صورة تذكارية لـ إدوارد سعيد وشقيقته روزماري في أحد استوديوهات التصوير في مدينة القدس _فلسطين. 1940م.
من وحي الثورة
محي الدين قصار
Tuesday, August 06, 2024
Friday, May 24, 2024
نساؤنا وعمتي الحسناء
مر بالأمس أول
خميس عمتي الحسناء هيفاء قصار، وقد وصفتها بالـ"حسناء" في نعوتي لها
رحمها الله واسكنها فسيح جنانه. مما أثار بعض الأخوة وكُتب تعليقا جميلا على
الكلمة. فنحن في عصر ومجتمع يبحث الأغلبية على عناوين، يستحقونها أو لا يستحقونها،
ولكن المرآه في مجتمعنا حتى اسمها لا تملكه فسرعان ما تصبح "ام محمد" و "ام
سعيد" حتى ولو معها دكتوراه. وفي مجتمع مولع بالألقاب الخُلّبية مثل: "أكبر
قرص فلافل" و"الأول على صف" من الطلاب (شاطرين كانوا او كسولين) و"أول
من أوصل الكهرباء للمصباح" (أكمل اللائحة من عندك) يصبح للنساء وألقابهن في
مجتمعاتنا موضع مهم و حساس. فنحن ما
نذكره اليوم مثلا أنهن أول من هاجم بأيديهن العاريات سيارات المخابرات وحررن الشباب
في الساعات الأولى من الاحتجاز وقبل أن يصل الزبانية بهم إلى مراكز الاعتقال؛ فهل
أحد منكم يعرف اسم أي من هن؟ وهل هناك لقب
لهذا يمكن أن نستعمله؟ فهل هناك منصبا أو شهادة اسمها "محرِّرة الــ... فلانه الفلانية" نضعها قبل اسم المرأة"
فعندما تعمل الحرة في مجتمعاتنا لا يرى الكثيرون أعمالها، فكيف نلقب أختا كانت
تطبخ لفيلق من المجاهدين؟ وأخرى كانت تحمل
الرسائل للثوار وثالثة تمضي ليلها ترقب الطريق لهم؟ فهل هناك شهادات ونضعها قبل أسمائهن؟
فما هو
اللقب الذي سأعطيه لعمتي وهي التي أمضت كل يوم ساعات تمنحني حب الدراسة وتُسمّع لي
ما احفظه من اشعار شوقي والأخطل؟ وما هو اللقب
المناسب الذي أعطيه لعمتي وهي التي شرحت عيناها لي محنة الأمة واليأس من استمرارية
وضع الشباب في بلدنا؟ وماذا اسمي من استطاعت ان تعلوا على تعليمها لتدرك ما لا
يدركه الكثيرون.
أيها السادة
لسنا عدولا في مجتمعاتنا، ننجح ثم نخفي عوامل نجاحنا، وأول هذه العوامل هن اللواتي
وقفن في صمت يدفعن بنا نحو الأمام في وقت يكون فعلهن جريمة في كثير من الحيان،
وفعلن ذلك دون ان ينتظرن جزاء او شكورا.
فكيف اصفها رحمها الله وهي الدمشقية التي لم تكن تعرف في شبابها كيف الذهاب
إلى سوق الحمدية وحدها، وكيف لا أزكيها وهي التي ربتني ولم يكن بيننا أكثر من سبع
سنوات، وهي التي ربت بعدها أبناءها السبعة (العبير وأخواتها الستة حفظهم الله)
فأخرجتهم بأفضل حالة ممكنه.
عندما كنا
أطفالا أسرّت لي ـ رحمها الله - وكلانا كنا يحب أن يلعب لعبة كرة القدم في حديقة
بيتنا، بأنها تتمنى أن تذهب للسويد لأن السويد في ذلك الوقت الأولى في الكرة
النسائية. نعم كانت امنية مستحيلة التحقيق، ولكنها جرأت على التمني والحلم، لم تتحقق،
ولكن هكذا الحلم، أولا أن تتجرأ عليه، وسيرسله الله في الأجيال إلى أن يحين قطافه.
وفي حياتها كان شعار الثوار "خرجنا للحرية"، وكذلك سيرسل الله هذا
الشعار في الأجيال تحت قيد التحقيق.
