Friday, May 24, 2024

نساؤنا وعمتي الحسناء

مر بالأمس أول خميس عمتي الحسناء هيفاء قصار، وقد وصفتها بالـ"حسناء" في نعوتي لها رحمها الله واسكنها فسيح جنانه. مما أثار بعض الأخوة وكُتب تعليقا جميلا على الكلمة. فنحن في عصر ومجتمع يبحث الأغلبية على عناوين، يستحقونها أو لا يستحقونها، ولكن المرآه في مجتمعنا حتى اسمها لا تملكه فسرعان ما تصبح "ام محمد" و "ام سعيد" حتى ولو معها دكتوراه. وفي مجتمع مولع بالألقاب الخُلّبية مثل: "أكبر قرص فلافل" و"الأول على صف" من الطلاب (شاطرين كانوا او كسولين) و"أول من أوصل الكهرباء للمصباح" (أكمل اللائحة من عندك) يصبح للنساء وألقابهن في مجتمعاتنا موضع مهم و حساس.   فنحن ما نذكره اليوم مثلا أنهن أول من هاجم بأيديهن العاريات سيارات المخابرات وحررن الشباب في الساعات الأولى من الاحتجاز وقبل أن يصل الزبانية بهم إلى مراكز الاعتقال؛ فهل أحد منكم يعرف اسم أي من هن؟  وهل هناك لقب لهذا يمكن أن نستعمله؟ فهل هناك منصبا أو شهادة اسمها "محرِّرة الــ...  فلانه الفلانية" نضعها قبل اسم المرأة" فعندما تعمل الحرة في مجتمعاتنا لا يرى الكثيرون أعمالها، فكيف نلقب أختا كانت تطبخ لفيلق من المجاهدين؟  وأخرى كانت تحمل الرسائل للثوار وثالثة تمضي ليلها ترقب الطريق لهم؟ فهل هناك شهادات ونضعها قبل أسمائهن؟

فما هو اللقب الذي سأعطيه لعمتي وهي التي أمضت كل يوم ساعات تمنحني حب الدراسة وتُسمّع لي ما احفظه من اشعار شوقي والأخطل؟  وما هو اللقب المناسب الذي أعطيه لعمتي وهي التي شرحت عيناها لي محنة الأمة واليأس من استمرارية وضع الشباب في بلدنا؟ وماذا اسمي من استطاعت ان تعلوا على تعليمها لتدرك ما لا يدركه الكثيرون.

أيها السادة لسنا عدولا في مجتمعاتنا، ننجح ثم نخفي عوامل نجاحنا، وأول هذه العوامل هن اللواتي وقفن في صمت يدفعن بنا نحو الأمام في وقت يكون فعلهن جريمة في كثير من الحيان، وفعلن ذلك دون ان ينتظرن جزاء او شكورا.  فكيف اصفها رحمها الله وهي الدمشقية التي لم تكن تعرف في شبابها كيف الذهاب إلى سوق الحمدية وحدها، وكيف لا أزكيها وهي التي ربتني ولم يكن بيننا أكثر من سبع سنوات، وهي التي ربت بعدها أبناءها السبعة (العبير وأخواتها الستة حفظهم الله) فأخرجتهم بأفضل حالة ممكنه.

عندما كنا أطفالا أسرّت لي ـ رحمها الله - وكلانا كنا يحب أن يلعب لعبة كرة القدم في حديقة بيتنا، بأنها تتمنى أن تذهب للسويد لأن السويد في ذلك الوقت الأولى في الكرة النسائية. نعم كانت امنية مستحيلة التحقيق، ولكنها جرأت على التمني والحلم، لم تتحقق، ولكن هكذا الحلم، أولا أن تتجرأ عليه، وسيرسله الله في الأجيال إلى أن يحين قطافه. وفي حياتها كان شعار الثوار "خرجنا للحرية"، وكذلك سيرسل الله هذا الشعار في الأجيال تحت قيد التحقيق. 

رحم الله نسائنا، مَن رَحَمَ طفولتنا في ظروف ما كان لها أن تُرحم، وأنقذنا من براثن الجهل في عصر كان الجهل سيد الموقف، ورحم عمتي الحسناء هيفاء قصار فهي الحسناء ـ في نظري ـ رغم سنواتها السبعين وعظم الله أجر ذريتها المنتشرة على وجه الأرض.

محي الدين قصار

شيكاغو 24 أيار 2024     

 

Sunday, May 12, 2024

الشاعر العراقي "معروف الرصافي الأرملة المرضعة

 لقصيدة التي كتبت بدموع #الرصافي !

تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .
#الأرملة_المرضعة - للشاعر العراقي
كان الشاعر العراقي "معروف الرصافي " جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد
و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالاشارة من صاحبه ان يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن
ولكن صاحب الدكان خرج اليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد ان ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز
فما كان من الرصافي الا ان يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن
فرفض الرصافي و غادرها عائداً الى دكان صديقه و قلبه يعتصر من الالم ...
عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها و راح يكتب هذه القصيدة و الدموع تنهمر من عينيه
، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشكلة أجتماعية ((الفقر و الفقراء ))
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة
بل إن من روعتها نال درجة الدكتوارة بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس
وترجمت قصيدته الى اللغة الفرنسية والانجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا
كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ
في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا
تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ
وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا
تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً
وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا
وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا
وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا
بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً
وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ
مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ
وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ
أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي
بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا
فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً
تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا
كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ
وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ
لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا
هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ
وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا