أعتبرها
إعترافا بجريمة ارتكبها بحق الثورة السورية وشعبها. فهذه النتيجة التي وصل لها أخيرا كان عليه أن
يحسب حسابها يوم تسلق على أكتاف المعارضة في الخارج ووقف يلوح من مركزه بأنه راغب
بـ"التصالح مع النظام،" ثم أعلن رغبته بـ"اسقاط النظام
الأمني"، وأمضى ستة أشهر لكي يرضى
بأن يلغي "الأمني" من عبارته، وحارب ستة أشهر أُخر لكي يضيف لها
"بكل رموزه" فتصبح اسقاط النظام الأمني بكل رموزه" فعلى مستوى
الأهداف: كما فأجئهم اندلاع الثورة فقد تلكأ معارضي الصف الأول بالوصول إلى الهدف
الحقيقي للثورة.
أما على مستوى الوسائل والكلام عن
مساعدة الثوار ومدهم بالسلاح والعتاد،
فالمصيبة أعظم. فعوضا عن أن تتهيأ قيادات المعارضة في الخارج بخطط مستقبلية
منذ اليوم الأول للثورة فتعد العدة لتزويد السلاح والعتاد للثوار، قامت هذه
القيادات بالمزاودة على الثورة في الداخل،
فمن المفروض أن عملها من اليوم الأول أن تؤمن للثوار الدعم بكل وسائله بما
فيه العسكري، فإن سقط النظام بالكفاح
السلمي كان بها، وإن لم يسقط كان السلاح
والعتاد جاهزا لتقديمة للثورة عند حاجته.
في الأشهر الأولى للثورة تكلم معي أحد الأخوة - ممن لا أشك بإخلاصه ولكن
أشك بصوابه في هذه النقطة - وطال الكلام ساعات لكي إذهب معهم في وفد لزيارة أحد
صانعي القرار على أن لا أطالب بالسلاح.
ولم أذهب لأن في قناعاتي أن على العمل المعارض في الخارج أن يكون مستعدا
للثوار عندما يحتاجوا السلاح. بل بلغت
ببعضهم الوقاحة أن يطلب مني أن أقدم محاضرة بمؤتمره على أن لا أطالب بتسليح الثوار
(كان ذلك في السنة الأولى.) طبعا لم أذهب
ولا أعلم فيما إدرك اليوم هؤلاء مقدار ما كانوا عليه من ضلال. بل أن أغلب الذين أسسوا تجمعات سورية في أمريكا
خلافا عن "الجمعية السورية الأمريكية" (ساس) لم يستطيعوا أن ينضووا تحت
جناح هذه الجمعية لإعتقادهم بأن موقفنا في ساس من قضية تسليح الثوار كان موقف
متطرف منذ اليوم الأول. واليوم إن سألتهم
ما الفرق بينكم وبين ساس لا يجدوا فرقا فقد إنتهوا إلى ما بدأنا به، فهل من هؤلاء
المعارضين من يستطيع أن يقنعنا أن مواقفهم المتلكئة من الدعم العسكري لم تدخل في
حسابات النظام ممازاد في تصلبه. بل أنه
حتى اليوم يعتبر أن تلكؤ هذه المعارضة بالمطالبة بـ"تدخل أجنبي" هو موقف
يصب في مصلحته ويعتمد عليه في خططه.
وقد يكون عند البعض غياب الخبرة
السياسية هو مصدر المشكلة، ولكن عند الأغلبية هذه المواقف ناتجة عن حسابات سياسية
صرفة ، يمكن تلخيصها بـ"المزاودة على
الداخل." فالمصطلح
"مزاودة" هنا لا يعني أن تقف موقفا أكثر تصلبا من الثوار تجاه
النظام، بل المزاودة هنا عندما تقف في
موقع أقل تصلبا من الثوار. فمن كان في
الخارج ويجعل سقفه سقف الداخل فهو يزاود على الثورة، فالقيادة في الخارج عليها أن تجعل سقفها أعلى
من سقف الداخل، وأن ترى المعركة النهائية للثورة وحاجاتها فتعمل على تأمينها من
اليوم الأول. فمحاولة التماهي مع الداخل -
بل أن الكثير من المعارضين كان سقفهم دون سقف الثورة في الداخل - يعني رغبة كامنه
عندهم أن يكونوا بديلا للنظام عن الثورة،
فتلكئهم كامن في حساباتهم بأنهم إن جعلوا أنفسهم أكثر قبولا لدى النظام لعل
النظام ينتهي بالتباحث معهم، فينظر لهم
على أنهم "حمائم" الثورة وبفضلهم على "صقورها."
وهذه حسابات سياسية، فعندما يتخذ المعارض موقفا وسطا بين النظام
وبين غياث مطر رحمه الله، ويخفي حساباته السياسية بمقولته بأنه "يريد
الإصلاح،" فهي خيانة لغياث
مطر (استعمل الشهيد مجاز عن الثورة السلمية) فإنه موقفا يخلتف لو أن المعارض الذي
يجعل غياث وسطا بينه وبين النظام. الموقف
الأول ينتج عنه استشهاد الحراك السلمي،
بينما يكون الموقف الثاني دعوة للحوار مع الحراك السلمي ودرعَ حماية لغياث
مطر رحمه الله. فالدور الحقيقي للمعارض في
الخارج أن يجعل النظام ينظر للثورة على أنها كل لا يتجزأ، وأن أقربهم إليه هم
الثوار في الداخل. وأنهم كلما زادت
متاعبهم أتاهم مستوى أعلى من القوة والتصلب على مستوى الأهداف ومستوى
الوسائل. لا أن يعتبر أنه كلما قتل من
الثوار في الداخل فالباقين البعيدين عن دائرة القتل (الخارج) هم أرحم عليه ممن
قَتَلَ.
أما اليوم وبعد سنتين
من الثورة يتفضل علينا المعارضون قائلين بأننا "مقبلون على معارك ضارية قبل أن
نزيح النظام" فلا نستطيع أن نجيب سوى
بعبارة واحدة : "صح النوم" وهذ في أحسن الأحوال.
3/6/2013
محي الدين قصار
No comments:
Post a Comment