رحم الله
نسائنا، مَن رَحَمَ طفولتنا في ظروف ما كان لها أن تُرحم، وأنقذنا من براثن الجهل
في عصر كان الجهل سيد الموقف، ورحم عمتي الحسناء هيفاء قصار فهي الحسناء ـ في نظري
ـ رغم سنواتها السبعين وعظم الله أجر ذريتها المنتشرة على وجه الأرض.
محي الدين
قصار
شيكاغو 24
أيار 2024
Sunday, May 12, 2024
الشاعر العراقي "معروف الرصافي الأرملة المرضعة
لقصيدة التي كتبت بدموع #الرصافي !
Wednesday, February 21, 2024
القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي وصاحب العقد
قال القاضي أبو بكر البغدادي الحنبلي: كنتُ مجاوراً بمكة، فأصابني يوماً من الأيام جوع شديد، لم أجد شيئاً أدفع به عني الجوع، فوجدت كيساً من إبرسيم (لعله نوع من القماش) مشدوداً بشرَّابة، فأخذته وجئتُ به إلى بيتي، فحللتهُ فوجدتُ فيه عقداً من لؤلؤ لم أرَ مثله.
Thursday, November 23, 2023
المسؤولية الشخصية
أحيانا كثيرة يعتقد فريق من الناس أن حالة الغلط التي هم فيها يعود سببها للبيئة او الظرف التي هم فيها، أو أنهم لم يروا نتائج حالتهم وطريقتهم، فيسألون لو أنهم حصلوا على "نذير" والنذير ليس بالضرورة صوتا في السماء، فمن اعتبر برؤيته لمصير الآخر فقد أتاه النذير، ومن رأى كيف وصل الآخرون لحل مشاكلهم فقد أتاه النذير، وهؤلاء يتوهمون غالطين أنه إن تغيرت هذه الظروف فإنهم سيمتنعون عن الغلط ويغيرون طريقتهم، وكثيرا منا يغادر قطره وتجده يحمل معه كل الممارسات الغالطة، فتجد أن الحرية التي حصل عليها في مغتربه لم تفده شيئا. وكأن الحرية واطلاعه على الحقائق الجديدة ورؤيته كيف تعيش الشعوب الأخرى (النذير) ورؤيته كيف تعلمت هذه الشعوب من اخطائها لم تزيده سوى نفورا واستكبارا، فيستمر بمكره وتصرفاته القديمة وكأنه لم ير ولم يتعلم شيئا. فلا يكون له إلا أن يحيط مكره السئ إلا به.. عندما اجالس قوما وأجدهم في غيهم ومكرهم ما زالوا وكأنهم في بلدهم قبل 50 سنة ولم تزدهم غربتهم إلا استكبارا، فأفهم أن استكبارهم ومكرهم السئ لن يحيط إلا بهم. وهؤلاء سيزداد مكرهم السئ لأن طريقتهم القديمة عليها أن تستمر ولكنها تحمل مهمة جديدة هو التحايل على الجو والبيئة الجديدة التي أتى بها "النذير".
Thursday, October 19, 2023
طريق واحد: أصبح عندي الآن بندقية شعر نزار قباني
طريق واحد
أريد بندقيه..
خاتم أمي بعته
من أجل بندقيه
محفظتي رهنتها
من أجل بندقيه..
اللغة التي بها درسنا
الكتب التي بها قرأنا..
قصائد الشعر التي حفظنا
ليست تساوي درهماً..
أمام بندقيه..
أصبح عندي الآن بندقيه..
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدليه
إلى القباب الخضر.. والحجارة النبيه
عشرون عاماً.. وأنا
أبحث عن أرضٍ وعن هويه
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
أبحث عن طفولتي..
وعن رفاق حارتي..
عن كتبي.. عن صوري..
عن كل ركنٍ دافئٍ.. وكل مزهريه..
أصبح عندي الآن بندقيه
إلى فلسطين خذوني معكم
يا أيها الرجال..
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أريد.. أن أنبت في ترابها
زيتونةً، أو حقل برتقال..
أو زهرةً شذيه
قولوا.. لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي.. صارت هي القضيه..
أصبح عندي الآن بندقيه..
أصبحت في قائمة الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنيه..
مشيئة الأقدار لا تردني
أنا الذي أغير الأقدار
يا أيها الثوار..
في القدس، في الخليل،
في بيسان، في الأغوار..
في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا..
تقدموا..
فقصة السلام مسرحيه..
والعدل مسرحيه..
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ
يمر من فوهة بندقيه..
( يوسف بن عبد القدوس ) المتوفى عام 776 وكل بيت فيها يعدل كتاباً من الحكم والنصائح ...
قصيدة من عيون الشعر العربي لأحد شعراء الدولة العباسية
Thursday, September 28, 2023
صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدوله العباسية
القصيدة التي لم يشتهر منها غير بيت واحد :
Monday, May 29, 2023
مفاهيم شائعة حقيقية، ولكن ليست مناسبة:
أُعرّف الثقافة لطلابي على أنها "طريقة الفرد في
التعامل مع معلومةٍ وصلته" وهذا التعريف حفرته منذ بضع سنين وساعدني على
رؤية الكثير من المشاكل والقضايا من زوايا أخرى أكثر إفادة لغرضي. تحت هذه التعريف
اقرأ بعض الجمل التي اعتاد المسلمون أن يرددوها، ومن هذه المقولات: "القابلية
للاستعمار" وهي كلمة حق قرأتها في السبعينيات عند المفكر الجزائري "مالك
بن نبي" رحمه الله. كما تبناها شيخنا السوري "جودت سعيد" ليُلبِسها
ثوب الـ
"لا عنف" رحمه الله. طبعا لا
أحد من الذين عالجوا هذه النقطة استطاع أن يضع استراتيجية لتطبيقها أو أن يجد حلا
لتغييب أو التعافي من "القابلية للاستعمار" كما ينبغي. ومن وضع خطة ما لم تثبت السنون بنجاعة تطبيقها. وأنا لن أوجه لها النقد هنا فهي أداة لا ذنب
لها. ولكن المشكل قائم في التفاعل بين
الأداة والواقع الثقافي القائم.
فمن تابع البسط الثقافي مع الوقت اكتشف أن في ثقافة العامة
في وطننا - ومن غير وعي حقيقي لمشكلة الثقافة - ستُستعمل هذه الجملة كثيرا إلى أن تُفرغ
من محتواها ـ فلن تُخرج المواطن العادي من وضعية: "الاستلاب الحضاري"
التي وضعها علينا الاستعمار والتي مع محتوى هذه المقولة تُفرّغ المجرم عن مسؤوليته
وهمجيته وجريمته. بالأحرى وجدت أن كثير من
المرددين لهذه الفكرة من العامة هم الأكثر استلابا أمام الغريب. وأبسط مثال نراه في تطبيقهم لمسألة الحجاب
عندما يخرجون للغرب. ففي حين نرى المسلمين
الذين درسوا مصطلح "القابلية للاستعمار" يقع من يدرسونه في صف أول من
تخلى عنه بـ"حجة" سفرهم للغرب. وهذه الخاطرة ليست في معرض مناقضة الحجاب
فمن يريد أن يبحث في هذا يمكننا أن نفعله في مكان آخر.
لذلك استعملُ هذه
المصطلحات بحذر كبير. فلو نظرنا لبلد
الجزائر في 1830 لحظة الاحتلال لها لرأينا الفرق الكبير في التقدم بينها وبين
مستعمرها (الفرنسي)، فقد كانت فرنسا غارقة بالدين والجزائر تمدها بالقمح وما شابهه،
ففي نفس الوقت كانت الجرذان تباع في أسواق باريس وكانت أسعارها تأتي بالجريدة كما
نتكلم اليوم عن الأسهم في البورصة. فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: ما الذي
جعل آكل الجرذان الفرنسي يستعمر من أطعمه قمحا الجزائري ولقرون طويلة!
طبعا الإجابة على مثل هذا السؤال ستدور في صميم الثقافة المعتدية
وليست في الثقافة المسالمة. وبذلك نرى أن الطرح كان في صميم منطق العنف، ولكنه يرتدي
ثوب السلمية الزائف إن علِم صاحبها أم لم يعلَمِ. فمهما تكون المعالجات اليوم رغم
القناعة بأننا علينا التخلص من "القابلية للاستعمار" ولكن العمل الحقيقي
هو العمل الذي يستطيع أن يردع منطق العنف عند المستعمر. فالسؤال كما يقترح نفسه في
مصطلح "القابلية للاستعمار" يضع مسؤولية المرض على المريض وليس على الوباء،
وعلى الضحية وليس على المجرم، وكذلك "كما تكونوا يُول عليكم" فهذه
الرسائل التي يظن أصحابها أنهم يبحثون عن رفع المسلمَ وأداءَه، يضعهم هذا المصطلح
بالدعس على الضحية التي يريدون رفعها. فإن أردت أن تنقذ أحدا من منطق قوانين
الغابة التي تسحقه لا يمكنك أن تعتمد هذه القوانين نفسها إلا إذا توفر عندك شعبا
آخر ليسحقه مريضك كما سحقه المستعمر. فمقاومة هذا المنطق سينهي بك لتقع ضحية ما
تقاومه.
لقد طرحت هنا مولّدا للأسئلة أكثر من مجيبا عليها وقد
نتمكن في المناقشة الإجابة على بعضها إن وجدت الرغبة.
محي الدين قصار
شيكاغو 5/29/2023
Wednesday, December 14, 2022
كذبة كبيرة استطاعت أوربا أن تقنع العالم أن مهاجريها أتوا "سباحة".
في الثمانينات كان لدي صديقتين اختين
من أبوين من المغرب، ولدتا في فرنسا، يسكن أهلهما بالمساكن الشعبية الفقيرة HLM الغيتو العمالي. كانتا تدرسان القانون لتصبحا
محاميتين. وكانتا الأجنبيتين الوحيدتين في
كلية الحقوق. وكلما قدمتهما لصديق فرنسي
ترى مباشرة ردة الفعل السلبة، والجيد منهم من يثير تعجبه وجودهما في كلية الحقوق.
فهل منكم من يعلم هذا الشعور عندما تجد نفسك أن "وطنك" ينبذك. نحن في
سوريا نجد شعورا جزئيا من هذا عندما نتعامل مغ نصيري من جماعة النظام، فيشعرك أنه
لا وجود لك في هذا البلد. اضرب هذه الشعور
السلبي بعشرة اضاق مضاعفة لتدرك شعور المهاجر أو ابنه في اوربا.
فمن لم يغترب لم
يعلم قيمة نجاح أبناء المغتربين ولا سيما المسلمين منهم في أوربا، فما نراه اليوم من توفيق لهؤلاء الأبطال لم يأتِ من فراغ،
بل من تضحيات آبائهم وسباحتهم ضد تيار مجتمع أُحادي الثقافة. هذه الثقافة تكيدُ العداء
و العنصرية وكراهية للمهاجر ولا سيما المسلم منهم . هذا العداء "عينّي"
لا يمكن التخلص منه. برغم كل الجهود وحسن نية الطيبين من أهل البلد هذا العداء كان
هو المصيطر. ولا يمكن أن يهرب منه أبناء
المهاجرين. فهم يرونه في كل مكان من
المدرسة إلى السوق إلى الجامعة. فإن
جاهدوا للنجاح يستفزهم أهل البلد ويحبطهم، وإن نجحوا يستكثر اهل البلد هذا النجاح
عليهم.
من أين أتى المهاجرين؟
كذبة كبيرة استطاعت
أوربا أن تقنع العالم أن مهاجريها أتوا "سباحة". بعد
الاستقلال السياسي الظاهري لأفريقيا، كانت أوربا ولا سيما فرنسا في حاجة مستعمراتها
ولا سيما حاجة يد العاملة الرخيصة في افريقيا.
فكانت ترسل فرق معها طبيب صحة إلى القرى الأفريقية وتعرض على الناس الهجرة،
فمن كان عنده الرغبة ووجد الفريق انه مناسب ووجد الطبيب أن صحته جيدة للعمل فمنح
حق العمل (لاحق الهجرة) عندما وصل إلى فرنسا، أخذ موقعه على خط الإنتاج. في ذلك الوقت لم تبذل فرنسا أي جهد لتأهيلهم حتى
لتعليمهم الفرنسية حقيقة. أُسكن هؤلاء
العمال في تجمعات سُميت فيما بعد "فويه سوناكاترا"
Société nationale
de construction de logement de travailleurs
التي تأسست عام 1956 من قبل وزارة الداخلية
الفرنسية. رغم أن هذه التجمعات السكنية
رخيصة بسب المساعدة الحكومية، ولكنها أبعد ما يكون عن العيش الفعال لمساعدة العمال
على التأقلم. فأحسن ما تراه في الغرفة
أنها تتألف من سرير ومغسلة وكرسي وطاولة، إن مددت ذراعيك إلى أقصاها فستلمس
الحائطين، وكل جناح (عدد من الغرف) يشترك بحمامات جميلة نظيفة وتوفر الماء الساخن
للجميع. ويشارك الجناح بمطبخ وبراد ومكان
للطعام.
هكذا تدور حياة هؤلاء المهاجرين في
المعمل والغرفة بانتظار الصيف ليملأ المهاجر سيارته بما يحتاج أهله في البلاد
ويذهب لهم ليمضي عطلة الصيف معهم. كثير من هؤلاء المهاجرين الأوائل لم يتأقلموا
بداية مع المجتمع الفرنسي ولم يتطوروا مع مجتمعاتهم الأم. ومن يهاجر كما هاجرتُ يعلم أن المهاجرين لا يعلموا
أهلهم بمشقاتهم وبلاوي الحياة في الغرب. وأعتقد أن هذه القضية هي التي ساهمت في
رسم الصورة الخيالية في مخيلة الناس في الجنوب عن الحياة "المخملية" التي
يعيشها ابناءهم في الشمال. مع
الوقت أنشئت تجمعات مشابهة، ولكن على شكل شقق يمكن للعائلة أن تسكنها
سميت HLM هي أقرب لصناديق اسمنتية من أي شي آخر.
علينا الاعتراف بأن هذه الأوضاع
تحسنت عبر الوقت بالنسبة للمهاجر، ولكن الجهد المبذول في هذه البلاد لاستيعاب المهاجر
ثقافيا وتأمين حضور ثقافي له كان محدودا ولم تستطع فرنسا أن تدرك الفرق الثقافي
ولاسيما مع المسلمين إلا مع بداية القرن الواحد والعشرين. وحتى هذا الإدراك لثقافة المهاجر لم تكن
حيادية، فأرادت أن ترى هذه الثقافة من جهة نظر سلطة تدخلية في حياة المهاجر دون نظير
لها للتدخلات في حياة غير المهاجر. فما
زالت فرنسا متأخرة عن كثير من الدول الأوربية الأخرى باعتبار المهاجرين كثروة
وطنية، فعوضا عن تحييدهم تحتاج أن تقر بأنهم عماد للصناعة والتقدم الفرنسي. أما معاركها التي تفتحها معهم من فترة لأخرى
فلن تفيدها شيئا.
وقد استطاعت فرنسا أن تخدع نفسها
باعتقادها أن معركتها مع مترين من القماش يُدعى "الحجاب" ولكن في
الحقيقة هذا الوهم تعتبر خط الدفاع الفرنسي الأخير، فالثقافة الفرنسية لم يبق لها
من معابد إلا المنشأة الاقتصادية الفرنسية (الشركات) ومن هنا فإن هذه الشركات
تخترق يوميا بجيل جديد من الأبناء المهاجرين نراهم في كثير من مواقع الإنتاج
ويتزايدون بسرعة في مواقع القرار الاقتصادي.
ومن الواضح أن فرنسا كعادتها تريد أن تخفي الشمس بغربال، فحربها تهدف ان لا
يأتي يوما ترى فيه نساء المهاجرين في مواقع قراراتها بحجاباتهن. فتتناسى أنها هي التي دعت آباءهم وأجدادهم لناء
الاقتصاد الفرنسي، فتتساهل معهم عندما كانوا نساء ورجالا يعملوا بتنظيف
المعامل، أما إدارتها وقيادتها فلا. فهذه
لن تكون إلا محاولة لتأخير المحتوم.
اليوم فريق فرنسا والمغرب سيلتقيان
في تصفيات كاس للعالم. كسوري أمريكي مسلم أعلم
الصعوبات والجهود التي بذلها دمبلي أو حكيمي ليصلا إلى ما وصلا له. وانتصار أي منهما
هو انتصار لنا أجمعين.
محي الدين قصار
شيكاغوا 12/14/2022
نصف ساعة قبل المباراة
Wednesday, September 07, 2022
انتصار سوريا اليتيم بأيد غير سورية:
انتصار سوريا اليتيم بأيد غير سورية:
مر الانتصار السياسي الوحيد لسوريا الثورة دون أن ينتبه له أحد، فلا أحد من
النظام ولا من المعارضة العصماء ولا من جيش الدورجية "الأبرياء" ادرك
عمق ومعنى هذا الانتصار. فقد حققت تركيا لنا هذا الانتصار المتمثل باتفاق أكبر
ثلاث دول معنية (روسيا وتركيا وإيران) على "وحدة الأراضي السورية" وهذه هي
الوثيقة الوحيدة خلال السنوات الخمس الماضيات التي تعترف أنه لا اتفاق ولا حلول مقبولة
ما لم تكون "سورية" وحدة سياسية واحدة.
وهذه إرادة سياسية تركيا ونهج تركي من ثوابت السياسة الخارجية التركية على
مدى عشرين سنة الماضيات. وهذه النقطة تقف في حلق كل من له علاقة بسورية من دول
الكبرى. ولا نستطيع أن نقول إن هناك فضلا
لأي من القوى الثورجية أو الثورية أو المعارضة في هذه القضية. فالإنجاز بذاته تركيٌ بحت، استطاع الأتراك
بحنكتهم أن يحشروه في حلق الروس والإيرانيين.
طبعا الأتراك لهم مصلحة قومية كبرى بهذا الإنجاز فوحدة الأراضي السورية
تعني استقرارا في تركيا. وهو انجاز يخرج
معارضا لكل المطلوب دوليا.
فالولايات المتحدة تكلمت مرارا عن ضرورة انتقال المعارضة السورية إلى الغرب
بعيدا عن تركيا، فبرأيها أن تركيا تترك أثرا غير إيجابي على مواقف المعارضة. ولكن امريكا
تخفي حقيقة في ذهن مخططيها مفادها أن الحل في سورية قد يكون شبيها بالحل في
العراق. وأن سورية مقسمة بين العرب والأكراد والعلويين/الشيعة هو الحل الأمثل الذي
يضمن استقرار نسبي، ويحول الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع "خفيف
الكثافة" مما يضمن قدرة أمريكية على استمرار التعامل معها دون الخروج عن السيطرة.
طبعا هذه الرؤية تناسب جزئيا كل من النظام الإيراني والروسي. ففي حال التقسيم سيخرج كل منهم بعميل محلي يخدم
مصالحه ولو كان يدور في فلك القوى الأخرى.
بل منذ 2016 تُسوَّق فكرة أن كل دولة تقوم بإعادة بناء قسم من سوريا، وقد
سوقت له روسيا بشكل رئيسي على أمل أن تستطيع أن تلتف هي وإيران على الحظر الغربي على
أموال إعادة البناء. ولكنه فشل هذا التسويق
بحكمة التعامل التركي الألماني وثبات قدم العربية السعودية في هذا المجال.
من هنا يأتي الاتفاق التركي الثلاثي كنصر لسوريا الثورة ولمخلصيها في الوقت
التي اضطرت لقبوله قوى الاحتلال على كراهية بعد أن عجزت عن إفشاله. ومن هنا نجد أن جيش من الدورجية هب لمعارضة هذا الاتفاق
بهذه الحِدّة، فالاتفاق وضع إطارا يخلق العثرات في طريق التقسيم الذي تسعى له القوى
الكردية الانفصالية، ولا يناسب فسد وخواتها التي تأتمر بالأمريكي فلا بد لها من الوقوف
ضد هذا الاتفاق، أما الطرف الثالث فهم حثالات الثورة ومدعي زعامة الجيش الحر المتأخرين
الذين باعوا انفسهم للأمريكي وشاركوا معه في الهجوم على عين العرب والرقة ولو كانت
مشاركة اسمية. فقد اكتشفنا (الأمريكيون)
ان هؤلاء "الضباط" لا يمتون للعمل العسكري بصلة ولا يحملون من صفة الضابط
إلا اسمه. ولم نستطع أن نستعملهم إلا إعلاميا
حسب تعبير أحد كبار الضباط الأمريكيين. ويستمر استعمالهم على هذا الأساس.
سواء كان من وقف ضد هذا الاتفاق من هؤلاء أو هؤلاء، فالأحداث "الإعلامية"
التي تلتها تؤكد بأن الثورجية-الدورجية لا يدركون الفرق بين الموقف السياسي
والتصريح السياسي. ولا يدركون من مصلحة
الوطن شروى نقير، والأهم من كل هذا أن سورية مازالت تحكمها العقلية "دون
الوطنية" فالرؤى المسيطرة على الجماهير ما زالت رؤى مناطقية وعشائرية بل وعائلية. وأن هذه الرؤى لم تبق حبيسة في الأرض السورية،
بل انتقلت مع المهجرين إلى مغترباتهم، فمازال عامة القوم، اللهم إلا اللم، لم
يتعلموا في مغاربهم أي شي جديد عن معنى الوطنية أبعد من معاني العشائرية ومصالحهم
الضيقة.
محي الدين قصار
شيكاغو 7/7/2022